تونس

استمر الوضع في تونس في عام 2004 على ما هو عليه من حيث الضيق بالمعارضة وعدم قبولها. ويهيمن "حزب التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم على الحياة السياسية، وتواصل الحكومة استغلال خطر الإرهاب والتطرف الديني كذريعة لقمع المعارضة السلمية. وتفرض السلطات قيوداً مشددة تعوق ممارسة الحق في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها. وكثيراً ما يتعرض من ينتقدون الحكومة للمضايقة أو السجن بتهم ملفقة بعد محاكمات جائرة. وبعد الإفراج المشروط عن زهاء 80 سجيناً سياسياً في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، ظل قرابة 400 آخرين وراء القضبان وكلهم تقريباً من المشتبه في أنهم من الإسلاميين. واستمر ورود أنباء موثوق بها تفيد باستخدام التعذيب وسوء المعاملة للحصول على إفادات من الأشخاص المشتبه بهم في الحجز. كما يتعرض السجناء المحكوم عليهم لسوء المعاملة بصورة متعمدة. وخلال عام 2004، احتُجز ما يقرب من 40 سجيناً سياسياً رهن الحبس الانفرادي بصورة تعسفية ولفترات مطولة، وقد قضى بعضهم معظم فترات العقد الأخير في عزلة.
وأُعيد انتخاب الرئيس زين العابدين بن علي لولاية رابعة مدتها خمسة أعوام في 24 أكتوبر/تشرين الأول، حيث فاز بنسبة 94.5 في المائة من الأصوات، بعد أن تم تعديل الدستور في أبريل/نيسان 2002 لحذف البند السابق الذي كان يقصر تولي الرئاسة على ثلاث فترات. وأتاح التعديل نفسه حصانة دائمة لرئيس الدولة من المحاسبة على أية أعمال ذات صلة بمهامه الرسمية. وأيد اثنان من منافسي بن علي الثلاثة في الانتخابات رئيس الدولة. ومنعت السلطات المرشح المعارض الوحيد الحقيقي محمد حلواني من طبع وتوزيع برنامجه الانتخابي. وسمحت السلطات لأنصار حلواني بالقيام بمسيرة احتجاج في العاصمة تونس في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2004، وهي أول حشد علني للمعارضة في الحقبة المعاصرة. وحصل حلواني على أقل من واحد في المائة من الأصوات حسب النتائج الرسمية. وقاطعت عدة أحزاب أخرى الانتخابات معتبرةً إياها غير نزيهة. وحصل الحزب الحاكم على جميع مقاعد الدوائر في البرلمان وعددها 152 مقعداً مما يضمن بقاء البرلمان أداةً طيعةً في أيدي الحكومة. وخُصص 37 مقعداً إضافياً لأعضاء أحزاب أخرى.
المدافعون عن حقوق الإنسان
تعمل أبرز منظمتين لحقوق الإنسان في تونس في ظل أوضاع قانونية مستعصية. فما زالت "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" التي أُسست في عام 1977 خاضعةً لحكم قضائي يبطل نتائج الانتخابات الداخلية التي أُجريت عام 2000 وأسفرت عن انتخاب لجنة تنفيذية تجاهر بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان. أما "المجلس الوطني للحريات في تونس" الذي مضى على إنشائه ست سنوات، فقد رفضت الحكومة الطلب الذي تقدم به للحصول على الاعتراف القانوني. وتقدمت منظمات أخرى معنية بحقوق الإنسان أُنشئت في فترات لاحقة بطلبات للحصول على التصريح القانوني إلا إنها لم تحصل عليه حتى الآن، ومن بينها "الجمعية الدولية للتضامن مع السجناء السياسيين" و"مركز استقلال القضاة والمحامين" و"جمعية مكافحة التعذيب في تونس".
ويتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان، شأنهم شأن المعارضين عموماً، للمراقبة المكثفة من جانب الشرطة، والمنع من السفر بين الحين والآخر، والفصل من العمل، وتعطيل خدمة الهاتف، ومضايقة الشرطة للأزواج أو الزوجات وأفراد الأسرة. وتعرض بعض المحامين والنشطاء المعنيين بحقوق الإنسان للاعتداء في الشارع على أيدي أفراد من أجهزة الأمن يرتدون الثياب المدنية ويرتكبون مثل هذه الأفعال وهم بمأمن تام من العقاب. ففي 5 يناير/كانون الثاني 2004، تعرضت سهام بن سدرين، وهي من مؤسسي "المجلس الوطني للحريات في تونس" ورئيسة تحرير مجلة "كلمة" المعارضة، للاعتداء واللكم على أيدي مجهولين أمام منزلها في وسط تونس. وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول، أفاد السجين السياسي السابق حمة الهمامي، الذي دعا حزبه لمقاطعة انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول الرئاسية، بأنه تعرض للاعتداء في بن عروس على أيدي رجال يرتدون الثياب المدنية لكموه وحطموا نظارته. وتعرضت ممتلكات تخص بعض دعاة حقوق الإنسان والمعارضين للتخريب، كما تعرضت منازلهم ومكاتبهم وسياراتهم للاقتحام في حوادث مريبة.
النظام القضائي
يفتقر القضاء التونسي للاستقلال؛ وكثيراً ما يتجاهل القضاة ادعاءات التعذيب والمخالفات الإجرائية ويقبل الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل وحيد أو أساسي لإدانة المتهمين. ففي 6 أبريل/نيسان 2004، على سبيل المثال، قضت محكمة في العاصمة تونس بسجن ستة رجال من زرزيس في جنوب البلاد لمدة 19 عاماً بتهمة تدبير هجمات إرهابية. وادعى المتهمون أنهم تعرضوا للتعذيب كي يدلي كل منهم باعترافات وبإفادات تدين الآخرين، وأن الشرطة زورت السجلات فيما يخص مكان وموعد القبض عليهم. ورفض القاضي التحقيق في هذه الادعاءات على الرغم من أن تلك "الاعترافات" كانت تمثل الدليل الأساسي في ملف القضية. وفي 6 يوليو/تموز، خفضت محكمة الاستئناف مدة العقوبة إلى 13 عاماً.
وتستخدم الحكومة المحاكم في إدانة وسجن من ينتقدون سياساتها بصورة سلمية. ففي 22 سبتمبر/أيلول 2004 ، سُجن جلال زغلامي، رئيس تحرير مجلة "قوس الكرامة" اليسارية التي تصدر دون ترخيص، وشقيقه نجيب بعد اضطرابات في مقهى في تونس افتعلها أفراد من الشرطة على حد قول الشقيقين. وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، حُكم عليهما بالسجن مدة فعلية قدرها ثمانية أشهر بتهمة الإضرار بممتلكات. واستكمل السجين السياسي السابق عبد الله زواري قضاء عقوبة السجن تسعة أشهر التي حُكم عليه بها في أغسطس/آب 2003، بعد محاكمة متعجلة ذات دوافع سياسية. وكان زواري قد ساعد باحثاً بمنظمة هيومن رايتس ووتش على مقابلة أسر في جنوب تونس في وقت سابق من ذلك الشهر.

