Skip to main content

الهوس بالهجرة يقتل التزام "الاتحاد الأوروبي" بحقوق الإنسان

نُشر في: Politico
أشخاص سودانيون ويمنيون يعرضون بطاقات اللاجئين أو طالبي اللجوء الخاصة بهم في 12 أبريل/نيسان 2023 أمام مكتب "المنظمة الدولية للهجرة" في تونس العاصمة، بعد استخدام الشرطة التونسية في 11 أبريل/نيسان القوة والغاز المسيل للدموع لتفريق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين وتفكيك مخيمهم المؤقت أمام المكتب القريب لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين في تونس. © 2023 فتحي بلعيد/أ ف ب عبر غيتي إيمجز

صُورَّت تونس لسنوات على أنها قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي، لكنها اليوم لم تعد كذلك. في "انقلابه الدستوري" في العام 2021، حل الرئيس قيس سعيد البرلمان وأقال رئيس الوزراء، وركّز السلطات في يده، وسجن المنتقدين والمعارضين، وسحق التطلعات الديمقراطية. ومع عجزه عن معالجة الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها البلاد، لجأ إلى النهج الشعبوي المعتاد: البحث عن كبش فداء.

فضّل سعيّد استهداف الأقلية المستضعفة المؤلفة من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، وهي الهدف المفضل أيضا لليمين المتطرف الأوروبي. ويعاني الأفارقة السود في تونس من انتهاكات مروعة، حيث يُلامون على جميع مشاكل البلاد، ويُجرّدون من إنسانيتهم، ويُستهدفون بخطاب الكراهية حتى من سعيّد نفسه، ما يجعلهم عرضة للانتهاكات الشنيعة، بما فيها العنف المتزايد والتمييز والطرد الجماعي على الحدود البرية التونسية، ما تسبب في وفاة العشرات في المناطق الحدودية الصحراوية.

نظرا إلى تعهدات "الاتحاد الأوروبي" العديدة بتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في سياسته الخارجية، كان المرء ليتوقع من الاتحاد رد فعل قويا على تلك الانتهاكات العديدة وجهودا لإعادة تونس إلى مسار الديمقراطية.

لكن ما حصل في الواقع كان العكس.

في زيارة لتونس العاصمة يوم 15 يوليو/تموز، تعهّد "فريق أوروبا" المثير للجدل بتقديم مئات ملايين اليوروهات لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد، مقابل فقط التعاون في منع المهاجرين وطالبي اللجوء من المغادرة باتجاه أوروبا.

لم يُشر الاتفاق ولا التصريحات العلنية لممثلي فريق أوروبا مطلقا إلى سلطوية سعيّد والحاجة إلى إنهاء الانتهاكات ضد الأفارقة السود في البلاد، ناهيك عن الإعلان عن أي تدابير للتصدي لهذه الانتهاكات.

 وفيما يتعلق بأوروبا، من المؤسف أن هذه لم تكن حادثة معزولة.

فحتى منذ فترة طويلة، في العام 2008، توصلت الحكومة اليمينية الإيطالية بقيادة سيلفيو برلسكوني إلى اتفاق مع الزعيم الليبي آنذاك معمر القذافي، يقضي بإبقاء آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء الذين حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط وتعرضوا للاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمى في ليبيا. وبعد تسع سنوات، ومع غرق ليبيا ما بعد القذافي في الفوضى، توصلت حكومة يسار الوسط الإيطالية بقيادة باولو جنتيلوني، بمباركة الاتحاد الأوروبي، إلى اتفاق آخر مع "حكومة الوفاق الوطني" الليبية السابقة يهدف فقط إلى الحد من الهجرة.

في حين أن القانون يمنع إعادة الأشخاص الذين تنقذهم السفن الأوروبية إلى ليبيا، قررت الحكومات الأوروبية وقف عمليات البحث والإنقاذ وضخّ الأموال والمعدات إلى "حرس السواحل الليبي"، الذي يتألف إلى حد كبير من الميليشيات وأمراء الحرب وأتباعهم، الذين وُثِّقت جيدا وحشيتهم ضد الناس الذين يأخذون طريق الهجرة في ليبيا ــ ولا تزال هذه الوحشية مستمرة بتواطؤ أوروبي.

في العام 2016، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا يقضي بإعادة اللاجئين السوريين الذين وصلوا اليونان، رغم السلطوية المتزايدة للرئيس رجب طيب أردوغان. يقدم الاتحاد الدعم المالي لمراقبة الحدود لدول مثل مصر والمغرب ويُرحب بحفاوة بقادتهما في الاتحاد الأوروبي رغم انتهاكاتهما الموثقة جيدا، بما فيها تلك الممارسة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء.

