Would you like to read this page in English?
Yes

مخاطر سيناء

الأخطار التي تواجه المھاجرين واللاجئين وملتمسي اللجوء

 

مخاطر سيناء

 الأخطار التي تواجه المهاجرين واللاجئين وملتمسي اللجوء

في مصر وإسرائيل

ملخص....
منهج التقرير
التوصيات..
إلى الحكومة المصرية
إلى الحكومة الإسرائيلية
إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر
إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إسرائيل
إلى المجتمع الدولي
إلى حكومة الولايات المتحدة الأميركية
خلفية: تعداد اللاجئين وملتمسي اللجوء في كل من مصر وإسرائيل
الالتزامات إزاء المهاجرين بموجب القانون الدولي
أسباب القيام بالرحلة
اللاجئون وملتمسو اللجوء السودانيون
المشكلات الأمنية في مصر
غياب الحلول المستدامة
لاجئو وملتمسو لجوء القرن الأفريقي
السياسة القاتلة لمراقبة الحدود المصرية في سيناء والضغوط الإسرائيلية من أجل مراقبة الحدود وإعادة الأفراد
يونيو/حزيران 2007: تشديد السياسات..
الجهود المصرية من أجل تبرير استخدام القوة المميتة على الحدود
مخالفة مصر للمعايير الدولية الخاصة باستخدام القوة
ترهيب الأسر والفصل بين أفرادها على الحدود
وجود أدلة قليلة على الأثر الرادع
إساءات أخرى في سياق قبض شرطة الحدود المصرية على الأفراد
أوضاع المُصابين الذين يبلغون إسرائيل
عمليات "الإعادة الفورية المشروطة" الإسرائيلية
عمليات "الإعادة السريعة" الإسرائيلية
سياسة عمليات "الإعادة الفورية المُنسقة"

المعاملة المصرية للأشخاص المُحتجزين
محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية
فصل أفراد الأسر عن بعضهم البعض....
الحرمان من إتاحة إجراءات اللجوء
أوضاع الاحتجاز
رعاية صحية غير ملائمة
أوضاع النساء المحتجزات بصحبة أطفالهن على ذمة المحاكمة
احتجاز الأطفال غير المصحوبين برفقة البالغين
معاملة اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين في إسرائيل
عملية تحديد وضع اللاجئ في إسرائيل
الاحتجاز تلقائياً بحق من يدخل بصفة غير مشروعة من الحدود مع سيناء
قانون الدخول إلى إسرائيل وتحديد الأوضاع للأفراد
الاحتجاز ليس الحل الأخير
التحديد المبدئي لوضع اللجوء والحماية المؤقتة لبعض الجماعات..
تراجع الاحتجاز لأجل غير مسمى في 2007 ثم عودته في عام 2008
الطعن عام 2007 في قانون منع الاختراق
تشريع مُقترح لإعادة الاحتجاز لأجل غير مسمى
اعتقال ملتمسي اللجوء
شكر وتنويه
ملحق: الخسائر البشرية
2008 (23 قتيلاً)
2007 (10 قتلى):

 

  ملخص

 

منذ عام 2006 عبر إلى إسرائيل أكثر من 13000 لاجئ وملتمس لجوء ومهاجرون آخرون من مصر والحدود في سيناء. وأغلب هؤلاء وصلوا إلى إسرائيل منذ عام 2007. وفي بعض الأحيان، في مطلع عام 2008، كان يعبر الحدود إلى إسرائيل في الليلة الواحدة أكثر من 100 شخص.

 

وتصدت كل من مصر وإسرائيل لهذا التدفق عبر الحدود بسياسات انتهكت الحقوق الأساسية للأشخاص. وهذه الانتهاكات، خاصة على الجانب المصري، ازدادت تنوعاً وحدة في العام الماضي. في أغسطس/آب 2007 أطلق حرس الحدود المصريون النار على أربعة أشخاص وقاموا بضربهم مما أفضى إلى وفاتهم، وهذا أثناء محاولتهم العبور من مصر إلى إسرائيل، حسب ما قال الجنود الإسرائيليون الذين شهدوا واقعة القتل. والجنود الإسرائيليون – الذين يعتقدون أن المهاجرين كانوا سودانيين – كانوا قريبين بما يكفي لسماع المهاجرين "يصرخون من الألم إلى أن لقوا حتفهم"، حسب ما قال أحد الجنود. وتسبب حرس الحدود المصريون في مقتل 33 مهاجراً على الأقل وإصابة عشرات آخرين ممن حاولوا عبور الحدود إلى إسرائيل منذ وقوع أول ضحية معروفة، وهي امرأة حامل من دارفور ماتت في يونيو/حزيران 2007.

 

كما أعادت مصر رعايا إريتريين وسودانيين إلى بلدانهم الأصلية حيث يُرجح أن يتعرضوا للاضطهاد ولخطر التعذيب، دون السماح لهم بطلب اللجوء وعلى الرغم من وضعهم كملتمسي لجوء. وبدءاً من فبراير/شباط 2008 رفضت مصر السماح لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الاطلاع على الإريتريين المحتجزين، وحكمت محاكم عسكرية على الكثير منهم بالسجن لما يتراوح بين عام وثلاثة أعوام جراء الدخول بصفة غير قانونية إلى البلاد قادمين من السودان. وعلى مدار أسبوع في يونيو/حزيران أعادت مصر قسراً ما يُقدر عددهم بـ 1200 من هؤلاء المحتجزين، من بين عدد إجمالي بلغ 1400، إلى إريتريا، وأفادت الحكومة الإريترية باحتجاز 740 شخصاً من العائدين. وفي أواسط أبريل/نيسان قامت السلطات المصرية بترحيل 49 رجلاً من جنوب السودان إلى جوبا في جنوب السودان، و11 منهم على الأقل من ملتمسي اللجوء أو من اللاجئين.

 

وعلى الرغم من إدراك المسؤولين الإسرائيليين بالانتهاكات على الجانب المصري، فقد أعادت إسرائيل دون إجراءات قانونية بعض المهاجرين إلى مصر وكانوا قد عبروا الحدود في سيناء بصفة غير قانونية. وفي أغسطس/آب 2007 أعاد جنود إسرائيليون قسراً مجموعة من المهاجرين المحتجزين قوامها 48 شخصاً، ومنهم 44 شخصاً من السودان، وعادوا عبر الحدود دون السماح لهم بطلب اللجوء. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الحكومة المصرية وافقت على عمليات الإعادة وتقدمت بضمانات بعدم إساءة معاملة الأشخاص المُعادين، لكن سبق للحكومة المصرية أن أنكرت علناً وجود اتفاق من هذا النوع. كما تمت عمليات الإعادة رغم طلب تقدم به برلمانيون إسرائيليون يدعو الحكومة لعدم تنفيذ الخطط المزمعة لإعادة المهاجرين المقبوض عليهم إلى مصر. وقد احتجزت مصر 48 شخصاً ومنعت أي اتصال بهم، ومنهم 23 شخصاً بين لاجئ وملتمس لجوء. وحسب ما تردد في وسائل الإعلام، فقد رحلت مصر فيما بعد ما يتراوح بين 5 إلى 20 شخصاً ضمن مجموعة واحدة إلى السودان، التي سبق أن فر منها كثيرون منهم سعياً لطلب اللجوء.

وبين 23 و29 أغسطس/آب 2008 أعاد الجنود الإسرائيليون قسراً 91 مهاجراً آخرين إلى مصر، منهم بعض الأشخاص الإريتريين والسودانيين والصوماليين، دون السماح لهم بتقديم طلبات اللجوء. وذكر مسؤول عسكري بالجيش الإسرائيلي في شهادة خطية بقسم بأن "الضباط المتواجدين ميدانياً" لم يتبعوا الإجراءات الخاصة بتنفيذ الإعادة، لكن قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن "الجهاز السياسي" هو الذي أمر بعمليات الإعادة. وأماكن المُعادين الـ 91 – مثل مصير المُعادين الـ 48 منذ أغسطس/آب 2007 – مجهولة.

 

واحتجزت الدولتان المهاجرين لفترات مطولة دون السماح لهم بتقديم طلبات اللجوء. والدولتان طرفان في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول الاتفاقية لعام 1967، من ثم فلا يحق لهما معاقبة اللاجئين الهاربين من الاضطهاد. وورد في الأدلة التوجيهية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه يجب عدم استخدام احتجاز ملتمسي اللجوء إلا كحل أخير.

 

وأغلب من يعبرون سيناء من أجل دخول إسرائيل هم إريتريون وسودانيون. والكثير من الإريتريين البالغ عددهم زهاء 4300 شخص الذين طلبوا اللجوء في سيناء منذ عام 2006، فراراً من التجنيد الإجباري أو الاضطهاد السياسي، سافروا بصفة غير قانونية عبر السودان ومصر. والكثير من الـ 3700 سوداني الذين سعوا للجوء في إسرائيل، ومنهم أشخاص من جنوب السودان ومن دارفور، عاشوا في مصر بصفة ملتمسي لجوء لسنوات قبل أن تدفعهم المشكلات الأمنية وأوضاع المعيشة القاسية هناك إلى المخاطرة بعبور الحدود في سيناء بصفة غير قانونية. وهذه الأوضاع – حسب قول الكثير من السودانيين – لا تُحتمل، لأن لا مفر منها، مع تزايد صعوبة الخروج من مصر للاستقرار في دولة ثالثة. والصعوبة تكمن في أغلبها في تراجع اهتمام دول إعادة توطين مثل الولايات المتحدة في توطين الأشخاص بها، وأيضاً جراء قرار مفوضية شؤون اللاجئين الخاص بمصر القاضي بالكف عن الاعتراف بالسودانيين كلاجئين. وبدلاً من هذا تُصنف المفوضية جميع السودانيين ضمن فئة ملتمسي اللجوء دون المضي قدماً نحو إجراء تقييم لوضعهم كلاجئين. والمقصود بهذا الإجراء حماية السودانيين الجنوبيين الذين قد لا يستحقوا وضعية اللاجئ من الإعادة إلى السودان، إلا أن هذا يُصعّب الأمر على سكان دارفور، الذين من المرجح أنهم يستحقون وضعية اللاجئ ويُعاد توطينهم بالخارج.

 

ويقول الكثير ممن يعبرون الحدود في سيناء إنهم فروا إلى إسرائيل بدافع من اليأس، مع عدم القدرة على كسب ما يكفي للوفاء باحتياجاتهم الأساسية للحياة في مصر. ويقول آخرون إن العنصرية المنتشرة في مصر، والعنيفة في بعض الأحيان، تهدد أمنهم الشخصي، وإن ضباط الشرطة فشلوا في حمايتهم أو كانوا هم أنفسهم ممن ارتكبوا العنف بحقهم. وكان كل من تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش من المهاجرين تقريباً يعرفون بأن عبور الحدود يعني المخاطرة بالموت أو السجن لأنفسهم ولأسرهم. واستعدادهم لقبول مثل هذه المخاطرة يوضح صدق مزاعمهم بأنهم لم يتمكنوا من العثور على الحماية الفعالة في مصر.

 

وسعت الحكومة المصرية لتبرير سياسة الاستهداف بالقتل بحق اللاجئين وملتمسي اللجوء الذين يسعون لعبور الحدود في سيناء إلى إسرائيل، على أساس أن وجود شبكة إجرامية للتهريب في سيناء تمثل تهديداً على الأمن القومي. ويؤكد المسؤولون المصريون على الحاجة إلى السيطرة على حدود البلاد على ضوء الهجمات الإرهابية ضد الأهداف السياحية والحكومية التي وقعت في سيناء منذ عام 2004، وكذلك لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة وعبور المسلحين الفلسطينيين إلى غزة والخروج منها. وقام عناصر من شرطة الحدود المصرية في حالتين معروفتين بإطلاق النار على مُهربين مما أدى لمقتلهم. إلا أن في الحالات المعروفة التي تسببت فيها قوات الأمن المصرية في مقتل وإصابة الأشخاص قرب الحدود، كانت جميعها تقريباً تضم مهاجرين ولاجئين أفارقة، ولم تكن بينها واقعة إطلاق نار من قبل القوات دفاعاً عن النفس.

 

وقامت قوات الأمن المصرية على امتداد حدود سيناء وعلى الحدود الجنوبية للبلاد مع السودان، باعتقال الآلاف من المهاجرين أثناء رحلتهم إلى إسرائيل. وتقضي سياسات الاحتجاز المصرية بالفصل بين أفراد أسر المهاجرين، ما بين الأزواج والزوجات والصبية والأمهات وغيرهن من القريبات من النساء، والفتيات عن الأقارب الرجال. أما الصبية والفتيات الذين يتم اعتقالهم دون أقارب لهم من نفس النوع فيتم احتجازهم مع بالغين لا تربطهم بهم صلة قرابة. ويتعرض الأطفال لنفس أوضاع الاحتجاز السيئة التي يعاني منها البالغون، وفيما لا يُحاكم الأطفال أو يُحكم عليهم على ما يبدو، فإنهم يتعرضون للاحتجاز لشهور. وأثناء المحاكمة يتم الإفراج عن الأمهات المحتجزات مع أطفالهن دون عقوبات، لكن الآباء المحتجزين مع أطفالهم يجب أن يمضوا فترات في السجن.

 

وحاكمت مصر جميع المهاجرين بصفة غير شرعية الذين تم القبض عليهم في المناطق الحدودية الأمنية، وهذا أمام المحاكم العسكرية وليس المحاكم المدنية، على الرغم من أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يقصر بصفة عامة اختصاص المحاكم العسكرية على القضايا المتورط فيها أشخاص عسكريون وانتهاكات ومخالفات تخص القانون العسكري. ولا يوجد في مصر نظام رسمي يكفل للمهاجرين المحتجزين قدرة التقديم في إجراءات التماس اللجوء. وفيما يتمكن بعض المهاجرين المحتجزين – عبر رشوة حراس السجن أو باستخدام الهواتف النقالة الخاصة بسجناء آخرين سراً – من تعريف مفوضية شؤون اللاجئين بقضاياهم؛ فإن كثيرين لا يمكنهم هذا.

 

ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان على الدول حرمان أي شخص خاضع لسلطتها تعسفاً من الحق في الحياة. وقد استخدمت شرطة الحدود المصرية في منطقة سيناء الحدودية القوة المميتة فيما يبدو أنه سلوك تعسفي، انتهاكاً للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وعلى الشرطة ألا تلجا إلى القوة المميتة إلا حين لا يكون هناك بديل لها من أجل حماية الحياة.

 

كما يُلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحكومة المصرية بأن توفر إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة للمهاجرين المحتجزين جراء انتهاك القوانين الوطنية. وفيما يمكن لمصر تجريم الدخول غير القانوني إلى المناطق العسكرية المحظورة، كسيناء، فعليها أن توفر المحاكمة العادلة للأشخاص المحتجزين والمتهمين بمخالفة هذا الحظر.

 

أما المهاجرون الذين ينجحون في عبور الحدود إلى إسرائيل – في غياب قوانين للجوء أو إجراءات ملائمة – فكثيراً ما يتعرضون لمعاملة تعسفية لا سند لها من القانون. وبين عامي 2005 و2007، سجنت السلطات الإسرائيلية مهاجرين سودانيين، بينهم أطفال، لفترات تزيد على العام دون مراجعة قضائية. وبعد تقديم منظمات مجتمع مدني إسرائيلية لطعن قضائي مقبول، لم تعد إسرائيل تحتجز الأشخاص القادمين بصفة غير قانونية من مصر لأجل غير مسمى. إلا أن التشريع الإسرائيلي المُقترح في هذا الصدد يفرض فترات سجن تتراوح بين خمس إلى سبع سنوات، بحق "مخترقي الحدود" الذين يتم القبض عليهم بعد 72 ساعة من دخولهم غير القانوني، ومن يتم القبض عليهم خلال 72 ساعة من دخولهم تتم إعادتهم قسراً إلى مصر. وتستمر إسرائيل في احتجاز البعض – ومنهم الأطفال والأحداث غير المصحوبين – لشهور في أوضاع سيئة، كما تفصل سياسات الاحتجاز الإسرائيلية بين الأزواج والزوجات، وبينهم وبين أطفالهم.

 

وفي يناير/كانون الثاني 2008 منحت إسرائيل تأشيرات إقامة مؤقتة لستمائة شخص من دارفور وتصاريح عمل لألفي إريتري. إلا أن المسؤولين الإسرائيلين تذرعوا بالاحتياج إلى سياسات "صارمة" بحق عابري الحدود غير القانونيين، وأبدوا خوفهم من "فيضان" من مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة القادمين لأسباب اقتصادية ممن قد ينجذبوا إلى الدخول إلى إسرائيل. وتكرر تهديد المسؤولين الإسرائيليين بترحيل أغلب القادمين – وهو التهديد الذي تسبب في إشاعة الذعر في مجتمعات المهاجرين في تل أبيب حين قامت شرطة الهجرة بالقبض على المئات من ملتمسي اللجوء المعترف بهم وآخرين في فبراير/شباط 2008. وبدءاً من ذلك الشهر، منعت إسرائيل على القادمين الجدد والمهاجرين الذين انتهت وثائق الإقامة الأصلية الخاصة بهم، الإقامة أو العمل في منطقة تل أبيب، حيث يقطن أغلبهم جزئياً بسبب سهولة العثور على وظائف وتواجد بعض المنظمات غير الحكومية التي توفر خدمات لمجتمع ملتمسي اللجوء. واعتقلت الشرطة مرة ثانية المئات من المهاجرين في تل أبيب شهر يوليو/تموز.

 

وإسرائيل، بصفتها دولة طرف في اتفاقية وبروتوكول اللاجئين، يجب ألا تحتجز المهاجرين وملتمسي اللجوء إلا في حالة الضرورة للتأكد من هوياتهم ومن أسانيد طلباتهم الخاصة بالتماس اللجوء، وألا تُجرم ملتمسي اللجوء جراء الدخول غير النظامي. ومصر، بصفتها دولة طرف في الاتفاقية والبروتوكول أعلاه (بالإضافة إلى الاتفاقية الأفريقية للاجئين)، عليها أن تعطي المهاجرين فرصة لتقديم طلبات التماس اللجوء وأن تتيح النظر في هذه اطلبات، قبل اتخاذ أي قرار بالترحيل. ويجب على إسرائيل أن تتوقف عن الدفع بمشروع القانون الذي من شأنه أن يسمح بترحيل عابري الحدود المقبوض عليهم أثناء 72 ساعة من العبور، وهو أيضاً التشريع الذي تغيب عنه ضمانة بألا تفوق الاعتبارات الأمنية الحق في تقديم طلب اللجوء.

 

وقانون اللاجئين، وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تحظر جميعاً على الدول إجراء عمليات إعادة قسرية للاجئين إلى بلدان يُخشى فيها بناء على أسس قوية الاضطهاد أو التعذيب، أو إلى دول ثالثة قد لا تحترم هذا الحظر. وعلى كل من إسرائيل ومصر الالتزام، بموجب قانون اللاجئين والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل، ضمان ألا يتم الفصل بين الأطفال والآباء إلا حين يكون هذا في المصلحة الفضلى للطفل، وضمان أنه في حالة احتجاز الأطفال، أن يتم هذا في أوضاع ملائمة لحالة الأطفال الخاصة. كما تتطلب هذه الاتفاقيات من مصر وإسرائيل حماية حق المهاجرين في وحدة الأسرة، بعد تشتيت أفرادها بلا ضرورة، واتخاذ خطوات فورية لجمع شتات الأسرة حتى إذا لم تكن الدولة نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن الفصل ما بين أفراد الأسرة.

 

وقد قامت منظمات مجتمع مدني إسرائيلية وجماعات طلابية ومتطوعون وغيرهم من المواطنين بالتصدي لمعاملة الحكومة للقادمين الجدد من أفريقيا، وحاولوا سد الفجوة المتخلفة عن فشل الحكومة في توفير خدمات لمساعدة المهاجرين. وفي مصر، حيث 40 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه، فإن ابتلاء المهاجرين الأجانب واللاجئين لم يربح الكثير من التعاطف. ومنظمات المجتمع المدني المصرية التي تخدم اللاجئين وملتمسي اللجوء تعاني من نقص في الموارد، بالإضافة إلى عملها بشكل عام في أجواء الرقابة الحكومية على المجتمع المدني.

منهج التقرير

يستند هذا التقرير إلى مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش مع 69 لاجئاً وملتمس لجوء ومهاجرين آخرين في كل من إسرائيل ومصر، ومع أعضاء من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في مصر وإسرائيل، ومع مسؤولين حكوميين في إسرائيل ومصر، ومع مسؤولين من مفوضية شؤون اللاجئين في إسرائيل وفي مصر، ومع معلمين للاجئين وأطفال للمهاجرين في إسرائيل. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع جنود حاليين وسابقين في صفوف الجيش الإسرائيلي، وأحدهم على رتبة عسكرية رفيعة، ومع متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية. وتلقت هيومن رايتس ووتش ردوداً مكتوبة على أسئلة من المسؤولين الإسرائيليين والمصريين، وما ورد بهذه الردود ينعكس ضمن سياق التقرير.

 

ولم ترد الحكومة المصرية على طلبات هيومن رايتس ووتش بالحصول على إذن لزيارة مراكز الاحتجاز التي يتم فيها احتجاز اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين، وقابلت الحكومة الإسرائيلية الطلب نفسه بالرفض. والأوصاف الواردة بهذا التقرير عن مراكز الاحتجاز مستمدة من مقابلات مع اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين الذين تم احتجازهم، وكذلك من مقابلات مع محاميّهم، وممثلين عن منظمات مجتمعية وأفراد الأسرة الذين زاروا مراكز الاحتجاز هذه.

 

وجميع المهاجرين وملتمسي اللجوء واللاجئين الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير مذكورين في التقرير بالحروف الأولى (ولا تعبر هذه الحروف عن أسمائهم الحقيقية) وهذا لصالح سلامة وأمن هؤلاء الأفراد.

 

  التوصيات

 

إلى الحكومة المصرية

  • يجب توجيه الأمر لشرطة الحدود بألا تستخدم القوة المميتة إلا إذا كانت متناسبة وضرورية لدرء تهديد للحياة.
  • يجب إجراء تحقيق مستفيض ومحايد فيما تم الإبلاغ عنه من وقائع إطلاق نار وضرب لثلاثة وثلاثين سودانياً وغيرهم من المهاجرين الأفارقة، والكشف علناً عن نتائج هذا التحقيق. ويجب مقاضاة أي مسؤول يتبين أنه قتل بصفة غير قانونية أو أصاب أي مهاجرين، أو أعطى الأوامر بهذا، ومحاسبة أي مسؤول يتولى مسؤولية الإشراف ويتبين مسؤوليته عن مثل هذه الوقائع.
  • يجب الكف عن استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المهاجرين واللاجئين وملتمسي اللجوء المدنيين المحتجزين في سيناء.
  • يجب ضمان إتاحة إطلاع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على ملتمسي اللجوء واللاجئين المحتجزين رسمياً، وكذلك المهاجرين الذين لم يُسجلوا بعد لدى المفوضية ممن لديهم احتياجات حماية دولية، مع كفالة القدرة على الاتصال بالمفوضية للمهاجرين المحتجزين (ومنهم المهاجرون الذين لم يُسجوا بعد لدى المفوضية).
  • يجب إعطاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحق دون إعاقة في الاطلاع على كافة مراكز الاحتجاز، ومنها تلك الواقعة في المناطق الأمنية في سيناء وبالقرب من الحدود مع السودان.
  • يجب الكف عن ترحيل المهاجرين المُحتجزين إلى أن يتم تشغيل نظام يضمن إتاحة مقابلة المفوضية للمهاجرين المحتجزين بصفة فعالة، وضمان أن هذا النظام يعمل في كافة مراكز الاحتجاز التي يتم فيها احتجاز المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما يقع من مراكز الاحتجاز في محافظات أسوان والوادي الجديد والبحر الأحمر وشمال سيناء.
  • يجب الكف عن احتجاز الأطفال في السجون العادية، والسعي لتوفير بدائل متفقة مع المعايير الدولية لحماية وحدة الأسرة وتحقيق المصلحة الفضلى للأطفال.
  • يجب السماح بالمراقبة الخارجية لأوضاع الاحتجاز في مراكز الاحتجاز، حيث يتم احتجاز عابري الحدود غير النظاميين، لا سيما في سيناء وعلى امتداد الحدود الجنوبية مع السودان.
  • يجب السعي لإبرام اتفاق مع إسرائيل للسماح بجمع شتات أسر اللاجئين والمهاجرين التي انفصلت عند الحدود.
  • يجب النظر في اتخاذ خطوات من شأنها كفالة الدمج بالمجتمع للاجئين وملتمسي اللجوء، مع توفير حق العمل للاجئين وملتمسي اللجوء، والتصدي للمشكلات الأمنية التي تواجه المجتمعات المحلية للاجئين وملتمسي اللجوء.
  • يجب تنفيذ إجراءات عادلة لتقرير المصير تخص اللاجئين، مع توفير ضمانات إجرائية، بالإضافة إلى نظام لجوء فعال ويتفق مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي.