وأُلقي القبض على بعض التونسيين المقيمين خارج البلاد أثناء زيارتهم لتونس وسُجنوا لقيامهم بأنشطة سياسية لا تُعد جرائم في البلدان التي وقعت فيها. فقد قُبض على سالم زردة عند عودته إلى تونس في عام 2002، وكانت محكمة تونسية قد أدانته في عام 1992 غيابياً بجرائم سياسية تخلو من استخدام العنف. وفي 29 يونيو/حزيران 2004، قضت محكمة عسكرية في تونس بسجنه سبع سنوات. وتوحي الأدلة التي قُدمت في المحاكمة بأنه لم يُحاكم سوى لضلوعه في أنشطة سلمية مع أعضاء في "حزب النهضة" أثناء وجوده في الخارج.
وتُعد سياسة إيداع بعض السجناء السياسيين رهن الحبس الانفرادي الصارم لفترات مطولة التي تتبعها تونس من بين البنود الأشد قسوة الباقية من النظام العقابي القاسي الذي كان معمولاً به في التسعينيات. ولا تقدم السلطات عموماً تفسيراً رسمياً للسجناء لسبب عزلهم، أو مدة ذلك العزل، أو السبل التي يمكنهم من خلالها استئناف ذلك القرار. وتمثل سياسة العزل على النحو الذي تُمارس به انتهاكاً للقانون التونسي فضلاً عن المعايير الدولية للعقوبات، وقد تُعد في بعض الحالات من قبيل التعذيب.
ولا تسمح الحكومة لمراقبين مستقلين بمعاينة السجون منذ عام 1991. وفي 20 أبريل/نيسان 2004، ألمح وزير العدل وحقوق الإنسان بشير تكاري في بيان إلى أن تونس قد تقبل قيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون، لكن بحلول أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2004 لم يكن قد تم الإعلان عن أي اتفاق مع اللجنة بهذا الصدد.
حرية الإعلام
ما زالت الصحافة التونسية تخضع إلى حد بعيد لسيطرة السلطات. ولا تقدم أي من وسائل الإعلام المطبوعة والمذاعة تغطية نقدية لسياسات الحكومة، باستثناء بضع مجلات مستقلة محدودة التوزيع تتعرض بين الحين والآخر لمصادرة أعدادها أو لمشاكل مع دور الطباعة. وخلال حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2004، خصصت كل وسائل الإعلام الرئيسية أوقات ومساحات كبيرة بشكل جائر لتقديم تغطية تتسم إلى حد بعيد بالتحيز لبن علي ومرشحي الحزب الحاكم، بينما لم تخصص سوى القليل من الوقت والمساحة لمرشحي الأحزاب الأخرى.
وتدعو تصريحات الحكومة للنهوض بالاتصالات الإلكترونية على أنها وسيلة للتحديث، ومع ذلك تمنع الوصول إلى بعض المواقع السياسية أو المعنية بحقوق الإنسان. ففي عام 2002، ألقت السلطات القبض على زهير يحياوي الذي كان يحرر مجلة إلكترونية على الإنترنت تسخر من حكم الرئيس بن علي. وأُفرج عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بعد أن قضى معظم عقوبة السنتين التي حُكم عليه بها بتهم ملفقة. ونظراً لما دأبت عليه تونس من قمع لحرية الإعلام وما تفرضه من قيود على الاتصال بشبكة الإنترنت بوجه خاص، فقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان اختيار تونس لاستضافة القمة العالمية لمجتمع المعلومات في نوفمبر/تشرين الثاني 2005.
إجراءات مكافحة الإرهاب
في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، زعمت السلطات التونسية أنها تتقدم الصفوف منذ أمد طويل في مكافحة الإرهاب والتطرف، مشيرةً إلى الحملة التي تقوم بها منذ فترة طويلة لقمع حركة "النهضة" الإسلامية التي كانت يوماً تغض الطرف عن نشاطها.
ومنذ عام 1991، لم يقع في تونس أي هجوم إرهابي يسقط فيه قتلى سوى حادث تفجير الشاحنة الملغومة الذي وقع في أبريل/نيسان 2002 واستهدف معبداً يهودياً في جزيرة جربة. وكان المفجر الانتحاري تونسياً، وأعلن تنظيم "القاعدة" مسؤوليته عن الهجوم. وفي ديسمبر/كانون الأول 2003، اعتمدت تونس قانوناً لمكافحة الإرهاب يتضمن تعريفاً واسعاً للإرهاب يمكن أن يُستغل في محاكمة الأشخاص لمجرد ممارستهم حقهم في المعارضة سلمياً. وينص القانون على عقوبات قاسية ويسمح بإحالة المشتبه بهم من المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
الأطراف الدولية الرئيسية
تراقب الولايات المتحدة بنشاط أوضاع حقوق الإنسان في تونس، لكن إشادة واشنطن المستمرة بدور الرئيس بن علي في مكافحة الإرهاب حدَّت بعض الشيء من أثر انتقادها لتلك الأوضاع. ومع ذلك فقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي كولن باول علناً، بعد لقائه مع الرئيس بن علي في ديسمبر/كانون الأول 2003، عن الحاجة إلى "مزيد من التعددية السياسية والانفتاح وقدر من الانفتاح فيما يتعلق بقدرة الصحفيين على القيام بعملهم." وعندما زار الرئيس بن علي واشنطن في فبراير/شباط 2004، أعرب الرئيس جورج بوش علناً عن رغبته في أن يرى في تونس "صحافة حرة تتمتع بالحيوية وكذلك عملية سياسية منفتحة." غير أن تعبير الإدارة الأمريكية علناً عن خيبة أملها لغياب المنافسة الحقيقية في انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول كان مخففاً للغاية.
واستمر سريان اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي على الرغم من تدني مستوى سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقد عبر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم بشأن أوضاع حقوق الإنسان في تونس، إلا أنهم لم يشيروا حتى الآن إلى أن الانتهاكات من شأنها أن تؤثر سلبياً على الاتفاق.

وما زال الرئيس الفرنسي جاك شيراك أقوى مؤيد في أوروبا للرئيس بن علي. وقد تفادى خلال زيارته لتونس في ديسمبر/كانون الأول 2003 بواعث القلق بخصوص الحقوق السياسية والمدنية من خلال إعلانه أن الحقوق "الأولى" هي الغذاء والرعاية الطبية والإسكان والتعليم، وإشادته بإنجازات تونس في هذه المجالات. وبعث الرئيس شيراك برسالة تهنئة إلى نظيره التونسي فور فوزه في انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول، التي افتقرت إلى النزاهة بشكل واضح.


التقاريرالسابقة | 1999 | 2000 | 2001 | 2002 | 2003 | 2004


  • البيان الصحفي
  • مصر
  • إيران
  • العراق
  • إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة
  • السعودية
  • سوريا
  • تونس
    English
  •