ويشاع أنهما ستكونان الدولتين التاليتين في مسار الصفقات المشابهة للصفقة مع تونس، والتي أشادت بها رئيسة "المفوضية الأوروبية" فون دير لاين باعتبارها "مخططا" للمنطقة.

لا يتوقف تصميم أوروبا على ردع الهجرة بأي ثمن عند شواطئ المتوسط، بل يتعداه إلى مجالات أخرى من العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك التجارة ومساعدات التنمية.

ففي العام 2015، في قمة فاليتا، وافق الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على ربط تمويل التنمية للدول الأفريقية بتعزيز مراقبة الحدود.

تحاول مفوضية الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أيضا تحويل "مخطط الأفضليات المعمم" إلى أداة لابتزاز الحكومات الآسيوية والأفريقية للحد من الهجرة.

إذا أُخذ كل منها على حدة، قد تبدو هذه الأمثلة أنها تنمّ عن تهكّم، وغير مدروسة، وقصيرة النظر. لكنها، مجتمعةً، تُظهر استراتيجية الاتحاد الأوروبي الراسخة التي حادت به عن إعطاء الأولوية للحقوق والقيم في سياسته الخارجية.

وهذا الاختيار المتعمد له تبعات مدمرة وكبيرة.

أولا، يُظهر الاتحاد الأوروبي هنا بشكل مأساوي أن التزاماته الحقوقية لا تنطبق على المهاجرين وطالبي اللجوء، لا سيما إذا كانوا قادمين من أفريقيا أو الشرق الأوسط، ويرى وفاتهم، وسوء معاملتهم، ومعاناتهم بديلا أفضل من وجودهم على الأراضي الأوروبية.

ثانيا، في حين أن الاتحاد الأوروبي هو بشكل جماعي أكبر مانح إنساني في العالم وصوت رائد في منتديات حقوق الإنسان المتعددة الأطراف، يتسبب دعمه بدون تمييز للحكومات القمعية التي تتعهد بإبعاد المهاجرين في تضخيم المعايير المزدوجة الرئيسية في السياسة الخارجية للاتحاد. يؤدي ذلك إلى تآكل مصداقيته باعتباره فاعلا في مجال حقوق الإنسان لديه مبادئ، ويُصّعب عليه حشد الدعم الدولي للمبادرات التي يقودها.

ثالثا، عبر تشجيع مرتكبي القمع بدل الوقوف إلى جانب المضطهدين، يخون الاتحاد الأوروبي عددا هائلا من الناشطين، والصحفيين، والنقاد، والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يستمرون في دفع ثمن باهظ لفضح فساد حكوماتهم وانتهاكاتها في سعيهم إلى الانتقال إلى نظام ديمقراطي يحترم الحقوق في بلدانهم.

وأخيرا، يشكل خيار الاتحاد الأوروبي خطرا وجوديا على نفسه. فبينما الاستثمار في الدمج وإنشاء مسارات آمنة وقانونية للهجرة المنظمة غير كاف، تردد مؤسسات الاتحاد وزعماء الأحزاب الرئيسية على نحو متزايد السردية الديماغوجية لليمين المتطرف ذاتها والتي ترى الهجرة مصدر قلق أمني لا يمكن السيطرة عليه.

يساهم هذا الموقف في صعود اليمين المتطرف إلى السلطة وازدياد نفوذه في جميع أنحاء أوروبا. بالنسبة لكتلة ما تزال تتخذ قراراتها الرئيسية بالإجماع، فإن خطر إصابتها بالشلل حقيقي. علاوة على ذلك، لا يهدد صعود اليمين المتطرف حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء فحسب، ويهدد أيضا حقوق النساء وأفراد مجتمع الميم والأقليات الأخرى في أوروبا، فضلا عن الالتزام بسيادة القانون في عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي.

التضحية بحقوق المهاجرين واللاجئين من أجل مكاسب سياسية قصيرة الأجل هي خيار مفلس أخلاقيا، ويساهم أيضا في سلسلة من ردود الفعل التي تهدد بتبعيات كارثية على الاتحاد الأوروبي وقيمه التأسيسية. الضحية التالية لهوس الاتحاد الأوروبي بالهجرة قد يكون الاتحاد الأوروبي نفسه.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة