مُلخَّص
"تامر" طبيب أردني. كطبيب له عيادته الخاصة، كان يكسب أكثر من 4 آلاف دولار أمريكي شهريا، وهو ما يزيد كثيرا على متوسط الدخل للفرد الأردني. كان سعيدا بزواجه ولديه ابنة، ويمتلك سيارة ومنزلا. حياة نموذجية لعائلة من الطبقة الوسطى في الأردن. قبل بضع سنوات، أصبح لدى تامر هشاشة العظام. منعه المرض من العمل، ونتيجة لذلك لم يتمكن من سداد أقساط قرض السيارة ورهْنِ عيادته. استخدم مدخراته التي جمعها على مدار أكثر من عقدين في محاولة لتغطية بعض أقساط القرض، وغادر الأردن لتلقي العلاج.
بعد عام، اكتشف تامر أن دائنيه تقدموا بشكوى ضده، وحكمت عليه محكمة غيابيا بالسجن لشهور. لتجنب السجن، لم يعد تامر إلى الأردن. لم يتحدث إلى ابنته منذ عام ونصف، وفي 2018 طلبت زوجته الطلاق، متعللة بالأوضاع المالية.
قصة تامر هي قصة عشرات آلاف الأردنيين الذين يقترضون، وبعد ذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، لا يتمكنون من سداد الديون. مع استمرار تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة، يجد العديد من الأردنيين أنفسهم بحاجة إلى اقتراض المزيد من الأموال لتوفير الغذاء، والمأوى، والاحتياجات الأساسية الأخرى. كثير منهم، على سبيل المثال، يسددون الفواتير ببطاقات الائتمان المصرفية بمعدلات فائدة مرتفعة، أو يقترضون لدفع الرسوم المدرسية. يعتمد العديد من الأشخاص، وخاصة أولئك الذين لديهم سجل ائتماني ضعيف أو دخل محدود، على المقرضين غير الرسميين وغير المنظمين كمصدر للنقد، أو لديهم ببساطة أكوام من الفواتير غير المدفوعة، مثل الماء والكهرباء، أو ديون في محلات البقالة، أو للرعاية الصحية، ما يغرقهم في الدين. في غياب شبكة أمان اجتماعي مناسبة، اتجه الأردنيون نحو الاستدانة لسد الفجوات. بينما يواجه الناس في جميع أنحاء العالم مشاكل مماثلة، يواجه الأردنيون عواقب وخيمة بشكل خاص: يمكن أن يُسجنوا بسبب عدم دفع الديون.
الأردن من البلدان القليلة في العالم التي ما تزال تسمح بالسَّجن بسبب الديون. عدم سداد الديون، حتى ولو كانت ضئيلة، يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 90 يوما لكل دين، وما يصل إلى عام واحد للشيك المرتجع؛ غالبا ما تحكم المحاكم على الأشخاص دون عقد جلسة استماع. لا يراعي القانون نقص الدخل أو عوامل أخرى تعيق قدرة المقترضين على السداد، ويبقى الدين حتى بعد قضاء الحكم بالسجن. يواجه أكثر من ربع مليون أردني شكاوى بسبب عدم سداد الديون، وتم حبس 2,630 شخص تقريبا، أي حوالي 16% من نزلاء السجون في الأردن، بسبب القروض غير المسددة أو شيكات مرتجعة في 2019.
زادت التطورات الأخيرة من الحاجة الملحة إلى إصلاح معاملة الأردن القاسية للأشخاص غير القادرين على سداد ديونهم. أولا، أجبر الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، إلى جانب شبكة الأمان الاجتماعي ذات النواقص الفادحة، آلاف العائلات على اقتراض المال لدفع ثمن الطعام، والإيجار، والنفقات الطبية، وغيرها من ضروريات الحياة. بحلول نهاية 2019، بلغ متوسط نسبة الدين لكل أسرة 43% من دخل الأسرة.
لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي سببها تفشي فيروس كورونا زادت الأوضاع سوءا.
العامل الثاني هو القروض غير المنظمة التي تسمح بالانتهاكات. يمكن شراء سند أمر (كمبيالة) ببضعة قروش (أقل من دولار أمريكي) من متجر أو يُكتب بخط اليد. تعتبر الكمبيالة عقدا قابلا للتنفيذ في المحاكم الأردنية، يمكن أن يؤدي إلى سجن المدين بدون أن يمثل أمام قاضٍ. في حين أن البنك المركزي يضع حدا أقصى لأسعار الفائدة عند 25%، فإن المقرضين غير الرسميين لا يخضعون لهذا الحد ويتقاضون ما يصل إلى 50%.
استثمر "البنك الدولي" ومؤسسات مالية أخرى بقوة في التمويل الأصغر في الأردن، إذ دافعت هذه الجهات عن سهولة الحصول على المال كأداة للتمكين الاقتصادي والحد من الفقر. تقول هذه المؤسسات إنها تستهدف النساء لأنهن فئة مهمشة اقتصاديا. ومع ذلك، بسبب التصميم والتنفيذ الخاطئين، جعلت بعض هذه القروض الصغيرة النساء أكثر عرضة للسجن بسبب الديون.
مع انتشار مؤسسات التمويل الأصغر، أصبح المزيد من الناس، والنساء على وجه الخصوص، يتمتعون بإمكانية الحصول على الأموال، لكن غياب القدرة على التنظيم والرقابة يُترجم أحيانا إلى ممارسات مسيئة بما في ذلك في بعض مؤسسات التمويل الأصغر. فأولئك الذين حصلوا على قروض يدفعون في كثير من الأحيان فوائد مرتفعة للغاية، ما يجعلهم في حالة عجز. في حين أن بعض المؤسسات الأكبر حجما التي تقدم التمويل الأصغر قد تعهدت بحماية المستفيدين، فإن معظمها لا يفعل شيئا يُذكر للتأكد من وضع المقترضين ومشاريعهم قبل منحهم القروض.
علاوة على ذلك، فإن العديد من مؤسسات التمويل الأصغر تتجنب الخضوع للتنظيم من قبل البنك المركزي، ما يسمح للمؤسسات بفرض فائدة تصل إلى 50%. وهو ضعف متوسط المعدل العالمي، وفق تحليل لألفَي مؤسسة للتمويل الأصغر تقريبا في 109 دولة، والذي وجد أيضا أن معدلات الفائدة المرتفعة هي سبب رئيسي يجعل مؤسسات التمويل الأصغر غير ملائمة لتكون وسائل لتخفيف حدة الفقر، وأن النساء يدفعن في المتوسط معدلات أعلى مقارنة بالرجال. وبينما تهدف القروض إلى تمويل مشاريع ريادة الأعمال، يتحمل المقترضون عموما المسؤولية الشخصية، ما يحرمهم من إمكانية إعلان الإفلاس نظرا لغياب قانون فاعل للإفلاس الشخصي في الأردن.
نتيجة لذلك، فإن النساء معرضات بشكل خاص للسَّجن بسبب الديون، ما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الجندرية التي كان المقصود بالتمويل الصغير تحسينها. في الأردن، هناك حوالي 9 آلاف امرأة مطلوبة لعدم سداد ديون لا تتجاوز 1,400 دولار للدين الواحد، وفقا لدراسة أجرتها "مؤسسة كونراد أديناور" في يناير/كانون الثاني 2020.
في حين أن بعض الحالات الموثقة في هذا التقرير تتعلق بمؤسسات التمويل الأصغر المسجلة والمنظمة، فإن معظم الحالات تتعلق بالمعاملات في القطاع المالي غير الرسمي. وهذا يشمل أي معاملات تمويلية تجريها جهات غير مرخصة كمؤسسات مالية من قبل البنك المركزي الأردني أو أي هيئة تنظيمية أخرى، وبالتالي فهي لا تخضع للرقابة، وتضم العائلات، والأصدقاء، وشركاء الأعمال، وتجار التجزئة الذين يبيعون بالدين، والمقرضين بمن فيهم أولئك الذين يستخدمون أساليب غير قانونية.
بالنظر إلى الطبيعة غير الرسمية لهذه المعاملات، من الصعب التأكد من عدد القروض النشطة أو إجمالي مبلغ الدين في القطاع المالي غير الرسمي. أشار "المجلس القضائي الأردني"، وهو أعلى هيئة قضائية مسؤولة عن الرقابة على القضاء، إلى وجود 143 ألف قضية قضائية مالية مسجلة في 2019 في مختلف أنحاء البلاد. بحسب دراسة من العام 2020 أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، فإن عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم زاد عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4,352 في 2015 إلى 43,624 في 2019. في أغسطس/آب 2020. أحصت "وكالة الأنباء الأردنية" الرسمية أكثر من 3 آلاف إشعار للمقترضين المطلوبين الذين يُزعم أنهم تخلفوا عن سداد ديونهم بين 30 يونيو/حزيران و23 يوليو/تموز فقط. "الجمعية الوطنية لرعاية نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل الخيرية"، وهي منظمة إنسانية تقدم الدعم المالي لتمكين المقترضين الذين تخلفوا عن الدفع من تجنب السجن، تقدر عدد مثل هذه القروض غير الرسمية بعشرات الآلاف، بناء على عدد الطلبات التي تتلقاها سنويا. المحامون الذين يقدمون المساعدة القانونية للمقترضين المعوزين المعرضين لخطر السجن يقدرون أيضا الأعداد بعشرات الآلاف. قال العديد ممن تخلفوا عن سداد ديونهم الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إن العشرات في قراهم أو مجتمعاتهم يعانون من نفس المشاكل. في حالات عدة، كان العديد من أفراد الأسرة المباشرين مثقلين بالديون ويواجهون خطر السجن في الوقت نفسه.
يعود سبب الانتشار الواسع لهذه القروض إلى التساهل في التعليمات والرقابة والإنفاذ فيما يتعلق بأدوات الدين، والكمبيالات هي الأكثر إشكالية.
بموجب القانون الأردني، يمكن لأي فرد، سواء كان مرخصا أم لا، استخدام الكمبيالة لإقراض المال – ورقة تحدد مبلغ القرض وتاريخ السداد والفائدة وتوقيع المقترض والدائن. يمكن العثور على نموذج لهذه السندات تقريبا في أي محل قرطاسية في الأردن. يُفترض عادة أن هذه السندات صالحة في المحاكم ويصعب الطعن فيها عمليا.
سهولة الاقتراض باستخدام الكمبيالة في الأردن يقابلها القسوة التي يتعامل بها القانون مع الأفراد الذين لا يسددون ديونهم. بموجب المادة 22 من "قانون التنفيذ الأردني"، يمكن للدائنين أن يطلبوا سجن المقترضين إذا لم يسددوا ديونهم. تشكّل الكمبيالات أداة ثبوتيه في المحاكم الأردنية، ما يعني أنه يمكن للقضاة أن يأمروا بحبس المقترض بناء على وجود السند وحده، دون حتى رؤية المقترض أو منحه عمليا فرصة للطعن في الدين أو تقديم بيّنة دفاع، ما يقوض الحق في الإجراءات القانونية الواجبة. في جميع القضايا التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش تقريبا والتي أدت إلى السجن، بطلب من الدائنين، اختار القضاة السجن كعقوبة على الرغم من توفر البدائل، مثل حظر السفر، وتجميد الأصول غير الأساسية، أو الاقتطاع من الأجور.
بموجب القانون، لا يؤدي الحبس إلى حل الدين، ويمكن للدائن أن يطلب تجديد حبس الشخص لنفس الدين غير المسدد في العام التالي. إذا كان على الفرد أربع كمبيالات غير مدفوعة، فقد يُحتجز عاما كاملا. إذا لم يسدد المقترض الكمبيالات بعد ذلك، فيمكنه أن يواجه الحبس لفترة أطول لكل كمبيالة، ما يؤدي إلى دورة من السجن لا تنتهي إلا عندما يتمكن المدين من إثبات سداد جميع الديون.
ألغت معظم دول العالم خارج الشرق الأوسط عقوبة حبس المدين، ليس لأنها قاسية للغاية وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل لأنها أيضا لا تؤدي إلى السداد. بدلا من ذلك، يستهدف حبس المدين أولئك الذين ليس لديهم القدرة على السداد، ويساهم في خلق دورات من الديون لا نهاية لها. يمنع الحبس الفرد من كسب دخل أو إيجاد وسيلة لسداد الدين. قال جميع المقترضين الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير إنهم لم يكونوا يملكون المال لسداد ديونهم عندما تم القبض عليهم أو توجيه التهم إليهم، وإن سجنهم زاد من سوء أوضاعهم. قال كثيرون إنهم اضطروا لبيع أثاث المنزل أو الحصول على قروض إضافية لتجنب السجن. قال آخرون إنهم طلبوا من أقاربهم أو أصدقائهم الاقتراض لسداد قروضهم، فعلق هؤلاء كذلك في الديون.
