أحلام مزعجة
استغلال العمال المهاجرين وانتهاك حقوقهم في السعودية
Saudi Arabia
السعودية
البيان الصحفي
السعودية: انتهاك حقوق العمال الأجانب

المحتويات
  • ملخص
  • استغلال العمال
  • العاملات المهاجرات
  • انتهاكات حقوق الإنسان في إطار نظام القضاء الجنائي.
  • المنهج
  • توصيات أساسية

  • انتهاكات حقوق الإنسان في إطار نظام القضاء الجنائي.

    تعرض بعض العمال المهاجرين لمعاملة مروعة في إطار نظام القضاء الجنائي السعودي. وفي حالة المهاجرين الذين أعدموا بعد محاكمات جائرة ليست من الشفافية في شيء، كانت الأسر، التي مازالت تتجرع غصص الكرب والحزن على أبنائها، هي المصدر الذي استقينا منه المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.

    وفي كثير من الحالات، لم يكن المحكوم عليهم بالإعدام يعلمون بالحكم، ولم تكن سفاراتهم تبلغ إلا بعد تنفيذ الأحكام. وقال دبلوماسي هندي في مقابلة تليفزيونية في عام 2003 "إننا لا نتلقى أية معلومات مسبقة قبل إعدام مواطنينا الهنود، بل نعرف هذه المعلومات عموماً من الصحف المحلية بعد الإعدام".

    وفي حالات الإعدام الموثقة في هذا التقرير، لم تُرَد الجثث إلى الأهالي، وأخبر الأقارب منظمة هيومن رايتس ووتش أنهم لم يتلقوا أي معلومات رسمية عن مكان رفات ذويهم في المملكة العربية السعودية.

    وجدير بالذكر أن هناك عددا غير محدد من الأجانب محكوما عليهم بالإعدام في المملكة، ولم ينفذ فيهم الحكم بعد. وتُحاط التفاصيل الخاصة بمحاكماتهم والأدلة المقدمة لإدانتهم بستار من السرية وكأنها من أسرار الدولة العليا.

    ولا زالت المملكة العربية السعودية تتشدق بالتزاماتها المنبثقة عن المعاهدات المبرمة في ظل القانون الدولي والمحلي. ومع ذلك فالمسؤولون القنصليون لا يخطرون فورا بالقبض على مواطنيهم؛ كما أن المشتبه فيهم جنائيا لا يبلغون بحقوقهم التي يكفلها لهم القانون. وينزل محققو وزارة الداخلية صنوف التعذيب بالمشتبه فيهم، دون أن ينالوا أي عقاب على أفعالهم التي يرتكبونها وراء ستار الحجز الانعزالي الطويل الأمد، بغية انتزاع اعترافات يمكن أن توصف مصداقيتها بأنها واهية على أفضل تقدير. وقد أخبر عدد من العمال المهاجرين هيومن رايتس ووتش أنهم أجبروا على توقيع اعترافات لا يستطيعون قراءتها، وذلك تحت وطأة التهديد بمواصلة تعذيبهم. ووصف لنا خياط هندي عمره 23 عاما كيف تعرض للضرب على مدى يومين في حبس الشرطة؛ وفي اليوم الثالث أعطاه المحققون صفحتين مكتوبتين بخط اليد بالعربية، وأمروه بتوقيع اسمه ثلاث مرات على كل صفحة منها. وقال "كنت خائفا جدا، فلم أجرؤ أن أسأل عن هذه الأوراق وما كتب فيها".

    وتعد روايات المهاجرين عن محاكماتهم أمام المحاكم الشرعية بمثابة دليل على وجود نظام قضائي لا يتفق مع المعايير المعتمدة دوليا للإنصاف القضائي. فلم يكن من بين من قابلناهم من أتيحت له المساعدة القانونية قبل محاكمته، أو من تمكن من توكيل محام يتولى الدفاع عنه عند مثوله أمام المحكمة. وقال لنا أحد العمال الهنود المهاجرين إن قاضياً رماه بالكذب مرارا عندما رد على أسئلته في أثناء المحاكمة. وذكر عامل فلبيني، كان قد سجن خمس سنوات قبل مثوله أمام المحكمة للمرة الأولى، أن قاضيا حكم عليه بالجلد 350 جلدة لأن المحققين انتزعوا منه اعترافا كاذبا. وبرر القاضي هذا العقاب البدني بأن الاعتراف القسري الذي انتزع بالتهديد والتعذيب لم يكن صحيحا. وكشفت المقابلات التي أجريناها مع المهاجرات في سجن النساء بالرياض أن معظمهن لم يُبلغن بحقوقهن، ولم يفهمن الأساس القانوني للقبض عليهن، ولم يعرفن وضع قضاياهن، ولم يستطعن الاستعانة بمحامين أو بغير ذلك من أشكال المساعدة القانونية.

