سوريا

وصف أحد رجال الأعمال البارزين في حلب سوريا بأنها "مجتمع رهن الاحتجاز". فما زالت حالة الطوارئ سارية منذ إعلانها عام 1963، وتواصل السلطات مضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم ممن ينتقدون سياسات الحكومة دون اللجوء إلى العنف، والزج بهم في السجون. وتفرض الحكومة قيوداً صارمة تحد من حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، وتعامل أبناء الأقلية الكردية كمواطنين من الدرجة الثانية. وتتعرض النساء للتمييز في القانون والمجتمع، ولا يُتاح للضحايا منهن سبيل يُذكر لنيل الإنصاف عندما يتعرضن للاغتصاب أو العنف في محيط الأسرة.
وفي تطور إيجابي أفرجت الحكومة في عام 2004 عما يزيد على مائة من السجناء السياسيين الذين لبثوا أمداً طويلاً وراء القضبان، وبذلك تجاوز عدد أمثال هؤلاء السجناء الذين أفرج عنهم الرئيس بشار الأسد منذ توليه السلطة في يونيو/حزيران عام 2000 سبعمائة سجين. ولكن ورد أن آلافا آخرين من السجناء السياسيين ما زالوا يرزحون في السجون السورية.
الاعتقال والاحتجاز التعسفيان والتعذيب وحالات "الاختفاء" لسوريا سجل حافل بحالات الاعتقال التعسفي، والتعذيب المنهجي، واحتجاز المشتبه بهم لفترات مطولة، والمحاكمات الشديدة الجور. وما زال آلاف السجناء السياسيين الذين ينتمي كثيرون منهم لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة والحزب الشيوعي رهن الاحتجاز. وفي السنوات الأخيرة أُلقي القبض على عشرات من الأشخاص المشتبه في أنهم على صلة بالإخوان المسلمين لدى عودتهم طواعية أو قسراً من الخارج.