السجن بسبب الديون أو التهديد بالسجن له تأثير مدمر على دائرة واسعة من الأفراد المتضررين منه. بالنسبة لأرباب الأسر، فإن السجن لعدم سداد القرض سيؤثر على الأسرة بأكملها، ما يحرم الأسر من وسائل لتأمين الضروريات الأساسية، ويخلق مزيدا من الضغط الاجتماعي عليهم وعلى الدولة. قال كل من قابلناهم تقريبا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم خسروا وظائفهم وقدرتهم على إعالة أسرهم نتيجة سجنهم أو كونهم مدينين. في بعض الحالات، غادر الأشخاص البلد لتجنب التعرض للسجن، تاركين وراءهم زوجاتهم وعائلاتهم لتغطية نفقاتهم.
يحظر "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادق عليه الأردن، سجن أي شخص بسبب عدم وفائه بالتزام تعاقدي. سجن المدين هي عقوبة تمس أيضا بالتزامات الأردن بموجب القانون الدولي بضمان أن يتمكّن المواطنون والمقيمون من تحقيق مستوى معيشي كاف، والذي وفقا لـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" يوفر "ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، و]يضمن حق الفرد[ في تحسين متواصل لظروفه المعيشية". في حين أن خلق الديون وإنفاذها لا يتعارضان بشكل مباشر مع هذا الالتزام، إلا أن الأدلة تظهر أن حبس المدين له عواقب ضارة على قدرة العديد من المدينين على تأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية لأنفسهم أو لأسرهم مثل الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية. قد تكون إمكانية الاستدانة السهلة ضرورية في بعض الظروف، إلا أن القروض ينبغي ألا تكون بديلا لواجبات الدولة المتمثلة في تأمين أجور معيشية كافية، والضمان الاجتماعي، والدخل الأساسي، من بين ضروريات أخرى.
إلغاء حبس المدين في الأردن مسألة مثيرة للجدل. يزعم الدائنون ومحاموهم أنه بدون التهديد بحبس المدين لن تكون هناك طريقة لاسترداد القروض. لكن أبحاث هيومن رايتس ووتش في الأردن تظهر أن حبس المدين هو أحد أقل الطرق فعالية لاسترداد الديون، لا سيما من الأفراد المعوزين، وهو ما يتفق مع مجموعة كبيرة من الأبحاث العالمية التي أجراها البنك الدولي والمؤسسات المالية الأوروبية. كما أنه لا يعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي تؤدي إلى استدانة هؤلاء الأفراد في المقام الأول. لا يضمن الأردن مستوى معيشي لائق لمواطنيه وسكانه وليس لديه نظام فعال للضمان الاجتماعي.
كما أن حبس المدين يزيد العبء الذي تواجهه السلطات الأردنية. عن كل شخص يحتجز بسبب عدم سداده الدين أو بسبب شيك مرتجع، تدفع الحكومة الأردنية شهريا 750 دينار )1,057 دولار أمريكي(، بحسب دراسة لـ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في 2020. بالإضافة إلى الضغوط التي يسببها الحبس على السجون والمحاكم المكتظة والتي تنقصها الموارد، فإن بعض العائلات التي يُسجن أربابها تصبح معتمدة على المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة، والتي غالبا ما تكون غير كافية وتسودها الفجوات.
كانت محاولات الحكومات الأردنية المتعاقبة لمعالجة هذه المشكلة المنهجية مشتتة وغير فعالة. بدلا من ذلك، قام أفراد من العائلة المالكة والمجتمع المدني والأفراد بمبادرات عديدة على مر السنين لسداد ديون السجناء. ففي 2019، غطى الملك عبد الله الثاني بنفسه ديون 1,500 امرأة سجينة وناشد الأردنيين جمع الأموال لتغطية ديون الآخرين. جمعت الحملة 10 ملايين دولار تقريبا. كانت هذه واحدة من عدة حملات مختلفة يقوم بها نشطاء وأقارب بشكل شبه سنوي. كما يعتبر سداد ديون الرجال والنساء جزءا من الزكاة، وهي ضريبة يدفعها المسلمون للأعمال الخيرية سنويا. على الرغم من ذلك، أقر موظف في إحدى المؤسسات التي تسدد ديون المقترضين المعوزين بأنها لا تحل جذر المشكلة: "نعلم أن هذا الأمر غير مستدام. نسدد الدين مرة، وفي اليوم التالي يقترض نفس الشخص قرضا آخر لدفع إيجاره أو شراء شيء ليبيعه".
ألغت تقريبا جميع البلدان الأخرى خارج الشرق الأوسط الحبس للمدين. وقد نفذ بعضها إجراءات الإفلاس للأفراد وبرامج لإعادة هيكلة الديون تحفز المقترضين على أن يكونوا أكثر إنتاجية ويسددوا قروضهم، ما يقلل العبء على المجتمع ككل. مثل هذه الإجراءات لا تعني التملص من المسؤولية، فالمحاكم تتمتع بصلاحية التمييز بين أولئك الذين لا يستطيعون الدفع والذين لا يرغبون في الدفع، ومعاملة أولئك الذين يرتكبون الاحتيال وفقا لذلك.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، وهو مركز سياسات له صلات بالحكومة، أوصى في دراسة عام 2020 بشأن حبس المدين والإنهاء التدريجي لهذه الممارسة بالبدء بتمديد فترة إشعار السداد من 15 يوما إلى 3-5 سنوات، وخفض الدفعة الأولى المطلوبة إلى 15% كما كان الوضع بموجب قانون التنفيذ الأردني السابق. وتقوم مجموعة عمل برعاية وزارة العدل حاليا بمراجعة التوصيات وستقدم توصياتها الخاصة إلى الحكومة والبرلمان.
ينبغي للأردن أيضا إلغاء المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني، التي تسمح بسجن المقترضين المتخلفين عن سداد ديونهم، وإصدار تشريع يسمح للأفراد بتقديم إقرار بالإعسار الشخصي عندما لا يتمكنون من سداد الديون بما يتماشى مع أفضل المعايير الدولية. كما ينبغي للمجلس القضائي الأردني أن يوجه السلطة القضائية المعنية بمطالبات الديون تقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينين وقدرتهم على السداد، والعمل مع الدائنين والمقترضين لوضع خطة سداد تستند إلى القدرة المالية للمقترض. بينما يسمح القانون بذلك نظريا، عمليا، لا يرى القضاء الشخص المدين ولا يعطيه توجيهات بشأن توفر هذا الإجراء أو أي وسيلة دفاع أخرى يمكنهم استخدامها. ينبغي للجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية تقديم المساعدة الفنية للأردن لتطوير إجراءات الإفلاس التي تسمح بتخفيف عبء الديون بشكل فعال وتمكين المقترض من أن يكون منتِجا اقتصاديا، بما يشمل المعايير التي تتطلب من السلطات المختصة تقييم قدرة الفرد على السداد. ينبغي للهيئات التي تمول مؤسسات التمويل الأصغر أن تضمن ألا تسعى هذه المؤسسات إلى سجن الأشخاص الذين يعجزون عن سداد دفعاتهم، وكذلك أن تضمن القدرة على المتابعة مع المقترضين لضمان خطط السداد التي تعكس قدرة الفرد على الدفع.
المنهجية
يستند التقرير إلى مقابلات مع 21 أردنيا في الأردن وخارجه تعثروا في سداد ديونهم، خمس منهم نساء؛ بالإضافة إلى مقابلات مع ثلاثة محامين أردنيين من ذوي الخبرة في قانون الإفلاس والإعسار الأردني؛ وثلاثة خبراء في المديونية ومجال التمويل الأصغر في الأردن؛ وعضو في منظمة إنسانية تدعم الناس في سداد ديونهم؛ وخبيرين ماليَّين عالميين في مجال الإعسار.
كما يستند التقرير إلى تحليل للقوانين، والممارسات، والسياسات الأردنية. وهو يعتمد على البيانات والتقارير العلنية المتعلقة بحبس المدين، فضلا عن البيانات المتاحة حول التوقعات الاقتصادية للأردن والمنح المقدمة من المؤسسات المالية الدولية الكبرى، بما فيها البنك الدولي و"صندوق النقد الدولي".
على الرغم من وجود إحصائيات عن المديونية والقروض السارية من القطاعين الماليَّين المصرفي وغير المصرفي، إلا أن هناك فجوة كبيرة في المعلومات المتاحة حول ممارسات الإقراض غير الرسمية ومدى انتشارها. طلبت هيومن رايتس ووتش إحصاءات محدثة من جهات حكومية عدة، ولم تتلق أي رد حتى الآن من أي منها باستثناء وزارة العدل، التي قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها غير قادرة على توفير هذه الإحصائيات بسبب صعوبات تتبعها إلكترونيا. استنادا إلى الإحصاءات المتوفرة من المجلس القضائي الأردني والأدلة غير الرسمية من المنظمات والأفراد الذين يقدمون الدعم المالي والقانوني للأشخاص المعوزين العاجزين عن سداد ديونهم، يبدو أن ممارسات الإقراض غير الرسمية والمديونية منتشرة – لا سيما في المجتمعات ذات المستوى الاجتماعي-الاقتصادي المتدني.
أجريت جميع المقابلات بالعربية أو الإنغليزية. شرحت هيومن رايتس ووتش الغرض من المقابلات لمن أجريت معهم المقابلات وحصلت على موافقتهم على استخدام المعلومات التي قدموها في هذا التقرير.
في بعض الحالات التي طلب فيها الأشخاص الذين تمت مقابلتهم عدم ذكر أسمائهم أو حيث قيّمنا أن تسميتهم من شأنها أن تهدد أمنهم أو قدرتهم على العمل في الأردن، لم نسمّيهم ولم نقدم معلومات تحدد هوياتهم.
في 4 فبراير/شباط، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى وزير العدل آنذاك بسام التلهوني تتضمن نتائج التقرير وطلبت معلومات بشأن عدد الأفراد المطلوبين والمحتجزين لعدم سداد الديون؛ والبدائل المتاحة لسجن المدين في القانون والممارسة؛ والتوجيهات للقضاة لاعتماد هذه البدائل وما إذا كانت وزارة العدل تقدم الدعم القانوني لأولئك غير القادرين على الحصول عليها في مثل هذه الحالات. تم إيراد الرسالة والرد بالكامل في الملحق 1، وترد أجزاء من الرد في الأقسام ذات الصلة من التقرير.
1. الخلفية
الأردن من البلدان القليلة في العالم التي لا تزال تسمح بحبس المدين.[1] أكثر من ربع مليون أردني مطلوب من قبل السلطات لعدم سداد ديون أو إصدار شيكات بدون رصيد.[2]
يرتبط عدد الأشخاص الذين اقترضوا ولم يتمكنوا من سداد الديون بالوضع الاقتصادي في الأردن. منذ تأسيسه كدولة مستقلة، عانى الأردن من تحديات اجتماعية واقتصادية مستمرة. فالنمو الاقتصادي بطيء، وتعتمد الدولة على التمويل الخارجي للحفاظ على ميزانيتها، حيث يبلغ الدين العام حاليا 96.6% من الناتج المحلي الإجمالي.[3] وتشير التقديرات الرسمية إلى أن معدل البطالة بلغ 23% في النصف الأول من 2020، مرتفعا عن المعدل البالغ 19.1% في 2019، على الأرجح بسبب تفشي فيروس "كورونا".[4]
أدى الوباء الناتج عن فيروس كورونا إلى تراجع الوضع الاقتصادي للبلاد. للمرة الأولى منذ عقود، يتوقع "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" أن ينكمش الاقتصاد الأردني. أدت سلسلة من فترات الإغلاق الكامل التي فرضتها الحكومة، إلى جانب تراجع الطلب والإيرادات لمعظم الشركات، إلى تقليص الأعمال وإغلاق الشركات، وما نتج عنه من خسارة في الوظائف والإيرادات. مع وجود أكثر من مليون شخص من بين سكان الأردن البالغ عددهم 10.1 مليون يعيشون تحت خط الفقر حتى قبل الوباء، أصبح المزيد غير قادرين الآن على تأمين الغذاء أو المأوى أو التعليم أو أي حقوق أخرى.[5]
تلقت الحكومة الأردنية حوالي 3.6 مليار دولار أمريكي كمساعدات وقروض من دول أخرى ومؤسسات مالية دولية في 2019.[6] في 26 مارس/آذار 2020، وافق صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار لمدة أربع سنوات، من أجل "دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي".[7] تحتوي العديد من المنح والقروض المقدمة إلى الأردن على مكونات تستهدف التمكين الاقتصادي للنساء والشباب، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أكثر من 90% من الشركات الأردنية،[8] بما في ذلك من خلال تسهيل الحصول على القروض.
بينما يروج الأردن لعدد من المبادرات التي تهدف إلى توفير شبكة أمان اجتماعي للمواطنين الأردنيين، مثل "صندوق المعونة الوطنية" و"برنامج عمال المياومة"، فإن هذه البرامج بها فجوات كبيرة وتواجه تحديات، منها التوزيع غير العادل للأموال والصعوبات التي تواجهها الأسر الأفقر في الحصول على المساعدة وعدم كفاية البرامج القائمة في تغطية الفقر المتفاقم.[9] استجابةً للضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، لجأ الأفراد إلى اقتراض الأموال لتغطية الفجوات الرئيسية.
يحدث الإقراض في الأردن في القطاعات المالية الرسمية، وشبه الرسمية، وغير الرسمية. البنوك هي المسؤولة عن معظم الإقراض الذي يحدث في قطاع الإقراض الرسمي، والذي يخضع للتنظيم الدقيق من قبل "البنك المركزي الأردني". يوجد 25 مصرفا مرخصا في الأردن. وفقا للبنك المركزي الأردني، بحلول نهاية 2019 ، بلغ إجمالي الديون من المؤسسات المصرفية وغير المصرفية المنظمة 11,243.8 مليون دينار أردني (حوالي 15,858.87 مليون دولار أمريكي).[10] يتألف القطاع المالي شبه الرسمي من المنظمات المجتمعية التي تقدم خدمات ائتمانية وتمويلية ولا تسوق نفسها كمؤسسات تمويل أصغر. هذه المنظمات لا تخضع لإشراف أو ترخيص البنك المركزي الأردني ولكن تخضع لإشراف وزارة الصناعة والتجارة، ويجب أن تعلن أن التمويل هو أحد أهداف أعمالها.
يشمل القطاع المالي غير الرسمي أي معاملات يتم إجراؤها من قبل مؤسسات أو جهات فاعلة غير مرخصة كمؤسسات تمويل من قبل البنك المركزي الأردني أو أي هيئة تنظيمية أخرى، وبالتالي فهي لا تخضع لأي رقابة أو ممارسات مراقبة من قبل أي هيئة تنظيمية.[11] تشمل هذه الجهات العائلات والأصدقاء وشركاء الأعمال وتجار التجزئة الذين يبيعون بالتقسيط (بفائدة أو بدون فوائد) والمقرضين العاديين أو الذين يفرضون أسعار فائدة مرتفعة للغاية ويستخدمون التهديد أو العنف لتحصيل الديون. على الرغم من كون جهات التمويل غير الرسمية غير مسجلة وغير منظمة، إلا أن سداد الديون لهذه الجهات يتم فرضه من قبل المحاكم، ما قد يكون له عواقب وخيمة على المقترضين المتخلفين عن السداد. علاوة على ذلك، نظرا للطبيعة غير المنظمة لهذه الكيانات، هناك نقص في المعلومات المتعلقة بحجم العمليات في هذا القطاع.
حتى وقت قريب جدا، كانت مؤسسات التمويل الأصغر بشكل أساسي جزءا من القطاعين الماليين شبه الرسمي وغير الرسمي. انطلق التمويل الأصغر في الأردن بداية التسعينيات، ولكنه تسارع في العقد الماضي، في أعقاب الاتجاه العالمي الذي دعا إلى تزويد الأفراد الذين لا يستطيعون الوصول إلى الائتمان من خلال البنوك بقروض صغيرة لبدء أعمالهم ومشاريعهم الخاصة كنموذج للتنمية من القاعدة إلى الأعلى، وأداة للتمكين الاقتصادي للمرأة. بعد أكثر من عقدين، هناك أكثر من 25 مؤسسة تمويل أصغر مسجلة في الأردن تعمل في جميع محافظات البلاد، وتستهدف في المقام الأول النساء والأفراد من خلفيات اجتماعية-اقتصادية متدنية في المناطق الريفية، الذين قد لا يتمكنون من الحصول على أدوات الإقراض الأخرى. هناك ثلاثة أنواع من مؤسسات التمويل الأصغر المسجلة – المؤسسات غير الهادفة للربح، والمؤسسات الربحية التي أسسها في الغالب البنوك، ومؤسسات التمويل الأصغر الخاصة بالأمم المتحدة، مثل "الأونروا". هناك أيضا العشرات من مؤسسات التمويل الأصغر غير المسجلة.
حتى منتصف عقد الألفين، كانت مؤسسات التمويل الأصغر تخضع لنظام تنظيمي مجزأ لم يوفر فعليا أي حماية للمقترضين. بصفتها كيانات مدمجة، تخضع مؤسسات التمويل الأصغر الهادفة للربح لإشراف وزارة التجارة والصناعة، ولكن لم تكن هناك قواعد محددة تحكم ممارسات الإقراض الأصغر. مؤسسات التمويل الأصغر المسجلة كشركات تابعة للبنوك تخضع للتنظيم من قبل البنك المركزي الأردني، بينما تخضع مؤسسات التمويل الأصغر غير الربحية لسلطة وزارة التنمية الاجتماعية. في 2014، أصدرت الحكومة "نظام 5 لسنة 2015"، والذي وحد الإطار التنظيمي من خلال منح البنك المركزي الأردني الإشراف على جميع مؤسسات التمويل الأصغر المسجلة.[12] وفقا لـ "حبر"، وهو موقع إعلامي استقصائي مستقل، لم يبدأ تنفيذ النظام إلا في 2018.[13] وفي نفس العام، أصدر البنك المركزي الأردني أيضا تعليمات لحماية المستهلكين في سياق التمويل الأصغر. في حين أن التعليمات تشترط الوضوح، والتحقق بدقة من الائتمان، والتأكد من أن العملاء ليسوا مثقلين بالديون، هناك غياب للتوجيه الملموس.[14]
أخيرا، شركة المعلومات الائتمانية الأولى والوحيدة في الأردن. تأسست "كريف الأردن" في 2015 وبدأت عملياتها رسميا في 2016.[15] وبينما تُلزَم البنوك بالانضمام إلى هذه الشركة، إلا أن خدمات الإقراض غير المصرفي غير ملزمة بذلك، وحتى أوائل 2019 لم تكن الشركة قادرة على إصدار تقارير منتظمة عن الأداء، ما يجعل من الصعب تقييم القدرة الائتمانية للأفراد وفرض قائمة سوداء.[16]
2. أسباب المديونية والتخلف عن الدفع
مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في الأردن والافتقار إلى شبكات الأمان الاجتماعي الفعالة وارتفاع كلفة المعيشة، لجأ المزيد من الناس إلى القروض لدفع الإيجار أو للحصول على الطعام أو الرعاية الصحية أو حتى للزواج.
قال ستة ممن قابلناهم للباحثين إنهم حصلوا في البداية على قروض ليتمكنوا من دفع الإيجار أو أقساط الدراسة أو الرعاية الصحية أو غيرها من الضروريات. أخذ رجل قرضا لدفع مصاريف تعليمه.[17] وصفت امرأة، عمرها 60 عاما وتعيش خارج عمّان، كيف دخلت في دائرة ديون أسفرت عن 17 شكوى معلقة بحقها بعد أن ترحلت عائلتها بسبب الجلوة، وهي ممارسة عشائرية ألغيت من القانون الأردني عام 1976، لكن لا تزال السلطات تستخدمها لإجبار أقارب شخص متهم بالقتل على الانتقال إلى مكان آخر لمنع الهجمات الانتقامية:[18]
خسرنا كل شيء – بيتنا، أغنامنا، كل شيء. كنا يائسين، ولم نتمكن من دفع الإيجار أو شراء الطعام أو أي شيء. ثم عرّفتني إحدى صديقاتي على أختها وزوجها. هم من المقرضين. كانت المرأة تقرضني نقودا، وعندما يحين الوقت للدفع، يقول زوجها، سأدفع لزوجتي نيابة عنك، لكن وقعي على هذه الورقة الإضافية [كمبيالة فارغة] من أجلي. فعلوا ذلك مرات عدة حتى أصبحت مديونة بمبلغ كبير وأنا أحاول تسديد الدين لهما.[19]
قالت امرأة لها طفلة لديها إعاقة سمعية إنها اقترضت لتتمكن من سداد الاحتياجات الأساسية بعد أن غادر زوجها المصري إلى مصر لتلقي العلاج من نوبة قلبية، لأن رسوم الرعاية الطبية لغير الأردنيين أعلى بكثير.[20] قالت إنها تقدمت بطلب للعديد من برامج الدعم الوطنية، بما في ذلك صندوق المعونة الوطنية ودعم عمال المياومة، لكن جميع طلباتها رُفضت. كما حصلت على قرض لسداد تكاليف جهاز المساعدة السمعية لابنتها، بما أن الحكومة لم تساعدها في لذلك.
أصبح 11 من أصل 21 من المقترضين المتخلفين عن السداد الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش مدينين بعد أن أدت بهم المصاعب الاقتصادية إلى خسارة أعمالهم أو دخلهم العادي، ما تسبب في تخلفهم عن سداد القروض التي حصلوا عليها لشراء سيارات أو منازل. في أربع من أصل 21 حالة، كتب الأشخاص شيكات لشركائهم في العمل على حساباتهم الشخصية كضمان للالتزامات المالية المستقبلية، على الرغم من أنهم لم يكن لديهم أموال كافية لتغطية مبلغ الشيك في ذلك الوقت، أو حصلوا على قروض لبدء مشاريع عمل فشلت لاحقا، ما أدى إلى التخلف عن السداد.[21] تستخدم الشيكات في الأردن كأداة ائتمان. قال اثنان لـ هيومن رايتس ووتش إنهما سددا ديونهما خارج المحكمة.[22] ولكن لم يفكرا في طلب إثبات للدفع، ما مكن الدائن من رفع دعوى في المحكمة كما لو أن الدين كان ما يزال مستحقا. وفقا لأحد المحامين المتخصصين في قضايا الديون، عادة لا يقدم المقرضون غير الرسميين إيصالا أو أي دليل مكتوب آخر على السداد، والعديد من المقترضين لا يطلبون سند قبض موثق، ما يجعل ذلك مشكلة متكررة.
قال جميع المقترضين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم لم يتمكنوا من سداد ديونهم بسبب الصعوبات الاقتصادية. قالت امرأة، حصلت على خمسة قروض من مؤسسات التمويل الأصغر التي تخدم النساء، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات تسعى لاحتجازها بعد أن تخلفت عن سداد دفعة لأن مكتبتها الصغيرة لم تحقق أي دخل على الإطلاق منذ تفشي فيروس كورونا.[23]
قال رجل آخر كان لديه مزرعة دواجن إن استبدال الدواجن بعد مرضها كان سيكلفه ربع مليون دينار أردني (352,613 دولار أمريكي). اضطر لإغلاق مزرعته وغادر إلى تركيا بعد أن تخلف عن سداد قروضه.[24]
3. الإشراف على ممارسات الإقراض
تكاثرت الديون في الأردن في السنوات الأخيرة. وفقا لـ"البنك المركزي" الأردني، بحلول نهاية 2019، بلغ إجمالي الديون من المؤسسات المصرفية وغير المصرفية المنظمة 11,243.8 مليون دينار أردني (15,858.87 مليون دولار أمريكي).[25] تمثل هذه الأرقام فقط القطاعات المالية الرسمية وشبه الرسمية، حيث يتولى البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية الأخرى مثل وزارة الصناعة والتجارة، الإشراف على المعاملات المالية ويمكنه تتبعها.[26]
في حين أن أربع حالات من تلك التي وثقتها "هيومن رايتس ووتش" تتعلق بمؤسسات للتمويل الأصغر مسجلة وخاضعة للتنظيم، فإن معظمها يتعلق بالمعاملات في القطاع المالي غير الرسمي. بالنظر إلى الطبيعة غير الرسمية لهذه المعاملات، لا توجد هيئة تنظيمية تسجل عدد القروض النشطة أو مبلغ الدين المستحق في القطاع المالي غير الرسمي. وفقا لـ "تنمية"، وهي منظمة أردنية غير ربحية تراقب مؤسسات التمويل الأصغر، فإن 71% من المقترضين الذين شملهم الاستطلاع قد شاركوا في الاقتراض غير الرسمي في الماضي.[27] أكثر أدوات الدين شيوعا المستخدمة في ممارسات الإقراض غير الرسمية هي سند الأمر (الكمبيالة)، يتبعها الشيكات.
الإقراض غير الرسمي من خلال الكمبيالات
يحدث الكثير من الإقراض غير الرسمي في الأردن من خلال سندات الأمر، أو ما يعرف بـ "الكمبيالات". استخدام الكمبيالات في الأردن واسع لسهولة إصدارها، حيث يمكن العثور على نموذج في أي متجر قرطاسية وشراؤه مقابل 15 قرشا (0.21 دولار أمريكي)، أو يمكن للفرد كتابة واحدة، طالما أنها موقّعة ومؤرخة ومعنونة على أنها كمبيالة.