 

 

إلى الحكومة الإسرائيلية

  • يجب التوقف عن إجراء المزيد من عمليات "الإعادة المنسقة" إلى مصر، بحق الأشخاص الذين عبروا الحدود من سيناء، إلى أن:
    • تضع إسرائيل نظاماً لضمان قدرة عابري الحدود على تقديم طلبات اللجوء.
    • تضمن مصر بصورة موثوقة أنها سوف (1) تحترم حقوق العائدين المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، (2) ألا تعيد الأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر الاضطهاد، (3) تسمح لمفوضية شؤون اللاجئين بزيارة كل العائدين في الاحتجاز وبمراقبة أوضاعهم.
  • يجب رفض – أو تعديل – التشريع المقترح الخاص بعابري الحدود غير النظاميين لإزالة الأحكام التي تستوجب الإعادة الفورية للمهاجرين إلى مصر، والأحكام الخاصة بحد أدنى من عقوبة السجن للمهاجرين الذين لا يمكن إعادتهم بصورة فورية.
  • يجب ضمان أن الأشخاص الذين يسعون لتقديم طلبات اللجوء بعد عبور الحدود من سيناء إلى إسرائيل لا يتم احتجازهم إلا للتيقن من هويتهم وأسانيد تقديمهم لطلب اللجوء، ولضمان ألا تتشتت الأسر أثناء الاحتجاز.
  • يجب ضمان أن احتجاز الأطفال يتفق مع المعايير الدولية لوحدة الأسرة والمصلحة الفضلى للطفل.
  • يجب السماح بالمراقبة الخارجية لأوضاع مراكز الاحتجاز حيث يتم احتجاز عابري الحدود غير النظاميين، لا سيما مركز احتجاز كيتزيوت.
  • يجب تنفيذ إجراءات لتحديد وضعية اللاجئين على أن تتمتع بالعدالة والسرعة، وأن يُنفذ إلى جانب هذه الإجراءات إجراءات حماية، في ظل نظام لجوء فعال ويتفق مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
  • يجب الكف عن إجراء حملات اعتقال مستقبلية واحتجاز بحق ملتمسي اللجوء المُسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، أو بحق من تم تنظيم أوضاعهم، بما يتفق مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.

 

إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر

  • يجب وضع حد لتجميد طلبات سكان دارفور على مستوى ملتمسي اللجوء والسماح بالنظر بالكامل في طلباتهم بالتماس اللجوء، مع الاستمرار في منح وضعية ملتمس اللجوء للسودانيين في مصر كحد أدنى للحماية من الإعادة القسرية.
  • يجب التعاون مع الحكومة المصرية من أجل فرض نظام للزيارات المنتظمة لكافة مراكز الاحتجاز التي يتواجد بها المهاجرون.
  • يجب التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إسرائيل للتعرف على أعضاء أسر اللاجئين وملتمسي اللجوء الذين تشتتوا أثناء عبور الحدود في سيناء، بغية جمع شمل الأسر.
  • يجب الاستمرار في الاجتماعات الدورية مع منظمات اللاجئين المجتمعية ومحاولة تحسين العلاقات مع مجتمعات اللاجئين في مصر.
  • يجب توفير المساعدة التقنية لمجلس الشعب على مسار إعداد قانون للاجئين يتفق مع تصديق مصر على اتفاقية وبروتوكول اللاجئين ومساعدة الحكومة على تقديم إجراءات لتحديد وضعية اللاجئ ونظام للجوء يتفق مع المعايير الدولية.

 

إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إسرائيل

  • يجب التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر للتعرف على أعضاء أسر اللاجئين وملتمسي اللجوء الذين تشتتوا أثناء عبور الحدود في سيناء، بغية جمع شمل الأسرة.
  • يجب توفير المساعدة التقنية للكنيست على مسار إعداد قانون للاجئين يتفق مع تصديق إسرائيل على اتفاقية وبروتوكول اللاجئين ومساعدة الحكومة على تقديم إجراءات لتحديد وضعية اللاجئ ونظام للجوء يتفق مع المعايير الدولية.

 

إلى المجتمع الدولي

  • يجب محاولة إتاحة المزيد من الأماكن لإعادة توطين اللاجئين المتواجدين حالياً في مصر وإسرائيل.

 

إلى حكومة الولايات المتحدة الأميركية

  • يجب ضمان عدم منح أي تمويل أو تدريب أو أسلحة لوحدات شرطة الحدود المصرية المسؤولة عن استخدام القوة المميتة بحق المهاجرين وملتمسي اللجوء والمهاجرين.

 

 

  خلفية: تعداد اللاجئين وملتمسي اللجوء في كل من مصر وإسرائيل

 

يُقدر حالياً عدد المهاجرين في مصر بما يتراوح بين 750 ألفاً و4 ملايين شخص، منهم زهاء 43 ألفاً مُسجلين بصفة ملتمسي لجوء أو تم الاعتراف بهم كلاجئين.[1] والسودانيون هم أكبر مجموعة من المهاجرين.

 

وحتى عام 2005، كانت إسرائيل دولة لجوء لبضعة مئات من المهاجرين وملتمسي اللجوء الأفارقة من غير اليهود.[2] ومنذ عام 2006 التمس اللجوء في إسرائيل أكثر من 13 ألف لاجئ وملتمس لجوء ومهاجر، وهم بالأساس من إريتريا (4290)، والسودان (3714)، وساحل العاج (1284).[3] والأغلبية العظمى منهم عبروا الحدود من مصر إلى إسرائيل في سيناء. ودفع الكثيرون منهم النقود للمهربين الذين قاموا بتوصيلهم إلى نقطة يمكنهم منها عبور الحدود سيراً على الأقدام من الجانب المصري إلى الإسرائيلي. وعلى الرغم من اعتبار الحكومة المصرية للحدود منطقة أمنية مغلقة – وأجزاء منها تقع على امتداد قطاع غزة وشرقه وبالقرب من مدينة إيلات الإسرائيلية هي أجزاء مُشيدة فيها الأسوار – فإن أغلب مساحة الحدود الممتدة 266 كيلومتراً مفتوحة دون أسوار.

 

والكثير من السودانيين الذين يعبرون إلى إسرائيل أو يحاولون العبور هم ملتمسو لجوء ولاجئون كافحوا لسنوات للعيش في مصر. ويبدو أن بعض المهاجرين السودانيين الآخرين فروا من النزاع المسلح في دارفور مباشرة وسافروا عبر مصر سريعاً في مسار مُحدد إلى إسرائيل. والكثير من الإريتريين مثلهم سعوا للانتقال مباشرة عبر السودان ثم مصر إلى إسرائيل.

 

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية الثانية في السودان عام 1983 على الأقل، والتي تسببت في تشريد زهاء أربعة ملايين نسمة من جنوب السودان وخلفت مليوني قتيل، استضافت مصر قطاعاً كبيراً من السودانيين.[4] وقد انتهت رسمياً الحرب بين الحكومة في الخرطوم وحركة/جيش تحرير السودان باتفاق السلام الشامل المبرم في يناير/كانون الثاني 2005. إلا أنه منذ عام 2003 تسبب نزاع منفصل في دارفور، غربي السودان، في مقتل 300 ألف نسمة وتشريد 2.7 مليون نسمة.[5]

 

كما التمس الأمان في مصر، لاجئون من نزاعات مسلحة والقمع السياسي في منطقة القرن الأفريقي وحولها، منذ التسعينات.

 

وبعد أن شبهت التقديرات العامة في إسرائيل الوضع في دارفور بالهولوكوست، أمر رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بمنح 500 من أهالي دارفور (وارتفع الرقم فيما بعد إلى 600) تصاريح إقامة مؤقتة قابلة للتجديد ("تأشيرات أ-5") في سبتمبر/أيلول 2007.[6] وتجاهل القرار الكثير من طلبات التماس اللجوء النافذة من غير أهالي دارفور، وكذلك 150 دارفورياً على الأقل ممن لم يصلوا إلى إسرائيل بحلول الموعد النهائي لتوفير الإقامة. كما منحت الحكومة تصاريح عمل قابلة للتجديد ("تأشيرة ب-1") لزهاء 2000 إريتري ممن وصلوا قبل 25 ديسمبر/كانون الأول 2007. وبدأ الإريتريون الذين توافدوا على إسرائيل بعد ذلك التاريخ في تلقي تصاريح العمل في فبراير/شباط 2008، لكن لا تسمح لهم هذه الوثائق بالإقامة في تل أبيب أو القدس.[7]

 

الالتزامات إزاء المهاجرين بموجب القانون الدولي

مصر وإسرائيل دولتان طرف في اتفاقية 1951 للاجئين وبروتوكولها لعام 1967.[8] كما أن مصر دولة طرف في اتفاقية اللاجئين الأفريقية لعام 1974.[9] وبصفتهما دولتان طرف في إطار عمل الحماية الدولية للاجئين، فعلى مصر وإسرائيل ألا تعاقبا اللاجئين الفارين من الاضطهاد. ويحق لهما احتجاز اللاجئين وملتمسي اللجوء، لكن فقط في حالة الضرورة من أجل تنظيم أوضاعهم، كما هو الحال لدى الاحتجاز من أجل التيقن من الهوية وأسانيد تبرير التماس اللجوء.[10]

 

كما تُلزم المعايير الدولية مصر وإسرائيل بتوفير فرصة تقديم المهاجرين المحتجزين لالتماس اللجوء  قبل ترحيلهم. ويجب أن تتفق إجراءات اللجوء مع المعايير الدنيا، وتشمل أن يجريها مُدرَبون بمجال قانون اللاجئين، ويتحدثون لغة يفهمها ملتمس اللجوء.[11] ويحق لملتمسي اللجوء الطعن في رفض طلباتهم، ويجب على الدول ألا تقوم بترحيلهم قبل السماح لهم بالطعن.[12]

 

وليس على مصر التزام في التشريعات الوطنية بتفعيل الالتزامات التي تمت الموافقة عليها بموجب التصديق على الاتفاقيات الدولية والإقليمية للاجئين.[13] وحسب شروط مذكرة تفاهم عام 1954، لم تعد مصر تتحمل أي مسؤولية بتحديد وضع اللاجئ أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.[14] ومن الأسباب المحتملة لتقرير بعض المهاجرين واللاجئين الفرار إلى مصر في التسعينات حقيقة وجود مكتب لمفوضية شؤون اللاجئين في مصر، وكذلك برامج كفالة خاصة تابعة لكل من كندا وأستراليا والولايات المتحدة وفنلندا، بموجبها يتم إعادة توطين أعداد كبيرة من اللاجئين في دول ثالثة.[15] لكن أثناء السنوات الأخيرة تباطئ إيقاع عمليات إعادة التوطين من مصر إلى دول ثالثة إلى حد كبير. ونظراً للمشكلات الأمنية التي يواجهها الكثير من اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر، ونظراً لغياب حلول مستدامة هناك، فإن مصر ليس بوسعها في حالات كثيرة أن تقول بأنها وفرت للاجئين وملتمسي اللجوء حماية فعالة.[16] (للمزيد عن المشكلات الأمنية ونقص الحلول المستدامة، بما في ذلك إعادة التوطين، انظر الفصل الرابع أدناه).

 

ولا توجد في إسرائيل تشريعات كافية للجوء، وأغلب الحالات تعطي فيها الحكومة وضع اللاجئ بصفة مؤقتة على أساس جماعي، بناء على جنسية ملتمس اللجوء (انظر الفصل السابع). وفي حالات قليلة خارج نطاق إجراءات الحماية بناء على المجموعة هذه، نظرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في طلبات لجوء فردية تقدم توصياتها للجهة الوطنية المسؤولة عن منح وضعية اللاجئ والمسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي.

 

والمبدأ الأساسي في قانون اللاجئين، ويوجد أيضاً في اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يحظر على كل من مصر وإسرائيل إعادة اللاجئين إلى بلدان يوجد فيها أساس لخشية الاضطهاد أو الإعادة القسرية إلى دولة ثالثة قد لا تحترم هذا الحظر على الإعادة.[17] والحظر القانوني ضد الإعادة القسرية لا يقتصر على اللاجئين المعترف بهم رسمياً، بل أيضاً على جميع الأشخاص خارج بلدانهم والذين ليسوا مستعدين أو قادرين على العودة لوجود خوف له ما يبرره من الاضطهاد، وعلى جميع الأشخاص الذين يواجهون خطراً قائماً بالتعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لدى العودة.[18] وقامت السلطات المصرية في أبريل/نيسان 2008 بترحيل 49 شخصاً من جنوب السودان، منهم لاجئين وملتمسي لجوء معترف بهم. وفي يونيو/حزيران 2008 أعادت الحكومة المصرية قسراً زهاء 1200 إريتريا، منهم 740 شخصاً على الأقل تم اعتقالهم وظلوا رهن الاحتجاز في مراكز احتجاز عسكرية في وي ممن قد يواجهون خطراً داهماً بالتعذيب والحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي لفترات مطولة.[19] وقامت إسرائيل بترحيل 48 مهاجراً (أغلبهم من السودان) إلى مصر في أغسطس/آب 2007، و91 مهاجراً آخرين في أغسطس/آب 2008، على الرغم من اعتراضات من النواب البرلمانيين بأن هؤلاء المُرحلين سوف يُرحلون من مصر إلى أماكن محفوفة بالمخاطر. وهذه الترحيلات مذكورة تفصيلاً في الفصل التالي.

 

وثمة صكوك دولية أخرى تدخل فيها كل من مصر وإسرائيل طرفاً وتشمل ضمانات حقوقية هامة للأفراد، بغض النظر عن وضعهم كمهاجرين أو ملتمسي لجوء أو لاجئين، ويُشار إليها في الفصول التالية.[20]

 

أسباب القيام بالرحلة

 

اخترت الإقامة في القاهرة، ثم الذهاب عبر ليبيا [إلى أوروبا]، وقد أموت في البحر؛ أو أذهب إلى إسرائيل وأموت برصاصة... وفضلت الموت برصاصة.

- ج. ب.، رجل من دارفور قبضت عليه شرطة الحدود المصرية

 

يصف المسؤولون المصريون والإسرائيليون أغلب من يعبرون الحدود في سيناء باصطلاح "المهاجرين الاقتصاديين"، وهو مصطلح تستخدمه الحكومات للإشارة لمن يسعون للحصول على فرص أفضل، مقابل مصطلح "اللاجئين" الذين يفرون من الاضطهاد أو الخطر. وتم تكليف راناعان دينور، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالإشراف على سياسة الحكومة الخاصة بمن وصلوا حديثاً إلى إسرائيل. وشرح في بريد إلكتروني لـ هيومن رايتس ووتش:

 

ليس كل من يصل إلى إسرائيل من الحدود المصرية لاجئ، وبالقطع ليسوا جميعاً سودانيين. على مدار فترة الـ 18 شهراً الماضية شهدنا زيادة ملحوظة في ظاهرة اختراق إسرائيل عبر الحدود المصرية، بينما قلة ممن يعبرون إلى إسرائيل هم لاجئون من السودان. والأغلبية العظمى منهم من السودان وإريتريا ومناطق أفريقية أخرى، ودخلوا إلى إسرائيل بحثاً عن فرص العمل. كما يوجد قلة تلقوا بالفعل وضع اللاجئ في بلدان أخرى، ثم سمعوا عن الأوضاع في إسرائيل فقرروا الحضور إلى هنا.[21]

 

وإسرائيل هي أغنى دولة في المنطقة. ووضع مؤشر التنمية الإنسانية للأمم المتحدة لعامي 2007 – 2008 إسرائيل في المركز 23 على قائمة الدول الأكثر نمواً في العالم، وشغلت مصر المركز الـ 112، بينما السودان وإريتريا والدول المتاخمة لهما تعاني من معدلات نمو أقل بكثير.[22]

 

إلا أن فئة الهجرة الاقتصادية لا تفسر بالكامل هذا التدفق الجديد من الأشخاص. وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أشخاص من عدة جماعات قومية، وقالوا إن أسباب المخاطرة بالرحلة إلى إسرائيل لا يمكن وصفها مجتمعة بأنها أسباب لـ "الهجرة الاقتصادية". وقد عاش الكثير من السودانيين الجنوبيين وبعض سكان دارفور لسنوات في مصر، وقال لـ هيومن رايتس ووتش بعض ملتمسي اللجوء واللاجئين من هذه الجماعات إنهم قرروا الذهاب إلى إسرائيل لأنهم أحسوا بالحصار في مصر، وبعد أن وجدوا المعيشة صعبة. فقد أدخلت مصر بعض التحفظات لدى تصديقها على اتفاقية اللاجئين، بحيث تحد من التزاماتها في عدة مجالات منها إتاحة الحماية المذكورة في قوانين العمل على قدم المساواة للمواطنين واللاجئين، مما يحرم الفئة الأخيرة من الحق في العمل،[23] رغم أنه حسب الالتزامات التعاهدية الحقوقية فمصر مُلزمة بتوفير الحق في العمل ومستوى الحياة الملائم، وكذلك أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية.[24] كما يشتكي المهاجرون واللاجئون في مصر من العنصرية المنتشرة والعنف من قِبل الجهات الرسمية.

 

اللاجئون وملتمسو اللجوء السودانيون

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أشخاص من جنوب السودان ودارفور يذكرون بوضوح خبرات قاسية تعرضوا لها في السودان. وقال رجل يبلغ من العمر 33 عاماً ويعيش حالياً في تل أبيب:

 

خرجت من الجنينة [غرب دارفور] عام 2003، في أبريل/نيسان، في نهاية الشهر. وخرجت بسبب هجمات الجنجويد على قريتي، قرية أروالا. واغتصبوا فيها النساء وقتلوا المسنين والأطفال وألقوا بهم في النار. رأيت.. رأيت أبوي، أمي وأبي وشقيقي وشقيقتي يُقتلون بعد أن حرقوا بيوتنا. ورأيتهم يغتصبون النساء. حدث هذا لي، وكنت وحدي حين غادرت، إذ لم تُكتب النجاة لأي من أفراد أسرتي.[25]

 

وفي الأغلبية العظمى من الحالات، فإن الأشخاص السودانيين الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير فروا من ديارهم إلى مصر، حيث اعترفت بهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بصفتهم لاجئين أو سجلوهم كملتمسي لجوء.

 

المشكلات الأمنية في مصر

قال العديد من ملتمسي اللجوء واللاجئين السودانيين لـ هيومن رايتس ووتش إن من أسباب قرارهم بالذهاب إلى إسرائيل  بعض المشكلات الأمنية الجدية التي لم يجدوا لها حلاً في مصر.

 

في أواخر سبتمبر/أيلول 2005 بدأ ملتمسو اللجوء واللاجئون في اعتصام بميدان مصطفى محمود أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، ثم تزايد عدد المعتصمين ليشمل 2000 شخص واستغرق احتجاجهم 3 أشهر.[26] وعرض المتظاهرون قائمة بالمطالب للمفوضية، وبعضها يخص تظلمات لا سلطة للمفوضية عليها، ومنها المطالبة بزيادة المخصصات المالية للاجئين ومعدلات إعادة التوطين في دول ثالثة. وفي 30 ديسمبر/كانون الأول قُتل 27 سودانياً على الأقل وتم القبض على المئات حين فرقت الشرطة المصرية المظاهرة بعنف. وما زال اثنان على الأقل من منظمي الاعتصام قيد الاحتجاز في سجن القناطر القريب من القاهرة، وهذا حتى يونيو/حزيران 2008، بعد عامين ونصف العام من الأحداث.[27]

 

وحين سألتهم هيومن رايتس ووتش عن الحياة في مصر، أشار جميع ملتمسي اللجوء واللاجئين تقريباً إلى حملة الشرطة المصرية في مصطفى محمود. وتذرع بعضهم بها بصفتها السبب الأساسي وراء الخروج إلى إسرائيل.[28] وقال آخرون إنهم ما زالوا يشعرون بآثار هذه الحملة. إذ قال أحد اللاجئين ممن لعبوا دوراً في المظاهرات إن الشرطة احتجزته لمدة ثلاثة أيام في أبريل/نيسان 2007. وقال: "قالوا لي إنهم تعرفوا إليّ لأنني تحدثت إلى وسائل الإعلام الدولية أثناء المظاهرة"، وأضاف أن ضابط أمن دولة هدده بـ "قطع لساني"، حين عرف أنه يخطط لتنظيم جنازة في ديسمبر/كانون الأول 2007 لتأبين من قُتلوا في ميدان مصطفى محمود.[29] وقال كبير إحدى التجمعات السكنية من جنوب السودان في القاهرة إن مجتمعه "فيه أيتام من حادث مصطفى محمود ولا يمكن لأحد أن يرعاهم. وقُتل أطفال أشخاص آخرين. وعلى الحكومة المصرية أن تضمن المحاسبة على ما جرى في مصطفى محمود، سواء بإنزال أحكام بالسجن بحق المسؤولين عن الحادث أو بتعويض الضحايا وأسرهم".[30]

 

ويُرجح ألا يتم التوصل إلى مثل هذه النتيجة أعلاه. فتحقيقات الشرطة التي تتسم بالسطحية ووجود الثغرات التي انتهت في مايو/أيار 2006، خلصت إلى أن الشرطة لم ترتكب أي أخطاء.[31] وقال شاب من جنوب السودان: "مات خالي أموكو في ذلك الحادث... قراءة شهادة وفاته شيء غريب، مذكور فيها إنه كان مصاباً بسرطان الرئة أو تعرض لأزمة قلبية لا أذكر، لكنه كان بصحة جيدة قبل وفاته".[32] وتحدث مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية المصرية، شريطة عدم ذكر اسمه، وما ذكره يبدو أن يُلخص الموقف الرسمي، حين قال لـ هيومن رايتس ووتش:

 

معي نسخ من تقارير الشرطة الخاصة بالتحرش والسُكر [من قبل المتظاهرين]. ولا أذكر إطلاق رصاصة واحدة، بل مجرد مدافع المياه. أصدروا [الشرطة] تحذيرات واتبعوا الإجراءات، ثم استخدموا مدافع المياه لفترات وجيزة. تم ارتكاب أخطاء، وخسارة حياة شخص واحد مثل خسارة حياة كثيرين. لكنني طالعت تقارير التشريح وكانت جميع الوفيات، باستثناء حالة واحدة، نتيجة التدافع. وأنا قلق إزاء أسباب وفاة شخص واحد، لكن ليس باقي الحالات.[33]

 

وأضاف أغلب السودانيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، في مصر وإسرائيل على حد سواء، أن من أهم أسباب قرارهم بالفرار إلى إسرائيل (أو تخطيطهم لهذا) كانت جراء اعتقادهم بأن المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعاون مع الحكومة في الإزالة القسرية من ميدان مصطفى محمود، وأنه لا يمكن الثقة بالمكتب الإقليمي في المستقبل. وفي وثيقة بدون عنوان، بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2005، سعى المكتب الإقليمي للمفوضية في القاهرة لدرء هذا الاعتقاد:

 

شائعة: طلبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من السلطات المصرية تفريق المتظاهرين بالقوة. خطأ. منذ بداية الاعتصام طلبت المفوضية من السلطات الحل السلمي للموقف. ومن شأن السلطات أن تقرر ما تراه مناسباً بما يتفق مع إجراءات العمل المتبعة الخاصة بقوات إنفاذ القانون لديها، وليس للمفوضية تأثير كبير على ما تتخذه السلطات من إجراءات.[34]

 

وحسب أقوال شاهد عيان مقتبسة أقواله في تقرير للجامعة الأميركية بالقاهرة وكان شاهداً على المظاهرات، فإن ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قال للاجئين المتجمعين في الحديقة يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2005:

 

سوف تلحق بكم بعض الخسائر، ليس فقط الخسائر البدنية، بل التبعات القانونية أيضاً. ولا يمكن تحميلنا مسؤولية الخسائر أو الفشل في الوفاء بالمتطلبات القانونية. وسبب قولي هذا أن المفوضية فعلت كل ما عليها أن تفعله، لكننا لسنا على استعداد للقيام بإخلاء الميدان بأنفسها.[35]

 

وأخطرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وزارة الخارجية المصرية بأنها لا يمكنها فعل المزيد إزاء حل الوضع في الميدان، وهذا في رسالة بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2005.[36] وحتى 15 أكتوبر/تشرين الأول 2008 لم تكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمصر قد ردت على طلبات تقدمت بها هيومن رايتس ووتش بمعلومات عن المظاهرات.[37]

 

وتزايد عدد السودانيين الهاربين إلى إسرائيل في الشهور التالية على أحداث مصطفى محمود مباشرة، واستمرت الأعداد في التزايد. في عام 2005، قبل وقوع الأحداث دخل إسرائيل 56 سودانياً، ودخل 270 آخرين في عام 2006.[38]

 

وقال اللاجئون وملتمسو اللجوء السودانيون إنهم واجهوا أيضاً مشكلات أمنية أكثر عمومية في مصر. وقال عدة سودانيين إن أثناء إقامتهم في القاهرة تم احتجازهم وتعذيبهم لانتمائهم إلى جماعات من جنوب السودان ودارفور. وقال قائد فرقة استعراضية من الفور في القاهرة إن الشرطة المصرية اعتقلته قبل موعد استعراض لفرقته في 15 يوليو/تموز 2007، واحتجزته ثلاثة أيام دون نسب اتهامات إليه. وقال: "أنا مقيم في مصر منذ أربعة أعوام تقريباً، في القاهرة. وأجمع الحديد من القمامة وأبيعه"، شارحاً أنه أحياناً ما كان يشعر بالجوع ولا يجد الطعام، وأن ما تعرض له في السجن هو ما جعله يقرر الفرار لإسرائيل. "كان السجن هو السبب. كانوا يضربونني على صدري وظهري ويضربوني على أخمص قدمي بالعصي القصيرة. كان من الصعب مغادرة مصر، وكنا نعرف أن المصريين قد يطلقون النار علينا، لكننا قررنا المغادرة".[39]

 

وقال رجل من جنوب السودان يبلغ 26 عاماً ويعيش حالياً في تل أبيب، إنه تعرض للاحتجاز والضرب ثلاث مرات بين عامي 2004 و2006 على يد الشرطة في القاهرة، والظاهر أن السبب هو علاقته بالحركة الشعبية لتحرير السودان ومكتبها في القاهرة، حيث قام بتشكيل منظمة من شباب الدنكا ممن لهم أقارب ماتوا في الحرب الأهلية السودانية. ومثل عدة ملتمسي لجوء سودانيين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش، يعتقد أن السفارة السودانية في مصر لعبت دوراً في اعتقاله المتكرر في القاهرة. وقال: "ذات مرة خلعت الشرطة ظافر إبهامي الأيسر، وفي المرة الأخيرة ضربوني بشدة. ورحت أنزف من لساني، ما زال ظهري وذراعي يؤلماني بشدة. لم أجد أي مساعدة من المفوضية، وقالوا لي اذهب وأخبر الشرطة".[40]

 

ويمكن أن يقع أفراد ضحايا للشرطة بمعزل عن أي سياق سياسي: ففي حالة صارخة في قسوتها رواها لـ هيومن رايتس ووتش محامٍ بالقاهرة كان يمثل الضحية، قام عنصران من الشرطة باغتصاب امرأة سودانية بالفم. ورغم أن محكمة جنائية بالقاهرة حكمت على أحدهما بالسجن 25 عاماً فما زال حر طليق، حسب ما قال المحامي.[41]

 

وقال عدة سودانيين إن السلوك السائد بين مصريين كثيرين نحوهم هو سلوك عنصري ويتحول في أحيان كثيرة إلى العنف. والشرطة المصرية، حسب قولهم، تتردد في حمايتهم. وقال شاب سوداني: "يضربني الناس وينعتوني بالأسود ويلقون بأشياء ومياه قذرة عليّ من الشرفات... وأحياناً يحيطون بي ويهددوني بسكين لسرقة ما معي. ويرى رجال الشرطة هذا ولا يحركون ساكناً. وإذا وجدت رجل شرطة فهو يسبني. لهذا غادرت".[42]

وروى عدة ملتمسي لجوء أحداث مشابهة. وقال كثيرون إن الشرطة المصرية رفضت حمايتهم من الهجمات العنيفة أو التحقيق في الهجمات التي يخبرون الشرطة بوقوعها. وقال أحدهم: "خرجت من عملي ذات يوم لأجد رجلاً مصرياً يكيل لي الإهانات، وقام بضربي. وكان رجل شرطة يشاهد ما يجري، وطلبت منه المساعدة فسألني ماذا أفعل في مصر".[43]

 

غياب الحلول المستدامة

ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ثلاثة "حلول مستدامة" للاجئين: الإعادة الطوعية إلى البلد الأصلي، والإدماج في المجتمع المحلي بالدولة المضيفة، وإعادة التوطين في دولة ثالثة.[44] وقال عدة ملتمسي لجوء ولاجئين سودانيين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قاموا بالرحلة إلى إسرائيل أو يفكرون بها لأنه ليس متاحاً لهم أي من الحلول الثلاثة أعلاه، إذ يشعرون بالحصار في أوضاع تستحيل معها الحياة في مصر، حيث لا يمكنهم العمل، ولا يجدون فرص لإعادة التوطين في دولة ثالثة، ولا يمكنهم المخاطرة بالعودة للوطن.