وزعمت "اللجنة السورية لحقوق الإنسان"، وهي جماعة تتخذ من لندن مقراً لها، أن عدة سجناء سياسيين توفوا في الحجز في عام 2004 تحت وطأة التعذيب. وأُفرج في السنوات الأخيرة عن مئات من السجناء السياسيين الذين قضوا مدداً طويلة في السجون، ومع ذلك فما زال كثيرون رهن الاحتجاز رغم انتهاء مدد عقوباتهم. وتفيد "اللجنة السورية لحقوق الإنسان" بأن ما يُقدر بنحو أربعة آلاف سجين سياسي ما زالوا محتجزين في سوريا حالياً. ورفضت السلطات الكشف عن أي معلومات بخصوص أعداد أو أسماء المحتجزين بتهم سياسية أو أمنية.
ولم تقر الحكومة قط بالمسؤولية عما يُقدر بنحو 17 ألفاً من المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين عديمي الجنسية الذين "اختفوا" في لبنان في أوائل التسعينيات، ومن المعروف أو المعتقد أنهم مسجونون في سوريا.
اعتقال نشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي سياسات الحكومة
ما برحت الحكومة تستهدف دعاة حقوق الإنسان بكثرة؛ ففي أبريل/نيسان عام 2004 ألقت السلطات القبض على أكثم نعيسة رئيس "لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا" الذي يبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاماً، بعد أن نظم مظاهرة سلمية أمام مبنى البرلمان للمطالبة بإنهاء لحالة الطوارئ. وأُفرج عنه بكفالة في أواسط أغسطس/آب وسُمح له بالسفر للخارج، لكنه ما زال حتى وقت كتابة هذا التقرير يواجه تهماً وُجهت إليه بموجب قانون الطوارئ، من بينها "معارضة أهداف الثورة".
وما زال الدكتور عارف دليلة، وهو أستاذ بارز في الاقتصاد ومن بين الكثيرين من منتقدي الحكومة المسجونين، يقضي عقوبة السجن عشرة أعوام التي حُكم بها عليه في يوليو/تموز عام 2002 لانتقاده لسياسات الحكومة دون اللجوء للعنف. ويقضي النائب السابق مأمون الحمصي، وهو من دعاة الديمقراطية، حالياً عقوبة السجن خمس سنوات التي حُكم عليه بها بتهمة "محاولة تغيير الدستور". وظل خمسة رجال رهن الاحتجاز في أواخر عام 2004؛ وكانوا قد اعتُقلوا قبل ذلك بما يزيد على العام لتحميلهم على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم مواد تتعرض للحكومة بالانتقاد من موقع محظور على الإنترنت، وإرسالها بالبريد الإلكتروني إلى آخرين.
التمييز والعنف ضد الأكراد
في 12 مارس/آذار عام 2004 وقع اشتباك بين مشجعي فريقين متنافسين من فرق كرة القدم أحدهما كردي والآخر عربي في القامشلي، وهي مدينة أغلب سكانها من الأكراد قرب الحدود مع تركيا؛ وأدى الاشتباك لسقوط عدة قتلى وكثير من الجرحى. وفي اليوم التالي قام الأكراد بتخريب المتاجر والمكاتب خلال جنازة ضحايا أعمال الشغب، ولم تلبث أن امتدت أعمال العنف إلى المناطق القريبة. وردت الشرطة باستخدام الذخيرة الحية، الأمر الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 24 شخصاً وإصابة المئات، كما ألقت الشرطة القبض على عدة مئات آخرين. وتلقت منظمة هيومن رايتس ووتش معلومات موثوقاً بها تفيد بأن بعض المعتقلين تعرضوا للتعذيب، وورد أن اثنين منهم على الأقل توفيا في الحجز.
ويمثل الأكراد أكبر أقلية عرقية غير عربية في سوريا، حيث تقرب نسبتهم من عشرة في المائة من العدد الإجمالي لسكان البلاد البالغ 18.5 مليون نسمة؛ ويطالبون منذ أمد طويل بإجراء إصلاحات للتصدي للتمييز المنهجي الذي يتعرضون له، بما في ذلك الحرمان التعسفي من الجنسية الذي يعاني منه ما يقدر بقرابة 120 ألف كردي ممن وُلدوا في سوريا. وورد أن السلطات حذرت زعماء حزبين سياسيين كرديين غير معترف بهما، في يونيو/حزيران عام 2004، من أنها لن تقبل بأي أنشطة سياسية مستقلة.
التمييز ضد المرأة
يكفل الدستور السوري المساواة بين الرجال والنساء، وينشط كثير من النساء في الحياة العامة، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية، وكذلك قانون العقوبات، تحوي بنوداً تنطوي على تمييز ضد المرأة. فيسمح قانون العقوبات بوقف تنفيذ العقوبة القانونية على مرتكب جريمة الاغتصاب إذا ارتضى الزواج من ضحيته، كما يتيح استعمال الرأفة مع مرتكبي ما يُسمى بجرائم "الشرف"، مثل الاعتداء على قريباتهم من النساء بالضرب أو القتل بدعوى سوء السلوك الجنسي؛ وتُعاقب المرأة الزانية بضعف عقوبة الرجل الزاني؛ وللرجل أيضاً الحق في أن يطلب منع زوجته من السفر للخارج، كما ينطوي القانون على تمييز ضد المرأة فيما يخص الطلاق.
ولا تحتفظ الحكومة بإحصاءات فيما يخص الجرائم التي تقع على المرأة بسبب جنسها، مثل العنف في محيط الأسرة والاعتداء الجنسي، رغم أن بعض المنظمات غير الحكومية تقول إن العنف المنزلي من الأمور المألوفة، وإن الحكومة لا تبذل جهداً كافياً لمكافحته أو رعاية ضحاياه.
الأطراف الدولية الرئيسية
في أعقاب إقرار الكونغرس الأمريكي "قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان"، حظر الرئيس بوش في مايو/أيار عام 2004 تصدير السلع إلى سوريا والرحلات الجوية التجارية السورية إلى الولايات المتحدة، كما جمد الأصول الخاصة "ببعض الأفراد السوريين والهيئات الحكومية السورية". واستند القانون في إجازة فرض هذه العقوبات إلى استضافة سوريا لبعض الجماعات الفلسطينية المتشددة، ودعمها لتنظيم حزب الله اللبناني، ووجودها العسكري في لبنان، ومزاعم قيامها بجهود لصنع أسلحة كيماوية وبيولوجية، وما يُزعم عن دعمها للقوى المناهضة للولايات المتحدة في العراق.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2002 رحلت الولايات المتحدة قسراً إلى سوريا ماهر عرار الذي يحمل الجنسيتين السورية والكندية، والذي تزعم الحكومة الأمريكية أنه على صلة بتنظيم "القاعدة"، على الرغم من سجل سوريا الحافل بتعذيب المحتجزين لانتزاع اعترافات. وكان عرار اعتُقل في سبتمبر/أيلول عام 2002 أثناء سفره من تونس إلى كندا عبر مطار جون كنيدي في نيويورك. ونقلت سلطات الهجرة الأمريكية عرار جواً إلى الأردن، حيث سُلم إلى السلطات السورية رغم تصريحه المتكرر للمسؤولين الأمريكيين بأنه سيتعرض للتعذيب في سوريا. وأُفرج عن عرار بعد ذلك بعشرة شهور دون أن تُوجه إليه أي تهمة، وسُمح له بالعودة إلى كندا. وزعم بعد الإفراج عنه أنه تعرض للتعذيب مراراً باستخدام الكابلات وأسلاك الكهرباء على أيدي المحققين السوريين. وفي يناير/كانون الثاني عام 2004 أقام عرار دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية أمريكية يزعم فيها أن السلطات انتهكت قانون "حماية ضحايا التعذيب".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001 أُلقي القبض في المغرب على محمد حيدر زمار، وهو مواطن ألماني سوري المولد، ورُحِّل سراً إلى سوريا، وورد أن ذلك تم بمساعدة من الولايات المتحدة. ويقال إنه محتجز رهن الحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة للغاية تحت الأرض في فرع فلسطين بمقر المخابرات العسكرية في دمشق الذي يشيع فيه التعذيب وسوء المعاملة حسبما ورد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، وقعت المفوضية الأوروبية وسوريا بالأحرف الأولى اتفاقاً للمشاركة سيتم توقيعه في أوائل عام 2005 ثم يُحال إلى برلمانات جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي للتصديق عليه. وينص الاتفاق على أنه ينبغي على سوريا تنفيذ جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم انتشار الأسلحة وأن "احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية" يمثل "عنصراً أساسياً في الاتفاق". وحتى كتابة هذا التقرير لم تكن أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي قد لفتت الانتباه فيما يبدو إلى التناقض بين ممارسات سوريا والبند الخاص بحقوق الإنسان في الاتفاق.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2004 اشتركت فرنسا مع الولايات المتحدة في التقدم بالقرار رقم 1559 إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يطالب "القوى الخارجية"، أي سوريا، بسحب قواتها العسكرية من لبنان.


التقاريرالسابقة | 1999 | 2000 | 2001 | 2002 | 2003 | 2004


  • البيان الصحفي
  • مصر
  • إيران
  • العراق
  • إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة
  • السعودية
  • سوريا
  • تونس
    English
  •