بموجب القانون الأردني، تشكل الكمبيالات دليلا مباشرا على الدين، وبالتالي فهي كافية لتسفر عن شكاوى تؤدي في كثير من الأحيان إلى حبس المقترضين.[28]
تضمنت الغالبية – 16 من أصل 21 قضية حققت فيها هيومن رايتس ووتش – كمبيالات كأدوات دين أساسية. تم إصدارها من قبل الأفراد – بما في ذلك الأقارب المباشرون والجيران – ومحلات الأثاث والهواتف المحمولة، ومؤسسات التمويل الأصغر.
قبول الكمبيالات بسهولة في المحكمة كدليل على الدين سمح في بعض الأحيان بإساءة استخدام هذه الأدوات، لا سيما أنه لا توجد ضمانات في القانون أوالممارسة ضد إساءة استخدامها، إلا دفاع التزوير.
في إحدى الحالات، قبل قاضٍ كمبيالة فقط بناء على وجود توقيع، مع أن الاسم والعنوان والمعلومات الأخرى كانت خاطئة.[29] قال محام آخر إن العديدن من موكليه مروا بالمصاعب نفسها.[30]
في حالتين أخريين، سُجن أفراد بعد أن وقعوا على كمبيالة فارغة. ثم قام الدائن بكتابة المبلغ والتاريخ. في مثل هذه الحالات، غالبا ما يضاعف الدائن مبلغ القرض أو يصل إلى ثلاثة أضعافه ويحدد تاريخ تسوية قبل التاريخ المتفق عليه بكثير، وفقا لمحاميَيْن.[31] في حالتين أخريين، طُلب من الأفراد الذين لم يتمكنوا من سداد ديونهم أن يكفلوا أشخاصا لا يعرفونهم أو يوقعوا كمبيالات لهم بناء على طلب الدائن بدلا من السداد.[32]
كان لدى شخصين على الأقل شكاوى بناء على كمبيالات يصل عددها إلى 17.[33]
قابلت هيومن رايتس ووتش رجلا اقترض 13 ألف دينار أردني (18,335 دولار أمريكي) من صاحب العمل لتمويل مقهى إنترنت صغير يسمح له بإعالة والده المريض ومواصلة تعليمه. وقّع على كمبيالة بهذا المبلغ، لكن صاحب العمل قال لاحقا إنها غير صالحة وطلب منه التوقيع على كمبيالة أخرى بمبلغ أعلى قليلا (15 ألف دينار أردني). بعد أربع سنوات، قدم صاحب العمل إلى المحكمة الكمبيالتين وطلب من الرجل دفع المبلغ الإجمالي (28 ألف دينار أردني). لم يتمكن الرجل من سداد المبلغ بالكامل، وحكم عليه بالسجن 90 يوما. لتجنب السجن، هرب إلى تركيا.[34]
قروض مؤسسات التمويل الأصغر
بينما يبدو أن قطاع الإقراض غير الرسمي هو أساس ظاهرة التعثر والسجن، إلا أن القوانين والأحكام الناظمة في القطاعين الرسمي وشبه الرسمي تجعل من السهل الحصول على القروض والتخلف عن سدادها. حتى وإن كانت مسجلة ومنظمة، فإن بعض مؤسسات التمويل الأصغر التي تقدم قروضا دون رقابة حقيقية قد سهلت السجن من خلال المساهمة في خلق ديون لا يمكن سدادها.
في حين أن الوصول السهل إلى الائتمان قد يكون ضروريا في ظروف معينة، فإن القروض وسدادها ينبغي ألا تكون بديلا لواجبات الدولة المتمثلة في ضمان مستوى معيشي لائق للجميع، بما في ذلك من خلال توفير أجور المعيشة والضمان الاجتماعي والدخل الأساسي وغير ذلك. علاوة على ذلك، يجب ألا تكون الديون والقروض غير مستدامة أو تدفع بأي شخص إلى مستوى معيشي غير لائق. وهذا يعني أن الدولة مطالبة أيضا بالتأكد من أن الأحكام المتعلقة بالديون تضمن أن الدفعات مقدور عليها، وألا تكون أسعار الفائدة مرتفعة إلى درجة أن تؤثر على قدرة الفرد على بلوغ مستوى معيشي لائق.
بينما يحاول البنك المركزي الأردني تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر، قال أربعة خبراء على دراية بالمشكلة في الأردن لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض مؤسسات التمويل الأصغر المنظمة وغير المنظمة التي تدعي تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة قدمت قروضا بمعدلات فائدة بلغت 25%، ووصلت أحيانا إلى 50%، ولم تقيّم جدوى القروض.[35]
النظام رقم 5 لسنة 2015 هو اللائحة الرئيسية التي تحكم الإقراض وتنطبق على جميع المقرضين المسجلين. وهو يمكّن – على الرغم من أنه لا يشترط ذلك – البنك المركزي الأردني من تحديد الحدّين الأدنى والأقصى لأسعار الفائدة، ومعالجة قضايا تضارب المصالح، ومعاقبة المؤسسات التي لا تلتزم بالمعايير. كما يتطلب من مؤسسات التمويل الأصغر "معاملة العملاء بعدالة".[36] لكن الأمر الأكثر إشكالا، وفقا للمحامين والخبراء والمقترضين الذين تعثروا في السداد، أن عددا كبيرا من مؤسسات التمويل الأصغر غير مسجلة، وبالتالي تقع خارج نطاق التنظيم. بينما يحظر القانون على الأفراد تقديم قروض التمويل الأصغر دون تسجيل، لا يبدو أن هناك آلية مراقبة مرتبطة بالقروض غير المنظمة. علاوة على ذلك، يمكن للمقرضين غير المسجلين اللجوء إلى المحاكم لإنفاذ اتفاقيات القروض الخاصة بهم، بما في ذلك سجن الأشخاص الذين لا يدفعون.
قد تتفاقم المشكلة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة التي لا يمكن تحملها. بالنسبة للمؤسسات التي ينظمها البنك المركزي الأردني، فإن معدل الفائدة حاليا يبلغ 25%. بالنسبة للمؤسسات غير المنظمة، يمكن أن تصل إلى 50%. في إحدى الحالات، اقترضت امرأة من شركة للتمويل الأصغر بمعدل فائدة 47%. هذا المبلغ، إضافة إلى غرامات التأخير وتكرار الأقساط، تجاوز دخلها هي وزوجها، ما أدى بهما إلى التخلف عن السداد.
ازداد عدد مؤسسات التمويل الأصغر التي تستهدف النساء في الأردن. لغاية منتصف 2020، كان هناك حوالي 25 مؤسسة تمويل أصغر، لديها 466,394 عميل نشط، 68% منهم من النساء.[37]
قابلت هيومن رايتس ووتش أربع نساء ورجلا واحدا حصلوا على قروض من مؤسسات تمويل أصغر التي إما تستهدف النساء أو أن النساء زبائنهم الأساسيين.[38] باستثناء واحد، قال الجميع إنهم أخذوا قروضا لدفع الإيجار أو شراء الأثاث أو توفير مستلزمات أساسية.[39] في ثلاث حالات، قالت النساء إن أزواجهن جعلوهن يأخذن القروض، وقالت امرأتان إنهما لم تفصحا عن الغاية الحقيقية للتمويل في طلباتهما واستخدمتا الأموال لدفع الإيجار وشراء ثلاجة. أوضحت إحدى النساء:
حصلت على القرض بالقول إن لدي حرفا يدوية أريد بيعها في السوق. كذبت لأنني كنت بحاجة إلى المال – وضعنا سيئ للغاية. ليس لدينا ماء ولا كهرباء، وبالكاد أتدبر أمرنا. يعتقد الناس أنني أبالغ ولكنني لست كذلك – تعالي زوريني وسترين. سافر زوجي إلى مصر لتلقي العلاج [من نوبة قلبية]، لذلك أخذت القرض. لدي ابنة عندها إعاقة سمعية، وهي بحاجة إلى جهاز سمعي، لكنه مكلف للغاية.[40]
قالت كلاهما لـ هيومن رايتس ووتش إنهما حاولتا التقديم على البرامج الوطنية التي تمولها الحكومة، لكنهما رُفضتا على الرغم من استيفاء المعايير. أوضحت امرأة كان زوجها يعمل بالمياومة، وهو لا يعمل خلال تفشي فيروس "كورونا":
لم تساعدنا الحكومة إطلاقا. تقدمت بطلب لكل شيء – عمال المياومة، دعم الخبز، صندوق المعونة. تقدمت بطلب للحصول على كل المساعدات، ولكن طلباتي رفضت.[41]
يتم تمويل العديد من مؤسسات التمويل الأصغر جزئيا من قبل "البنك الدولي" و"البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية" كجزء من المساعدات التي تقدمها تلك المؤسسات إلى الأردن من أجل النمو الاقتصادي والتنمية. على سبيل المثال، في 2018، تلقت تمويلكم منحة قدرها عشرة ملايين دولار من "مؤسسة التمويل الدولية"، وهي شركة تابعة لمجموعة البنك الدولي.[42] في 2018 قدم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية القرض الرابع لصندوق المرأة بمبلغ أربعة ملايين دولار.[43] كما دعم "صندوق النقد الدولي" زيادة الوصول إلى التمويل الأصغر، وهو أحد عناصر برامج قروضه، بما في ذلك من خلال "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة 1.3 مليار دولار، والذي تمت الموافقة عليه في مارس/آذار 2020.[44] بينما دعا صندوق النقد الدولي أيضا إلى "الإشراف والرقابة الفعالين على قطاع التمويل الأصغر"، اقتصر تركيزه على تحسين قوانين الإعسار الأردنية المتعلقة بالإفلاس التجاري.
في حين أن الغرض الظاهر من القروض الصغرى هو التمويل الأساسي لريادة الأعمال، إلا أن المقترضين يحرمون من إحدى المزايا الرئيسية التي يوفرها القانون لأصحاب الأعمال: القدرة على الإعفاء من الديون مع حماية الأصول الشخصية من خلال إعلان الإفلاس. نظرا لأن المقترضين يحصلون عموما على قروض باسمهم، حتى عندما يستخدمون الأموال للاستثمار في الأعمال التجارية، لا يمكنهم الاستفادة من "قانون الإعسار" الأردني للشركات، ولا يوجد قانون يعالج الإعسار الشخصي.
4. حبس المدين
سُجن 11 من المقترضين الـ 21 المتخلفين عن الدفع الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش بين ثلاثة أيام و42 شهرا لعدم سداد ديونهم. أما الآخرون، فهناك شكاوى معلقة بحقهم، ويواجهون الاعتقال في أي وقت، وقد اختبأ معظمهم نتيجة لذلك.
يمكن سجن الأفراد لعدم سداد الديون بموجب قانونين مختلفين. المادة 22 من "قانون التنفيذ الأردني"، الذي ينظم كيفية تنفيذ المحاكم للأحكام المتعلقة بالديون، تسمح للدائن بطلب الإذن من المحكمة باحتجاز الشخص الذي تخلف عن سداد ديونه، بشرط تقديم إخطار.[45] إذا كان الدين يستند إلى التزام تعاقدي دون توضيح للمبلغ، فيجب على الدائن أن يذهب إلى محكمة مدنية (محكمة صلح أو محكمة بداية) ويقدم دليلا على الدين غير المسدد والمبلغ.[46] بمجرد أن تحدد المحكمة المبلغ، يمكن للدائن أن يسعى لإنفاذ الحكم مع "دائرة التنفيذ"، وهي دائرة مقرها محكمة البداية في كل منطقة اختصاص قضائي، ومفوضة بتنفيذ القرارات ضمن الاختصاص القضائي.[47]
إذا وقّع المقترض على كمبيالة، فيمكن للدائن أن يذهب مباشرة إلى دائرة التنفيذ، حيث تعتبر الكمبيالة دليلا على وجود دين قائم.[48]
بموجب قانون التنفيذ القضائي، يمكن للمقترض الذي يتخلف عن السداد أن يُسجن لمدة تصل إلى 90 يوما في السنة لكل دين إذا لم يدفع المبلغ في غضون 15 يوما من تلقي الإخطار، والذي يمكن تقديمه من خلال الإخطارات المنشورة في الجرائد، عن طريق الوصول مباشرة إلى المدين، أو عن طريق نشر إخطار في الحي الذي يسكنه المدين. عند انتهاء فترة الإشعار، يجب على المدين دفع 25% من المبلغ الإجمالي والباقي على أقساط يحددها المدين. إذا لم يحضر المدين إلى المحكمة، أو لم يسدد الدفعة الأولى البالغة 25% أو أي من الأقساط الإضافية خلال فترة الإنذار، فيمكن للمحكمة إصدار أمر بحبسه.[49]
لا يشكل العجز عن السداد حمايةً من السجن بموجب قانون التنفيذ الأردني، الذي يوفر ثلاثة سبل للدفاع:[50]
1. أن يدعي المدين أن المبلغ قد تم سداده جزئيا أو كليا، أو أن سند الدين قد تم تزويره، حتى يتم إسقاط القضية.