 

وقال جميع السودانيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مصر إن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر سجلتهم كملتمسي لجوء واعترفت ببعضهم كلاجئين. وبينما تسجيلهم كملتمسي لجوء يحميهم بصفة عامة من الترحيل، فإنه حسب رأيهم، لا يسمح لهم بالاستمتاع بالحقوق المعترف بها للاجئين أو يوفر لهم الدعم في كسب العيش. وفي أبريل/نيسان 2008 رحلت السلطات المصرية إلى السودان 49 شخصاً من جنوب السودان، منهم لاجئين وملتمسي لجوء معترف بهم. وكان قد تم جمع بعض الرجال من قبل الشرطة بعد أن أضرت عصابات من الشباب السوداني بالسيارات في القاهرة أثناء شجار، بينما تم ترحيل البعض مباشرة من السجن. وتم احتجازهم طيلة أربعة أشهر من قبل السلطات في جنوب السودان في جوبا، قبل إخلاء سبيلهم في يوليو/تموز.[45]

 

المعوقات التي تعترض الإدماج محلياً

الاندماج مع المجتمع في مصر أمر صعب للغاية. فالحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية والحصول على المساعدة الحكومية – عناصر الاندماج محلياً – يجب أن تُمنح جميعاً للفرد قبل أن يصبح اندماجه فعالاً.[46] ورغم أن السلطات المصرية لم تعد تختم "غير مصرح له بالعمل" على جوازات سفر ملتمسي اللجوء السودانيين، كما اعتادت، فمن المستحيل عملاً على الفقراء من غير المصريين العثور على عمل في نظام الاقتصاد الرسمي بسبب الإجراءات الواجب عليهم الخوض فيها.[47] ويمكن للاجئين الانضمام إلى ملايين المصريين الذين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي.[48] إلا أن غير المواطنين لا يُتاح لهم إلا أقل الحق في الانتصاف إذا تضرروا أو تعرضوا للاستغلال في محل العمل. وكما أوضح محامي يساعد اللاجئين:

 

المصريون الذين يعملون بصفة غير رسمية ولا يحصلون على الأجر يمكنهم التقدم بالشكوى إلى محاكم خاصة بوزارة العمل. وبموجب قانون العمل إذا أمكنك إثبات صلتك بالعمل بأي شكل، حتى بناء على شهادة شاهدين، يمكن أن تحصل على مساعدة. ولا يمكن للاجئين الذهاب إلى المحكمة للمطالبة بحقوقهم إذا تعرضوا للإساءة. أو هم لا يفعلون لأنهم يخشون العواقب.[49]

 

حتى اللاجئين وملتمسي اللجوء المتعلمين يجدون مشقة في العثور على عمل. وقال ملتمس لجوء هو بالأساس من دارفور وكان يدير مكتب محاماة في الخرطوم طيلة عشرة أعوام:

 

ذهبت إلى نقابة المحامين [المصرية] لأطلب الإذن بالعمل، لكنهم قالوا إنهم لا يمكنهم مساعدتي. اضطررت للعمل حارس أمن لمدة 3 أشهر. وكان رب عملي يعاملني جيداً، لكنه مات فجأة. أما المصريون الآخرون الذين عملوا معنا فكانوا يكرهوني، وأخذوا ينقلوني هنا وهناك. والآن أصبحت بلا عمل.[50]

 

ويواجه اللاجئون وملتمسو اللجوء الذين لا يجدون الفرصة للعمل في الاقتصاد غير الرسمي أوضاعاً صعبة. وبسبب القيود المفروضة على الميزانية لا يمكن للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين توفير المساعدة في الحياة لملتمسي اللجوء السودانيين في مصر، باستثناء هبات طوارئ تُمنح مرة واحدة ولا تغطي عادة الاحتياجات الأساسية.[51]

 

كما اشتكى اللاجئون وملتمسو اللجوء السودانيون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في كل من مصر وإسرائيل من صعوبة الحصول على الرعاية الطبية وإلحاق أطفالهم أو أنفسهم بالمدارس. وتوفر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، عبر شركاء التنفيذ كاريتاس وخدمات الغوث الكاثوليكية، المساعدة للاجئين وملتمسي اللجوء في مصر ممن يحتاجون للعلاج الطبي ولدفع مصروفات المدارس، على التوالي.[52] واشتكى سودانيون كثيرون من أن هذه البرامج لا تتناسب مع احتياجاتهم. وقال كبير أحد التجمعات السودانية في القاهرة لـ هيومن رايتس ووتش:

 

نعرف بإصابة 60 طفلاً بالكساح، ولا يحصلون على أي علاج. وبعضهم لا يمكنهم الوقوف للذهاب إلى دورة المياه وحدهم. وإذا ذهبت إلى المفوضية لأنك مريض يقولون: اذهب إلى المستشفى، ثم تعال إلينا بالوصفة الطبية وسوف نمول لك جزءاً منها... ولا يمكننا تحمل هذه النفقات، بل يجب أن يدفعوها بالكامل.[53]

وذكر المتحدث باسم المفوضية السامية أن أكثر من 30 ألف لاجئ وملتمس لجوء في مصر تلقوا الرعاية الصحية أثناء عام 2007، لكنها أقرت بأن تمويل المفوضية غير متناسب مع احتياجات بعض اللاجئين.[54]

 

وذكرت رضوى روبي من خدمات الغوث الكاثوليكية أن المنح التعليمية التي تقدمها منظمتها، مثل منح كاريتاس الخاصة بالرعاية الصحية، تُقدم على هيئة تمويل بعد دفع الفرد للكلفة بالفعل، ولا تُدفع مقدماً، وفي حالات كثيرة، حسب قولها، يجب أن يختار ملتمسو اللجوء واللاجئون المستحقون للمنح بين دفع تكاليف المدرسة أو عدة شهور من الإيجار. والمسجلون لدى المفوضية كملتمسي لجوء أو لاجئين معترف بهم بعد بدء العام الدراسي، يُجبرون على الانتظار حتى العام التالي للاشتراك في برنامج المنح التعليمية. وفيما تدفع المنح تكاليف المدارس التي تديرها مجتمعات اللاجئين، فإن نظام المدارس المصري لا يعترف بشهادات هذه المدارس.[55]

 

تراجع أعداد فرص إعادة التوطين

إن غياب التكامل الاجتماعي والاقتصادي في مصر ليس بالأمر الجديد ولا يُعد وحده سبباً لتزايد الهجرة في السنوات الأخيرة من مصر إلى إسرائيل. ومن العوامل التي تغيرت أعداد فرص إعادة التوطين في بلدان ثالثة. فعدد السودانيين الذين أعيد توطينهم من مصر بمساعدة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تراجع بحدة منذ عام 2005. ودول "إعادة التوطين" الغربية، التي تخطر بصفة غير رسمية المفوضية في مصر بما ستستقبل من أفراد ومعايير القبول وتتخذ القرار النهائي بشأن قبول اللاجئين بغرض إعادة التوطين، أظهرت تراجعاً في اهتمامها بإعادة توطين اللاجئين السودانيين القادمين من القاهرة بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير/كانون الثاني 2005 بين الحكومة السودانية في الخرطوم وحركة/جيش تحرير السودان. وأكبر دولة لإعادة التوطين، الولايات المتحدة، وطنت بها 2759 سودانياً من القاهرة في عام 2004، و1540 في 2005، و1088 في 2006، و312 في 2007.[56]

 

وأيضاً وراء التراجع في أعداد القبول لإعادة التوطين تغير بنية حسنة لكنه تغير معيب في منهج تعامل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. فعادة، حين يذهب شخص إلى المفوضية، يتم تسجيله أولاً بصفة ملتمس لجوء وفيما بعد يتم النظر بإمعان في طلب اللجوء. وإذا وُجد أن للملتمس حق بالمطالبة يُعترف به لاجئاً وربما يصبح مستحقاً لإعادة التوطين. في يونيو/حزيران 2004، بعد وقف لإطلاق النار أبرم في 26 مايو/أيار بين الحكومة السودانية وجيش/حركة تحرير السودان، كفت المفوضية في مصر عن إجراء عمليات تحديد لوضع اللاجئ لجميع ملتمسي اللجوء السودانيين، وهو قرار تجدد فيما بعد كل ستة أشهر.[57] وبينما كان يتلقى اللاجئين المعترف بهم "بطاقات زرقاء"، بدأت المفوضية توفر لكل السودانيين – باستثناء أهل دارفور – "بطاقات صفراء"، وتعني أنهم ملتمسو لجوء.[58] وبهذا يُمنح السودانيون حماية مؤقتة، إذ سعت المفوضية لمنحهم شيئ من الحماية من الاعتقال والاحتجاز والترحيل. وإذا كانت المفوضية استمرت في النظر في حالاتهم، فكان من المرجح أن تجد أن الكثيرين منهم ليسوا مؤهلين للحصول على وضع اللاجئ بسبب التغير الأساسي في الأوضاع في جنوب السودان. وكانت لتغلق ملفاتهم ثم يصبحون عرضة لسلطات الهجرة في مصر. ومن ثم فإن سياسة المفوضية منحت الحماية لأشخاص من جنوب السودان بحيث لا يصبحون عرضة للترحيل. إلا أنها لا تمنح أهل دارفور وضع اللاجئ – واحتمال الإحالة لإعادة التوطين في دولة ثالثة – ممن يمكن أن تستحق حالاتهم منح وضع اللاجئ إذا ما نظرت المفوضية في مزاعمهم.

 

والآن، فإن المفوضية في مصر تجري عملية تحديد لوضع اللاجئ بالكامل فقط في حالة الأفراد الذين يتم التعرف عليهم بواسطة تقييم "للاحتياجات" يبدأ أثناء تسجيلهم المبدئي. وحسب المتحدث باسم المفوضية:

 

عبر التسجيل نستمر في مراقبة الأشخاص من أجل إعادة توطينهم بناء على معايير الاحتياج. إذ توجد نساء يدرن أسراً كاملة ونساء معرضات للخطر، وأشخاص مهددة حياتهم بالأمراض التي لا يمكن علاجها في مصر، أو أفراد يواجهون مشكلات في الحماية في مصر. من ثم فإن كلاً من سكان دارفور وجنوب السودان يمكنهم الحصول على إعادة التوطين إذا تم التعرف عليهم أثناء عملية التسجيل. وإذا تم انتقائهم بهذا الأسلوب يتلقون تحديد وضع لاجئ بصفة فردية، من أجل إعادة توطينهم.[59]

 

وعلى الرغم من طلبات هيومن رايتس ووتش بالتوضيح، فلم تعرف تحديداً لماذا لا "تُجمد" المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سكان جنوب السودان على مستوى ملتمسي اللجوء بينما تمنح وضع اللاجئ لسكان دارفور.[60] ومن الناحية العملية، فإن عدداً قليلاً للغاية من سكان دارفور أو غيرهم من السودانيين يستحقون وضع اللاجئ الكامل بعد التعرف عليهم بواسطة إجراءات التقييم بناء على الاحتياجات. والبقية – ومنهم الكثير من سكان دارفور – يبقون "مُجمدين" على مستوى ملتمس اللجوء ولا يُنظر في إعادة توطينهم.

 

الإعادة ليست خياراً مُتاحاً

توفر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين منحاً نقدية صغيرة للمساعدة على الإعادة الاختيارية لملتمسي اللجوء واللاجئين في القاهرة ممن قدموا بالأساس من جنوب السودان. وفي عام 2007 ساعدت المفوضية في عمليات إعادة طوعية لأكثر من 1645 سودانياً من مصر.[61] وقال مسؤول من المفوضية في مصر لـ هيومن رايتس ووتش إن المفوضية تأمل في تدريب المُعادين طوعاً على فرص عمل ملائمة لهم في جنوب السودان.[62] إلا أن عدة سودانيين في القاهرة، باقتباس من أقارب لهم يعيشون في جنوب السودان، قالوا إن الوضع ما زال خطيراً ومضطرباً بما لا يسمح بالمخاطرة بالعودة.[63] وقال آخرون إنهم سيفكرون في العودة لكن منحة مساعدة المفوضية الخاصة بالإعادة لا تتناسب مع النقود المطلوبة لإجراء الرحلة إلى الوطن، دعك من كلفة البدء في الحياة هناك من جديد.

 

* * *

 

وقام كبير أحد التجمعات السكنية السودانية في القاهرة بذكر أسباب مغادرة الأشخاص التابعين لجماعته إلى إسرائيل:

 

ليس لنا الحق في البقاء والعمل في مصر أو العيش في ظروف ملائمة، وإذا عدنا [إلى جنوب السودان] فلا نعرف ماذا سنجد، وكل شيء نعرفه هناك تعرض للتدمير. وتقول الأمم المتحدة إن جنوب السودان أصبح آمناً للعيش ويتمتع بالسلام ويريدون أخذنا [لإعادة التوطين]. لكن لا توجد بنية تحتية هناك، وما زالت الألغام موجودة والميليشيات تتقاتل، وكذلك توجد حركات التمرد. ولا سبيل لحكومة جنوب السودان لحماية أي شخص يعود.  ولا يمكننا الذهاب إلى دول عربية أخرى. لهذا يذهب الناس إلى إسرائيل. إذا كانت أميركا أو كندا أو أستراليا مجاورة لمصر كنا لنذهب إليها. لكن إسرائيل هي المجاورة.[64]

 

لاجئو وملتمسو لجوء القرن الأفريقي

على خلاف السودانيين الذين يخرجون في رحلتهم إلى إسرائيل من مصر، فإن أغلب الإريتريين يمضون فترة زمنية وجيزة نسباً في مصر ولا يقدمون طلبات اللجوء في مصر.[65]

 

والإريتريون الفارون إلى مصر ثم إلى إسرائيل يميلون إلى نسب أسبابهم الخاصة باللجوء إلى هروبهم من الخدمة العسكرية الإلزامية الشاقة التي لا نهاية لها، وأنهم إذا تم العثور عليهم بعد الهروب فقد تتم إساءة معاملتهم بسبب الهروب، أو يتعرضون للتعذيب أو الإعدام، أو لمكابدة الاضطهاد بصفتهم أعضاء من أقلية دينية غير معترف بها، مثل انتمائهم لطائفة الخمسينية المسيحية أو الأدفنتست (السبتيون).[66] والإريتريون الذين يقدمون طلب اللجوء في مصر أو إسرائيل ربما تكون لديهم حجج أخرى للجوء مفادها أن خروجهم من إريتريا في حد ذاته يعرضهم للخطر.[67] بالإضافة إلى أن الحكومة الإريترية ترى الإريتريين الذين يتقدمون بطلبات اللجوء في مكان آخر خائنين، ويواجهون لدى العودة خطر الاحتجاز والتعذيب.[68]

 

والإريتريون في إسرائيل ومصر قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن عليهم أن يعبروا حدود كل دولة يمرون بها أثناء رحلتهم في ظروف محفوفة بالمخاطر. فأثناء وجودهم في السودان يواجهون خطر الترحيل إلى إريتريا.[69] وتم احتجاز امرأة إريترية أثناء محاولة السفر عبر مصر إلى إسرائيل، وقالت لـ هيومن رايتس ووتش:

 

خرجت من إريتريا لأن السلطات أرادت سجني وسجن زوجي بسبب معتقداتنا الدينية. وتم تهريب زوجي إلى السودان، ثم تم تهريبي بعده. وكانت التكلفة 3000 دولار أميركي. لكنني سمعت أن الحكومة السودانية تريد احتجاز الأشخاص أمثالنا وإعادتهم إلى إريتريا. ومكثت في الخرطوم أقل من شهر بسبب هذه المشكلة. ثم تم تهريبي إلى مصر، مقابل نحو 800 دولار.[70]

 

(مذكور في الفصل السادس تفصيلاً الترحيل الجماعي للإريتريين من مصر).

 

وعبر بعض المهاجرين الإريتريين سيراً على الأقدام من السودان إلى مصر، وهذا بالارتحال ليلاً.[71] وما إن يدخل الشخص إلى مصر يمضي عدة أيام أو أسابيع، وفي حالات كثيرة دون تقديم طلب اللجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، قبل أن يدفع لسمسار أو مُهرب لنقله إلى الحدود في سيناء.

 

وأفاد لاجئون أثيوبيون تعرضهم لأوضاع مشابهة في مصر، رغم أن هيومن رايتس ووتش لا تعرف بحالات حديثة أعادت فيها مصر قسراً أثيوبيين إلى بلدهم. وقال مهاجرون أثيوبيون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم بدورهم تم تهريبهم عبر السودان إلى مصر، وقاموا بالرحلة إلى إسرائيل أو يخططون لها لأن مجتمعهم يعاني من مشكلات مشابهة لتلك التي وصفها لنا المهاجرون السودانيون.[72]

 

 

  .Vالسياسة القاتلة لمراقبة الحدود المصرية في سيناء والضغوط الإسرائيلية من أجل مراقبة الحدود وإعادة الأفراد

 

يونيو/حزيران 2007: تشديد السياسات

في أواخر يونيو/حزيران 2007، ناقش الرئيس المصري حسني مبارك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين إيهود أولمرت – أثناء اجتماع في شرم الشيخ – مسألة تزايد أعداد الأفارقة ممن يعبرون الحدود من مصر إلى إسرائيل.[73] وذكر أولمرت في 1 يوليو/تموز إنه توصل إلى "تفاهم" مع الرئيس مبارك حول "أساليب التعامل مع اختراق الأفراد لإسرائيل عبر الحدود المصرية".[74] وطبقاً لأولمرت فقد وافقت مصر على "استقبال المخترقين العائدين ممن عبروا الحدود المشتركة وكذلك من سيعبرونها في المستقبل، وسوف تعمل على منع أعمال الاختراق الواردة من أراضيها في المستقبل". وإسرائيل، على حد قوله، ستقبل "الضمانات المصرية بشأن سلامتهم". وطبقاً لتقارير إخبارية إسرائيلية فإن مصر وافقت على تلقي مئات المهاجرين الذين عبروا إلى إسرائيل أثناء الشهور الستة المنقضية.[75]

 

وقبل أيام، في 20 يونيو/حزيران، ناقشت جلسة مشتركة للجان البرلمانية الإسرائيلية تزايد أعداد السودانيين والإريتريين والإيفواريين الذين عبروا الحدود من مصر. وطبقاً لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية، فإن ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، شارون هاريل، وهو يخاطب الجلسة، قال إن على إسرائيل ألا تعيد السودانيين إلى مصر بسبب احتمال ترحيل السلطات المصرية لهم إلى السودان، حيث تتعرض حياتهم للخطر. وقال عضو بحزب العمل يُدعى أشيفاي برافرمان في توقع منه، إن إسرائيل ستُجبر على ترحيل السودانيين "حين تتزايد الأعداد" وإن إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا ستضغط على مصر من أجل استيعاب السودانيين المُعادين بدلاً من "إراقة دمائهم بترحيلهم".[76]

 

وتمت إراقة الدماء، لكن ليس على أعتاب أبواب إسرائيل، بل السودان. فبعد ثلاثة أيام من إعلان أولمرت إثر اجتماع شرم الشيخ، حصدت السياسة المصرية، التي يبدو أنها تتصدى لـ "تفادي دخول المخترقين في المستقبل من الحدود المصرية"، أول ضحاياها. ففي 4 يوليو/تموز 2007، أطلق عناصر شرطة الحدود المصريين النيران على رجل سوداني وألحقوا به إصابات جسيمة أثناء محاولته عبور الحدود إلى إسرائيل جنوبي رفح.[77] وبعد أسبوعين ونصف، في 22 يوليو/تموز، قتلت عناصر شرطة الحدود المصرية حاجة عباس هارون، امرأة تبلغ من العمر 28 عاماً من دارفور، وكانت حامل في الشهر السابع، وهذا أثناء محاولتها عبور الحدود بالقرب من العوجة، على مسافة 62 ميلاً جنوبي رفح.[78]

 

وتحدث القائد المصري لمعبر رفح الفاصل بين مصر وقطاع غزة، الضابط عمرو ممدوح، إلى مراسل الواشنطن بوست عن الواقعة، وقال إن حرس الحدود المصريون صاحوا "ثلاث أو أربع مرات" في هارون وأسرتها لكي يتوقفوا. "لكنهم رفضوا. وفي هذه الحالة يجب علينا إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء. وفي الظلام لا يمكننا تمييز النساء من الرجال. وجميعهم لونهم أسود".[79]

 

وليلة الأول من أغسطس/آب 2007، حسب شبكة أنباء إسرائيلية، شهد جنود إسرائيليون ضابط شرطة حدود مصري يطلق النار ويقتل أربعة مهاجرين كانوا يحاولون عبور الحدود في سيناء إلى إسرائيل.[80] وعرضت القناة العاشرة الإسرائيلية تغطية مُسجلة بفيديو مراقبة الجيش الإسرائيلي، تعرض مهاجرين يركضون نحو الحدود. وقال ضمن التغطية رجل عرف نفسه على أنه جندي إسرائيلي إنه شاهد الشرطة المصرية "تفتح النار مباشرة" على المجموعة، مما أسفر على ما يبدو عن مقتل رجل وإصابة اثنين آخرين. وبلغ الرابع حاجز الحدود، حيث اقترب منه الجنود الإسرائيليون لكن لم يتمكنوا من مساعدته قبل أن يصل إليه الحراس المصريون ويجرونه عائدين. وراقب الجنود الإسرائيليون الحراس المصريين وهم يضربون الرجل بالهراوات والمهاجرين المصابين ضرباً أفضى لموتهم. وقال جندي إسرائيلي آخر للقناة العاشرة: "لقد قتلوا رجلين بأيديهم وبالعصي والحجارة، وسمعناهم يبكون ويصرخون من الألم إلى أن ماتوا".[81]

 

وفي 3 أغسطس/آب، وقع 63 نائباً بالكنيست على طلب يدعو حكومة أولمرت إلى عدم ترحيل "اللاجئين" إلى مصر. والطلب ذكر "تاريخ الشعب اليهودي وقيم الديمقراطية والإنسانية" ضمن أسبابه، واعتبر أن على إسرائيل "واجب أخلاقي" بحماية وإيواء اللاجئين.[82]

 

وفي 11 أغسطس/آب أصدرت مصر بياناً رسمياً ذكرت فيه أن "مصر لم توافق على إعادة إدخال الأشخاص الذين سبق أن عبروا الحدود المصرية إلى إسرائيل، وتؤكد على أن الحكومة المصرية تذكر رسمياً لإسرائيل أنها ليست مُلزمة باستقبال أي مواطن غير مصري عبر الحدود إلى إسرائيل بصفة غير قانونية".[83]

 

وكان الرد الإسرائيلي الشامل على حالات الأفراد الأفارقة الذين وصلوا مؤخراً إلى إسرائيل رداً غير متماسكاً.[84] وقال بعض المسؤولين إن أغلب عابري الحدود يجب أن يُعاملوا بقسوة. وأفادت صحيفة هاآرتس أنه في اجتماع للمسؤولين في 24 فبراير/شباط 2008، طلب رئيس الوزراء أولمرت من وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك: "إرخاء السياسة الإسرائيلية... لتيسير فتح القوات الحدودية للنيران على الأشخاص الذين يحاولون العبور إلى سيناء بصفة غير قانونية". ورفض باراك توصية أولمرت.[85]

 

 

الجهود المصرية من أجل تبرير استخدام القوة المميتة على الحدود

قتلت قوات الحدود المصرية بين يوليو/تموز 2007 وأكتوبر/تشرين الأول 2008 ما لا يقل عن 33 مهاجراً لدى الحدود في سيناء مع إسرائيل وبالقرب منها، وألحقت الإصابات بعشرات غيرهم. [86]

 

وربما كان العدد الفعلي أكبر، بما أن الأنباء ووسائل الإعلام ربما لم تعرف بكل أعمال إطلاق النار، والتي وقع الكثير منها في مناطق صحراوية منعزلة داخل منطقة عسكرية مُغلقة. ولم تنشر الحكومة المصرية إحصاءات رسمية عن عدد الإصابات والوفيات. بالإضافة إلى أن الأرقام لا تشمل الأشخاص الذين ماتوا فيما بعد متأثرين بالإصابات التي لحقت بهم على الحدود. وقال مسؤول بكنيسة سودانية لـ هيومن رايتس ووتش: "إننا نتساءل عن أبنائنا الذين عبروا الحدود ولا نعرف عنهم شيئاً".

