Iraq and Iraqi Kurdistan

العراق


  
"العراق الجديد؟ تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم في حجز السلطات العراقية"


المحتويات
ملخص || المقدمة || التوصيات || الحواشي


البيان الصحفي
  • العراق: استمرار التعذيب على أيدي الحكومة الجديدة .. الشرطة تقترف الانتهاكات ضد المعتقلين بصورة منهجية
    The New Iraq
    In English
  • مقدمة

    قال المسؤولون العراقيون مراراً، منذ تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة في يونيو/حزيران عام 2004، إن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون سيظل من أولويات الحكومة، وإن الإجراءات الصارمة الرامية للسيطرة على الوضع الأمني وتقليص مستوى الجريمة العنيفة ستظل في حدود تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. غير أن الأبحاث التي قامت بها منظمة هيومن رايتس ووتش بينت غير ذلك وأدت بها إلى استخلاص نتيجة مفادها أنه تحت شعار إحلال الأمن والاستقرار في شتى أنحاء العراق ما برح المجال واسعاً لقبول تعرض المحتجزين لسوء المعاملة على أيدي الأجهزة الحكومية.

    ووجدت منظمة هيومن رايتس ووتش، استناداً إلى البحوث التي قامت بها في العراق في الفترة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، أن تعرض المحتجزين لسوء المعاملة على أيدي قوات الشرطة والمخابرات العراقية أضحى أمراً شائعاً مألوفاً. وتقوم أجهزة الشرطة والمخابرات بالقبض على الأشخاص دون مذكرات إيقاف صادرة من السلطات القضائية المختصة، (4) وفي كثير من الحالات يتم القبض على الأشخاص بناء على معلومات يقدمها "مخبرون سريون" من داخل جهاز الشرطة. وأفاد كثير من الأشخاص بتعرضهم للضرب عند القبض عليهم وتكبيلهم بالقيود الحديدية مع تضييق القيود بشدة على أيديهم أو مع إحكام عصب أعينهم. وفي مخالفة لأحكام قانون الإجراءات الجنائية العراقي الذي يقضي بعرض المتهم على قاض للتحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه (5) احتُجز أغلب المعتقلين دون المثول أمام قاض لفترات تطول كثيراً عن هذه المدة، وتقرب في بعض الحالات من أربعة أشهر.

    وأفاد أغلب المحتجزين الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش في إطار إعداد هذا التقرير بأن التعذيب وسوء المعاملة خلال فترة الاحتجاز الأولية من الأمور المعتادة في المنشآت الخاضعة لسلطة أجهزة الشرطة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية. ومن بين أساليب التعذيب أو سوء المعاملة التي وصفها المحتجزون الضرب المعتاد على الجسم باستخدام أدوات مختلفة مثل أسلاك الكهرباء والخراطيم والقضبان المعدنية. وأفاد المحتجزون بتعرضهم للركل والصفع واللكم؛ والتعليق لفترات مطولة من المعصمين مع تقييد اليدين خلف الظهر؛ وتعريض أجزاء حساسة من الجسم، بما في ذلك شحمتا الأذنين والأعضاء التناسلية، للصدمات الكهربائية؛ وعصب العينين أو تقييد اليدين أو كلاهما طوال عدة أيام. وفي عدة حالات تكبد المحتجزون إصابات ربما تعد من قبيل العاهات البدنية المستديمة.

    كما يعاني المعتقلون في الحجز السابق على المحاكمة من تدني ظروف الاحتجاز، فقد أفادوا بأنهم لا يحصلون لعدة أيام متواصلة إلا على القليل من الغذاء أو الماء أو لا يحصلون عليهما بالمرة، وباحتجازهم في ظروف غير صحية في زنازين بالغة الاكتظاظ لا يتوفر فيها للمرء مكان يرقد فيه للنوم وتفتقر إلى التهوية. وأفاد كثير من المحتجزين أيضاً بتعرضهم للضرب عند القبض عليهم وتكبيلهم بالقيود الحديدية مع تضييقها على أيديهم أو إحكام عصب أعينهم.