2. يقرر القاضي أن طريقة الإخطار غير ملائمة ويطلب تجديد فترة الإخطار البالغة 15 يوما.
3. يجوز للمدين أن يدعي أنه لم يكن حاضرا طوال الإجراءات ويطلب إعادة بدء الإجراءات.
الحبس لا يسوّي الديون، ويمكن للدائن أن يطلب تجديد حبس الفرد لنفس الدين غير المسدد حتى بعد أن يقضي 90 يوما في العام التالي. إذا كان على الفرد أربع كمبيالات غير مدفوعة، فيجوز توقيفه لعام كامل. إذا لم يتمكن المدين من سداد الكمبيالات، يمكن أن يواجه مزيدا من السجن لكل كمبيالة، ما يؤدي إلى دورة من السجن لا تنتهي إلا عندما يتمكن المدين من إثبات سداد جميع الديون. في خمس حالات وثقتها هيومن رايتس ووتش، تم سجن الأشخاص نفسهم أكثر من مرة أو رفع الدائنون عدة شكاوى ضدهم بسبب نفس الدين.
يسمح القانون للقضاة بالنظر في تأجيل السجن إذا كان الشخص مريضا. قال ثلاثة محامين لـ هيومن رايتس ووتش إن بإمكان القضاة أيضا تأخير السجن بسبب خطة سداد معقولة، طالما أن المدين سيسدد أول 25% من الدين، لكن القضاة نادرا ما يستخدمون هذه السلطة الممنوحة لهم والعديد من المدينين ليست لديهم حتى القدرة على تسديد نسبةالـ 25%.[51]
القانون الثاني الذي يمكن بموجبه سجن الأشخاص بسبب الديون هو المادة 421 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على المسؤولية الجنائية نتيجة الشيكات دون رصيد. بموجب هذا القانون، يمكن سجن الشخص حتى عام واحد؛ عند الإفراج، قد يؤدي عدم سداد مبلغ الشيك إلى عقوبة ثانية بالسَّجن 90 يوما، وفقا لقانون التنفيذ الأردني. يتعامل القانون مع كتابة شيك دون رصيد كافٍ بقسوة أكبر من تعامله مع الأنواع الأخرى من الديون المتعثرة لأنه يعتبر انتهاكا لكل من "الحق العام" في الثقة في الشيكات والحق الشخصي للدائن .
بموجب قانون العقوبات، يمكن سجن الفرد لمدة عام لكل شيك دون رصيد. قد يكون المدين قادرا على تقديم التماس إلى القاضي للجمع بين الأحكام لجرائم متعددة. قال شخص أصدر ستة شيكات كضمان في تقديم عطاء لمشروع ثم فشل أن الأمر يعتمد كليا على تقدير القاضي. قال إنه حُكم عليه بالسجن لمدة 42 شهرا على الشيكات الستة، وقد أكمل حكمه، في حين أن شخصا آخر أصدر 46 شيكا بدون رصيد حُكم عليه بالسجن لمدة عام واحد إجمالية.[52]
لم يلزم أي من القانونين القاضي بالتفريق بين الأفراد الذين يرفضون سداد ديونهم عمدا وأولئك الذين تمنعهم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ذلك. قالت وزارة العدل ومحامون لـ هيومن رايتس ووتش إن القاضي قد يؤجل العقوبة أو يصدر حظر سفر أو يأمر بمصادرة الأصول إذا ارتأى ذلك. بينما ادعت وزارة العدل أن المحاكم تحقق فعلا مع المدينين بشأن قدرتهم على التسديد قبل الحكم عليهم بالسجن، في عشر من الحالات الـ11 التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش وأدت إلى السجن لجأ القضاة إلى السجن كخيار أول، دون النظر في سبل الانتصاف الأخرى، بناء على طلب المقرض. بحسب قول أحد المحامين الوكيل عن شخص دائن، والذي يعكس المنظور غير الدقيق للدائنين:
هناك خيارات أخرى متاحة لاسترداد الأموال، لكن بصراحة فرض حظر سفر أو محاولة تحديد الأصول أصعب بكثير من حبسهم. لذا فإن أسهل طريقة للحصول على المال هي حبسهم.[53]
القانون نفسه لا يلزم القضاة بمطالبة الدائن أو محاميه باستنفاد بدائل السَّجن، مثل وضع اليد على الأصول، قبل تنفيذ السَّجن.
بالنسبة للجرائم الجنائية والمدنية غير المتعلقة بالديون، يحق للقضاة فرض بدائل للسجن. ومن المفارقات أنه بموجب قانون العقوبات نفسه الذي يفرض عقوبة السجن لشيك مرتجع، يمكن للقاضي أن يحكم على أي شخص لارتكاب جنح بسيطة غير مرتبطة بشيكات مرتجعة، بخدمة المجتمع بدلا من السجن، طالما أن مدة السجن المحددة في القانون لا تتجاوز سنة واحدة. وبحسب "وكالة الأنباء الأردنية"، فقد استفاد من هذا الخيار حتى 31 أغسطس/آب 2020 حوالي 330 شخصا.[54] في سبتمبر/أيلول 2020، أشار وزير آنذاك العدل بسام التلهوني إلى أن مثل هذه المقاربات تعود بالفائدة على كل من المعتقلين والدولة، حيث إنها "تهدف إلى تجنب الآثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية بإعطاء المحكوم عليه بالجرائم البسيطة فرصة للبقاء ضمن النسيج الاجتماعي، ومعالجة الاكتظاظ في مركز الإصلاح والتأهيل، وما يترتب عليه من عبء مالي على خزينة الدولة... ]كما أن[ المحكوم لن ينقطع عن مصدر رزقه والذي سيشكل انقطاعه عبئا على عائلته وأطفاله".[55]
في 2018، أصدر الأردن قانون الإعسار التجاري الذي، وفقا للبنك الدولي، جعل حل الإعسار أسهل من خلال إدخال إجراءات إعادة الهيكلة، والسماح للمدينين ببدء إجراءات إعادة الهيكلة، وتحسين بقاء الشركات أثناء إجراءات الإعسار. يسمح قانون الإعسار التجاري أيضا للدائنين باستخدام إجراءات بموجب قانون التنفيذ –تشمل السجن بسبب الديون – كدليل على عدم قدرة المقترض على السداد. بعد الإعلان عن الإفلاس التجاري، لا يمكن لأي دائن رفع أي مطالبات أخرى ضد المقترض.
بموجب المادة 375 من القانون المدني الأردني، يمكن اعتبار المدين معسرا بصفة شخصية عندما تكون قيمة التزاماته أو التزاماتها أكبر من قيمة أصوله/ها. [56] ومع ذلك، يختلف المحامون حول ما إذا كان هذا الحكم لا يزال ساريا أو تم إلغاؤه بموجب قانون الإعسار التجاري الصادر في 2018. على أية حال، وفقًا لمحاميَيْن، يبدو أن إعلان الإعسار في الممارسة العملية يظل صعبا للغاية.[57]
مخاوف بشأن الإجراءات القانونية
نظرا لأن الكمبيالة تكفي كدليل على الدين، يقرر القضاة في المقام الأول ما إذا كانوا سيطلبون الحبس بناء على طلب الدائن فقط، دون حتى رؤية المقترض أو السماح له بتقديم حجة دفاع، مع أن القانون يسمح بذلك نظريا. من بين 11 شخصا قابلتهم هيومن رايتس ووتش وانتهت قضاياهم في المحكمة أو السجن، أشار ثمانية إلى أنهم لم يتمكنوا من مقابلة قاضٍ أو التحدث إليه على الرغم من تقديم العديد من الطلبات للقيام بذلك. وفقا لأحدهم:
أوقفتني دورية للشرطة في الشارع، وأخذوا هويتي ودققوا في اسمي، ثم أخذوني على الفور إلى دائرة التنفيذ. لم أقابل القاضي حتى، ثم إلى السجن مباشرة.[58] أخذوني [رجال الشرطة] إلى [سجن] الجويدة، ثم [سجن] السواقة، ولم أرَ قاضيا.
قال رجل لـ هيومن رايتس ووتش إنه اعتُقل أربع مرات، لكنه مثل أمام القاضي مرة واحدة فقط. في تلك المرة، أقنع القاضي بتأجيل السجن لمدة عام لأنه كان قدم تقريرا من وزارة الصحة يفيد بأن لديه "إعاقة نفسية وجسدية دائمة".[59] قال شخصان آخران قُبض عليهما مرتين وثلاث مرات على التوالي إنهما لم يمثلا إطلاقا أمام قاض.
في حين أن القانون يسمح بالاعتراض كتابيا على الكمبيالة، بحسب المحامين والأفراد الذين لم يستطيعوا السداد، نادرا ما يتم إبلاغ المطلوبين لعدم السداد بتوافر طرق الدفاع هذه من قبل القاضي أو غيرهم في الإجراءات.
تكرار عجز المدينين عن مقابلة القاضي، بالإضافة إلى قبول الكمبيالات كدليل دون اعتراض، يعني أنهم قد يتعرضون لسوء المعاملة من قبل الدائنين.
في حالتين حققت فيهما هيومن رايتس ووتش، ادعى الشخصان أنهما سددا الدين بالكامل لكنهما لم يسجلا التسوية. قالا إن عدم وجود دليل ورقي وعدم قدرتهما على الشرح للقاضي سمح للدائن بمقاضاتهما على الرغم من سداد ديونهما.[60] أوضح أحدهما:
تقدم [الدائن] بشكوى أولا عن الكمبيالة الأولى. استأنفتُ وقلتُ له إنني دفعت معظم المبلغ. لكن قانوننا لم يصدق، فقط يعتمد على الوثائق الورقية. أحضرتُ الشهود ورفضت المحكمة الشهود.
بموجب قانون التنفيذ الأردني، لا يجوز للشرطة دخول منزل أي كان لاعتقال أي شخص أو خداعه لاعتقاله. زعم ثلاثة من المقترضين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أن الشرطة تصرفت بشكل غير قانوني في القبض عليهم. أوضح أحد المحامين أن الدائنين ومحاميهم كثيرا ما يرشون عناصر الشرطة للعثور على شخص متهم أو صدر حكم عليه واعتقاله. في إحدى الحالات، داهمت الشرطة منزل المقترض الساعة 1:30 صباحا يوم 10 أغسطس/آب 2019:
أخذوني إلى مركز الشرطة في الهاشمي الشمالي، ثم إلى شمال عمّان، ثم إلى المحكمة، ثم إلى السجن. كان يوم السبت – وقفة العيد. لم ننزل من السيارة في المحكمة. كنا 42 شخصا في شاحنة صغيرة. مكثت في السيارة حوالي أربع ساعات.[61]
في حالة أخرى، اتصلت امرأة كانت تمتلك وزوجها محلا للقرطاسية بالشرطة للإبلاغ عن اقتحام متجرها. كان بحقها العديد من شكاوى الديون في ذلك الوقت. قالت إن الشرطة جاءت إلى منزلها وقالت لها إن عليها الذهاب إلى المخفر لتقديم إفادة عن المشكلة الأمنية:
وعدوني أنهم لن يفعلوا أي شيء. أخبرتهم أنني مطلوبة لعدم السداد، ووعدوا بعدم حدوث شيء. اتصلت بزوجي وقلت له أن يأتي معي. أخذونا إلى مركزية جنوب إربد. هناك غيروا رأيهم، وقالوا لنا إنه علينا التوقيع على إفادة تفيد بأنهم وجدوني في الشارع واشتبهوا بي، وإنه عندما دققوا باسمي تبين أنني مطلوبة وأخذوني. رفضت. قلت لهم إنني لن أوقع لأن ذلك لم يكن ما حدث. قالوا إني سأقع في مشكلة أو سيودعونني في السجن. أخذوني إلى زنزانة.[62]
في حالة ثالثة، تظاهر رجال الشرطة بأنهم من جمعية خيرية، وعقدوا لقاء مع الشخص الذي تخلف عن سداد ديونه واعتقلوه. وفي حادثة ثانية مع نفس الشخص، قطعوا الكهرباء عنه لإجباره على الخروج واعتقاله.[63] قال محاميان أيضًا إن الدائنين غالبًا ما يقدمون عناوين خاطئة للمقترضين عند تقديم الشكوى، ما يؤدي إلى إرسال إشعار الـ 15 يوما إلى العنوان الخطأ.[64]
قال محامون إن التأثير غير المتناسب على الأشخاص من خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية يتفاقم بسبب افتقارهم إلى المعرفة المالية والقانونية، وعدم قدرتهم على الحصول على المشورة القانونية بسبب القيود المالية.