 

ففي حالات كثيرة لا نعرف ما إذا كان الشخص قد تم اعتقاله أو قُتل. وأحياناً يتصل بنا المصريون إذا تعرفوا على الشخص المتوفي أو المسجون، لكننا لا نعرف إذا كانت هذه أغلب الحالات. الأرجح أنها ليست كذلك. ولا نعرف إلا بثلاث جثث لأشخاص رأيناهم بأعيننا. الأول ويك مالونغ أغيو، رجل من الدنكا من أويل بمنطقة باراكاتال، وسيدة من دارفور، ورجل مسن من جبال النوبة تعرض للقتل الأسبوع الماضي. لكن الكثير ذهبوا إلى الحدود، فأين البقية؟[87]

 

وفي بيان رسمي صدر في 11 أغسطس/آب 2007، عرضت الحكومة المصرية منطق الأمن القومي وراء استخدام القوة المميتة:

 

شهدت الأعوام الأخيرة زيادة مضطردة فى أعداد الأفراد المتسللين إلى إسرائيل عبر الحدود المصرية الإسرائيلية. [ويجب] علىالبلدين اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين هذه المناطق الحدودية و ضمان عدماستغلالها فى أى نشاطات غير شرعية كتسلل الأفراد أو التهريب...[بعد] الهجمات الإرهابية الآثمة التى عانت منها سيناء خلالالأعوام الأخيرة. [و] السلطاتالمصرية ، من جانبها، تقوم بمكافحة هذه الظاهرة المتزايدة – خاصة – فى ظلوجود شبكات منظمة تسهل للأفراد عملية التسلل غير الشرعى – لما تشكله منتهديد للأمن يستوجب التعامل معه بكل حزم.[88]

 

وأكد مسؤولو وزارة الخارجية على هذه الآراء لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2008، معلقين على أن الأمن على الحدود في سيناء مسألة حساسة دولياً، مع تعرض مصر لانتقاد إسرائيل والولايات المتحدة جراء عدم تمكنها من منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.[89] وكذلك، حسب قول المسؤولين، فإن اتفاق السلام المصري الإسرائيلي لعام 1979 يحد من عدد القوات التي يمكن لمصر نشرها على الحدود، وثمة حاجة للمزيد من العناصر إذا تم فرض القيود على قدرتهم على استخدام القوة المميتة. وقال هؤلاء المسؤولون لـ هيومن رايتس ووتش إنه من المسموح لمصر بنشر 750 عنصراً مسلحاً لا أكثر على امتداد الحدود.

 

إلا أن هذا الرقم المذكور (750 عنصراً) يشير إلى عدد الأشخاص العسكريين المسموح لمصر بنشرهم ضمن مساحة الخمسة عشر كيلومتراً الحدودية التي تفصل مصر عن قطاع غزة، ولا يتبع السند القانوني لهذا الشرط معاهدة سلام 1979.[90] ولا توجد قيود ضمن اتفاقات دولية أو ثنائية على عدد عناصر الشرطة الذين يمكن لمصر وضعهم على امتداد ما تبقى من حدود بطول 266 كيلومتراً مع إسرائيل. وبموجب معاهدة سلام 1979، فإن عدداً غير محدداً من عناصر الشرطة المصرية يشاركون في مراقبة الحدود (المنطقة ج) من شبه جزيرة سيناء مع القوات متعددة الجنسيات والمراقبين (MFO).[91]

 

وذهب المسؤولون المصريون إلى أن قوات الحدود المصرية لديها من الأسباب ما يبرر إطلاق النار على أشخاص ضمن المنطقة الأمنية الحدودية، بناء على عدة أسباب متعلقة بالإرهاب. وورد في بيان أغسطس/آب 2007 الإشارة إلى الهجمات الإرهابية على المواقع السياحية ومواقع أخرى في سيناء بين عامي 2004 و2006. وقد ربطت السلطات المصرية بين هذه التفجيرات الإرهابية والجماعات الفلسطينية في قطاع غزة، لكن الأشخاص الذين قبضت عليهم السلطات المصرية على صلة بهذه العمليات كانوا بالأساس مصريين، ومنهم أشخاص حُكم عليهم بالإعدام في محاكم مصرية على صلة بتفجيرات طابا في أكتوبر/تشرين الأول 2004.[92] كما أشار المسؤولون إلى سيناريو مُحتمل بشأن نية فلسطينيين من غزة شن هجمات داخل جنوب إسرائيل، وبالفعل فإن أحد الانتحاريين الثلاثة – وربما جميعهم – الذين هاجموا مدن جنوب إسرائيل، إيلات وديمونة في عامي 2007 و2008 على التوالي، جاء من قطاع غزة وعبر إلى إسرائيل عبر الحدود في سيناء.[93] ويمكن أن تقول مصر بأن ثمة حاجة لتضييق الخناق أمنياً على الحدود بالكامل من أجل إيقاف مثل هذه الأعمال الإرهابية، لكن هذا لا يبرر سياسة إطلاق النار دون تمييز على جميع الأشخاص الذين يحاولون عبور الحدود. وبالمثل، فإن مستوى القلق الأمني المرتفع على الجانب المصري على امتداد مسافة الـ 14 كيلومتراً المتاخمة لغزة، جراء تهريب الأسلحة والأنفاق والمصادمات بين الفلسطينيين وعناصر الأمن على الحدود في مصر، واختراق حماس لحاجز الحدود في رفح – لا تبرر جميعاً إطلاق الذخيرة الحية على المهاجرين واللاجئين في جميع النقاط الحدودية بلا استثناء فيما تبقى من الحدود في سيناء.[94]

 

كما ذهبت السلطات المصرية إلى أن ظاهرة مغادرة المهاجرين واللاجئين لمصر إلى إسرائيل تُعد تهديداً للأمن القومي المصري بسبب الصلات المزعومة لهذه القضية بالجماعات الإجرامية العابرة للحدود المتورطة في تهريب النساء للعمل بالمجال الجنسي والإتجار بالمخدرات في إسرائيل.[95] والمناطق الواقعة جنوب الحدود المصرية الخاضعة لمراقبة صارمة عند قطاع غزة، حسب الباحثين الإسرائيليين الذين بحثوا في مسألة الإتجار بالبشر، هي "منطقة لعبور المخدرات والمهاجرين غير القانونيين وقاعدة سيئة السمعة لشبكات جلب النساء... للعمل بالدعارة في إسرائيل".[96] وورد في تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2006 عن الإتجار بالأشخاص:

 

مصر دولة لعبور النساء للإتجار، من شرق أوروبا... إلى إسرائيل لأغراض الاستغلال الجنسي. وهؤلاء النساء يصلن عادة إلى مصر عبر الموانئ والمطارات كسائحات ويتم فيما بعد تهريبهن عبر صحراء سيناء بمساعدة قبائل البدو. كما يُعتقد أن الرجال والنساء من أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا يتم تهريبهم بالمثل عبر صحراء سيناء إلى إسرائيل وأوروبا للاستغلال في العمل.[97]

 

وقد أوقفت الشرطة المصرية مهاجرين غير شرعيين من مختلف الجنسيات على الحدود في سيناء، ومنهم أتراك وجورجيين وصينيين، وكذلك نساء ربما كُن ضحايا للإتجار بالأشخاص، ومنهن أوكرانيات وروسيات. ومعروف أن شرطة الحدود المصرية قتلت تركي وأصابت اثنين آخرين في حادث في أكتوبر/تشرين الأول 2007.[98] لكن بخلاف هذا فإن كل ضحايا إطلاق النار على الحدود من المهاجرين الأفارقة، وهو اختلال في اتزان الأرقام يقوض من تبرير مصر لسياستها القاضية باستخدام القوة المميتة رداً على تفشي ظاهرة الإتجار بالأشخاص والتهريب في سيناء.[99] حتى إذا كان الأشخاص الذين تم القبض عليهم من المهربين، فلا يبرر هذا الأمر في حد ذاته استخدام القوة المميتة.

 

مخالفة مصر للمعايير الدولية الخاصة باستخدام القوة

طبقاً لبيان لوزارة الخارجية صدر بتاريخ 10 أغسطس/آب 2007، تعطي القوانين المصرية والدولية السلطات "الحق" في استخدام القوة لمنع العبور غير القانوني للحدود.[100] ويقال إن السلطات المصرية قدمت تحذيرات قبل استخدام القوة. "إلا أن بعض المتسللين رفضوا التوقف، مما اضطر السلطات إلى التعامل معهم لضمان احترام القانون".

 

وقتل السلطات المصرية للمهاجرين وملتمسي اللجوء واللاجئين الذين يحاولون دخول إسرائيل يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه مصر في 1982، والذي ينص على أن: "لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً" (المادة 6). وهذا الالتزام الذي لا يمكن التراجع عنه ينطبق على أي شخص على الأراضي المصرية أو خاضع للسلطة المصرية. وطبقاً للجنة حقوق الإنسان، وهي جهة من الخبراء المسؤولين عن مراقبة التزام الدول بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن على الدول الأعضاء "اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي وقوع القتل التعسفي على أيدي قوات الأمن" وأن تضمن أن القوانين "تسيطر بإحكام وتحد من الظروف المؤدية لحرمان الشخص من حريته على أيدي السلطات".[101] كما أن مصر دولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يحظر بالمثل الحرمان تعسفاً من الحياة (مادة 4).[102]

 

ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون ورد فيها التوجيه بشأن تطبيق معايير حقوق الإنسان على أطراف تدخل ضمنها شرطة الحدود المصرية. وهذه المبادئ تحظر الاستخدام المتعمد للقوة المميتة في الأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون باستثناء "حين لا يوجد بديل لذلك من أجل حماية الحياة" (المبدأ 9). وحين يتم استخدام الأسلحة النارية، على مسؤولي إنفاذ القانون أن يضمنوا إخطار أقارب أو أصدقاء الشخص المصاب المقربين في أسرع وقت ممكن (المبدأ 5). وعلى الحكومات التزام بفرض العقاب الجنائي بحق من يستخدم القوة والأسلحة النارية بشكل تعسفي أو مسيئ من صفوف موظفي إنفاذ القانون، ويُحظر عليهم التذرع بـ "ظروف استثنائية"، منها حالات الطوارئ العامة، لتبرير أي مخالفة للمبادئ (المبدأ 8). ومما ينتهك التزام مصر بتوفير الانتصاف عبر التحقيق في حوادث القتل، ولدى الضرورة مقاضاة أي شخص تُكتشف مسؤوليته عن أعمال قتل غير قانونية، أنه لم يتم إجراء أي تحقيق رسمي في استخدام القوة المميتة على الحدود.[103]

 

ويمكن تبرير القوة المميتة فقط في الحالات التي توجد فيها ضرورة وتناسب للتهديدات التي تستهدف بصورة مادية عناصر حرس الحدود. ومن الواضح أنه في بعض الحالات كان المهربين مُسلحين. ووصف رجل من المساليت من دارفور تلقيه لتعليماته الأخيرة من المهربين: "قام البدو بتعصيب أعيننا وسرنا مسافة ساعتين حتى سمعنا عناصر الشرطة المصرية يتحدثون، وكلابهم [تنبح]. ثم قال لنا المُهرب: عليك عبور الحدود حتى إذا أطلقوا النار عليك. فسوف نطلق عليك النيران إذا عدت".[104] وتعرف هيومن رايتس ووتش بحالتين قامت فيهما شرطة الحدود المصرية بتبادل إطلاق النار مع أشخاص من المهربين قرب الحدود. في الواقعة الأولى، سقط أحد عناصر شرطة الحدود المصرية قتيلاً حين واجه المهربين الذين كانوا يقودون مجموعة كبيرة من المهاجرين على مسافة 10 كيلومترات تقريباً جنوب غرب قطاع غزة (وبضعة كيلومترات من الحدود، التي تقع إلى الجنوب الشرقي).[105] وفي تبادل آخر لإطلاق النار تمت تغطيته، أطلق المهربون النيران وقتلوا محمد أحمد حسنين، المُجند بالأمن المركزي المصري، البالغ من العمر 21 عاماً، على مسافة 16 كيلومتراً تقريباً من ساحل سيناء على البحر المتوسط.[106]

 

وعرفت هيومن رايتس ووتش بواقعتين اكتشفت فيهما الشرطة المصرية وجود مُهربين قرب الحدود. كانت ن. أ. تسافر ضمن مجموعة من المهاجرين في صحبة ثلاثة رجال وصفتهم بأنهم حارسين والثالث للاستطلاع، والمفترض أنهم مهربون، وهربوا فور اكتشاف قوات الحدود المصرية لوجودهم: "كنا في انتظار رجل تقدم أمامنا لاستكشاف المكان، لكن قبل أن يعود رأته عناصر الجيش. فر الرجلان اللذان كانا يحرساننا". وبدأت قوات الحدود المصرية في إطلاق النار على المجموعة.[107] وفي الواقعة الأخرى، تناقلت التقارير أن القوات المصرية أطلقت النار على بدوي مصري وقتلته أثناء محاولته مساعدة مهاجرين أفارقة على عبور الحدود إلى إسرائيل.[108]

 

إلا أن هاتين الواقعتين هما الاستثناء على توجه عام. فزعم السلطات المصرية بأن مكافحة شبكات التهريب تقتضي استخدام حرس الحدود للقوة المميتة يبدو موضع شك في أغلب الحالات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، حيث لم يكن المهربون متواجدون حين فتح حرس الحدود النيران على المهاجرين. ويتبين من المقابلات التي أجريت مع اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين وجود نسق مشترك يقوم عبره المهربون، الذين قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم من البدو، بالانتظار إلى أن يحل الليل، ثم يقودون المهاجرين إلى مسافة قريبة من الحدود ويوجهونهم في اتجاههم الصحيح ثم يغادرون. وحاولت هيومن رايتس ووتش دون أن تكلل المحاولة بالنجاح أن تقابل المهربين. وقال أحد المهربين لمراسل رويترز إنه يقلل من اتصالاته باللاجئين على سبيل الحيطة. وقبل أن تتم الجولة الأخيرة من الرحلة إلى الحدود، حسب قوله: "نترك السودانيين في خيمة بدوية، بحيث إذا اعتقلتهم الشرطة نكون قد ابتعدنا عنهم".[109]

 

ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أي دليل يوحي بأن حرس الحدود المصريين يطلقون النار على المهاجرين للاعتقاد بالخطأ بأنهم مجرمون خطرون. وفي أغلب الأحوال فإن المهاجرين واللاجئين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش حاولوا عبور الحدود في جماعات كبيرة بين 10 إلى 40 فرداً أو أكثر، تحت ستر الظلام. وكثيراً ما حاولت أسر كاملة عبور الحدود. وقال عدة لاجئين ومهاجرين إن حرس الحدود أدركوا بتواجدهم حين بدأ الأطفال في البكاء. وقال م. م. إنه كان يعبر الحدود مع جماعة من 37 شخصاً حين سمعتهم الشرطة:

 

كانت الثامنة مساءً، ولم يكن القمر ساطعاً، والظلام دامس. لكن الجنود تمكنوا من سماعنا، وراحوا يقولون: آي آي آي!  لبث الذعر فينا. وصاحوا: يا سمارة [يا أسمر]!"... وسمعت الرصاصات تمرق إلى جانبي، إذ راحوا يطلقون النار علينا من الجانبين.[110]

 

وفي واقعة أخرى، بدأ حرس الحدود المصريون في إطلاق النار على مجموعة من المهاجرين شاهدهم حرس الحدود الإسرائيليون بعد أن وجهوا إليهم الأضواء الكاشفة. م. ب.، الدارفوري البالغ من العمر 26 عاماً والذي عبر الحدود في 28 أغسطس/آب قال متذكراً:

 

في البداية لم يوجه المصريون نيرانهم إلينا، ثم حين أضاء الإسرائيليون نوراً علينا من جانبهم بدأ المصريون يطلقون النار علينا. كانت توجد ثلاثة أسوار، وعبرت أول سورين، لكن لدى الحاجز الثالث أصبت بعيار ناري. أطلقوا النار عليّ ثلاث مرات. لكن الإسرائيليون قالوا للمصريين أن يكفوا عن إطلاق النار، وقالوا هذا باللغة العربية. وكنت محظوظاً لأن الإسرائيليين استدعوا سيارة إسعاف عندما سقطت. ولم أتمكن من أن أنطق بكلمة طيلة ثلاثة أيام.[111]

 

كما أنه لا يوجد دليل – ولم يزعم المسؤولون المصريون ذلك – على أنه في أي من الوقائع المعروفة التي قتل فيها حرس الحدود المصريون المهاجرين واللاجئين أو أصابوهم، كان إطلاق النار دفاعاً عن النفس. وتتذكر ن. أ. المرأة الدارفورية المذكورة أعلاه أن قوات الحدود المصرية أطلقت النار على مجموعتها حتى رغم أنهم كانوا جالسين:

 

راحوا يطلقون النار على المجموعة أثناء جلوسنا على الأرض. وراحوا يصيحون: هل مع أي منكم سلاح؟ وأطلقوا النار لفترة طويلة. وأحاطوا بنا حتى ثم بزغ الفجر. تفحصونا وتبين مقتل شخص وإصابة خمسة. واصطحبونا إلى مخيم، جميعنا، وأخذوا ملابسنا ووثائقنا ونقودنا. واستخدموا ملابسنا في غسل دماء الأشخاص المصابين.[112]

 

ولم يظهر في أي من حوادث القتل أن الاستخدام المميت المتعمد للقوة من قبل شرطة الحدود كان ضرورياً ولا مناص منه من أجل حماية الحياة، وهو السبب الوحيد المسموح بموجبه استخدام القوة المميتة، كما ورد في المبادئ الأساسية للأمم المتحدة لاستخدام القوة والأسلحة النارية.

 

والظاهر أن حرس الحدود على امتداد حدود سيناء يعملون بناء على أوامر باستخدام القوة المميتة ضد المهاجرين واللاجئين بغض النظر عن فرض هؤلاء الأشخاص لتهديد من عدمه. وقد أكد المسؤولون المصريون، وكما يتضح من أقوال بعض شهود العيان، أن عناصر شرطة الحدود المصريين يتبعون إجراءات تحذير قبل استهداف الأشخاص الذين يحاولون عبور الحدود مباشرة. وقال رجل من جنوب السوداني عبر الحدود في 17 فبراير/شباط 2008:

 

كنت أرى عناصر الشرطة، وقد هتفوا إليّ ثم أطلقوا أعيرة نارية في الهواء، ثم وجهوا فوهات البنادق لأسفل. ورأيت شخصاً يسقط صريعاً أمامي، وكان اسمه ويك. ورأيت شخصاً آخر يُصاب برصاصات في ساقيه ومعصمه، حين وجهوا فوهات البنادق لأسفل. ثم جلبوا سيارة إسعاف، ورأيناهم يحملونها بعد أن عبرنا الحدود. ورحنا نراقبهم وهم يضعون الأشخاص بالسيارة، والأشخاص راقدون  في هدوء بلا حراك.[113]

 

ولا علاقة لإجراء التحذير هذا بشرعية الاستخدام المميت للقوة من قبل الشرطة في أي حالات باستثناء حالة الدفاع عن النفس. وفي حالات أخرى، ومنها وقائع شهد عليها جنود من الجيش الإسرائيلي في 1 أغسطس/آب 2007، تناقلت التقارير أن حرس الحدود فتحوا النيران على مهاجرين دونما تحذير. وقال رجل من جنوب السودان عبر الحدود إلى إسرائيل في مطلع أغسطس/آب 2007: "شرعوا يطلقون النار علينا، واعترتنا دهشة بالغة، ورأيت رجلاً يُصاب برصاصة في قدمه، واسمه محمد. وكان من دارفور أيضاً. ولا أعرف ما حدث له [بعد هذا]. ففي هذه الظروف لا تعرف ما يحدث لصديقك".[114] وعبر تسعة من جماعته التي كان قوامها 38 مهاجراً سورين حدوديين إلى إسرائيل، حيث التقطهم جنود الجيش الإسرائيلي.

 

والمنهج الذي تتبعه قوات الجيش الإسرائيلي يوحي بأن اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين الذين يعبرون سيناء لا يُشكلون تهديداً جسيماً لحرس الحدود المُسلحين. فمنذ عام 2005، حين بدأ اللاجئون السودانيون في التوافد على إسرائيل عبر الحدود في سيناء، قامت عناصر الجيش الإسرائيلي، حسب تقارير صحفية، بإطلاق النار على عدة "مخترقين" مصريين وفلسطينيين وقتلوهم، وهذا لدى الحدود، على أساس أنهم يمثلون خطراً أمنياً، وفي إحدى الوقائع قتلوا رجلاً بدوياً في ظروف يحيطها الغموض، وفي واقعة أخرى أطلقوا النار دفاعاً عن النفس على رجلين يرتديان زي الجيش المصري، بعد أن قاما بمهاجمة طاقم دبابة إسرائيلي.[115] وخلال الفترة الزمنية نفسها، تناقلت التقارير قتل قوات الحدود الإسرائيلية أيضاً لمهاجر واحد، في يونيو/حزيران 2006.[116] إلا أن المهاجرين وعناصر الجيش الإسرائيلي الذين ما زالوا في الخدمة حالياً، ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش، أكدوا أن الجنود الإسرائيليين عادة ما يقتربون من المهاجرين – دون رفع فوهات أسلحتهم نحوهم في بعض الحالات على الأقل – ويأمرونهم برفع أيديهم، ويقومون بتفتيشهم، ويسألونهم من أين قدموا، ويعرضون عليهم المياه، وفي حالة الضرورة الإسعافات الأولية قبل نقلهم دون تقييد أيديهم إلى أقرب قاعدة للجيش. ومن هناك يتم اصطحابهم إلى واحد من مخيمين كبيرين في هار خليف أو بالقرب من كيتزيوت[117]

 

وقال لـ هيومن رايتس ووتش مسؤول عسكري في صفوف احتياطي الجيش الإسرائيلي كان يخدم في قاعدة نيتزانا الحدودية في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2007:

 

كُنا نعرف بشأن ظاهرة اللاجئين، وتحدث الجيش عنها، من ثم فلم تفتح عليهم النيران قط. وعلى حد علمي لم يتم إطلاق طلقة واحدة عليهم. وما يحدث عادة أنه حين يحل الليل يشرعون في العبور، وتوجد دوريات عسكرية على الطرق الرئيسية والدروب وعادة ما يتم العثور عليهم جالسين بانتظار الدوريات. ويتم تفتيشهم حيث يتم العثور عليهم، وهو إجراء أمني مُتبع يتلخص في الاطلاع على أوراقهم وتفتيش أجسادهم سريعاً، ثم نقلهم إلى القاعدة.[118]

 

ورغم أن الجيش الإسرائيلي أعاد مهاجرين قسراً إلى مصر في أغسطس/آب 2007 وأغسطس/آب 2008، فإن المهاجرين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في إسرائيل قالوا إنهم تعمدوا أن يكتشف عناصر الجيش الإسرائيلي وجودهم بالقرب من الحدود، إذ يرون في إسرائيل مقصد آمن.