    ولا يحظى المحتجزون بحماية تُذكر من تجريم الذات؛ ففي كثير من القضايا محط الاهتمام أفاد المحتجزون بأن مسؤولي وزارة الداخلية دعوا بعض الصحفيين لتصويرهم وعرض صورهم في الصحف المحلية أو التليفزيون. وبات من المعتاد أن تصفهم الصحف بأنهم "مجرمون" قبل أن تُجرى معهم أي تحقيقات أولية. ومن بين الشكاوى الأخرى التي تكررت على ألسنة مثل هؤلاء المحتجزين أن محققي الشرطة حملوهم على توقيع إفادات دون إطلاعهم على محتواها أو دون السماح لهم بقراءتها قبل التوقيع. وأفاد كثير من المحتجزين بأنهم أُرغموا على توقيع مثل هذه الإفادات أو أُخذت بصماتهم عليها وهم معصوبو الأعين، وكثيراً ما كان ذلك يحدث في نهاية جلسة استجواب يتعرضون خلالها لسوء المعاملة جسدياً. وفي كثير من مثل هذه القضايا التي تابعتها منظمة هيومن رايتس ووتش في المحاكم كان قضاة التحقيق يفرجون عن المحتجزين عند استجوابهم لعدم كفاية الأدلة بعد أن يكونوا قد تعرضوا لمثل هذه المعاملة (انظر الجزء السابع من التقرير الكامل باللغة الإنجليزية).

    ويمثل الفساد عقبة كبرى في سبيل احترام الحقوق الأساسية. فمن بين الشكاوى التي رددها أغلب المحتجزين تهديد مسؤولي الشرطة لهم بالاحتجاز لأجل غير محدد إن لم يدفعوا لهم مبالغ مالية. وقال أغلب المحتجزين الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش إن الابتزاز منتشر، وإن رفض دفع مثل هذه الرشاوى أو عدم القدرة على دفعها يؤدي إلى بقاء المعتقلين رهن الاحتجاز إلى أن يُحالوا في نهاية الأمر إلى المحكمة، وهو ما يتم في الكثير من الحالات بعد عدة أسابيع. وكان من الأقوال التي تتردد في الكثير من الإفادات التي سجلتها منظمة هيومن رايتس ووتش أن "المجرمين الحقيقيين الذين يمكنهم دفع المال من عوائد جرائمهم يخرجون، أما الفقراء فيظلون رهن الاعتقال." (6)

    ودأب المسؤولون في مرافق الاحتجاز على حرمان الأقارب والمحامين من مقابلة المحتجزين. وقال عدة محتجزين إنهم رأوا محامين يأتون إلى زنازينهم للحديث إلى آخرين محتجزين معهم، ومع ذلك فقد كان هذا، فيما يبدو، الاستثناء لا القاعدة. وقد تمكن بعض الأصدقاء أو الأقارب ممن قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش من مقابلة المحتجزين فيما يُعد كذلك من قبيل الاستثناء لا القاعدة. وأبلغ هؤلاء المنظمة بأنهم لم يتمكنوا من نيل مثل هذه المقابلات إلا من خلال دفع رشاوى لمسؤولي الشرطة أو من خلال صلتهم بأشخاص في مناصب رفيعة أو كليهما. وتقتصر حالات مقابلة المحتجزين كما سجلتها منظمة هيومن رايتس ووتش على منشأة الاحتجاز التابعة لمديرية الجرائم الكبرى في العامرية، وهي من المنشآت الرئيسية الخاصة بالاحتجاز السابق على المحاكمة. ولم تتمكن المنظمة من العثور على أي حالات تمكن فيها المحامون أو الأقارب من مقابلة المحتجزين، حتى باستخدام الوسائل غير المشروعة، في منشآت الاحتجاز الأخرى الخاضعة لولاية وزارة الداخلية ولاسيما تلك الواقعة داخل مجمع الوزارة.

    وليس ثمة مؤشرات تُذكر تدل على اتخاذ أي إجراءات جدية لإنفاذ القوانين القائمة ووضع نهاية لمثل هذه الممارسات. ولا علم لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلا ببضع حالات أسفرت فيها التحقيقات في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون العراقيين عن إدانة مرتكبي تلك الانتهاكات. وورد إقرار رسمي بأن الشرطة قامت بإلقاء القبض على أشخاص دون مذكرة اعتقال في صورة تصريح من وزير الداخلية رداً على أسئلة وجهها إليه العديد من أعضاء المجلس الوطني المؤقت في جلسة المجلس يوم 18 أكتوبر تشرين الأول عام 2004. فقد نقلت الصحف عن وزير الداخلية فلح النقيب قوله إن ثمة أخطاء وقعت تتمثل في القبض على بعض الأشخاص دون الحصول على مذكرات اعتقال كما يقضي القانون، وإن الوزارة ستعمل جاهدة على منع وقوع هذه الأخطاء. (7) ولا تعلم منظمة هيومن رايتس ووتش بأي إجراءات جنائية يُحتمل أن تكون الحكومة العراقية المؤقتة قد اتخذتها منذ ذلك الحين فيما يخص المسؤولين المخالفين للقانون أو بأي إجراءات اتُخذت لمنع تكرار مثل هذه الحالات مستقبلاً.

