Skip to main content

الهجوم بغاز السارين ليس سوى إحدى الفظاعات في سوريا التي على المحكمة الجنائية الدولية ملاحقتها

نُشر في: ذي غارديان

التعامل الدبلوماسي مع الأسلحة الكيميائية يمنعنا من رؤية الأمور البديهية.. الفظاعات التي ارتكبها الأسد من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

مع بداية انتشار صور البالغين والأطفال وهم يتلوون من الألم في سوريا صباح يوم 21 أغسطس/آب، سرعان ما اتضح وقوع عمل غير دموي ولكنه وحشي أودى بحياة مئات الأشخاص في بلدات تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق. وخلص تقرير لـ هيومن رايتس ووتش، اعتمد على تحليل وتوثيق مستقلين، ونُشر آخر الأسبوع الماضي، خلص إلى أن الأدلة المتوفرة تشير بقوة إلى أن ما حدث كان بسبب هجوم بالأسلحة الكيميائية، وأن الحكومة السورية هي المسؤولة عنه.

كما أكد تقرير للأمم المتحدة، صدر في وقت سابق هذا الأسبوع، استخدام غاز السارين بدرجة سلاح. والتزامًا بمحدودية صلاحياتها، لم تحدد الأمم المتحدة الطرف المسؤول عن تنفيذ الهجوم. ولكن تفاصيل رئيسية في تقرير الأمم المتحدة، بما في ذلك الاتجاه الذي ربما جاءت منه بعض الصواريخ، مكّن هيومن رايتس ووتش من تحديد المكان الذي تلتقي فيه مسارات الصواريخ وهو قاعدة عسكرية معروفة تابعة للواء 104 للحرس الجمهوري.

أما اليوم، بعد أكثر من سنتين من الشلل الدبلوماسي في مجلس الأمن، وبعد وجود تهديد أمريكي ذي مصداقية بالرد العسكري على هجوم 21 أغسطس/آب، أظهرت روسيا استعدادًا متجددًا للتحرك الدبلوماسي. ربما تكون الصفقة المحتملة، التي مازالت لم تُناقش في مجلس الأمن، واعدة، وربما يكون التخلص من مخزون الأسلحة، التي يبدو أنها كثيرة وغير مشروعة، والتي لم يكن مُعترفًا بوجودها، انتصارًا هامًا. كما سيكون ذلك بمثابة الانتصار بالنسبة إلى المدنيين السوريين لأنهم لن يواجهوا في المستقبل تهديدات أخرى بشن هجمات كيميائية.

ولكن تدمير ترسانة الرئيس بشار الأسد من الأسلحة الكيميائية لن يساعد بشيء في حماية السوريين من الموت بالأسلحة التقليدية، بما في ذلك قذائف المدفعية والقنابل العنقودية والقنابل الحارقة، التي تسببت إلى الآن في مقتل أعداد من المدنيين تتجاوز بكثير أعداد ضحايا الهجوم الكيميائي في 21 أغسطس/آب. كما ساهمت المجازر اليومية وعمليات الإعدام الجماعية في الارتفاع الملحوظ لعدد القتلى في سوريا.

وعلى سبيل المثال، قامت القوات الحكومية السورية وقوات أخرى مساندة لها في مايو/أيار 2013 بإعدام ما لا يقل عن 248 شخصًا في بلدات البيضا وبانياس الساحليتين. وتم إعدام معظم هؤلاء الأشخاص بعد انتهاء المواجهات العسكرية وانسحاب مقاتلي المعارضة. وعند انتهاء القتال، دخلت القوات الحكومية والقوات المساندة لها إلى المنازل، وفصلت الرجال ثم قامت بإعدامهم من مسافات قريبة. وفي بعض الحالات، قامت هذه القوات بحرق الجثث التي أطلقت عليها النار.

وبالرغم من بشاعته الكبيرة، لم يكن هذا النوع من المجازر حدثا منفصلا، فالحكومة تنفذ أيضًا غارات جوية عشوائية، وأحيانًا بشكل متعمد، ضدّ المدنيين، وتستهدف المخابز والمستشفيات المكتظة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي غالبًا ما تكون بعيدة عن الأهداف العسكرية المشروعة. كما ارتكبت قوات المعارضة انتهاكات خطيرة، وعمدت بشكل متصاعد إلى تنفيذ عمليات إعدام وقصف عشوائي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

ولأن تركيز الدول المعنية منصب فقط على الأسلحة الكيميائية، ربما يستنتج الأسد أنه لا توجد دواعي كافية للخوف من الردّ العسكري على هذه المجازر. وفي غياب آلية ملموسة تضمن قدرًا من العدالة للضحايا، سوف ترتفع وتيرة العنف، بالأسلحة الكيميائية والتقليدية على حدّ سواء.

ومن الخطوات التي قد تدفع الأسد إلى إعادة التفكير في ذلك هي أن يُحيل مجلس الأمن الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي يمكن لها أن تنظر في جميع الأعمال المروعة المزعومة التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع. هذه الإحالة من شأنها إعطاء دفع قوي للتصريحات الصادرة عن قادة العالم الذين طالبوا بالمحاسبة في أعقاب الهجوم الكيميائي.

دعت 64 دولة مجلس الأمن إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وعبّر ستة من الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن بشكل علني عن مساندتهم لإحالة الملف السوري، وهذه الدول هي فرنسا، والمملكة المتحدة، ولكسمبورغ، والأرجنتين، وأستراليا، وكويا الجنوبية. ولكن إدارة الرئيس أوباما فشلت في مساندة إحالة الملف السوري رغم دعواتها المتكررة إلى المحاسبة. وبعد تأكيدات الإدارة الأمريكية على أن معارضة روسيا ستكون أمرًا مستعصيًا، وأنها تفضل "العمل مع السوريين وشعوب المنطقة والأطراف الفاعلة دوليًا لإنشاء محكمة مختلطة"، فإنه يتعين عليها الآن تحديد موقف واضح من إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

حتى في حالة ما إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن الأسلحة الكيميائية، لا يوجد ما يكفي من الأسباب للاعتقاد في أن الأسد لن يواصل استخدام الأسلحة التقليدية لذبح شعبه ما لم يتضمن ذلك الاتفاق إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولذلك فإن الوقت حان للرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري ليضمنا الالتزام بـ "مساءلة أولئك الذين يستخدمون أبشع الأسلحة ضدّ أضعف الشعوب في العالم"، والانحياز بقوة إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ورغم أن إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية لن تضع على الفور حدًا للفضاعات المرتكبة في سوريا، إلا أنها ستبعث برسالة واضحة إلى جميع الأطراف مفادها أنه لن يتم التسامح مع جميع أنواع الجرائم وأن العواقب ستكون وخيمة.   

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.