 

ترهيب الأسر والفصل بين أفرادها على الحدود

يحاول الكثير من المهاجرين واللاجئين القيام بالرحلة إلى إسرائيل في صحبة أسرهم، لكن في اللحظات الأخيرة الحرجة لدى الحدود، يمكن أن ينفصل الأباء والأمهات والأطفال عن بعضهم البعض.[119] أما هـ. ب، الذي كان قد وصل لتوه إلى تل أبيب بصحبة ابنيه الصغيرين عندما تحدثت إليه هيومن رايتس ووتش، فحاول أن يتذكر آخر مرة رأى فيها زوجته، قبل لحظات من إطلاق النار على أسرته:

 

سمعت الرصاصات تئز في الهواء إلى جوار أذني ولا أعرف ما حدث للباقين [ضمن مجموعتنا]. قررت أن أركض بصحبة ابنيّ إلى إسرائيل. ولا أعرف إن كان الباقين على قيد الحياة أم ماتوا. وحتى الآن لست واثقاً مما حدث لزوجتي. كانت تمطر، وكنا نركض نحو الحدود معاً، وبعدها لا أعرف ما حدث معها.[120]

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش في إسرائيل عدة أطفال غير مصحوبين ببالغين وكان آبائهم قد تعرضوا للاعتقال لدى الحدود في سيناء. وانفصلت شقيقتان، في سن الثامنة والسابعة على التوالي، عن أمهما وأبيهما وشقيقين لدى الحدود. ويعتني بالفتاتين رجلان تعرفا إلى الأسرة أثناء الرحلة إلى الحدود. وأوضح ج. هـ. الرجل الإريتري البالغ من العمر 25 عاماً ويقيم في تل أبيب: "جررت الأولاد عبر الحدود... كانتا على مسافة 20 متراً فقط من الأم، لكن تم القبض عليها. والآن فإن الفتاتين تقيمان [معنا]".[121] وب. د. رجل من جنوب السودان دخل إلى إسرائيل بصحبة زوجته وابنه أواسط عام 2007، وهو بدوره يعتني بأختين آخريين، في عمر 12 و6 أعوام، وكانت أمهما وثلاثة أشقاء قد تعرضوا للاعتقال على يد حرس الحدود في فبراير/شباط 2008، وقال: "تحدثنا [عبر الهاتف] إلى الأب في القاهرة. ولا نعرف ماذا نفعل. الفتاة الصغيرة تبكي طوال الليلة، فقد شاهدت شخصاً يُصاب بطلق ناري. إننا بحاجة للمساعدة لمعرفة مكان الأم".[122]

 

وجود أدلة قليلة على الأثر الرادع

على الرغم من أن السياسة المصرية القاتلة وغير القانونية المذكورة يُفترض أنها عامل رادع لبعض الأشخاص وتجعلهم يمتنعون عن العبور إلى إسرائيل، فإن عدد ملتمسي اللجوء الذين يعبرون الحدود مستمر في التزايد. وفي مطلع يوليو/تموز 2007، قال رئيس الوزراء أولمرت للجنة الشؤون الخارجية في الكنيست إن 2500 شخص قد عبروا الحدود أثناء الشهور الستة الأولى من ذلك العام، قبل أن يصل أولمرت إلى "التفاهم" مع الرئيس مبارك، وقبل أول التقارير بأن قوات الحدود المصرية تُطلق النار على المهاجرين، التي ظهرت في يوليو/تموز 2007.[123] ورغم هذا عبر 2500 شخص آخرين الحدود حتى نهاية العام، وتقدم 6034 شخصاً بطلب اللجوء في إسرائيل منذ يناير/كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول 2008.[124] وفي 22 مارس/آذار 2008، بعد عام تقريباً من انتقاد 40 نائباً برلمانياً إسرائيلياً "فشل الحكومة في حل مشكلة لاجئي منطقة دارفور"، حذر رئيس الوزراء أولمرت وزارته من أن إسرائيل استمرت في مواجهة "فيضان تسونامي" من المهاجرين الأفارقة وأن الوضع "مستمر في التدهور. وعلينا أن نفعل كل ما بوسعنا لإيقاف التدفق".[125]

 

ويستمر الأشخاص في محاولة العبور رغم معرفة المخاطر المُحتملة للرحلة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش رجل سوداني نجح في عبور الحدود في سيناء إلى إسرائيل بصحبة طفليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، إن زوجته بعد أن أحست بالخوف من إطلاق النار، ركضت عائدة وقبض عليها حرس الحدود المصريون، وأضاف: "تحدثت إليها للمرة الأولى [بعد أربعة أشهر]. وقضت في السجن [في مصر] مدة شهرين. واضطرت للعمل أثناء تواجدها في السجن. وهي بانتظار أن أبدأ في العمل. وسوف أرسل إليها أول أجر شهري أتلقاه لكي تستعين به في العبور".[126]

 

إساءات أخرى في سياق قبض شرطة الحدود المصرية على الأفراد

بناء على الروايات والوقائع التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش، فإن شرطة الحدود المصرية كثيراً ما تقوم بضرب وركل المهاجرين واللاجئين أثناء القبض عليهم. وقال عدة مهاجرين إنهم شاهدوا عناصر من الشرطة يضربون آخرين على رؤوسهم بكعوب البنادق، وكيف تعرض بعضهم، هم أنفسهم، للضرب. وج. ب. رجل إريتري يبلغ من العمر 25 عاماً وهجر إريتريا في مطلع فبراير/شباط 2008، واختبأ عن الشرطة المصرية التي أطلقت النار عليه وعلى شخص آخر من بين رفقاء السفر الثلاثة الذين كانوا بصحبته. وشهد عملية اعتقال هذا الرجل الآخر:

 

حتى رغم أنه عبر السلك [الذي تنتهي عنده الحدود] فقد وجهوا ضوء الكشاف عليه وأمروه بالعودة. وعاد، وكان يخشى أن يطلقوا النار عليه ثانية. وسقطت تحت كومة من العشب فلم يروني. لكن في مكانه لم يكن هناك أي عشب. راحوا يضربونه، ثم وضعوه سيارة تحركت به وهو داخلها.[127]

وفي بعض الحالات قام عناصر شرطة الحدود بضرب المهاجرين أثناء استجابهم بعد إلقاء القبض عليهم مباشرة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش رجل من جنوب السوداني عبر الحدود، إنه سمع الشرطة المصرية تضرب رفيقه في الرحلة: "وراح يصرخ قائلاً: هناك اثنان، هناك اثنان... لأنهم كانوا يستجوبونه عمّن كانوا معه".[128]

 

وقالت امرأة من دارفور إن الشرطة هددتها للأسباب نفسها: "أغلب مجموعتنا عبروا الحدود، لكنني ومعي امرأة ورجل آخرين ومعنا أولادنا، تم القبض علينا. وراح الجنود يطلقون النيران على الأرض إلى جانبنا ويخيفوننا. راحوا يسألون: من جاء بكم؟ من كانوا معكم؟ من منكم عبروا؟"[129]

 

وقام حرس الحدود أيضاً بضرب وإهانة المهاجرين لاعتزامهم الذهاب إلى إسرائيل. وطبقاً لكبير تجمع سكني سوداني في القاهرة قام بزيارة مهاجرين مُحتجزين في السجون المصرية: "يقول عناصر الشرطة لدى الحدود لمن يحاولون العبور إنهم يهود، ويقومون بضربهم. لكنهم في واقع الأمر يصيحون في أشخاص من الجنوب [السوداني، والكثير منهم مسيحيون]. ويقولون لهم: أنتم أعداء العرب والإسلام".[130] وقالت ن. أ.، وهي امرأة في العشرينات من عمرها، إن بعد أن قبضت شرطة الحدود عليها "نقلونا إلى مخيم عسكري. وسددوا لنا الركلات وضربونا وقالوا: إسرائيل دولة سيئة وقذرة... وكانوا [يصفعون] الأطفال على وجوههم ويقولون: لماذا تريدون الذهاب إلى دولة سيئة كتلك؟"[131]

 

أوضاع المُصابين الذين يبلغون إسرائيل

الأشخاص الذين تلحق بهم إصابات جسيمة على يد شرطة الحدود المصرية لدى الحدود في سيناء ثم ينجحون في عبور الحدود، يلقون رعاية طبية مبدئية لدى الدخول إلى إسرائيل، ويستحقون التأمين الصحي إذا تمكنوا من استصدار تصاريح عمل لهم ثم التحقوا بوظائف مشروعة، وهي عملية تستغرق عدة أشهر.[132] وإلى أن يتم هذا، يعتمد المُصابون الذين يُخرجون من المستشفيات على تطوع العاملين الطبيين بمساعدتهم وعلى منظمة غير حكومية واحدة، هي أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل، ولها عيادة طبية في تل أبيب.[133]

 

وأغلب من يصلون حديثاً إلى تل أبيب يعتمدون على ملاجئ للاجئين، هي عادة مكتظة بشاغليها ولا تتمتع بظروف نظافة صحية ملائمة ويديرها المتطوعون، ويعتمدون عليها في الإقامة والطعام. ووصف ج. ب. الرجل الإريتري المقتبسة أقواله أعلاه، ما تعرض له من مشقة ألحقت به الإصابة وأعجزته عن الحركة من سريره في ردهة مأوى للاجئين في تل أبيب. بعد أن سافر من إريتريا إلى الخرطوم ثم أسوان ثم القاهرة:

 

استغرقت أربعة أيام أخرى قبل أن أبلغ الحدود مع إسرائيل. عبرت في الثالثة صباحاً، وكنا أربعة. أطلقوا النار على اثنين، وأصابوني في الركبة، فقمت بالزحف... وعثر علي الإسرائيليون بعد يوم وليلة، في الساعة السابعة والنصف من الصباح [التالي]. نقلوني إلى مخيم للجيش، ثم إلى مستشفى [سوروكا] في بير شيفع.

 

وحسب ما ذكر ج. ب. لـ هيومن رايتس ووتش بعد نقله إلى خارج المستشفى، فإنه بعد أسبوعين كان يشعر بأنه سيمرض لإقامته في مأوى اللاجئين.[134]

 

عمليات "الإعادة الفورية المشروطة" الإسرائيلية

لعل أكثر ما يثير القلق في رد فعل إسرائيل إزاء ظاهرة عبور الحدود هو عمليات الإعادة غير الطوعية المتكررة لمن يعبرون الحدود في سيناء، إلى شرطة الحدود المصرية. والسياسة وراء هذه الممارسة، رغم أنها لم تُفعل لفترات زمنية طويلة، ما زالت قائمة وترد أثناء المناقشات على أعلى المستويات الحكومية الإسرائيلية.[135]

 

عمليات "الإعادة السريعة" الإسرائيلية

طبقاً لأقوال محامين لجوء إسرائيليين، فإن إسرائيل أجرت العمليات المدعوة بـ "الإعادة السريعة" لأول مرة عشية 25 أبريل/نيسان 2007، حين قام جنود إسرائيليون بإعادة ستة إريتريين كانوا قد عبروا الحدود إلى مصر قسراً. وقال المحامون إن جنود احتياطيين من الجيش الإسرائيلي رفضوا إطاعة الأوامر اتصلوا بهم، وكانوا قد رفضوا دفع الإريتريين عبر فتحة في السور الحدودي، لكنهم شهدوا جنوداً آخرين يقومون بهذا.[136] ومنذ ذلك الحين، أعادت إسرائيل قسراً عدة جماعات من المهاجرين.

 

وبعد قتل عناصر من شرطة الحدود المصرية في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2007 لبعض العابرين، والإنكار الجانب المصري لوجود أي اتفاقات بقبول المهاجرين المُعادين من إسرائيل، قامت السلطات الإسرائيلية في 18 أغسطس/آب 2007 بنقل مجموعة قوامها 48 مهاجراً – منهم 44 من السودان – إلى عهدة الاحتجاز المصري، وكانوا قد عبروا الحدود في سيناء خلال الـ 48 ساعة الماضية على إعادتهم.[137] ولم تسمح السلطات الإسرائيلية لعناصر من المجموعة بعرض طلبات لجوء، قبل إعادتهم قسراً إلى مصر. وبناء على قائمة بالأسماء قدمتها الحكومة المصرية فيما بعد، حددت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن 23 عضواً من المجموعة كانوا مُسجلين كلاجئين وملتمسي لجوء في مصر.

 

وطبقاً لتقارير إخبارية، ففي 19 أغسطس/آب أنكر مسؤولون مصريون لم تُذكر أسمائهم أن إسرائيل سعت للحصول على ضمانات بشأن اللاجئين وأن: "قالت إسرائيل فحسب: خذوهم من فضلكم".[138] وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن مصر تقبل اللاجئين "لأسباب إنسانية مُلحة للغاية" إلا أن هذا النوع من عمليات الإعادة "لن يتكرر ثانية".[139]

 

ورفضت السلطات المصرية طلبات متكررة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمقابلة المُعادين الـ 48.[140] وقال مسؤولون مصريون لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2008 إن الأفراد الـ 48 قد أخلي سبيلهم داخل مصر.[141] إلا أنه وطبقاً لتقارير إخبارية، فقد رحلت مصر ما بين 5 إلى 20 شخصاً من مجموعة السودانيين (انظر أدناه)، رغم خطر التعرض للاضطهاد.[142] وربما أيضاً طلب أعضاء من المجموعة من السودان اللجوء إثر دخول إسرائيل، كما يتبين من أقوال لمسؤولين سودانيين احتمال تعرضهم للاضطهاد جراء محاولة دخول "دولة مُعادية".[143] وكتبت أليزا أولمرت، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي في 31 يوليو/تموز، قبل إعادة إسرائيل المجموعة إلى مصر، أن "إعادة أي شخص سوداني إلى السودان بعد أن زار إسرائيل، التي تُعد دولة معادية، هو بمثابة إنزال حُكم بالإعدام عليه".[144]

 

وبعد مرور عام على الإعادة القسرية لمجموعة الـ 48، في 27 أغسطس/آب 2008، أكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل أعادت مجدداً عدداً غير مُحدد من عابري الحدود الأفارقة إلى مصر.[145] وقال جندي إسرائيلي موقعه بالقرب من الحدود مع سيناء لـ هيومن رايتس ووتش إنه تلقى أوامر بإعادة كل عابري الحدود إلى مصر ولم يكن يعرف بأي تعليمات أو إجراءات تسمح بتقديمهم لطلبات اللجوء، وقال جندية إسرائيلية أخرى إن الجنود في وحدتها احتجزوا جماعة من المهاجرين الإريتريين واحتجوا حين قال لهم سائق الحافلة العسكرية التي كانوا بها إنهم سينقلون الإريتريين إلى مصر، ومنعوا الحافلة مؤقتاً من المغادرة.[146] وقال الجنود الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إن أشخاصاً بالجيش الإسرائيلي قالوا لهم إن مجموعتين من المهاجرين المُحتجزين قد تمت إعادتهم إلى مناطق ساجي وخريف الجبلية على الحدود مع سيناء. وتقدم مدافعون إسرائيليون عن حقوق اللاجئين بدعوى للنظر في عمليات "الإعادة السريعة"، وفي ردها على الدعوى أوردت وزارة الدفاع الإسرائيلية شهادة خطية بقسم قدمها الجنرال يول ستريك، المسؤول عن الجحيش الإسرائلي في منطقة سيناء الحدودية. وطبقاً لشهادة ستريك فإن "القادة الميدانيين" التابعين للجيش الإسرائيلي أعادوا إجمالاً 91 شخصاً على أربع مراحل، بين 23 و29 أغسطس/آب، لكنهم لم يتبعوا "أوامر مُلزمة" بشأن الإجراءات واجبة الاتباع أثناء الإعادة.[147] ولا تعرف هيومن رايتس ووتش بأماكن الأشخاص الـ 91 الذين تمت إعادتهم.

 

سياسة عمليات "الإعادة الفورية المُنسقة"

يبدو أن سياسة إسرائيل الخاصة بالسماح بالإعادة الفورية لعابري الحدود تنبع من اجتماع انعقد في 1 مارس/آذار 2006. وطبقاً لتقرير عن الاجتماع أعده محامون معنيون باللجوء، فإن مستشار الدولة القانوني قال:

 

من وجهة النظر القانونية، لا يوجد ما يحول دون إعادة أي شخص اخترق إسرائيل إلى مصر، فور دخوله مباشرة، فمثل عمليات الإعادة هذه لا تتطلب أمراً قانونياً أو أي إجراءات أخرى. ومن الناحية القانونية، فهذا يُعد منعاً من الدخول، وليس ترحيلاً عن الأراضي الإسرائيلية. والشرط الوحيد واجب التطبيق بشأن هذا الإجراء، هو القرب مكاناً وزماناً من مكان وتاريخ عبور الحدود.[148]

 

والقرب مكاناً وزماناً من مكان وتاريخ عبور الحدود لا علاقة له بالتزام إسرائيل بالامتثال للحظر على الإعادة القسرية للأشخاص. وفي عام 1977، تبنت بالإجماع اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي تُعد إسرائيل عضواً فيها، الاستنتاج رقم 6، الذي "يؤكد على الأهمية القصوى لمراعاة مبدأ عدم الإعادة القسرية، على الحدود وداخل أراضي الدول..."[149] وأكدت اللجنة التنفيذية على هذا في أكتوبر/تشرين الأول 2004، باستنتاج رقم 99، والذي يدعو الدول إلى ضمان "الاحترام التام للمبدأ الأساسي الخاص بعدم الإعادة القسرية، بما في ذلك عدم الرفض على الحدود دون منح الأفراد فرصة الاستعانة بإجراءات منصفة وفعالة لتحديد وضعهم وللوفاء باحتياجات الحماية الخاصة بهم".[150]

 

إجراءات التمكين المُقترحة قاصرة عن متطلبات القانون الدولي للاجئين

في سبتمبر/أيلول 2007، طعنت منظمات غير حكومية إسرائيلية في إعادة إسرائيل القسرية للـ 48 شخصاً إلى مصر في الشهر السابق. وطالبت المحكمة الإسرائيلية العليا الدولة بأن تقدم للمحكمة الإجراءات المقترحة لـ "الإعادة الفورية المنسقة" للـ "مخترقين" عبر سيناء قادمين من مصر.[151]

 

وكما عُرض في ديسمبر/كانون الأول 2007، فإن الإجراءات المقترحة، توجه بأن "المخترقين" يخضعون للتحقيق "من قبل القوات التي قبضت عليهم في الميدان" خلال ثلاث إلى ست ساعات من القبض عليهم، باتباع قائمة محددة من الأسئلة. والمُحقق "جندي أو رجل شرطة"، لا يجب إلا أن يكون لديه "الحد الأدنى من القدرة على الاتصال بالمخترقين". وإذا استحال الاستجواب ميدانياً، يصطحب الجنود المهاجرين إلى مخيم للجيش تنطبق عليه نفس الإجراءات عاليه.

 

ولا يرد في قائمة الأسئلة توجيهات للمحقق بطرح سؤال مباشر بشأن ما إذا كان المهاجر يخشى أي خطر يتهدده لدى عودته إلى بلده الأصلي أو إلى مصر. وإذا أثار التحقيق شكوك بـ "اختراق أمني أو جنائي" فإنه "يتم نقل المُخترق إلى الجهات... المختصة"، لكن الإجراءات لا يرد فيها تحديداً ما يحدث إذا تبين من التحقيق احتمال الحاجة إلى الحماية. بدلاً من هذا فإن المعلومات المستقاة من الاستجواب يتم نقلها إلى ليفيتانت كولونيل أو كولونيل بالجيش الإسرائيلي، وهو من يقرر إن كان المهاجر، بناء على "ظروفه الشخصية وظروف أسره ووضعه في مصر"، تجب إعادته إلى مصر.

 

وإذا تبين من ملف المهاجر أنه زعم بأن خطراً داهماً يتهدد حياته إذا أُعيد، توجه الإجراءات المقترحة ضابط الجيش إلى طلب مشورة "السلطة القانونية من القسم القانوني بالجيش"، أو أي سلطة حكومية مختصة أخرى. ويمكن أن تأمر السلطات بنقل المهاجر إلى سلطات الهجرة المدنية، إذا تبين أن "ثمة خطر يتهدد حياة أو حرية المخترق في مصر". إلا أن الإجراءات ورد فيها أنه يجب ألا تأخذ السلطات في اعتبارها أي "خطر بالمقاضاة أو السجن أو العقاب بسبب الاختراق أو غير ذلك من الأعمال الجنائية المُرتكبة في مصر". ويتم ترحيل المهاجر خلال 72 ساعة إلى مصر لدى "تلقي الموافقة المطلوبة على هذا" "بالتنسيق مع السلطات المصرية المختصة". وحتى ذلك الحين، يحتجز الجيش الإسرائيلي المهاجر بناء على أوامر مؤقتة أو دائمة بالترحيل.

 

وكل من الإجراءات المقترحة تقريباً – التي تصم ملتمسي اللجوء وغيرهم من المهاجرين بصفة "المخترقين" – قاصرة عن تحقيق التزامات إسرائيل بموجب قانون اللاجئين. ولا تتبع الإجراءات المقترحة الإسرائيلية أي من المرحلتين "الضروريتين" لتحديد وضعية اللاجئ، وهما: "التيقن من الحقائق ذات الصلة بالقضية" وتطبيق الحقائق التي تم التيقن منها "حسب تعريفات اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول 1967".[152]

 

ويرد في الأدلة التوجيهية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن طلبات اللجوء يجب "أن يتم فحصها خلال الفترة الزمنية المحددة بناء على إجراءات خاصة، وعلى أيدي أشخاص مؤهلين لفحصها ولديهم معرفة وخبرة كافيتين، وفهم للمصاعب والاحتياجات الخاصة لدى مُقدم الطلب".[153] ولا يوجد أي شيء في الإجراءات المقترحة يوحي بأن "المُحقق" الذي يُعد ضمن "قوة الاعتقال ميدانياً" يجب أن تكون لديه المعرفة أو الخبرة المطلوبتين لإجراء مقابلة أولى للتيقن من احتياجات الحماية الخاصة هذه.[154] وبدلاً من إتاحة الأغراض الضرورية لمقدم الطلب، ومنها خدمات الترجمة الفورية الموثوقة، أثناء النظر في حالته، فإن الإجراءات المقترحة لا تذكر حتى مطالبة "الجندي أو الشرطي" الذي يجري الاستجواب بأن يكون على دراية بلغة يفهمها المهاجر.[155] ولا تتحدث الإجراءات فعلياً عن معاملة النساء والأطفال، بينما ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين توجيهات لصناع القرار أثناء المقابلات وتقييم طلبات اللجوء، بشأن الجماعات والأفراد الأكثر عرضة للضرر.[156]

 

ولا تشير الإجراءات المقترحة إلى أن معيار الحماية هو "وجود خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد"، بل ورد فيها مطلب أشق في التحقيق، وهو "وجود خطر حقيقي على حياته". وبدلاً من أن تهدف إلى توفير محققين لديهم معرفة كافية بقانون اللاجئين، فإن الإجراءات المقترحة لا تنص إلا على "النظر إلى الخيارات" المتاحة لإضافة "مراجعة عامة" لموضوعات مثل اتفاقية اللجوء، وهذا في برنامج تدريبي فضفاض التعريف والوصف، على أن يلتحق به "المحققون". ولا تفي الإجراءات بالمتطلبات ذات الصلة في قانون اللاجئين والتي تتلخص في أن تنقل السلطاست العسكرية جميع المهاجرين إلى السلطات المدنية المختصة لاتخاذ إجراءات مبدئية بشأن طلبات اللجوء في أسرع وقت ممكن. ولا تزيد الإجراءات عن منح الجيش الإسرائيلي هذا الاختصاص (لكن دون توجيه).[157]

 

وتوجه الإجراءات المقترحة "المحققين" إلى عدم إخطار المهاجرين بأي حق في طلب اللجوء: "الغرض من الاستجواب هو توفير المعلومات الضرورية عن المخترق والسماح له بتقديم مزاعمه، إذا أراد هذا بناء على مبادرة منه، بشأن الخطر المحدق بحياته لدى العودة إلى مصر أو بسبب كونه لاجئاً".[158] وطبقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فيجب إخطار مقدمي الطلبات بحقهم في فرصة – ومنحهم هذه الفرصة – للاتصال بممثل للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.[159] وقال لـ هيومن رايتس ووتش يوشي غانيسين، التي تدخلت في القضية المرفوعة للمحكمة العليا بالنيابة عن الدولة، إن طرح السؤال المباشر يعني "وضع الكلمات على ألسنة الأشخاص، وكأنك تخبرهم بأن عليهم تقديم طلبات لجوء. يجب أن يرووا ما لديهم بأنفسهم".[160]

 

والإجراءات، ومنها الأمر بترحيل ملتمسي اللجوء المحتملين خلال 72 ساعة، تخالف حق ملتمسي اللجوء في البقاء في إسرائيل بانتظار صدور قرار نهائي في قضاياهم، ومن ثم فهو انتهاك لالتزامات إسرائيل الخاصة بعدم الإعادة القسرية وأحكام القانون الدولي المتعلقة بالحق في تعويض مناسب".[161]

 

وطبقاً للجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن أي إجراء رسمي لمقابلات اللجوء يتطلب التحرك بناء على مبدأ عدم الإعادة القسرية.[162] أما المعيار المُقترح الخاص بوجود "خطر حقيقي على الحياة" فينطوي على "المخاطرة باستبعاد اللاجئين الذين يواجهون مخاطر أقل من خطر الموت، لكنها أخطار يتحقق فيها "مخاوف لها ما يبررها بالتعرض للاضطهاد"، وهو المبدأ الوارد في اتفاقية اللاجئين، أو بناء على أي أسس أخرى من شأنها أن تكون سنداً للحاجة إلى الحماية أو أساساً إنسانياً لعدم الإعادة".[163]

 

وقبل أن ترى الدولة إبعاد اللاجئ أو ملتمس اللجوء إلى دولة ثالثة، عليها أولاً أن تُقيّم ما إذا كانت هذه الدولة آمنة أم لا. واللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين خلصت إلى أن اللاجئين وملتمسي اللجوء الذين يتنقلون بصفة غير قانونية من دولة وجدوا فيها بالفعل الحماية، يمكن إعادتهم إلى تلك الدولة، فقط في حالة إذا كانوا يجدون فيها الحماية من الإعادة القسرية.[164] كما ترى السلطات القضائية أن مبدأ عدم الإعادة يعني استبعاد "الإعادة غير المباشرة... إلى دولة وسيطة" في الظروف التي يوجد فيها خطر إعادة الفرد بصورة قسرية إلى منطقة يتهدده فيها الخطر".[165]

ومن شأن الإجراءات الإسرائيلية المقترحة أن توقف الترحيل إلى مصر فقط في حالة "إذا كان هناك خطر على حياة أو حرية الفرد في مصر، إذا ما تمت إعادته". واقتصار التقييم فقط على الخطر الفوري الذي يتهدد شخص من رعايا دولة ثالثة، على حياته أو حريته، في مصر، ليس كافياً كتقييم للخطر، إذ يجب ألا يشمل مثل هذا التقييم فقط خطر الإعادة من قبل السلطات المصرية في ظل اهتمام غير كافٍ باحتياجات الحماية، بل أيضاً الأخطار التي قد تلحق بالشخص في دولته الأصلية.