بحسب أحد المحامين، فإن توكيل محام يتطلب 250 دينارا على الأقل لأتعاب الوكالة وحدها.[65] يفضل المقترضون استخدام هذه المبالغ لسداد الدين مباشرة، خاصة عندما يكون مبلغ الدين أقل من ألف دينار. بالنسبة للقضايا التي تزيد عن ألف دينار، يصبح تمثيل المحامي إلزاميا بموجب القانون، ولكن يتعين على المقترض تحمل التكلفة بنفسه.
قال المحامون إنه بسبب عدم فهم الإجراءات، غالبا ما لا يعرف المدينون أنه يمكنهم الطعن في الكمبيالات أو الإشعار الخاطئ أو أنه يمكنهم إثبات أن لديهم أصولا أخرى لسداد الدين في غضون الـ 15 يوما.
في بعض الحالات، يجرون تسوية خارج المحكمة دون تسجيلها في سجل المحكمة، ما يسمح للدائن برفع دعوى مرة أخرى.
في 4 فبراير/شباط ، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزير آنذاك العدل بسام التلهوني وضمنت في رسالتها نتائج التقرير، طالبة معلومات بشأن عدد الأفراد المطلوبين والمحتجزين لعدم سداد الديون؛ وبدائل سجن المدين المتاحة في القانون والممارسة؛ والتوجيه المقدم للقضاة لتطبيق هذه البدائل وما إذا كانت وزارة العدل تقدم المساعدة القانونية لأولئك غير القادرين على تحمل كلفتها في مثل هذه الحالات.
ردت وزارة العدل مشيرة إلى أن الحبس بموجب القانون ليس عقوبة لجريمة، بل وسيلة للضغط على المدينين للسداد. كما زعمت أن المحاكم تحقق مع المدينين بشأن قدرتهم على السداد قبل الحكم عليهم بالسجن. وقالت إنها لم تكن قادرة على تقديم إحصاءات، نظرا للصعوبات في تتبع مثل هذه الحالات إلكترونيا. وأخيرا، أشارت إلى أنه بموجب القانون، هناك بدائل للسجن، منها حظر السفر، وتجميد الأصول، والتسوية على أساس قدرات المدينين. أخيرا، ادعت وزارة العدل أنه على الرغم من تصديق الأردن على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 2006، ونشره في الجريدة الرسمية، إلا أنه لم ينظر فيه من قبل البرلمان، وبالتالي فهو غير قابل للتطبيق دستوريا.
5. عواقب حبس المدين
تدهور مستوى المعيشة
الحبس أو التهديد بالحبس بسبب الديون يضعف وضع الأفراد، بمن فيهم الآخرون الذين قد يعتمدون على الشخص المسجون للحصول على الدعم، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى خلفيات اجتماعية-اقتصادية متدنية.
بالنسبة لأرباب الأسر، فإن عدم سداد الديون، إضافة إلى الحبس، غالبا ما يترك الأسرة بأكملها دون وسائل لتأمين الضروريات الأساسية، ويخلق مزيدا من الضغط المجتمعي عليهم وعلى الدولة.
قال 19 ممن تمت مقابلتهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم خسروا وظائفهم وقدرتهم على إعالة أسرهم نتيجة حبسهم أو كونهم مدينين. في سبع حالات، غادر الرجال البلاد لتجنب السجن، تاركين وراءهم زوجاتهم وعائلاتهم ليغطوا نفقاتهم.
وصف رجل عمره 28 عاما العواقب على أسرته بعد أن غادر إلى تركيا إثر حكم من المحكمة بتهمة عدم سداد كمبيالة:
والدي مريض، ومنزلنا مستأجر، وكنت الشخص الوحيد الذي يمكنه إعالة أسرتي. توسلت [الدائن] للتسوية. قلت له إنني سأحصل على قرض بألف دينار، وأعطيه له وأقوم بالتسوية. رفض. قال إنه يريد 5 آلاف دينار وإن محاميه يريد 3 آلاف دينار أخرى. لم أستطع الحصول على هذه المبالغ فهربت إلى تركيا. الآن، تعتمد عائلتي على صندوق المعونة الوطنية للمساعدة في الإيجار، ويحاول أعمامي منحهم 50 دينارا شهريا.[66]
قال بائع لـ هيومن رايتس ووتش إنه مع تدهور الوضع الاقتصادي في الأردن، لم يتمكن من السداد لمورديه. وقال إن الدائنين تقدموا بثلاث شكاوى على الأقل ضده وإنه حُبس مرتين لعدم سداد ديونه. فقد وظيفته ولم يغادر المنزل منذ تقديم الشكاوى الجديدة لتجنب التوقيف مرة أخرى. وهو الآن يعتمد على أسرة زوجته لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لأنه غير قادر على إعالة زوجته وأبنائه.[67]
دخل مهندس كهرباء إلى السجن لثلاثة أشهر و20 يوما لشكويَيْن ضده بعد أن رفض صاحب منزل كان يعمل فيه سداد التكاليف المتبقية من المشروع، والتي كان المهندس قد اقترضها مسبقا. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه أطلق سراحه عندما سدد الفواتير، لكنه لم يتمكن من العثور على عمل في مجال اختصاصه. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه لجأ إلى شراء الأشياء الصغيرة وبيعها أمام مسجد لسداد أقساط القروض المتبقية وتغطية نفقاته، لكنه بالكاد يتدبر أمره.[68]
الحلقة المفرَغة للديون
لتفادي السجن، قال العديد من الأفراد إنهم باعوا أدوات منزلية أساسية لسداد القسط البالغ 25% المطلوب بموجب القانون لتجنب السجن أو تحملوا ديونا إضافية لسداد القرض الأول. قال رجل قُبض عليه مرتين قبل هروبه إلى تركيا لـ هيومن رايتس ووتش:
في المرة الأخيرة التي تم فيها توقيفي، كنت في المستشفى [أزور والدي] لأن حالة والدي الصحية كانت سيئة جدا. جاؤوا إلى المستشفى واعتقلوني هناك. الآن توفي والدي. سُجنت لمدة سبعة أيام. اضطررت عائلتي إلى بيع سيارتي التي كانت قيمتها 11 ألف دينار مقابل 5 آلاف دينار فقط لإخراجي من السجن. بعد ذلك، غادرت وأتيت إلى تركيا.[69]
اقترض آخرون من الأقارب أو جعلوا زوجاتهم وأخواتهم يقترضن لسداد الدين أو لإخراجهم من السجن، لأنه، على حد قولهم، من الأسهل للنساء الحصول على القروض. أدى ذلك إلى شكاوى إضافية ضد قريباتهم. في إحدى الحالات، قال أحد العاملين بمنظمة تدعم الأفراد الذين تخلفوا عن سداد ديونهم لـ هيومن رايتس ووتش إن المنظمة ساعدت في سداد ديون تسعة أشخاص من عائلة واحدة بعد أن قام أفراد الأسرة بكفالة بعضهم البعض، وأخذوا قروضا لسداد القرض الأصلي لتجنب الحبس.[70]
في حالتين أخريين، أجبر رجل زوجته على أخذ قروض صغيرة وبيع مجوهراتها لسداد قروضه الحالية لتجنب التخلف عن السداد، وكذلك فعل مزين شعر طلب من زوجته التقدم بطلب للحصول على قرض لسداد الأقساط على كمبيالة كتبها لاستئجار صالونه. في كلتا الحالتين، تخلفت المرأتان عن سداد قروضهما، وتراكمت عليهما ديون إضافية، وأصدرت المحاكم أحكاما بحقهما.
وعد شابٌ دائنه، وهو صاحب العمل، بالحصول على قرض آخر لسداد ديونه، لكنه قدم شكوى بحقه قبل أن يتمكن من ذلك.
لا تقدم الحكومة الأردنية مساعدة قانونية إلا في القضايا الجنائية التي يعاقب على الجريمة فيها بالإعدام أو السجن المؤبد.[71]
وصمة العار
قال 11 من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ولا يزالون في الأردن لـ هيومن رايتس ووتش إنه، بسبب صدور أحكام بالحبس بحقهم، لا يستطيعون التنقل بحرية في البلاد. وصف تسعة وصمة العار المرتبطة بالسجن. وصفت امرأة أدينت وتنتظر الحكم محنتها:
بسبب التهديد بالاعتقال نتيجة ديوني، لا يمكنني التنقل. لم أتمكن من التنقل، أنا خائفة جدا، لا يمكننا حتى التفكير في الإنجاب، على الرغم من أننا متزوجان منذ سبع سنوات.
أنا مهندسة. تخيلي ماذا سيحدث لوالديّ، كيف سينظر الناس إليّ؟ أنا لم أسرق. لم آكل حقوق الناس. كان لدي الكثير من الالتزامات المالية والوضع الاقتصادي في البلاد سيئ.[72]
قال رجل أمضى 13 عاما في العمل في الجيش الأردني لـ هيومن رايتس ووتش إنه استقال بعد أن تخلف عن سداد قرض من ضابط زميل، لتجنب إلحاق العار بنفسه:
استقلت بمحض إرادتي لأنني لم أرغب في تشويه 13 عاما من العمل في القوات المسلحة بهذا الأمر. كانت سمعتي طيبة، وبعد ذلك، سأُعرف فقط بأني "نصاب".
يحاول الآن العودة إلى الجيش على أمل أن يساعده الراتب الذي سيحصل عليه في سداد ديونه المستحقة.[73]
رفض رجل ثالث مشاركة اسمه الكامل مع باحثة هيومن رايتس ووتش خوفا من أن يكون معروفا في الأردن: "أنا من عائلة أردنية بارزة، لكنني لا أريد أن أجلب العار لبلدي أو شعبي".[74]
قال رجل أردني موجود الآن في مصر لـ هيومن رايتس ووتش إن أطفاله تعرضوا للتنمر بشدة في المدرسة لأنه سُجن لعدم سداد دين عليه. قال رجل آخر، تخرج بشهادة في العلوم المالية، لكنه وقع في الديون وتعثر في السداد، إنه لن يتمكن أبدا من العمل في مؤسسة مالية:
تخرجت من [جامعة جيدة] بشهادة في العلوم المالية، ولكن أي بنك سيوظفني؟ ما هو ذنبي؟ مستحيل أن أتوظف بسبب هذا الأمر. كان من المفترض أن أحصل على وظيفة وأتزوج وأبدأ حياتي، ولا يمكنني فعل أي شيء الآن.[75]
الهروب من الأردن
لتجنب السجن والوصمة التي تحيط بالديون، فر آلاف الأردنيين المثقلين بالديون من البلاد إلى تركيا، وقبرص، ومصر، ودول أخرى.[76] تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى سبعة أشخاص موجودين في الخارج لهذا السبب. قال ثلاثة منهم لـ هيومن رايتس ووتش إنه بسبب شكاوى مالية بحقهم في الأردن، فإنهم غير قادرين على تجديد جوازات سفرهم، ما أدى إلى تفكك الأسرة وفقدان عملهم وإقامتهم القانونية. أصدرت الحكومة الأردنية في 19 يناير/كانون الثاني 2021 قرارا بتعديل الحكم القانوني وإلغاء شرط الحصول على موافقة المخابرات العامة قبل تجديد جوازات السفر. إلا أنه من غير الواضح كيف تم تنفيذ هذا القرار، وأشارت "دائرة الأحوال المدنية والجوازات" إلى أن التجديد يتم بعد "الحصول على موافقة وزير الداخلية".[77]
قال رجل موجود حاليا في تركيا لـ هيومن رايتس ووتش إنه بسبب رفض السفارة الأردنية تجديد جواز سفره وجوازات سفر أسرته، لم يتمكن من تجديد إقامته وتسجيل ابنتيه في المدرسة:
ابنتاي، عمرهما 13 و16، موجودتان هنا معي في تركيا، لكنهما تركتا المدرسة منذ عامين لأننا لا نملك تصاريح إقامة سارية ولا يمكننا تجديدها. زوجتي وطفلاي الآخران [5 و7 سنوات] في غزة. لم أرهم منذ 2016، وهذا ما يؤلمني. لا يمكنني حتى التحدث معهم لأنني لا أرسل لهم المال أو أي شيء.[78]
وفي حالة أخرى، أصيب طبيب في الأردن بحالة شديدة من هشاشة العظام أدت إلى شلل جزئي. ونتيجة لذلك، لم يتمكن من العمل وسداد أقساط القرض على سيارته أو عيادته وتعثر في سداد ديونه. غادر الأردن للعلاج في 2016 ولم يعد:
كنت أعيش حياة طبيعية للغاية. كنت متزوج وأعمل بانتظام. كان لدي سيارتان، وكان بإمكاني سداد الدفعات الأولى والأقساط. كان لدي عيادة - كنت أجني 3 آلاف إلى 4 آلاف دينار أردني [4,235-5,647 دولار] شهريا. أصبت بهشاشة العظام في الورك، ما أثر على قدرتي على المشي. بدأت باستخدام كرسي متحرك. لم أستطع العمل ولم أستطع سداد قروضي. استخدمت مدخراتي لمحاولة تغطية التكاليف.
ثم غادرت للعلاج. بعد عام، اكتشفت أن هناك شكاوى [ديون] ضدي، وأنه حُكم عليّ غيابيا. لم أذهب إلى مركز الشرطة قط، وكنت لا زلت مريضا جدا، لذا لم أعد إلى الأردن. لم أكن أريد أن أدخل السجن.
عادت عائلتي [إلى الأردن]، لكنني لم أعد. تحسنت حالتي وبدأت العمل في البلد الذي أعيش فيه لسداد المال. لأنني كنت أتلقى العلاج، كان عليّ ديون إضافية. كنت أقوم بالدفع بالكامل، لكن جواز سفري كان على وشك الانتهاء، ولم أتمكن من تجديده لأنه كانت هناك شكوى مالية ضدي في الأردن. صاحب عملي في مصر رفض تجديد عقدي وفقدت وظيفتي. وأصبحت الآن متعثرا من جديد.
قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه موجود الآن في تركيا، لكنه معرض لخطر الترحيل لأن جواز سفره انتهى في يناير/كانون الثاني 2020. ولم يتحدث إلى ابنته منذ عام ونصف، وطلبت زوجته الطلاق في 2018 بسبب الأوضاع المالية.[79]
الأثر المرتبط بالنوع الاجتماعي لحبس المدين
غالبا ما تستند البرامج التي تستهدف النساء من أجل إقراض التمويل الأصغر إلى افتراض أن القروض الصغرى هي من بين أكثر الطرق فعالية "لتمكين المرأة اقتصاديا". وبينما قد يكون هذا هو الحال، تشير أبحاث هيومن رايتس ووتش في الأردن إلى أن تحصيل القروض أدى في بعض الحالات إلى حبس النساء أو التهديد بحبسهن بسبب الديون.
لا يمكن التقليل من الأثر المرتبط بالنوع الاجتماعي لحبس المدين. وجدت دراسة أجرتها في 2019 "مؤسسة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية" (أرض) ، وهي منظمة للمساعدة قانونية مقرها الأردن، أن الدين هو أحد أكثر العوامل الملحة التي تعيق التمكين الاقتصادي للمرأة.[80] هناك طلبات قضائية بحق حوالي 9 آلاف امرأة لعدم سداد ديون لا تتجاوز 1,400 دولار في كل حالة، وفقا لدراسة مؤسسة كونراد أديناور.[81] قابلت هيومن رايتس ووتش خمس نساء حصلن على قروض من مؤسسات تمويل أصغر تستهدف النساء.
في بعض الحالات، أجبر الأقارب الذكور النساء على الاقتراض. قال محامٍ لـ هيومن رايتس ووتش إن ابن أحد موكلاته هددها بأنه سيقتلها إذا لم تتقدم بطلب للحصول على أحد هذه القروض الصغيرة. تقدمت المرأة بطلب للحصول على ثلاثة قروض صغيرة بعد فترة وجيزة ولم تتمكن من سدادها في الوقت المناسب، ما أدى إلى العديد من الشكاوى بحقها.[82]
في حالات أخرى، تصبح النساء كفيلات لأزواجهن أو أبنائهن. في إجراءات الدين غير الرسمية، غالبا ما تعني الكفالة أن توقع المرأة على كمبيالة بمبلغ يمكن أن يزيد عن ضعف مبلغ القرض الأصلي، مقابل وعد من الدائن بالتنازل عن القضية ضد الابن أو الزوج، أو لتقديم قرض إضافي. أشارت امرأتان قابلتهما هيومن رايتس ووتش إلى أن زوجيهما أجبراهما على تقديم طلب للحصول على قروض لدفع تكاليف الضروريات. قابلت هيومن رايتس ووتش رجلا قال إنه أجبر زوجته، ووالدته، وشقيقته على الاقتراض من أجله لتغطية نفقات العلاج. قال إن الثلاث مطلوبات الآن بسبب عدم قدرتهن على السداد.[83] في أربع حالات، قالت النساء اللواتي حصلن على قروض من شركات التمويل الأصغر لـ هيومن رايتس ووتش إنهن تخلفن عن السداد بسبب غياب الدخل المنتظم، وارتفاع أسعار الفائدة. قالت النساء إن شركات التمويل الأصغر اتصلت بهن قائلة إنها قدمت شكاوى ضدهن وإنهن سيُسجنّ.
6. عدم فاعلية حبس المدين
يدعي أنصار حبس المدين في الأردن أنه الطريقة الوحيدة الفعالة لإجبار الناس على سداد ديونهم ومعالجة حقوق الدائنين.
يقدم تحليل مقارن للبلدان الأخرى قصة مختلفة. لا يزال الأردن من الدول القليلة التي تحبس الأفراد لعدم سداد ديونهم. ألغت معظم البلدان خارج الشرق الأوسط هذه الممارسة في القرن الـ 19، في اعتراف واسع بعدم فعاليتها كآلية لتحصيل الديون.[84] وفق دراسة أجراها البنك الدولي في 2017، "حتى سجن المدينين ليس طريقة مؤكدة لإكراه المدينين على الدفع، والمفارقة المأساوية المتمثلة في سجن المدينين من أجل حثهم على العمل للدفع للدائنين يجب أن تكون واضحة. تم التخلي عن حبس المدين في معظم المناطق... حيث كان إلى حد كبير [طريقة غير فعالة] في الدفع للدائنين".[85]
لم يتمكن أي من المقترضين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش من سداد المبلغ بالكامل بعد حبسه أو التهديد بحبسه. العديد ممن استطاعوا التسوية فعلوا ذلك عن طريق بيع الأثاث والسيارات والمنازل أو الاقتراض من الأقارب ليتمكنوا من سداد الديون. وفر آخرون من البلاد. بحسب قول أحد الذين سُجنوا بسبب الديون غير المسددة:
هل تعتقدين أنه لو كان لدي المال، كنت سأقضي يوما واحدا في السجن؟ لا. ما الذي بقي ليجبرني على الدفع؟ تعليقي من رجليّ وضربي؟ إذا سجنتيني مرة أو مرتين أو ثلاث، فيجب أن تكون الرسالة واضحة. لا أستطيع الدفع.[86]
تتفاقم عدم فاعلية حبس المدين لكون الدين في الأردن يظل قائما حتى بعد تنفيذ العقوبة، ما يفاقم الحلقة التي يظل فيها المعوزون عاجزين عن السداد ويواجهون خطر السجن المتكرر. هذا على عكس البلدان الأخرى حيث يمكن للمقترض المسجون أن يسدد ديونه في السجن، أو يُعتبر سجنه بدلا من سداد الدين.
بالنظر إلى تركيز الأردن على تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال كركيزة أساسية في استراتيجيته لتحسين التوقعات الاقتصادية، فمن المفارقة أن تستمر البلاد في حبس الناس لعدم سداد الديون. تنص المعايير الدولية على أن القانون يجب أن يوفر مسارا لإعادة التأهيل المالي وبداية جديدة لرجال ونساء الأعمال الأفراد المتعثرين.[87] ومع ذلك، فإن ممارسة حبس رواد الأعمال الناشئين لعدم سداد الديون لا تجعل هؤلاء الأفراد عاجزين عن الإنتاج على الفور فحسب، بل تخلق أيضا تأثيرا مخيفا.[88]
الدول التي ألغت عقوبة حبس المدين، مثل البحرين وتركيا وألمانيا، استبدلتها بآليات أكثر فاعلية لتحصيل الديون، منها قوانين الإفلاس، وتقييمات الجدارة الائتمانية الإلزامية، وخطط السداد المصممة لضمان سداد الأموال في نهاية المطاف. وكجزء من هذه التغييرات، وضعت الحكومات أيضا خطط توظيف للمعوزين لسداد ديونهم.
قامت الدنمارك، على سبيل المثال، بتفويض المحاكم سلطة إلغاء أو شطب الديون غير القابلة للتحصيل ووضع اقتراح معقول للدفع.[89] لم يشكل القرار شطبا كاملا وفوريا للديون غير القابلة للتحصيل ولكنه كان مشروطا بإظهار أن المقترضين "مستعدون وراغبون في العمل لتحقيق" فرصة الإعفاء. وضعت شروطا صارمة لتحديد الأفراد "المثقلين بديون بشكل ميؤوس منه" وتمييزهم عن أولئك الذين لا يرغبون في الدفع. تعين المحكمة بعد ذلك وسيطا محايدا يمكنه تقييم وضع المقترض ومساعدته في وضع خطة سداد للجزء الواقعي من الدين، وفترة السنوات التي يسدد الدين خلالها بناء على الدخل المتاح المتوقع، عادة خمس سنوات. ينشئ الوسيط بعد ذلك حسابا مصرفيا محددا للمقترض ليودع فيه الدخل المتاح، ويُسمح للدائنين بالوصول إلى الحساب بناء على قائمة الأولوية لسحب الأموال. تهدف الآلية إلى تجنب إنفاق موارد إضافية على الإنفاذ. لتجنب الإفراط في الاعتماد على تقدير المحكمة في وضع الميزانية، وضع القانون أيضا قائمة موحدة للنفقات الأساسية الثابتة بشكل عام. والأهم من ذلك، في حين تم تأطير القانون بشكل أساسي من منظور إنساني لدعم الأفراد "المثقلين بالديون بشكل ميؤوس منه"، وفقا لجيسون كيلبورن، الخبير في قوانين الإعسار الشخصي على الصعيد العالمي، "تم تصميم القانون في المقام الأول كاستجابة عملية لأنشطة التحصيل المهدِرة اقتصاديا التي فرضت آثارا خارجية سلبية على المدينين والدائنين، وخاصة أموال المجتمع والدولة الدنماركية".[90]
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أصدرت الإمارات أول قانون إعسار للمستهلكين في المنطقة، ويهدف إلى حماية الإماراتيين والمقيمين المثقلين بالديون من الملاحقة القضائية وإلغاء تجريم التزاماتهم المالية، ما يتيح لهم فرصة العمل لحل معضلتهم المالية مع الاستمرار في دعم عائلاتهم. يوجه القانون المحكمة بتعيين مستشارين للاتصال بالدائنين من أجل وضع خطط سداد مقبولة.[91] ومع ذلك، لا يزال مخطط الإمارات يستند إلى موافقة الدائن، والذي نادرا ما يتم الحصول عليها. يبقى هذا المخطط متأخرا عن أفضل الممارسات الدولية ومعظم خطط إعسار المستهلك في العالم.[92] هذا اعتبار أساسي نظرا إلى أن المقترضين ليس لديهم نفوذ لإجبار الدائنين على تقديم الموافقة للمشاركة في التفاوض، وبالتالي هناك حاجة لتدخل الدولة.
في البحرين، طورت الحكومة مخططا لإبراء الذمة من الديون مصمما لاتباع أفضل الممارسات الدولية والمبادئ الإسلامية. يخوّل القانون البحريني المحكمة إبراء ذمة المقترض من المسؤولية عن الديون التي لا تغطيها عائدات التصفية طالما أن المقترض يمكنه تفسير محنته المالية والتخلي عن الأصول المتاحة للوفاء بالالتزامات، ولم يمارس الاحتيال على الدائن. لا يمكن شطب بعض أنواع الديون؛ على سبيل المثال، الديون المرتبطة بنفقة الأسرة، والاحتيال، والمسؤولية الجنائية. كما يشجع القانون البحريني الحكومة على توفير التمويل لدعم أصحاب الأعمال الصغيرة المثقلين بالديون. استند القانون إلى توصيات "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية"، وهي السلطة المعنية بمعايير التمويل الإسلامي العالمية. ذكرت الهيئة في معيارها الشرعي رقم 43 أن:
بعد توزيع [أصول المدين في حالة الإفلاس]، ليس للدائنين أي حق قانوني في مطالبة المدين بأي دين غير مسدد. ومع ذلك، فإن المدين ملزم بموجب الشريعة بدفع جميع الديون بالكامل.