    ومما زاد من تعرض المعتقلين الذين تحتجزهم أجهزة الشرطة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية للانتهاكات امتناع الوزارة عن تنفيذ إجراءات الإصلاح التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة. (8) ففي يونيو/حزيران عام 2003 أحالت سلطة الائتلاف المؤقتة المسؤولية عن إدارة جميع مرافق الاحتجاز والسجون التي كانت خاضعة من قبل لولاية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية إلى وزارة العدل.(9) وأُرفِقَت بالأمر الصادر بهذا التغيير مذكرة تنفيذية وضعت معايير أساسية لعمل كل المرافق من هذا النوع تنظم أموراً، من بينها ظروف الاحتجاز، والخدمات الطبية، والتأديب والعقاب، وشكاوى السجناء، وتفتيش المرافق.(10) وحسب معلومات منظمة هيومن رايتس ووتش، لا تُطَبَّق هذه القواعد التنظيمية عملياً على المنشآت الخاضعة لسيطرة وزارة الداخلية التي ما زالت تطبق نظاماً موازياً للاحتجاز خارج نطاق عمل مسؤولي وزارة العدل والمفتشين.

    وقد كرست الحكومة الأمريكية موارد كبيرة من أجل توفير مستشارين دوليين لمساعدة الحكومة العراقية المؤقتة على تدريب وتجهيز قوات الأمن والشرطة العراقية. ومن دواعي الأسف أن هؤلاء المستشارين يضعون التصدي للمشكلة ذات الأهمية الحاسمة المتمثلة في إساءة معاملة المحتجزين في مرتبة متدنية في سلم الأولويات على ما يبدو. ومن بواعث قلق منظمة هيومن رايتس ووتش أن مستشاري القوة المتعددة الجنسيات الذين يعملون بشكل وثيق مع وزارة الداخلية في القضايا المتعلقة بإنفاذ القانون والاحتجاز لا يولون سوى اهتمام ضئيل للانتهاكات التي ترتكبها الشرطة العراقية، وهم يعملون على زيادة قدرة هذه القوات وفعاليتها. ويعمل عدد من المستشارين الأساسيين على مستوى الوزارة بينما يقوم آخرون بالعمل الميداني في منشآت الاحتجاز الخاضعة لولايتها، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش لا علم لها بأي إجراءات جدية اتخذها هؤلاء المستشارون لمساعدة السلطات العراقية على التصدي للقضايا المتعلقة بتعرض المحتجزين لسوء المعاملة (انظر الجزء العاشر من التقرير الكامل باللغة الإنجليزية).

    وثمة حاجة شديدة وملحة لتمكين مراقبين مستقلين من دخول منشآت الاحتجاز. وحتى كتابة هذا التقرير كانت قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على القيام بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز غير تلك التي تديرها سلطات القوة المتعددة الجنسيات ما زالت محدودة لأسباب أمنية. وحتى الآن لم يُتح لأي من منظمات حقوق الإنسان الدولية دخول منشآت الاحتجاز، سواء الخاضعة لولاية وزارة الداخلية أم الخاضعة لولاية وزارة العدل العراقيتين، بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش التي لم تتلق بعد رداً على طلبها دخول تلك المنشآت. وحسب علم منظمة هيومن رايتس ووتش كان ثمة مناقشات جارية لمنح العاملين في وزارة حقوق الإنسان حق دخول المنشآت التي تديرها الحكومة العراقية المؤقتة، لكن في الوقت الذي كانت المنظمة تقوم فيه بالبحوث اللازمة لإعداد هذا التقرير لم تكن تجري على ما يبدو زيارات تُذكر من هذا القبيل.