 

فضلاً عن أن الإجراءات المقترحة لا تتصدى لحقيقة أن الرعايا السودانيين ربما يصبحون "لاجئين الـ ما بعد"، إذ لديهم خوف له ما يبرره من الاضطهاد إذا عادوا إلى دولتهم الأصلية جراء الأحداث التي وقعت بعد مغادرتهم، وليس قبل خروجهم من السودان، بسبب بدخولهم إلى إسرائيل، الدولة التي تعتبرها السودان دولة معادية.[166]

 

وقالت غانيسين، المحامية بوزارة العدل، لـ هيومن رايتس ووتش:

 

المهم حقاً هو أنه يجب اعتبار مصر دولة أولى آمنة. فهذا واجب حسب قانون اللاجئين، إذ أن بها مكتب للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وقد وقعت على اتفاقية اللاجئين واتفاقية اللاجئين الأفريقية. والكثير من الناس الذين وصلوا إلى إسرائيل كانوا قد نالوا الاعتراف بهم في مصر، إذ منحتهم مفوضية اللاجئين في مصر بطاقات زرقاء أو صفراء [وهي إشارة إلى وضع اللاجئ ثم ملتمس اللجوء على التوالي]. من ثم فمن المنظور الإسرائيلي، يجب أن يجد السودانيون والإريتريون الحماية في مصر.[167]

 

ومصر في واقع الأمر لم تقم بحمايتهم. فقد قامت السلطات المصرية بحبس ملتمسي اللجوء واللاجئين المُعادين إليها من إسرائيل في 18 أغسطس/آب 2007 حبساً انفرادياً بمعزل عن العالم الخارجي. وربما قامت السلطات المصرية بإعادة الأشخاص قسراً في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2007، حين تناقلت التقارير إبعاد خمسة على الأقل من المجموعة إلى السودان، بعد أن تم احتجازهم في مكان غير معلوم ودون منحهم فرصة لتقديم طلبات اللجوء. وورد في خبر لوكالة أنباء أسوشيتد برس يقتبس مسؤول لم يُذكر اسمه من وزارة الخارجية المصرية قوله إن 20 من المجموعة "طلبوا مغادرة" مصر.[168]

 

من ثم يبدو أن الإجراءات الإسرائيلية المقترحة توجه الجنود ورجال الشرطة المُكلفين باستجواب "المخترقين" إلى تجاهل الممارسات والقوانين المعمول بها في مصر وفي الدول الثالثة، والتي يمكن أن تستند إليها طلبات اللجوء الخاصة بالأشخاص المهاجرين، بصورة مباشرة.[169] ويصعب بخلاف هذا فهم اعتماد الإجراءات المقترحة على مفهوم "التنسيق مع السلطات المصرية" في القيام بعمليات إعادة يسيرة وآمنة إلى مصر، بحق المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى إسرائيل. وكما هو مذكور أعلاه، فقد ذكرت وزارة الخارجية المصرية أنه لا يوجد اتفاق "تنسيق" قائم.[170] حتى إذا قدمت مصر ضمانات بأنها ستعامل العائدين معاملة إنسانية، فإن خبراء حقوق الإنسان خلصوا إلى أن "الضمانات الدبلوماسية" ليست بالضمانات الكافية لضمان أن المُرحلين إلى بلدان معروفة بممارسة التعذيب سيجدون الحماية فيها.[171]

 

وطبقاً لما ذكرت غانيسين فإن "إسرائيل توافق على أسانيد اتفاقية [اللاجئين] الأخرى الخاصة بالاضطهاد. لكن لا يمكن الحصول على الحماية بموجب الحق في عدم الإعادة القسرية بعد ارتكاب جريمة تلاها حُكم على الشخص في الدولة الأصلية، مثل الهروب من الخدمة العسكرية في إريتريا، أو عبور الحدود المصرية بصفة غير قانونية".[172] وهذا الرأي الضيق لإسرائيل بشأن التزامات عدم الإعادة القسرية يبدو غير متسقاً مقارنة مع مفهوم "لاجئ الـ ما بعد" وما يقدمه مثل هذا اللاجئ من مزاعم للجوء. كما أنه يرى من غير المتصل بالسياق أن السلطات الإريترية عذبت أو أعدمت الهاربين من الخدمة العسكرية، وأن التعذيب موثق جيداً وهو ممارسة منتشرة في مراكز الاحتجاز وعلى كافة مستويات الاعتقال والاحتجاز في مصر.[173]

 

استمرار الاستخدام السياسي لعمليات "الإعادة المنسقة"

في فبراير/شباط 2008، ومع رفض توصيات رئيس الوزراء إيهود أولمرت بقواعد أشد حزماً في التعامل على الحدود (انظر أعلاه)، قام وزير الدفاع باراك إن الحكومة يجب أن تعيد تفعيل سياسة "الإعادة المنسقة" الفورية إلى مصر.[174] واقتبست هاآرتس قول وزيرة الخارجية في ذلك الحين، ليفني، وفي الاجتماع نفسه، أنه "يجب التمييز بين اللاجئين وملتمسي التوظيف. وعلينا أن نستخدم ضد الفئة الأخيرة إجراءات أشد حزماً بصفة مبدئية عند الحدود، ثم احتجازهم في مراكز الاحتجاز فيما بعد. ويجب ألا نقدم الحلول لأشخاص حضروا سعياً للعمل".

 

وفي اجتماع 24 فبراير/شباط أيضاً، تناقلت التقارير أن رئيس الوزراء "أمر السلطات بطرد 4500 شخص أفريقي، منهم أشخاص من ساحل العاج وغانا ونيجيريا، بنهاية الأسبوع".[175] ولم يتم تنفيذ الأمر، وفي اجتماع آخر عن الموضوع نفسه في 23 مارس/آذار، "أبدى أولمرت الغضب من أن الجيش الإسرائيلي لا يجري عمليات الإعادة الفورية". وانتقد ومعه باراك "وزارة الخارجية لأنها لم تقم بالتفاوض مع إريتريا بشأن المخترقين، بما أن أغلبهم من تلك الدولة. وأمر أولمرت بأن تعثر الوزارة على دولة ثالثة خلال أسبوع تكون مستعدة لقبول المخترقين الأفارقة".[176] وتناقلت التقارير مطالبة أولمرت وزير الدفاع بـ "وقف المخترقين، حتى إذا استدعى هذا استخدام قدر معقول من القوة".[177] وفي اليوم التالي قامت شرطة الهجرة بمداهمة ملاجئ خاصة للاجئين في تل أبيب واعتقلت زهاء 300 شخص. وتم احتجاز الكثيرين منهم لأربعة أيام، مع فصلهم عن أسرهم، وفي بعض الحالات تم نقل أفراد إلى سجون في مدن أخرى قبل إخلاء سبيلهم (انظر الفصل السابع).

 

وعملية إعادة 91 شخصاً في أغسطس/آب 2008 المذكورة أعلاه، تمت رغم أن المحكمة لم تكن قد نظرت بعد في الموافقة على إجراءات الإعادة المنسقة. وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي كان قد أكد إعادة الأفراد (دون تحديد عددهم)، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم "اتبعوا تعليمات في الشهور الأخيرة مبعثها الدفع السياسي من أجل إجراء عمليات الإعادة".[178]

 

المعاملة المصرية للأشخاص المُحتجزين

 

يحظر القانون المصري الدخول إلى البلاد أو محاولة الخروج منها عبر أي نقاط غير المخصصة لعبور الحدود، وينص على عقوبات تصل إلى الحبس لستة أشهر وغرامة، أو السجن من عام إلى ثلاثة أعوام وغرامة لدى العبور من مناطق محظورة، ويُشار إليها أيضاً باسم المناطق الأمنية.[179] وفي سيناء، كما على الحدود المصرية السودانية، اعتقلت الشرطة مئات المهاجرين في العامين الماضيين وحدهما. وأكد متحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر أن "أغلب المهاجرين المحتجزين الآن هم من تم القبض عليهم على الحدود".

 

والأشخاص الذين يتم القبض عليهم على الحدود ونقلهم للاحتجاز يواجهون انتهاكات لحقوقهم بصفتهم مدعى عليهم جنائيين، وبصفتهم لاجئين وكذلك مُحتجزين.

 

محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية

أغلب المهاجرين وملتمسي اللجوء الذين يتم القبض عليهم في القاهرة يُحاكمون أمام محاكم مدنية ويُتاح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين مقابلتهم والاطلاع على أحوالهم. إلا أن المهاجرين الذين يُقبض عليهم جراء الدخول غير القانوني إلى مصر عند معابر حدودية غير مُصرح باستخدامها، أو لمحاولة دخول شبه جزيرة سيناء (بصفتها "منطقة أمنية") دون تصريح، أو لمحاولة عبور الحدود إلى إسرائيل، يدخلون ضمن الاختصاص القضائي لأقرب محكمة عسكرية. وتوجد أربع محاكم عسكرية مصرية تُحاكم الأفراد المحتجزين جراء عبور الحدود: في أسوان والغردقة (للدخول غير القانوني من السودان)، وفي مرسى مطروح (من ليبيا)، وفي الإسماعيلية (لمن يدخلون إلى منطقة سيناء العسكرية). وتطبق هذه المحاكم القوانين المصرية الداخلية.[180] ولا يمكن الاستئناف في أحكام هذه المحاكم.

 

والمهاجرون الذين تتم محاكمتهم ويُحكم عليهم في مجموعات يُقسمون بناء على النوع. إذ لا تبذل السلطات جهداً في محاكمة الأسر جماعياً، وفي حالات كثيرة تُحاكم مجموعة من الأشخاص وتحكم عليهم ممن لم يحاولوا عبور الحدود في الوقت نفسه. وقال لاجئون ومهاجرون إن محاكماتهم دامت لجلستين أو ثلاث جلسات قصيرة لم يُسألوا فيها عن دوافعهم أو عن وضعهم الخاص باللجوء أثناء المحاكمة. وفيما يحضر المحامون جلسات المحاكمة، قال اللاجئون والمهاجرون إن دفاعهم يلعب دوراً محسوباً يُعد مجرد أداء لا أكثر. وقالت امرأة من جنوب السودان تم اعتقالها في يونيو/حزيران 2007 لكن نجحت في العبور إلى إسرائيل بعد الإفراج عنها: "قضيت في السجن ستة أشهر. ناداني القاضي بالاسم وقال: حاولت عبور الحدود إلى إسرائيل، فقال المحامي: لا تقولي نعم، قولي لا".[181]

 

ومحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية تنتهك التزامات مصر بضمان حقوق إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. ومصر مُلزمة بتوفير إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة للمهاجرين وملتمسي اللجوء واللاجئين الذين تقوم باحتجازهم جراء انتهاك القوانين الوطنية بدخول البلاد بصورة غير قانونية عبر نقاط حدودية غير مصرح بها على الحدود مع السودان، وبدخول شبه جزيرة سيناء بصفة غير قانونية، أو بمحاولة عبور الحدود من سيناء إلى إسرائيل بشكل غير قانوني.  ويؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن للجميع الحق في أن تحاكمهم محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون (المادة 14). وبصفة مصر دولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب فعليها "ضمان استقلال المحاكم" (مادة 26).

 

وقد ذكرت لجنة حقوق الإنسان أن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية يجب ألا تتم إلا كوضع استثنائي وفي الأوضاع التي يُمنحون بموجبها كامل حقهم في إجراءات التقاضي السليمة.[182] واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة تنفيذ الميثاق الأفريقي، ذكرت أن "الغرض الوحيد من المحاكم العسكرية هو النظر في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الصرفة والتي يرتكبها أشخاص عسكريون"، وأن "المحاكم العسكرية ليس لها في أي ظرف من الظروف أي اختصاص قضائي على المدنيين".[183]

 

فصل أفراد الأسر عن بعضهم البعض

أحد تبعات سياسة الاحتجاز الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة. في إحدى الحالات التي ذُكرت لـ هيومن رايتس ووتش، فصلت شرطة الحدود المصرية ما بين امرأة وزوجها بعد اعتقالهما بقليل في أبريل/نيسان 2007، إذ قامت الشرطة باصطحابهما من الحدود إلى سجنين مختلفين. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش بعد 11 شهراً: "كانت هذه آخر مرة أرى فيها زوجي".[184]

 

وتحديداً فيما يخص القُصر اللاجئين أو ملتمسي اللجوء، فقد دعت اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين الدول إلى "احترام ومراعاة... مبدأ المصلحة الفضلى للطفل ودور الأسرة كوحدة أساسية للمجتمع".[185] كما تدعو اللجنة التنفيذية "الدول والأطراف المعنية إلى اتخاذ كل المستطاع لحماية اللاجئين الأطفال والمراهقين، بواسطة (i) منع فصل الأطفال... اللاجئين عن أسرهم".[186]

 

وقبل وصول قضاياهم إلى المحاكم العسكرية للمحاكمة، يتم احتجاز الأمهات مع أي أطفال قصر (انظر أدناه). وتحكم المحكمة العسكرية على المرأة عادة بتسة أشهر حبس والرجل حوالي عام، جراء الدخول غير القانوني إلى مصر أو لمحاولة عبور الحدود إلى إسرائيل، بالإضافة إلى غرامات بحوالي 2000 جنيه مصري. وطبقاً لعدد كبير من المحتجزين، فإن المحاكم تأمر بإخلاء سبيل الأمهات ممن لديهن أطفال، على الرغم من أن الالتزام بهذه الأحكام لا يكون فورياً. وقالت ن. أ.: "حين تم الحُكم على زوجي، قال القاضي إن [طفلي وأنا] يمكننا الخروج. لكن بعد هذا نقلوا النساء إلى نفس السجن الذي كُن فيه واضطررنا للبقاء فيه 45 يوماً أخرى!".[187]

 

والسياسة الإنسانية القاضية بالإفراج عن الأمهات ممن لديهن أطفال لا تنطبق على الآباء الذين يتم اعتقالهم بصحبة أطفال. حاجة عباس هارون، المرأة الحبلى التي ماتت في 22 يوليو/تموز 2007، كانت لديها ابنة أصبحت تبلغ من العمر الآن 3 أعوام، ولها زوج يقضي الآن في السجن عقوبة الحبس لمدة عام. وقال لـ هيومن رايتس ووتش أحد أقارب حاجة هارون وكان قد تمكن من حضور محاكمة زوجها في الإسماعيلية: "ما إن قتلوا الأم أخذوا الطفلة والأب إلى السجن. لكنهم فصلوها عن الأب، وظلت في السجن مع ثلاث نساء أخريات في العريش. ورآها الأب لأول مرة في المحكمة".[188] وتجربة الاحتجاز، كما يبدو في زنازين سجن عادية مع سجناء لا علاقة لهم بها، كان لها أثرها على صحة الفتاة: "بعد أسبوع في الاحتجاز، رأيت الفتاة في المحكمة وبدت مريضة للغاية". حسب قول قريب هارون. وبعد يومين، في الجلسة الثانية، حكمت المحكمة العسكرية على الأب بالسجن وغرامة 2000 جنيه، وسمحت للقريب باصطحاب الفتاة إلى البيت معه، وقال: "كانت تعاني من مشكلات في المعدة، إذ كانت تتقيأ كثيراً".

 

وكانت حرارتها مرتفعة للغاية، وجلدها مصاب ببثور... كانت البثور تغطي جسدها، والأسوأ كان رأسها. بعد أيام قليلة لم تعد تتكلم، وراحت تبكي بلا انقطاع. ما لم تكن انتقلت إلينا، كانت لتموت. كان المصريون يعطونها الخبز لا أكثر، ولم تكن تأكله. وسألت النساء اللاتي كانت بصحبتهن في السجن إن كان قد تم اصطحابها إلى المستشفى وقلن لا.

 

وأضاف القريب أنها منذ إخلاء سبيلها "تستيقظ في منتصف الليل مرتين إلى ثلاث مرات يومياً وتبدأ في الصراخ".[189]

 

ومصر بموجب اتفاقية حقوق الطفل مُلزمة بضمان حقوق الأطفال في وحدة الأسرة: " تضمن الدول الأطراف عدم فصلالطفل عن والديه على كره منهما... إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراءإعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروريلصون مصالح الطفل الفضلى".[190] وحين يتم فصل الأطفال، فعلى مصر الالتزام بـ " في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالاتمباشرة بكلا والديه، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى"، وفي الحالات التي تقوم فيها الدول باحتجاز أو سجن أو قتل أحد أو كلا أبوي الطفل، أن " تقدم تلك الدولة الطرف عند الطلب، للوالدين أو الطفل، أو عندالاقتضاء، لعضو آخر من الأسرة، المعلومات الأساسية الخاصة بمحل وجود عضوالأسرة الغائب".[191]

 

الحرمان من إتاحة إجراءات اللجوء

يستفيد ملتمسو اللجوء واللاجئون المحتجزون في مناطق أمنية في مصر بدرجة أقل من تدابير الحماية الدولية، عن تلك التي يستفيد منها غيرهم من المحتجزين في أماكن أخرى. بشكل عام، إذا تم احتجاز ملتمس لجوء مُسجل أو لاجئ مُسجل بناء على أسس على صلة بوضعه كمهاجر في منطقة غير أمنية (مثل القاهرة)، وأخطر السلطات المصرية بأنه يخضع لحماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تقوم السلطات باستيفاء زعم الشخص لدى المفوضية السامية، وتطلق سراحه (رغم أن أمن الدولة هي السلطة الأولى في تقرير إخلاء السبيل من عدمه).[192] وإذا كان المحتجز ليس مُسجلاً بعد لدى المفوضية السامية، تتصل الحكومة المصرية بسفارة المحتجز للترتيب لترحيله، لكن في هذه الأثناء يمكن للمحتجز أن يطلب من السلطات المصرية الاتصال بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو يمكنه عادة الاتصال بمنظمات المساعدة القانونية غير الحكومية، وبكبار مجتمعه المحلي، أو بأقاربه، وأن يطلب منهم أن يفعلوا هذا بالنيابة عنه. ويمكن للمحامين والأقارب وأعضاء جاليات المهاجرين أن يطلبوا زيارة هؤلاء المحتجزين في الاحتجاز، رغم أن السلطات المصرية سبق أن رفضت منح حق الزيارة للإريتريين المحتجزين من أواخر فبراير/شباط 2008 حتى الإعادة القسرية للمئات منهم إلى إريتريا في يونيو/حزيران.[193]

 

ومن الأهم بكثير لملتمسي اللجوء واللاجئين وغيرهم من المهاجرين المحتجزين في مناطق أمنية، أن يطلبوا الحماية الدولية. من حيث الممارسة لا يمكن زيارة مثل هؤلاء المحتجزين إلا استثناءً. وطبقاً لمحتجزين سابقين، فإن المحاكم العسكرية لا تسأل المحتجزين عن وضعهم الخاص باللجوء، بل وأثناء احتجازهم، تحدد أمن الدولة إن كان المحتجزين مُسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كملتمسي لجوء أو لاجئين. وبعد أن يتّموا محكومياتهم بالسجن، فمن كانوا مُسجلين يتم إخلاء سبيلهم، لكن من لم يكونوا مسجلين يتعرضون للترحيل.[194] وقالت امرأة من دارفور تم اعتقالها بعد القبض عليها على الحدود في سيناء:

 

قال لنا عناصر أمن الدولة، الذين صادروا جوازات سفرنا وأرقامنا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إننا إذا حاولنا عبور الحدود مجدداً فسوف يودعونا السجن  لثلاث سنوات ثم يقومون بترحيلنا. وذهبنا إلى مجمع التحرير، ثم أفرجوا عمن معهم بطاقات المفوضية السامية. لكنهم قالوا لامرأتين: سوف نعيدكما... ولم تكن أي منهما قد ذهبت أبداً إلى المفوضية السامية. وكانتا من دارفور أيضاً، لكنهما كانتا في مصر منذ شهرين فقط.[195]

 

والأشخاص من غير المُسجلين كملتمسي لجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويتم احتجازهم على الحدود المصرية يواجهون إذن خطر الترحيل دون حتى نيل فرصة عرض طلبات اللجوء. وأوضح مايكل كاغان، الباحث الرئيسي في قانون حقوق الإنسان بالجامعة الأميركية في القاهرة:

 

أبداً لم يكن هناك أي نظام ثابت لضمان اتصال الحكومة المصرية بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لدى احتجاز شخص لديه طلب للجوء... ثمة فجوة كبيرة تواجه من قد لا يتمكنون من تحديد وضعهم كملتمسي لجوء. وتكتشف المفوضية بوجودك فقط إذا أتيح لك إجراء مكالمة هاتفية.[196]

 

والمهاجرون المُحتجزون الذين يتمكنون من الاتصال بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين عادة ما يفعلون هذا على الرغم من تدخل سلطات السجون المصرية، وليس بمساعدة منها. وقال محامي لاجئين لـ هيومن رايتس ووتش إنه طبقاً لما ذكره بعض موكليه: "بالصدفة فقط يمكن [للمهاجر المحتجز] أن يبلغ المفوضية بقضيته. فأثناء رحلة المهاجرين خارج السجن يضطرون لرشوة عناصر الشرطة لتركهم يجرون مكالمات هاتفية لأقاربهم أو لجعلهم يتصلون بهم".[197] وقال أثيوبي يتطوع لزيارة المهاجرين في القاهرة إنه نصح محتجزين إريتريين وأثيوبيين بأنه في حالة الطوارئ عليهم رشوة حراس السجن المصريين، لكي يسمحوا لهم باستخدام هواتف نقالة، لكي يتيحوا لهم الاتصال به.[198]

 

وقال هذا المتطوع لـ هيومن رايتس ووتش إنه تورط في قضية صبي أثيوبي غير مصحوب ببالغ، وكان عمره حسب تقديره 10 إلى 12 عاماً، ورحلته السلطات المصرية دون أن تتيح له فرصة تقديم طلب اللجوء. وقال المتطوع إنه زار الصبي بعد أن تم نقله إلى الاحتجاز بالقاهرة:

 

تم اعتقال الصبي في أسوان، بعد أن عبر الحدود قادماً من السودان. وقال إن أبيه ميت ولا يعرف أين مكان أمه. وقال لي إن رحلته استغرقت سبعة أيام سيراً على الأقدام... ومن يسلكون هذا الطريق يحصلون على مياه الشرب من النيل، ويسيرون ليلاً وينامون نهاراً، ويكاد لا يُتاح لهم ما يأكلونه. وتمت إعادته [إلى أثيوبيا] في أكتوبر/تشرين الأول 2007. ولم نسمع به منذ ذلك الحين. وأردت التحدث إليه قبل مغادرته، وعرفت بتوقيت إقلاع الطائرة من رجل في السفارة الأثيوبية، وذهبت إلى المطار، لكن الشرطة رفضت أن أقابله.[199]

وقال متحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش: "عرفنا بشأن بعض المحتجزين من الحكومة المصرية". وركزت هذه المسؤولة على أن الحكومة المصرية "متعاونة في إخبارنا بشأن المهاجرين الإريتريين غير الشرعيين".[200] وقال نائب الوزير المصري لشؤون اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش إن مكتبه في وزارة الخارجية يرسل "عشرات الفاكسات" يومياً إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بشأن المهاجرين وملتمسي اللجوء المحتجزين لدى الحدود.[201]

 

إلا أنه في أواخر فبراير/شباط 2008 رفضت السلطات المصرية إطلاع المفوضية السامية على إريتريين محتجزين. وفي مارس/آذار 2008 تحدث محامون مصريون مع هيومن رايتس ووتش بشأن 280 شخصاً إريتريا وأثيوبياً كانوا معروفين باحتجازهم في سجن برج العرب في الإسكندرية.[202] وفي مايو/أيار حددت منظمة غير حكومية مُشكلة من أعضاء مجتمع المهاجرين المحلي في مصر، قوائم عديدة بلغت إجمالاً 400 محتجز إريتري. وأفادت التقارير أن السلطات المصرية نقلت مئات المحتجزين الإريتريين إلى مراكز احتجاز عسكرية في مايو/أيار، وهي الحركة التي خشى محامو حقوق الإنسان ومحامو اللجوء أن تكون مقدمة لعملية ترحيل جماعي موسعة.[203] وبحلول يونيو/حزيران، كانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد جمعت أسماء 1400 إريتري محتجزين في مواقع مختلفة في مصر.[204] ومنذ 12 إلى 15 يونيو/حزيران، أفادت التقارير ترحيل مصر لـ 690 إريتريا على متن رحلات خاصة لشركة مصر للطيران من مركز احتجاز الشلال في أسوان إلى ماساوا، في إريتريا.[205] وإجمالاً، ربما تكون مصر قد رحلت 1200 إريتري من 12 إلى 19 يونيو/حزيران.[206] وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مدافعين عن حقوق الإنسان من مصر وإريتريا قالوا إنهم تلقوا مكالمات هاتفية مذعورة من محتجزين تم جمعهم وإيداعهم في شاحنات.[207] وقال محامٍ ينتمي لمركز هشام مبارك، ويعمل من أسوان، إن المحتجزين استجدوا الحراس المصريين وهددوا بالانتحار قبل ترحيلهم قسراً.[208]

 

 

أوضاع الاحتجاز

رعاية صحية غير ملائمة

تم القبض على س. ج.، من جنوب السودان بعد أن أطلقت شرطة الحدود المصرية النيران على زوجها وأصابته وعلى ابنها البالغ من العمر 13 شهراً. وتم نقل الأسرة إلى المستشفى في العريش حيث مكثت مدة 13 يوماً، ثم إلى السجن.[209] ولم تر س. ج. زوجها منذ ذلك الحين. وربما يوجد الكثير من المهاجرين المصابين في السجون المصرية مثل زوج س. ج.. ووصف مراسل لصحيفة واشنطن بوست كيف حمل أحد المهاجرين مهاجراً آخر، وكانت ساقه قد لحقت بها إصابة بليغة بفعل الرصاصات، وهذا أثناء الدخول إلى محكمة مصرية، حيث حكم القاضي على الرجلين بالسجن عاماً وبغرامة لمحاولة عبور الحدود.[210]

 

ويواجه المهاجرون واللاجئون الذين تلحق بهم إصابات بليغة على الحدود في سيناء مخاطر خاصة أثناء الاحتجاز في مصر. ففي بعض الحالات واجه المصابون التأخير في تلقي الرعاية الطبية، مثل ما حدث حين احتجزت شرطة الحدود 16 مهاجراً، منهم خمسة أصيبوا بأعيرة نارية على الحدود، وحسب التقارير من الرابعة صباحاً إلى الظهيرة في مركز شرطة، قبل نقل المصابين إلى مستشفى.[211] وبعد تلقيهم العلاج في المستشفيات، تنقل السلطات المصابين إلى السجون حيث يجدون المشقة في تلقي المزيد من الرعاية الطبية. وقال كبير إحدى التجمعات السكانية السودانية في مصر لـ هيومن رايتس ووتش بأن في إحدى الحالات مات رجل متأثراً بجراحه التي ألحقها به حراس الحدود بعد أن رفضت سلطات السجن منحه الرعاية الطبية الملائمة. وقال: "أطلقوا النار على يوسف في مايو/أيار 2007"، وكان قد زار الرجل في وقت لاحق من ذلك الشهر.