تقول دراسة البنك الدولي حول الإعسار الشخصي إن أفضل طريقة لضمان السداد هي زيادة إنتاجية المقترضين. يمكن لقوانين الإعسار الشخصي الناجحة أن تفعل ذلك من خلال اشتراط الإعفاء بسداد الديون القائمة. تتمتع هذه النظم أيضا بميزة إضافية تتمثل في الجمع بين ديون متعددة في دين واحد وتقليل التأثير المنهك لإصرار الدائن على قدرة المقترض على السداد.[93]
تقر البلدان التي ألغت عقوبة حبس المدين بأن هذا يعني أن الإقراض يحتاج إلى إدارة أكثر دقة. بدون ضمان الدولة لمستوى معيشي لائق للجميع، بما في ذلك الحق في الضمان الاجتماعي، وقانون فاعل للإعسار الشخصي، يمكن أن يكون الدين بديلا لشبكات الأمان الاجتماعي غير الملائمة، وحيثما لا يمكن تحمله يمكن أن يؤدي إلى عدم السداد والسجن.
يعرب الدائنون عن قلقهم من أن إلغاء حبس المدين يسمح للمقترضين الذين يتعمدون الاحتيال بتجنب العواقب السلبية. المطلوب هو معايير يمكن أن تفرّق بين أولئك الذين لا يستطيعون الدفع والذين يرفضون الدفع. عندما ألغت المملكة المتحدة عقوبة حبس المدين في القرن الـ 19، استبدلت ذلك بتدابير الإعسار للأفراد وتهم الاحتيال الجنائي للأفراد الذين يرفضون سداد ديونهم.[94] تظهر دراسة البنك الدولي كيف يمكن للقوانين أن تدمج هذه المعايير وتشير إلى أن حالات احتيال المقترضين في مثل هذه البلدان "تكاد تكون معدومة".[95]
الضغط على المحاكم والسجون
بالإضافة إلى كونه غير فعال، فإن حبس الأفراد غير القادرين على سداد ديونهم يرهق نظام المحاكم والسجون في الأردن. تم حبس حوالي 2,630 شخصا، أي حوالي 16% من نزلاء السجون في الأردن، بسبب عدم سداد القروض والشيكات المرتجعة في 2019، وفقا لتقرير وطني أقره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.[96] ويشير المجلس القضائي إلى أنه في 2019، كانت هناك 143 ألف قضية منظورة أمام المحاكم تتعلق بمسائل مالية في مختلف أنحاء البلاد.[97] من الصعب تحديد عدد المطلوبين بسبب التخلف عن سداد الديون، نظرا إلى غياب نظرة عامة شاملة أو سجلات لمعاملات الإقراض غير الرسمية.
وبحسب دراسة أجرتها "إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل" الأردنية في 2018، فإن التكلفة التي تتحملها الدولة لاستيعاب محتجز واحد تبلغ حوالي 750 دينارا أردنيا (1,057 دولار أمريكي) شهريا.[98] لغاية ديسمبر/كانون الأول 2019، كان عدد السجناء يزيد بنسبة 150% على الأقل عن الطاقة الاستيعابية للسجون. أقر وزير العدل بسام التلهوني بأن اكتظاظ السجون مشكلة كبيرة تحاول الحكومة حلها، نظرا إلى العبء المالي والإداري الذي تفرضه.[99] ربما أدى الإفراج عن السجناء أثناء حالة الطوارئ في 2020 بسبب فيروس كورونا إلى خفض هذه الأرقام مؤقتا، لكن ما يزال الأفراد محكومين ويواجهون إعادة الاعتقال في وقت لاحق.[100]
7. الالتزامات القانونية الدولية
يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل قاطع الحرمان من الحرية لعدم الوفاء بالتزام تعاقدي. وفقا للمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه الأردن والمنشور في الجريدة الرسمية، "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، ويشمل ذلك حظر الحرمان من الحرية الشخصية إما من قبل الدائن أو من قبل الدولة لعدم سداد الدين.[101] زعمت وزارة العدل أن العهد لم يمر على البرلمان ولذلك هو غير قابل للتطبيق دستوريا. ومع ذلك، حكمت المحاكم في الأردن أن العهد له الأولوية على مصادر التشريع الأخرى. وعلى أية حال، فإن الأردن ملزم بالامتثال للعهد بعد أن صادق عليه، بغض النظر عن وضعه في القانون المحلي. لذا، المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني تنتهك بشكل واضح وصارخ التزامات الأردن بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
يقع على الأردن أيضا التزام بضمان حصول السكان على مستوى معيشي لائق. بموجب المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن "مستوى معيشي كاف" للفرد وأسرته يستلزم توفير "ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، و]حق الفرد[ في تحسين متواصل لظروفه المعيشية". في حين أن خلق الديون وإنفاذها لا يتعارضان بشكل مباشر مع هذا الالتزام، إلا أن الأدلة تظهر أن حبس المدينين وبعض أنواع استيفاء الديون لها عواقب ضارة على قدرة العديد منهم على تأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية لأنفسهم أو لأسرهم، مثل الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية. في إطار وفاء الأردن بالتزامه بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، ينبغي له منع الممارسات التي لها مثل هذه العواقب والتخفيف منها على الأقل، والتنبه لضمان عدم مشاركة الدولة في مثل هذه الممارسات من خلال مؤسسات مثل الشرطة والمحاكم. كما أن تقاعس الدولة عن ضمان تمتع كل فرد بمستوى معيشي لائق ساهم في ممارسات الاقتراض غير المستدامة التي يتبعها الأفراد.
الإجراءات التي يتم من خلالها اعتقال الأشخاص لعدم سداد الديون ثم حبسهم في الأردن تثير مخاوف تتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة. على الحكومات أن تضمن للأفراد محاكمة عادلة. هذا الحق مكرس في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفقا لـ "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، يمتد هذا الالتزام ليشمل الإجراءات المدنية والإدارية والمحاكمات الجنائية، بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بالكمبيالات والشيكات بدون رصيد.[102] وهي تنطبق على أي حالة تؤدي إلى حكم بالسجن. الحق في محاكمة عادلة يشمل السماح للأفراد بالحق في الاستماع إليهم في الوقت المناسب ومن قبل محكمة مختصة، ومحايدة، ومستقلة. عندما يتم القبض على المدينين المزعومين، يجب أن تتاح لهم فرصة مقابلة قاضٍ مستقل ومحايد وعرض قضيتهم أمامه.
التوصيات
إلى مجلس النواب الأردني/ الحكومة
· إلغاء المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني التي تجيز حبس من تخلفوا عن سداد ديونهم.
· إصدار تشريع يوفر وسائل بديلة للدائنين لاسترداد الديون ويلزم القضاة بضمان إعطائها الأولوية على السجن. قد تشمل هذه البدائل أنظمة الدفع المشترك، أو الاقتطاع من الأجور بما لا يهدد معيشة الفرد المتعثر. يجب أن يطالب التشريع السلطة القضائية بتقييم ما إذا كان هناك رفض متعمد أو عجز فعلي عن الدفع.
· إصدار تشريع يسمح للأفراد بتقديم إقرار بالإعسار الشخصي عندما يتعذر عليهم سداد ديونهم بدلا من السجن. هذا النظام يجب أن يتبع أفضل الممارسات الدولية.
· إصدار تشريع لتنظيم استخدام سندات الأمر كأدوات دين والتأكد من أن عبء إثبات صحتها يقع على عاتق الطرف الذي يبرزها، وأن القاضي ملزم بإعلام المدين بالطرق المتاحة للطعن فيها.
· الإعلان عن ضمان الحق في مستوى معيشي لائق لكل مواطن ومقيم في الأردن، بما يشمل الحصول على السكن اللائق ومعقول التكلفة والغذاء والمياه والصرف الصحي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ضمان أجر معيشي لجميع العاملين، وضمان الحق في الضمان الاجتماعي الكافي، والانتقال نحو دخل أساسي مضمون.
· تخصيص الموارد لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي وجعلها متاحة أكثر، بما في ذلك برامج الدعم الحالية للمواطنين والمقيمين المعوزين، حتى لا يضطر الأفراد إلى الاقتراض لتغطية الاحتياجات الأساسية.
إلى المجلس القضائي ووزارة العدل
· توجيه السلطة القضائية المعنية بمطالبات الديون بتقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمقترضين وقدرتهم على السداد، والعمل مع الدائن والمقترض لوضع خطة سداد تستند إلى القدرة المالية للمقترض. أي خطة للسداد أو الحجز على الأصول أو الاقتطاع من الأجور يجب أن تحمي الحقوق الاقتصادية الأساسية للمقترض وقدرته على شراء الضروريات الأساسية.
o عندما يرى القضاء أن شخصا ما يرفض سداد الديون عمدا، فيمكنه الشروع في إجراءات احتيال جنائية قد تشمل السجن.
· توجيه القضاة لتقييم طريقة هيكلة الدين ومعدل الإقراض، إضافة إلى الظروف المحيطة، لتحديد هياكل الديون التعسفية أو أسعار الفائدة الباهظة.
توجيه القضاء بطلب الاجتماع مع المقترض وإتاحة الفرصة له للاعتراض على الدعاوى التي يقدمها الدائن أو تقديم بيّنة دفاعه.
· توجيه نقابة المحامين الأردنيين والمنظمات غير الحكومية المتخصصة في هذا المجال لتقديم دعم مجاني للمقترضين الفقراء الذين تتجاوز ديونهم المبلغ الذي يتطلب التمثيل القانوني.
إلى البنك المركزي الأردني
· تنظيم عمل جميع مؤسسات التمويل الأصغر والإقراض وإلزامها بالتسجيل لدى البنك المركزي والإعلان أنها لن تطلب حبس الأفراد المتخلفين عن سداد قروضهم.
· فرض العقوبات وتوسيع قدرات التفتيش، والرقابة، والإنفاذ لتحديد مؤسسات التمويل الأصغر والإقراض التي تنتهك حقوق المدين.
· تحديد أسعار الفائدة التي تفرضها مؤسسات التمويل الأصغر والإقراض بمستوى معقول لضمان قدرة الأفراد على السداد دون دفعهم نحو العَوز.
· مراقبة هذه الجهات لضمان قدرتها على التدقيق والمتابعة بشدة أكثر لضمان المزيد من المشاريع الناجحة.
· السماح للمزيد من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض بالاستفادة من نظام الائتمان المنظم بحيث يقل احتمال لجوئهم إلى أنظمة الإقراض غير الرسمية.
إلى مؤسسات التمويل الأصغر
· التعهد علنا بأنها ستكف عن المطالبة بسجن الأفراد الذين لا يسددون قروضهم، والالتزام بهذا التعهد.
o وضع معايير صارمة لمعدل سداد القروض للتأكد من أنها معقولة التكلفة ولا تؤثر سلبا على المستوى المعيشي المناسب للأسرة.
o توفير التعليم المالي والإدارة والتدريب على السداد لجميع العملاء.
إلى المانحين الدوليين والمؤسسات المالية
· حث الأردن على إلغاء المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني.
· تقديم المساعدة الفنية للأردن لتطوير إجراءات الإعسار الشخصية التي تسمح بتخفيف عبء الديون بشكل فعال وتمكين الفرد غير القادر على سداد ديونه من أن يكون منتجا اقتصاديا، بما في ذلك المعايير التي تتطلب من السلطات المختصة تقييم قدرة الفرد على السداد.
· الطلب من أي مؤسسة تمويل أصغر أو أي مؤسسة أخرى تختار هذه الجهات دعمها أن تلتزم علنا بعدم السعي إلى سجن الأفراد الذين لا يسددون قروضهم، وتقييم ممارساتهم لضمان الامتثال لهذا الالتزام.
شكر وتنويه
أجرت بحوث هذا التقرير وكتبته الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سارة الكيّالي. قدم نائب المدير آدم كوغل ومساعدة أبحاث في القسم نفسه التوجيه والدعم البحثي.
حرر التقرير نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك، إضافة إلى المستشار القانوني الأول كلايف بالدوين ونائب مدير البرامج توم بورتيوس. قدمت مراجعة مختصة كل من الباحثتين الأوليين سارة سعدون ولينا سيميت في قسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والباحثة الأولى في قسم حقوق المرأة روثنا بيغوم، والمدير المشارك لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة سامر مسقطي.
أعد هذا التقرير للنشر منسقة مساعدة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنسق التصوير الفوتوغرافي والمطبوعات ترافيس كار، والمنسق الأول خوسيه مارتينيز، والمدير الإداري فيتزروي هوبكنز.
نتوجه بالشكر الجزيل إلى محامٍ خبير في الأردن لتوجيهاته ومراجعته القانونية؛ وأستاذ القانون في كلية "جون مارشال للقانون" جيسون كيلبورن؛ و"شركة سائد كراجة وشركاه للمحاماة" على مراجعة التقرير ومشاركة خبراتهم.
أخيرا، تعرب هيومن رايتس ووتش عن تقديرها العميق للأشخاص الذين شاركوا قصصهم معنا.