 

لم يقم برعايته أي طبيب في السجن. وكان في بورسعيد. وأوضاع ذلك السجن صعبة للغاية، وكانوا يعطونه ثلاث قطع خبز كل صباح في العاشرة صباحاً، وهذا كل ما يناله من طعام. ومات بعد شهر من إطلاق النار عليه. ولم يحصل على أي دواء. وبعد أن مات نقلوا الجثمان إلى السودان.[212]

 

وأخبر محتجز سابق هيومن رايتس ووتش بشأن فتاة ظهرت عليها الحاجة للرعاية الطبية لكنها لم تجدها أثناء احتجازها. وقال: "كانت توجد فتاة في الثانية عشرة من عمرها تقريباً، ومصابة بطلق ناري في كتفها على الحدود... لكنهم لم يسمحوا لها أبداً بالعودة إلى المستشفى".[213] وتذكر محتجزون سابقون آخرون عدة نزلاء من زملائهم لحقت بهم إصابات بسبب رصاصات شرطة الحدود. وقالت امرأة متذكرة زميلة لها في الاحتجاز: "أصيبت برصاصتين في الساق وبرصاصة في الكتف".[214] وتذكر رجل أن أثناء إقامته في سجن مصري: "رأيت شخصاً أصيب بطلق ناري في معدته وآخر مصاب برصاصة في قدمه، وآخر [مصاب برصاصة] في بطن ساقه.[215]

أوضاع النساء المحتجزات بصحبة أطفالهن على ذمة المحاكمة

قالت م. وهي أم شابة تم اعتقالها لدى الحدود في سيناء، إنها مكثت في زنزانة صغيرة بصحبة 14 امرأة أخرى. وقالت: "مرضنا جميعاً، ولم نكن نحصل إلا على وجبة واحدة يومياً. وينال الأطفال نفس الطعام. وحين كنت أطلب أي شيء آخر لأطفالي يضحكون في وجهي".[216] وتم احتجاز امرأة إريترية، تُدعى ج. ف.، في مركز الناصر، المعروف باسم "نوبة أسوان"، وكانت محتجزة حين تحدثت مع هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف في مارس/آذار 2008، وقالت إنها تتشارك في زنزانة واحدة مع 13 شخصاً آخرين، منهم 4 أطفال، ومن الأطفال ابنيها، وعمرهما 2 و4 أعوام. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش: "ليس لدينا ما يكفي من طعام... ووهددنا الحراس بترحيلنا لأننا لسنا مسلمات".[217] وقالت امرأة أخرى، تُدعى ف. أ.، إن طفليها كانا الطفلين الوحيدين في زنزانة صغيرة وقذرة تشاركها فيها 18 إلى 20 نزيلة أخرى. وقالت: "لم يكن هناك أي مكان لأرقد أطفالي فيه، والمرحاض في ركن الزنزانة. والحجرة ربما لا يزيد حجمها عن ثلاثة أمتار [مربعة]، وهي صغيرة للغاية. والمرحاض [حفرة في الأرض] في ركنها، وكنا نضطر للنوم فوقه".[218]

 

ورفضت السلطات المصرية السماح لمتطوعين يرغبون في تحسين الأوضاع السيئة للاحتجاز بالاطلاع على النساء والأطفال المحتجزين. وقال رجل أثيوبي يتطوع لجلب الطعام والدواء إلى الإريتريين والأثيوبيين المحتجزين والمنقولين من سيناء إلى سجن القناطر على مشارف القاهرة، إن سلطات السجن هناك رفضت السماح له بالاطلاع على أم ولدت حديثاً وعلى امرأة حبلى.

 

كنا نعرف باعتقال فتاتين على الحدود، وإحداهما حبلى، والأخرى ولدت منذ فترة وجيزة. ومن ثم أخذنا معنا الطعام واللبن وملابس الأطفال، لكنهم لم يدعونا ندخل. وأعرف أن من يحاولون العبور إلى إسرائيل يخالفون القانون، لكن على الحكومة المصرية أن تعاملهم بصورة أفضل في السجن، أو أن تدعنا نزرهم ونعطيهم الطعام.[219]

 

ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على دليل بأن مصر اتخذت خطوات لضمان توفير الاحتياجات الصحية والاحتياجات الخاصة الأخرى للأطفال المهاجرين واللاجئين، في مخالفة للالتزامات الدولية لمصر.[220] وعدم توفير الطعام الملائم للسجناء، ومنهم الأطفال رهن الاحتجاز، يخالف القاعدة 20 من القواعد الدنيا لمعاملة السجناء.[221]

 

 

 

 

احتجاز الأطفال غير المصحوبين برفقة البالغين

عرفت هيومن رايتس ووتش بحالات قامت فيها السلطات المصرية باحتجاز الأطفال ممن حاولوا عبور الحدود إلى البلاد أو إلى خارجها بصفة غير قانونية، في سجون عادية مع سجناء بالغين في أوضاع يبدو أنها لا تفي بـ "تحقيق المصالح الفضلى للطفل"، وهو المبدأ الوارد ضمن استنتاجات اللجنة التنفيذية (انظر أعلاه)،[222] وخالفت على الأخص الحظر الوارد في القانون الدولي على احتجاز الأطفال برفقة البالغين. وفي إحدى الحالات التي تم روايتها لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار، تم احتجاز صبيين إريتريين في عمر 13 و11 عاماً، بعد أن ماتت أمهما في حادث سيارة بعد دخولهم مصر بقليل، لمدة شهر تقريباً في مركز احتجاز "نوبة أسوان".[223] وذكر بيان صحفي صدر في يوليو/تموز عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نفس الصبيين اللذان ما زالا رهن الاحتجاز.[224]

 

وفي حالة أخرى، قال مترجم فوري من إريتريا يعمل لصالح المفوضية السامية لـ هيومن رايتس ووتش إنه في فبراير/شباط 2008 تسببت حراس مصريون في مقتل امرأة إريترية تُدعى مرفت مير هاتوفر لدى الحدود مع إسرائيل.[225] وعُرف عن المرأة أنها كانت تسافر برفقة فتاتين، لكن المترجم الفوري قال إن بعد شهر من اعتقالهم: "لم يكن أحد يعرف أين الفتاتين".[226] وثمة سبب لخشية احتمال "فقدان" الأطفال غير المصحوبين الذين تم نقلهم من الحدود السودانية أو الإسرائيلية إلى السجون المصرية. فطبقاً لمخلص قطب، الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الرسمي، يفشل الكثير من مسؤولي السجون في تسجيل المحتجزين المصريين والأجانب المحتجزين طرفهم.[227]

 

واحتجاز الأطفال برفقة البالغين ينتهك التزامات مصر بموجب اتفاقية حقوق الطفل وبموجب قانون اللاجئين. ومصر مُلزمة بضمان أن "يفصل كل طفل محروم من حريته عن البالغين،ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك".[228] كما أن على الدول حماية الأطفال المحتجزين من الخطر المتمثل في الإساءة إليهم من قبل الحراس أو غيرهم من السجناء، بما في ذلك حمايتهم من الإساءة الجنسية.

 

معاملة اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين في إسرائيل

 

استوعبت سلطات الهجرة الإسرائيلية أعداداً كبيرة من المهاجرين في العقود الماضية، مثل قبول 950 ألف مهاجر يهودي من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق بين عامي 1989 و2003، أو الـ 15 ألفاً من اليهود الأثيوبيين الذين ذهبوا إلى إسرائيل جواً على مدار يومين في عام 1991.[229] وبحلول عام 2003 أدخلت إسرائيل ما يُقدر بثلاثمائة ألف عامل مهاجر، بالأساس من دول آسيا وشرق أوروبا، كجزء من سياسة استخدام المهاجرين "لشغل مكان العمال الفلسطينيين" الذين كفوا إلى حد كبير عن شغل الوظائف الشاقة ذات الأجور المنخفضة في إسرائيل بعد انتهاء "الانتفاضة الأولى" في عام 1992، وخاصة منذ بدء "الانتفاضة الثانية" في عام 2000.[230]

 

بالمقارنة، فإن الـ 13 ألفاً الذين وصلوا إلى إسرائيل من مختلف البلدان الأفريقية على مدار السنوات الثلاث الماضية هو عدد محدود نسبياً. فالكثير من الذين عبروا الحدود من سيناء يبدو أنهم يشغلون نفس الدرجة من سوق العمل الإسرائيلية التي يشغلها عمال مهاجرون آخرون.[231] وتقريباً فإن جميعهم سجلوا طلبات لجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إسرائيل. إلا أن ثمة سعة مؤسسية قليلة مُتاحة للتعامل مع هذا العدد من ملتمسي اللجوء من غير اليهود.[232] ولا يوجد في إسرائيل تشريع وطني بشأن التزاماتها بموجب اتفاقية اللاجئين، وإجراءات اللجوء فيها ضعيفة الموارد.

 

والنتيجة وقوع تأخر هائل في تقديم طلبات اللجوء. وفي تقريره السنوي المرفوع إلى الكنيست في 20 مايو/أيار 2008، فحص مراقب حسابات الدولة ميكا ليندنشتراوس حالات ملتمسي اللجوء الذين دخلوا إسرائيل عبر حدود سيناء منذ عام 2005. واعترفت السلطات الإسرائيلية بـ 11 شخصاً فقط من بين 909 أشخاص قدموا طلبات لجوء عام 2005، و6 من بين 1348 تقدموا بطلبات عام 2006، و3 من أكثر من 3000 تقدموا بطلبات في الشهور التسعة الأولى من عام 2007. وخلص تقرير المراقب إلى أن المسؤولين استغرقوا ستة أشهر لرفض طلبات ملتمسي اللجوء وثلاثة أعوام تقريباً للنظر في قضايا رُؤي أنها تستحق الفصل فيها. ولم يُتح للاجئين الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية أثناء تلك الفترة.[233]

 

عملية تحديد وضع اللاجئ في إسرائيل

الاحتجاز تلقائياً بحق من يدخل بصفة غير مشروعة من الحدود مع سيناء

يعتبر القانون الإسرائيلي أن جميع الأشخاص الذين يعبرون الحدود إلى إسرائيل دون تصريح هم "مخترقون" غير قانونيين، ويصبحون عرضة للاحتجاز بموجب قانون منع الاختراق لعام 1954،[234] وهذا قبل السماح لهم بتقديم طلبات اللجوء. وكما قال مسؤول لـ هيومن رايتس ووتش: "يتم اعتقال المخترقين على الحدود المصرية ويُنقلون إلى جهاز السجون الإسرائيلية ومراكز احتجازه لأنهم خالفوا قوانين الدخول إلى إسرائيل ويعتبرون مجرمين. وأي شخص يُعترف به فيما بعد بصفة اللاجئ لا يتم احتجازه".[235] إلا أنه حتى الاعتراف بهم كلاجئين، يستمر المتقدمون بطلبات اللجوء قيد الاحتجاز.

 

ونتيجة لطعن ناجح في المحكمة عام 2007 من قبل جماعات لحقوق اللاجئين ضد قانون منع الاختراق، لم تعد إسرائيل تُعرض عابري الحدود للاحتجاز لأجل غير مسمى وبلا مراجعة (انظر أدناه).

 

ويحتجز الجيش الإسرائيلي الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين يعبرون بصفة غير مشروعة من الحدود في سيناء لفترة مبدئية، هي أيام قليلة، في مخيمات قريبة من الحدود. وأثناء هذه الفترة الأولية، يحدد الجيش الإسرائيلي إن كان عابري الحدود يمثلون "خطراً أمنياً". ويرسل من ليسوا خطراً أمنياً إلى مراكز احتجاز تطبق فيها السلطات قانون الدخول إلى إسرائيل لعام 1952.[236] ومن يمثلون خطراً أمنياً يُحالون إلى إجراءات غير محددة تُستخدم عادة في مثل هذه الحالات.

 

قانون الدخول إلى إسرائيل وتحديد الأوضاع للأفراد

يسمح قانون الدخول إلى إسرائيل باحتجاز من يصلون إلى إسرائيل بصفة غير مشروعة لمدة أقصاها 14 يوماً قبل جلسة لمراجعة الاحتجاز، وفيها يحق للشخص أن يمثله محامي.[237] ويحق لملتمس اللجوء الذي يُرفض طلبه أن يطعن في الحكم أمام المحاكم الإدارية المحلية. ويأمر قانون الدخول السلطات بالإفراج فوراً عن المحتجزين الذين يعدون بـ "التعاون"، مما يعني أنهم على استعداد لمغادرة البلاد إذا تم إخلاء سبيلهم، لكن من يقولون إنهم يسعون للحصول على اللجوء، من ثم لا يعتزمون مغادرة إسرائيل، يُدعون حسب المصطلح القانوني "غير متعاونين".[238] وفي مثل هذه الحالات يتصل مسؤولو مراجعة الاحتجاز بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تجري مقابلات أولية لتحديد وضع اللاجئ طبقاً للوائح داخلية لوزارة الداخلية صادرة عام 2001.[239] وبناء على هذه اللوائح، فإن المفوضية السامية في إسرائيل مسؤولة عن إجراء مقابلة أولية لتحديد وضع اللجوء وتقدم توصياتها إلى الهيئة الوطنية لمنح اللجوء.[240]

 

وقال مكتب رئيس الوزراء لـ هيومن رايتس ووتش: "الشخص الذي يُعترف به كلاجئ [من قبل الهيئة الوطنية لمنح اللجوء] يلقى تصريح إقامة في إسرائيل من نوع أ-5"، وقال المسؤول:

 

المخترقون القادمون من بلدان أوضاعها خطيرة بصورة مؤقتة أو من يستغرقون وقتاً طويلاً قبل تحديد استحقاقهم للجوء، يتلقون تصاريح عمل من نوع ب-1، ويجب تجديدها دورياً. وأي شخص من غير اللاجئين يبقى رهن الاحتجاز وينتظر الترحيل من إسرائيل إلى دولته الأصلية، أو إلى مصر أو دولة ثالثة أخرى. ويجب التأكيد على أن لا أحد يُعاد إلى دولته الأصلية إذا كان فيها تهديد لحياته.[241]

 

ومن حيث الممارسة لم يدخل نظام اللجوء الإسرائيلي إلا القليل من اللاجئين، بعد أن فشل النظام في استقبال أعداد كبيرة من ملتمسي اللجوء على مدار السنوات القليلة الماضية. وتتعامل الهيئة الوطنية لمنح اللجوء، في أفضل الأحوال، في 12 قضية شهرياً.[242] فضلاً عن هذا فإن مكتب المفوضية السامية في تل أبيب يعمل منذ عامين فقط، وكان – حين زارته هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2008 – يعاني من نقص العاملين المطلوبين لإجراء المقابلات المبدئية، حسب لوائح وزارة الداخلية لعام 2001، مع ملتمسي اللجوء. وذات صباح في فبراير/شباط توقف أمام المكتب طابور من 500 متقدم بالطلبات.[243]

 

ويحق لملتمسي اللجوء الطعن في القرارات التي يرونها في غير صالحهم، سواء كانت قرارات المفوضية السامية أو الهيئة الوطنية لمنح اللجوء، لكن عليهم الطعن لدى نفس الجهة التي رفضتهم. وإجراءات الطعن هذه تحرم ملتمس اللجوء من اللجوء إلى المحاكم، كما أن المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية أشارت إلى أن هذه الإجراءات لا توجه الهيئة الوطنية لذكر أسباب رفض الطلب الأولي، مما يجعل من شبه المستحيل على المتقدم بالطلب المرفوض أن يعرف الأسانيد التي يُرجع إليها طعنه.[244]

 

الاحتجاز لفترات مطولة على ذمة المراجعة

بغض النظر عن قانون الدخول إلى إسرائيل الذي يتطلب مراجعة أوضاع المحتجزين خلال 14 يوماً، فإن السلطات تحتجز الكثير من ملتمسي اللجوء لأسابيع أو شهور. ويرجع هذا جزئياً لوجود أقل من 10 مسؤولي مراجعة احتجاز في إسرائيل بأكملها، وهذا حتى مطلع مارس/آذار 2008. وكان المتطوعون يتمكنون من زيارة ملتمسي اللجوء والتعرف عليهم أثناء الاحتجاز، لكن في مطلع يناير/كانون الثاني 2008 قام المسؤولون في مركز احتجاز قوامه 1000 سرير ويشبه المخيم، وهو مخصص للمهاجرين، بجوار سجن كيتزيوت، بالحد من اطلاع المتطوعين على المجتجزين فقط بمن يطلبون مقابلته بالاسم، مما صعب من التعرف على قضايا المهاجرين الجديدة ولفت انتباه السلطات إليها، وإلى ما تتطلبه من تدابير حماية دولية.[245]

 

الاحتجاز ليس الحل الأخير

يجب أن يكون الاحتجاز هو الحل الأخير، ولا يُستخدم إلا في أوضاع وملابسات محدودة تستلزم اللجوء إليه.[246] والأدلة التوجيهية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين – والتي تعرض بدائل كثيرة – ورد فيها أنه يجب ألا يُستخدم الاحتجاز بحق ملتمسي اللجوء إلا من أجل: (1) التحقق من هوية ملتمس اللجوء إذا كانت مثار خلاف أو ثارت شكوك حولها، (2) تحديد أسانيد مزاعم التماس اللجوء (أثناء المقابلة الأولية)، (3) في الحالات التي دمر فيها ملتمسو اللجوء وثائق السفر أو الهوية الخاصة بهم أو استخدموا وثائق مزورة لتضليل السلطات في الدولة التي يعتزمون طلب اللجوء إليها، (4) لحماية الأمن الوطني والنظام العام (في الحالات التي يكون فيها من الواضح أن انتماء ملتمس اللجوء يُمثل خطراً). وكما ورد صراحة في الأدلة التوجيهية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن احتجاز ملتمس اللجوء لأغراض أخرى:

 

مثلاً، كجزء من سياسة لردع ملتمسي اللجوء من القدوم في المستقبل، أو لإقناعم بالعدول عن تقديم طلباتهم باللجوء، يعارض معايير ومبادئ قانون اللاجئين. ويجب ألا يُستخدم الاحتجاز كإجراء تأديبي أو عقابي جراء الدخول غير القانوني أو التواجد غير القانوني في الدولة.[247]

 

واحتجاز ملتمسي اللجوء أو عدم السماح باطلاع المحتجزين على إجراءات اللجوء لفترات مطولة على نحو غير مُبرر، واستخدام الاحتجاز كإجراء تلقائي بحق كافة الأشخاص ومنهم ملتمسي اللجوء مع توافر بدائل أخرى (مثل ذهابل ملتمس اللجوء بنفسه إلى المسؤولين الإسرائيليين)، هي ممارسات لا تنسجم مع الالتزامات القانونية الدولية. وإسرائيل، كمصر، عليها أن تعمل وفقاً للمادة 31 من اتفاقية اللاجئين، وألا تفرض العقوبات على ملتمسي اللجوء جراء الدخول غير القانوني إلى البلاد أو أن تحتجزهم ما لم يكن هذا حل أخير ولفترة محدودة بالقدر اللازم لتنظيم وضعهم.[248] وبموجب المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن على إسرائيل ضمان أنه "لا يجوز حرمان أحدمن حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه"، وأن "لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذهالمحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقالغير قانوني".

 

احتجاز الأطفال

الموقف الإسرائيلي المُتبع عادة هو اعتقال أي شخص يعبر الحدود من سيناء، بمن في ذلك النساء والأطفال. وطبقاً لمكتب رئيس الوزارء:

 

النساء والأطفال من غير اللاجئين يتم أيضاً إيداعهم مراكز الاحتجاز، بما أنهم خالفوا القانون، لكن يتم إيداعهم أجنحة منفصلة تتميز بأوضاع ملائمة، بما في ذلك مساحات للعب الأطفال وأنشطة تعليمية لهم.

 

وركز المسؤولون الإسرائيليون على أن الأطفال المُحتجزين يلقون المعاملة الجيدة، بما في ذلك تلقي الطعام الملائم طبقاً لأنظمة جهاز السجون الإسرائيلي. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش محامية الدولة يوشي غانيسين، التي ترافعت في عدة قضايا أمام المحكمة العليا بشأن معاملة المهاجرين واللاجئين:

 

بالنسبة للأطفال غير المصحوبين، إذا كانوا تحت 12 عاماً تؤويهم وزارة الصحة والرفاهية الاجتماعية، والتي تعمل على إيجاد منازل ترعاهم. وإذا كانوا فوق 12 عاماً يُخلى سبيلهم من السجن ويودعون مدارس إسرائيلية داخلية. ويعتمد الأمر على الظروف الحالية. فبعض الأطفال من السودان ربما ما زالوا رهن السجون. لكن الكثير منهم يكذبون في تحديد أعمارهم [يتظاهرون أنهم تحت 18 عاماً] ويتعين عليهم الانتظار حتى إجراء اختبار للعمر، ويقومون بإجراء الاختبار بفحص المعصم، وكذلك حتى إجراء اختبارات للهرمونات للتحقق من البلوغ الجنسي بصفته علامة على تحديد العمر.[249]

 

ولا تعكس دائماً تجارب اللاجئين والمهاجرين المحتجزين هذه السياسات الرسمية المذكورة. إذ قابلت هيومن رايتس ووتش عدة أطفال تعرضوا للاحتجاز بعد عبور الحدود إلى إسرائيل قادمين من سيناء. وأحدهم، صبي من دارفور يبلغ من العمر 15 عاماً، قال إنه خرج من السودان بعد أن قتلت قوات الجنجويد والده في عام 2007. وأمضى 25 يوماً على سفر داخل مصر، قبل أن يعبر الحدود مع إسرائيل. وقال عن احتجازه لدى الجيش الإسرائيلي:

 

تم وضعي في سجن كيتزيوت لثلاثة أشهر ونصف الشهر، برفقة 200 آخرين من دارفور. ثم أرسلوني إلى رملة لحوالي شهرين ونصف الشهر، مع أشخاص سود من نيجيريا وغانا. وأخيراً وضعوني في غديرة لشهر ونصف الشهر، برفقة ثلاثة من دارفور وعشرة أثيوبيين، واثنين من ساحل العاج. وفي غديرة منحوني بعض الكتب، وكنت في حجرة للفتيان فقط، لكن في كيتزيوت كنت في حجرة فيها خمسة أشخاص أغلبهم في الثلاثينات. ولم يخبرني أحد أنني في سجن.[250]

 

وفي دعوى بشأن أوضاع الاحتجاز السيئة للنساء والأطفال المحتجزين جراء عبور الحدود من سيناء، تم رفعها للمحكمة الإسرائيلية العليا في يناير/كانون الثاني 2008، أوضح الخط الساخن للعمال المهاجرين أن السلطات تحتجز 80 طفلاً في مركز احتجاز كيتزيوت، وبعضهم منذ يوليو/تموز 2007.[251] (وطبقاً للخط الساخن، كان العدد في مايو/أيار 2008 100 طفل).[252] وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007 تم نقل هؤلاء الأطفال برفقة أمهاتهم إلى خيام تعاني من درجة حرارة مرتفعة على نحو غير ملائم وتحت شمس الصيف شديدة الحرارة. وورد في دعوى الخط الساخن أن الخيام ليس بها مساحات لتخزين المتاع الشخصي والأنشطة التعليمية والترفيهية المخصصة للأطفال فيها غير ملائمة، وحتى أوائل مارس/آذار 2008، كان بها 3 معلمين، وأعمار الفصول هي من 9 إلى 6 أعوام، ومن 6 إلى 12 عاماً، ومن 12 إلى 18 عاماً، مما يعني أن الأطفال في عمر 12 عاماً تجمعهم نفس الفصول مع أشخاص في عمر 18 عاماً، وداخل خيمة، دون منهج دراسي محدد. ويشتمل الدعم الاجتماعي على موظف خدمة اجتماعية واحد لم يكن المحتجزين يعرفون بوجوده حين سُمح لمتطوعي الخط الساخن بزيارتهم لآخر مرة في كيتزيوت يناير/كانون الثاني.

 

وحكمت المحكمة في 6 فبراير/شباط 2008 بأن "المشكلات الأهم والأكثر إلحاحاً هي أوضاع البرد القارس ومشكلة التعليم. ونأمل أن يعمل المدعى عليهم على التحرك الفوري لحل هذه المشكلات... ولا نعتقد أنه يوجد في الوقت الحالي احتياج للتدخل القانوني..."[253] ويقول المحامون والمتطوعون الذين زاروا مركز الاحتجاز فيما بعد إن الأوضاع ما زالت غير ملائمة.[254]

 

وعلى الرغم من المطالبات المتكررة، ومنها فاكس تم إرساله في 14 فبراير/شباط 2008، وزهاء 12 مكالمة هاتفية، فقد رفضت سلطات السجون الإسرائيلية السماح لـ هيومن رايتس ووتش بزيارة مركز احتجاز كيتزيوت أو مقابلة القائم على أمر السجن.[255]

 

واحتجاز إسرائيل للأطفال، مثل مصر، يجب أن يكون محكوماً بمعيار "تحقيق المصالح الفضلى للطفل" طبقاً لالتزامات إسرائيل بموجب قانون اللاجئين والقانون الدولي لحقوق الإنسان.[256] واحتجاز الأطفال لشهور في خيام سيئة التدفئة والتبريد دون إتاحة المواد التعليمية لا يمكن اعتباره في مصالح الطفل الفضلى.

 

الفصل بين أفراد الأسر

قامت السلطات الإسرائيلية بالفصل بين أفراد الأسر التي عبرت الحدود من سيناء. وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى امرأتين تم إخلاء سبيلهما مؤخراً من الاحتجاز لدى الجيش الإسرائيلي على الحدود، لكن تم إرسال زوجيهما إلى السجن. وكانت واحدة منهما تعرف بمكان زوجها، والأخرى لا تعرف.[257] ووصفت امرأة أخرى من دارفور كيف اخذ الجنود الإسرائيليون اثنين من أطفالها منها على الحدود. في 15 فبراير/شباط 2008 بعد سبعة أيام من وصولها إلى إسرائيل برفقة أطفالها الثلاثة، نقل جنود الجيش الإسرائيلي ابنتها البالغة من العمر 19 عاماً وابنها البالغ من العمر 7 أعوام إلى الاحتجاز في كيتزيوت، لكن "كانت الحافلة التي تم نقلهم بها ممتلئة عن آخرها" بحيث لم يُتح للنساء والبنات الأخريات الركوب. وفي اليوم التالي وجدت المرأة وابنة أخرى نفسيهما في محطة حافلات بير شيفع. وقالت: "لم يخبرني أحد إلى أين تذهب الحافلة أو إلى أين ذهب طفليّ، ولم نكن نعرف إلى أين تذهب حافلتنا ايضاً". واكتشفت فيما بعد أن طفليها كانا في مركز احتجاز كيتزيوت، وهذا بعد أسبوعين، حين عثرت عليهما منظمة مجتمع مدني إسرائيلية. وفي الوقت الذي تحدثت فيه إلى هيومن رايتس ووتش، لم تكن قد تمكنت بعد من زيارة طفليها أو التحدث إليهما، وظلا رهن الاحتجاز حتى بعد ثلاثة أسابيع، وقالت إنها قلقة على الصبي الصغير.[258]

 

ويحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين حق الأسرة في الوحدة، واللاجئين وملتمسي اللجوء وغيرهم من المهاجرين بصفتهم مستحقين لهذا الحق.[259] والممارسات الإسرائيلية في هذا الصدد تنتهك التزامات إسرائيل بصفتها دولة طرف في اتفاقية حقوق الطفل.

 

التحديد المبدئي لوضع اللجوء والحماية المؤقتة لبعض الجماعات

الإجراءات المذكورة أعلاه تنطبق فقط على أقلية من ملتمسي اللجوء. وأغلب ملتمسي اللجوء في إسرائيل هم من إريتريا والسودان، ويحصلون على تصاريح مؤقتة بالإقامة في إسرائيل بناء على دولة الأصل الخاصة بهم، وليس بناء على التقييم الفردي لمزاعم وحجج اللجوء الخاصة بكل شخص على حدة. كما استفا في الماضي القادمون من ساحل العاج والكونغو من الحماية الجماعية، على الرغم من أنه ليس واضحاً إن كانت هذه الحماية قد توقفت في الوقت الحالي. من ثم فإن أغلب ملتمسي اللجوء لا يمرون بإجراءات تحديد وضع اللاجئ الكاملة، وبدلاً من هذا يُمنحون الحماية المؤقتة بعد احتجازهم المبدئي. وعلى هذا الأساس في عام 2007 و2008 تلقى 2000 إريتري تصاريح عمل لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد ("تأشيرات ب-1")، وتلقى 600 شخص من دارفور تصاريح إقامة سنوية قابلة للتجديد ("تأشيرات أ-5")، كما هو مذكور في الفصل الثالث.

تراجع الاحتجاز لأجل غير مسمى في 2007 ثم عودته في عام 2008

الطعن عام 2007 في قانون منع الاختراق

في أبريل/نيسان 2006 تقدمت جماعات لحقوق المهاجرين واللاجئين بقضية أمام المحكمة العليا ضد تطبيق الحكومية لقانون منع الاختراق بما يسمح بالاحتجاز لأجل غير مسمى للرعايا السودانيين، في مخالفة للحقوق المكفولة بموجب القوانين الإسرائيلية.[260] وطالبت المحكمة الدولة بإمداد المحتجزين السودانيين بالحق في المراجعة القضائية لاحتجازهم.

 

خلفية: احتجاز السودانيين تعسفاً لفترات مطولة

الموجة الأولى من الأشخاص الذين وصلوا إلى إسرائيل عبر سيناء، في عامي 2005 و2006، تشكلت بالأساس من السودانيين. ولا توجد بين إسرائيل والسودان أية علاقات دبلوماسية، وتعتبر السودان إسرائيل دولة معادية. وطبقت السلطات الإسرائيلية قانون منع الاختراق لعام 1954 على الأشخاص القادمين من السودان.[261] ويخول القانون السلطات الحق في احتجاز "الرعايا المُعادين" دون مراجعة من أجل تيسير ترحيلهم. ومن ثم قامت إسرائيل باحتجاز اللاجئين الفارين من الاضطهاد على يد الحكومة السودانية بناء على أسس أنهم بطريقة ما يُعدون عملاء لهذه الحكومة، وهي المفارقة التي أدت بالبعض إلى تخمين أن ما يهم إسرائيل بالأساس في هذا الموضوع هو تثبيط عزم أي مهاجرين سودانيين من محاولة القيام بهذه الرحلة في المستقبل.[262]

 

وفي الوقت الحالي يقوم جنود الجيش الإسرائيلي باحتجاز جميع المهاجرين تقريباً الذين يدخلون إلى إسرائيل قادمين من مصر لفترة قصيرة، ثم يقوم الجيش بنقلهم إلى الاحتجاز لدى سلطات السجون الإسرائيلية، رغم أن الجيش قام ببساطة بإخلاء سبيل عدد كبير من المحتجزين الذين تم احتجازهم في بادئ الأمر لبعض الفترات، وهذا مع عدم توافر مساحة لاحتجازهم في السجون.[263] ومنذ عام 2005 حتى يوليو/تموز 2007 وحُكم المحكمة في ذلك العام، احتجزت سلطات السجون الإسرائيلية المهاجرين السودانيين لفترات مطولة بموجب قانون منع الاختراق.[264] وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عدة رجال سودانيين كان قد تم احتجازهم في بادئ الأمر لأكثر من عام دون مقابلة محامين. وأحدهم، وتم احتجازه مدة 16 شهراً، قال: "أغلب الوقت كنت أرتدي نفس الثياب التي كانت عليّ حين عبرت الحدود، وقال إنه يعرف بسوداني آخر تم احتجازه 23 شهراً قبل إخلاء سبيله.[265] وطبقاً لما ذكره ران كوهين، من أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل: "لم يكن أحد يعرف حتى بوجود السودانيين في الاحتجاز حتى عثرت  منظمة الخط الساحن [للعمال المهاجرين، وهي منظمة مساعدة قانونية إسرائيلية] عليهم أثناء زيارات للسجون".[266]

وجعل الاحتجاز من المستحيل على المحتجزين طلب اللجوء بناء على رغبتهم، حتى رغم أن في بعض الحالات أقرت السلطات القضائية بحقهم في هذا. وبعد شهرين من احتجاز و.ب.، تم نقله إلى سجن آخر، حيث قابل فيه بعد شهرين وفداً قادماً من جنيف من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

 

ثم بعد فترة قابلني قاضٍ. وقال لي أن اتصل بأنات بن دور [محامٍ يعمل في قسم حقوق اللاجئين في جامعة تل أبيب]. فقلت لا توجد هواتف في السجن! فقال، اسأل أنات فحسب. ولم أقدر على هذا قط، ولم أتحدث إلى أحد من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إسرائيل.[267]

 

وقال رجل آخر، يُدعى أ. ج.، إنه بعد أن قالت له سلطات السجن في البداية إنه سيُرحل إلى مصر، مرت ثلاثة أشهر قبل أن يزوره وفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وبعد شهر جاءته أول زيارة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ثم أُفرج عنه أخيراً بعد 11 شهراً، في مارس/آذار 2007، بعد فترة عام ونصف تقريباً قضاها في السجن.[268]

 

وفترات الاحتجاز المطولة هذه دون مراجعة قضائية يبدو أنها تنتهك التزام إسرائيل بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بأن "لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذهالمحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقالغير قانوني" (المادة 9).

 

تشريع مُقترح لإعادة الاحتجاز لأجل غير مسمى

ثمة قانون مُقترح، مر بمرحلة القراءة الأولية في كنيست في مايو/أيار 2008 (وفي الوقت الحالي تتم مراجعته قبل تقديمه لدورة القراءة الثانية من بين ثلاث قراءات)، ومن شأنه أن يعيد الأحكام الأكثر قسوة في قانون منع الاختراق. وطبقاً لـ "الملاحظات التفسيرية" لمشروع القانون "تقترح الحكومة القانون لأن في السنوات القليلة الماضية شهدت دولة إسرائيلية زيادة في ظاهرة المخترقين الذين يدخلون عبر الحدود الإسرائيلية، وليس من المعابر، لاسيما من الحدود مع مصر".[269] وورد في الملاحظات أن "بعد مراجعة الظروف الخاصة بالاختراق، تبين أن أغلب المخترقين الذين دخلوا إسرائيل خلال السنوات الماضية ليسوا مخترقين أمنيين". إلا أن الملاحظات تؤكد، بصورة غير متسقة مع السابق، على أ،: "بسبب الطبيعة الأمنية لظاهرة الاختراق، فالترتيبات القانونية المقترحة شديدة الصرامة" بافتراض "أن من يخترق الحدود القانونية للدولة يفعل هذا بنية إلحاق الضرر بالدولة".[270]

 

والمُقترح ضمن مشروع القانون تدوين عمليات "الإعادة المنسقة" ضمن الإجراءات القانونية (انظر الفصل الخامس) عبر التصريح باحتجاز جميع "المخترقين" – وهم مُعرفون بصفتهم أي شخص يدخل إسرائيل بعلم منه عبر معبر حدودي غير مُصرح له باستخدامه – على ذمة ترحيلهم خلال 72 ساعة من دخولهم إلى إسرائيل.[271] وبموجب مشروع القانون يتم حبس أي شخص تم القبض عليه بعد اختراق البلاد بثلاثة أيام بالسجن بحد أدنى خمس سنوات، أو سبع سنوات للأشخاص القادمين من قائمة العشر دول وأقاليم "المعادية"، ومنها السودان. ويؤكد مشروع القانون على أن الأشخاص الذين لا يمثلون خطراً أمنياً يمكن نقلهم إلى الاحتجاز بناء على قانون الدخول إلى إسرائيل، والذي ينص على المراجعة القضائية للاحتجاز (كما سبق الذكر أعلاه)، لكن لا توجد أي إجراءات توجيهية لهذا النقل.[272]

 

وينص مشروع القانون على مراجعة الاحتجاز خلال 14 يوماً على يد مُحكم مُعين، وكذلك يحدد المعايير للإفراج عن "المخترقين" بكفالة في عدة "حالات استثنائية" معروضة حصراً، ومنها إذا كان الاحتجاز سيلحق الضرر بصحة الشخص المعني بسبب العمر أو الإصابة بالمرض، "ولأسباب إنسانية أخرى"، أو إذا كان إخلاء سبيل الشخص سيساعد في التعجيل بإجراءات الترحيل.[273] إلا أن أحكام الاستثناء هذه لا تنطبق على الشخص إذا لم يكن "متعاوناً بالكامل" في عملية ترحيله، وإذا كان إخلاء سبيله سيعرض أمن الدولة للخطر، أو يعرض الصحة العامة أو السلامة العامة للخطر، أو "إذا تقدمت السلطة الأمنية برأيها بناء على دولة المخترق الأصلية أو المنطقة التي يسكنها، أو عن نشاط من شأنه تعريض أمن دولة إسرائيل أو مواطنيها للخطر".[274] ولا يشمل مشروع القانون المقترح أي إجراءات يمكن "للمخترق" بموجبها الطعن في تحديد وضعه أمنياً.

 

اعتقال ملتمسي اللجوء

في عدة مداهمات أثناء أواخر فبراير/شباط ومطلع مارس/آذار 2008، قامت شرطة الهجرة في تل أبيب وعراض باعتقال واحتجاز ما يربو على الثلاثمائة ملتمس لجوء ومهاجر، بل ودخلت ثلاثة ملاجئ خاصة دون أوامر تفتيش. كما اعتقلت شرطة الهجرة مهاجرين سودانيين يعملون في إيلات، وطلبت من الفنادق التي توظفهم كعمال نظافة أن توفر للشرطة صورهم وأسمائهم وعناوينهم.[275] وكانت المداهمات بناء على تعليمات من رئيس وحدة العمليات بالشرطة الوطنية، بيرتي أوهايون، وصدرت في 27 فبراير/شباط 2008 بـ "اعتقال 2100 مهاجر" أثناء "سبعة أيام من العمليات".[276] والكثير ممن تم اعتقالهم لديهم أوراق تثبت تحديد مواعيد لمقابلات في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإسرائيل، أو وثائق حماية أقوى صادرة عن المفوضية تعترف بهم كملتمسي لجوء. وتم اعتقال آخرين رغم أن معهم أوراق تثبت تعرضهم للسجن فيما سبق لدى دخول إسرائيل ثم الإفراج عنهم بعد جلسات محاكم لمراجعة الاحتجاز وبعد أن انتهت هذه الجلسات إلى أنهم لا يشكلون خطراً.

 

ولم يتم ترحيل أيّ من الأشخاص الذين اعتقلوا في هذه الواقعة، رغم أن عدم الترحيل ليس الوضع السائد، ففي 6 مارس/آذار اتصل ثلاثة ملتمسي لجوء إيفواريين مُسجلين بالخط الساخن للعمال المهاجرين قبل ست ساعات من ترحيلهم على متن طائرة إلى أبيدجان من قبل سلطات الهجرة الإسرائيلية.[277] وتم إجبار الثلاثة على الصعود إلى الطائرة قبل أن تتدخل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فتتم إعادة الثلاثة إلى السجن.[278]

 

وتحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عدة أشخاص تم اعتقالهم أثناء المداهمات، وأغلبهم أفرجت عنهم السلطات الإسرائيلية بعد أربعة أيام. والاعتقالات والاحتجاز ثم إخلاء السبيل فيما بعد تمت جميعاً على أساس ارتجالي على ما يبدو. فالأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش منهم رجل عاد لتوه من الاحتجاز إلى مسكنه في مخبأ للقنابل في ليفنسكي بارك في تل أبيب، وأصبح المخبأ الآن يُستخدم من قبل ملتمسي اللجوء للإقامة. وقال: "تم القبض عليّ أنا وأيوم يوم الاثنين"، مُشيراً إلى صديق له من المخبأ.

 

معنا نفس وثائق الأمم المتحدة، وهي صالحة لثلاثة شهور [تعترف بهم كملتمسي لجوء]. وتم إخلاء سبيلي يوم الخميس الساعة 4 مساءً تقريباً، لكنه ماذا في السجن. وتم نقلنا إلى سجنين [أثناء الاحتجاز لأربعة أيام]، والسجن الأخير كان في عسقلان، وهناك تم الإفراج عني.[279]

 

وأدت عمليات الاعتقال والاحتجاز إلى التفريق بين أفراد أسر المهاجرين وتسببت، كما هو متوقع، في إثارة القلق لديهم. وأغلبهم لا يتحدثون العبرية ولا يعرفون أي معلومات عن التغيرات التي تطرأ على السياسات الرسمية نحوهم. وقال ملتمس لجوء في تل أبيب لـ هيومن رايتس ووتش: "ثمة شائعات بأنهم سيعيدون الناس إلى مصر حتى رغم أن معهم أوراق [حماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين]... لذا يمكث الأشخاص في البيوت ولا يخرجون".[280] وفيما قال البعض إنهم لا يعتقدون أن إسرائيل ستقوم فعلاً بترحيلهم إلى دول يواجهون فيها الاضطهاد، فقد ظهر الخوف على بعضهم من هذا الاحتمال.

 

علاوة على أن السياسة الحكومية قد تؤثر على سلوك الشرطة إزاء ملتمسي اللجوء وغيرهم من اللاجئين. وقال ملتمس لجوء من جنوب السودان، ويقيم في تل أبيب واصفاً الواقعة التالية:

 

أعمل ليلا، ولدى مغادرتي العمل وجدت سلسلة دراجتي سائبة. رحت أصلحها فيما أحاط بي الناس، وقالوا لي ارفع يدك وإلا قتلناك. رفعت يديّ وأخذوا مبلغ 400 شيكل كان معي. ثم ذهبت إلى صديق... ويتحدث العبرية، وذهبنا إلى الشرطة معاً. ذهبنا في منتصف الليل، وظللنا هناك حتى الصباح. أمرتنا الشرطة بأن نغادر وقالوا إنهم سيتصلون بنا. من ثم عدنا في الظهر وهددتنا الشرطة بأنهم سيقومون بترحيلي.[281]

 

وبعد أمر صدر في فبراير/شباط 2008 من وزارة الداخلية يحظر على ملتمسي اللجوء الجدد ومن انتهت صلاحية تأشيرات العمل الخاصة بهم من الإقامة في منطقة تل أبيب الحضرية، ومنذ يوليو/تموز قامت الشرطة بإجراء حملات اعتقالات أخرى وأغلقت ملاجئ خاصة للاجئين في منطقة وسط المدينة. وتم احتجاز 200 ملتمس لجوء ومهاجر أفريقي على الأقل. وقال الخط الساخن للعمال المهاجرين لـ هيومن رايتس ووتش في 19 أكتوبر/تشرين الأول إن الكثير منهم ما زالوا رهن الاحتجاز.

 

ولا تفي اعتقالات إسرائيل المتكررة لملتمسي اللجوء المُسجلين بالمعايير الواردة في الأدلة التوجيهية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (انظر المذكور عن الأشخاص المحتجزين في مصر بعد القبض عليهم لدى الحدود الجنوبية، الفصل السادس). كما أن اعتقال ملتمسي اللجوء المعترف بهم واللاجئين ممن معهم وثائق للحماية وتصاريح عمل أو وثائق ذات صلة غير منتهية الصلاحية، يمثل انتهاكاً لالتزامات إسرائيل بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وطبقاً للجنة حقوق الإنسان، وهي هيئة من الخبراء مكلفة بالإشراف على تنفيذ الدول للعهد الدولي: "الأجنبي الذي يدخل الدولة بصفة غير مشروعة لكنه مُنظم الوضع، يجب اعتباره صاحب وضع قانوني سليم داخل إقليم الدولة". ومن ثم فلا يمكن تقييد حريته في التنقل أو المساس بأي من حقوقه الأخرى الخاصة بالإقامة القانونية.[282]

 

شكر وتنويه

 

كتب هذا التقرير بيل فان إسفلد، الباحث الملتحق بهيومن رايتس ووتش من مؤسسة أرثر هيلتون. وقام بمراجعة التقرير كل من جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبيل فريليك، مدير برنامج اللاجئين وبرنامج السياسات، وأيان غورفين، المسؤول الرئيسي بقسم البرامج في هيومن رايتس ووتش. وقدم المساعدة القانونية كلايف بالدوين، الاستشاري القانوني الرئيسي. وساعدت في الترجمة ليام أظولاي – ياغيف، وكانت منسقة بقسم البرامج في هيومن رايتس ووتش، وساعدت نوغا مالكين، المتدربة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إجراء الأبحاث بالعبرية وساعدت في الترجمة. وساعدت شيرلي إران ومايا جونستون في ترجمة التقرير للعبرية. وساعد من الشؤون القانونية بينا أحمد. وساعدت بلكيس ويلي في إجراء بحوث الإنترنت الخاصة بالتقرير. وقدم الصور الخاصة بالتقرير المصور الصحفي الحر ناتان دفير.

 

 

ملحق: الخسائر البشرية

 

حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول 2008 وقع 33 حادثاً تم الإبلاغ عنها، تسبب فيها عناصر من شرطة الحدود المصرية في مقتل مهاجرين، وهذا منذ وقوع أول الحوادث في 22 يوليو/تموز 2007. وتتراوح أعمار الضحايا بين فتاة تبلغ من العمر سبعة أعوام إلى رجل في الخمسينات. ومن بين الـ 33 قتيلاً، كان 32 من الأفارقة (قتلت شرطة الحدود رجلاً تركياً في عام 2007). كما تناقلت التقارير تسبب شرطة الحدود المصرية في مقتل اثنين من المهربين أثناء هذه الفترة. وتناقلت التقارير قتل المهربين لثلاثة من رجال الشرطة.

 

2008 (23 قتيلاً)

  • 15 أكتوبر/تشرين الأول: قتلت شرطة الحدود المصرية مهاجراً إريتريا.[283]
  • 9 سبتمبر/أيلول: قتلت شرطة الحدود المصرية مهاجرين سوادنيين جنوبي رفح.[284]
  • 19 أغسطس/آب: إصابة رجل سوداني يبلغ من العمر 27 عاماً بطلق ناري أثناء محاولة عبور الحدود على مسافة 8 كيلومترات جنوبي رفح، ومات متأثراً بإصاباته برصاصات في المعدة.[285]
  • 6 أغسطس/آب: هارون محمد يحيى هارون، رجل سوداني يبلغ من العمر 24 عاماً، مات متأثراً بإصاباته جراء رصاصة في الرأس.[286]
  • 1 أغسطس/آب: رجل أفريقي لم يتم التعرف عليه، مات متأثراً بجراحه بسبب أعيرة نارية أثناء نقله إلى المستشفى.[287]
  • 20 يوليو/تموز: عبد الوهاب عبد الكريم أحمد آدم، رجل سوداني يبلغ من العمر 32 عاماً، أصيب برصاصة في الصدر ومات على الحدود في وسط سيناء.[288]
  • 28 يونيو/حزيران: الشرطة تتسبب في مقتل فتاة سودانية تبلغ من العمر سبعة أعوام ورجل لم يتم التعرف عليه في الثلاثينات من عمره، جنوبي رفح.[289]
  • 19 يونيو/حزيران: مقتل رجل أفريقي لم يتم التعرف عليه، في الثلاثينات من عمره، بعد إطلاق النار عليه.[290]
  • 10 يونيو/حزيران: مقتل محمد طاهر مرسال، 29 عاماً، من السودان.[291]
  • 6 مايو/أيار: مقتل رجل نيجيري يبلغ من العمر 25 عاماً.[292]
  • 17 أبريل/نيسان: مقتل مُهاجر إريتري لم يتم التعرف عليه.[293]
  • 27 مارس/آذار: مقتل رجلين في الثلاثينات من ساحل العاج جراء إطلاق النار عليهما.[294]
  • 18 مارس/آذار: وفاة امرأة إريترية تبلغ من العمر 25 عاماً، وتُدعى كارينا، بعد الإصابة بثلاث رصاصات.[295]
  • 10 مارس/آذار: الشرطة المصرية تقتل آدم محمد عثمان البالغ من العمر 23 عاماً، من السودان.[296]
  • 25 فبراير/شباط: مقتل امرأة إريترية لم يتم التعرف عليها، في الثلاثينات من عمرها.[297]
  • 19 فبراير/شباط: مقتل رجل سوداني، يُدعى أرميناري سينات، وعمره حوالي 50 عاماً، بعد الإصابة بأعيرة نارية مسافة 18 كيلومتراً جنوبي رفح.[298]
  • 16 فبراير/شباط: مقتل امرأة إريترية، تُدعى مرفت مير هاتوفر، 37 عاماً، بعد الإصابة بأعيرة نارية أثناء محاولة عبور الحدود من منطقة الكونتيلا شرقي سيناء. وكانت هاتوفر مسافرة برفقة ابنتين، 8 و10 أعوام.[299]
  • 30 يناير/كانون الثاني: رجل يبلغ من العمر 22 عاماً وامرأة تبلغ من العمر 18 عاماً، من ساحل العاج، قُتلا بعد إطلاق النار عليهما.[300]
  • 19 يناير/كانون الثاني: شريف لانسانا، رجل يبلغ من العمر 22 عاماً من ساحل العاج، مات متأثراً بأعيرة نارية على الأسلاك الشائكة بين إسرائيل ومصر.[301]

 

2007 (10 قتلى):

  • 10 نوفمبر/تشرين الثاني: هنا محمد محمد، رجل إريتري يبلغ من العمر 24 عاماً، قُتل جنوبي رفح.[302]
  • 19 أكتوبر/تشرين الأول: رجل تركي يبلغ من العمر 35 عاماً، يموت في مستشفى بعد أن أطلقت عليه شرطة الحدود رصاصة في الرأس.[303]
  • 13 أكتوبر/تشرين الأول: رجل أفريقي لم يتم التعرف عليه يعبر إلى إسرائيل قبل أن يموت متأثراً بالإصابة برصاصة في الرأس.[304]
  • 17 سبتمبر/أيلول: مقتل رجل إريتري متأثراً برصاصة أثناء محاولته العبور من الحدود لدى وسط سيناء.[305]
  • 8 أغسطس/آب: مقتل مهاجر لم يتم التعرف عليه على يد شرطة الحدود المصرية، طبقاً لأقوال مسؤولين إسرائيليين.[306]
  • 1 أغسطس/آب: مقتل رجلين سودانيين، أحدهما سقط قتيلاً فور إطلاق النار عليه. ثم قبضت القوات المصرية على الآخر وضربته مما أفضى إلى موته، وبرفقته اثنين آخرين.
  • 22  يوليو/تموز: الشرطة المصرية تتسبب في مقتل حاجة عباس هارون، امرأة تبلغ 28 عاماً من دارفور، وكانت تحاول دخول إسرائيل من بلدة العوجة.[307]