    ضرورة اتخاذ إجراءات حكومية

    تؤكد الروايات التي يضمها هذا التقرير على الحاجة الملحة لاعتراف الحكومة السعودية بأن قوانينها ولوائحها تسهل استغلال وانتهاك العمال المهاجرين المستضعفين، وعلى ضرورة إصلاح قوانينها وممارساتها بناء على ذلك. وسوف نورد فيما يلي بعض التوصيات الرئيسية في هذا الصدد، بينما يضم الفصل التاسع مجموعة كاملة من التوصيات الموجهة لمسؤولي الحكومة السعودية والأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي.

    ومن أكبر الجوانب المأساوية في هذه الأوضاع أن العديد من المهاجرين يتقبلون الاستغلال والحرمان من حقوقهم في صمت لأنهم يعتبرون أنهم لا حيلة لهم ولا سبيل أمامهم للانتصاف الفعال. وهؤلاء العمال يأتون إلى المملكة العربية السعودية وهم يجهلون الحقوق التي يكفلها لهم القانون السعودي، أو لا يعرفونها إلا لماما، مثلما يجهلون الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حال تعرضهم للظلم أو الإساءة.

    وهذه مشكلة يجب على حكوماتهم معالجتها، ومن سبل ذلك التوعية الفعالة والموسعة لهؤلاء العمال قبل سفرهم إلى السعودية. لكن حكومة المملكة العربية السعودية تتحمل المسؤولية الأساسية في تعزيز واحترام حقوق الجاليات المهاجرة الضخمة في المملكة على نحو أكثر حزماً وقوة وعلانية، تمشياً مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. وعلى السلطات أن تقدم بياناً واضحاً بالحقوق المكفولة تحديدا للعمال المهاجرين، في ظل قوانين المملكة ولوائحها. وعليها أن توضح الواجبات القانونية المفروضة تحديدا على الكفلاء وأرباب العمل، وإعداد قائمة شاملة بالممارسات غير القانونية، وإعطاء تعليمات مفصلة عن كيفية قيام العمال بالإبلاغ عما قد يتعرضون له من الانتهاكات ومكان التبليغ. ويجب أن تكون هذه المعلومات عملية، لا نظرية، ويجب أن تستند إلى الانتهاكات المحددة التي يمكن أن يتعرض لها المهاجرون، مثل تلك المشار إليها في هذا التقرير، وأن تقدم تعليقات ونصائح يعتد بها في هذا الصدد. كما يجب ترجمة هذه المعلومات إلى لغات البلدان الأصلية للعمال المهاجرين، وتقديمها لكل عامل فور وصوله إلى المملكة كإجراء روتيني من إجراءات الهجرة. كما يجب على الحكومة أن تجد سبلاً أخرى لتوصيل هذه المعلومات إلى الجاليات المهاجرة في شتى أنحاء المملكة باعتبار ذلك دليلاً آخر على التزامها بحماية حقوقهم على نطاق واسع.

    كما يجب على السلطات السعودية أيضا أن تعترف بأن الكثيرين من العمال المهاجرين يخشون الإبلاغ عما يلاقونه من سوء المعاملة مخافة إغضاب كفلائهم أو أصحاب العمل بحكم الواقع، مما يجر عليهم وبال العقاب انتقاما منهم، ويفقدهم وظائفهم. ويجب على مسؤولي الحكومة اتخاذ ما يلزم من خطوات للاتصال مباشرة بالعمال المهاجرين في المملكة، باستخدام كل السبل المتاحة، بمافي ذلك الوسائل المذاعة والصحافة المطبوعة للإعراب عن تأكيدهم على أن أحدا لن يفقد وظيفته ولن يتعرض للترحيل الفوري إذا ما تظلم من الممارسات غير المشروعة ومن ظروف العمل التي تنطوي على انتهاكات لحقوق العاملين. (1)

    وتقول الحكومة السعودية إنها تخطط لتخفيض عدد العمال الأجانب بنسبة 50% على مدى العقد القادم. إلا أن هذا الهدف لا يقلل من الضرورة الملحة على الدولة لمعالجة استغلال العمال المهاجرين الموجودين الآن في المملكة، ولوضع حد للممارسات التمييزية التي تقلص من حقوقهم بشدة في ظل القانون السعودي. وحتى لو تحقق تخفيض العمالة الذي تخطط له الحكومة خلال عشر سنوات، فلا يزال يتعين على المملكة بموجب القوانين المحلية والدولية أن تحمي حقوق هؤلاء العمال المهاجرين الباقين فيها. وإذا لم تتخذ السلطات السعودية إجراءات جادة لمعالجة أنماط انتهاك حقوق العمال المهاجرين، فسوف تظل القضية موضع التحقيق والتمحيص، وستظل موضوعة على جداول أعمال منظمات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات حقوق المهاجرين غير الحكومية في البلدان الأصلية وائتلافات منظمات حقوق المرأة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم الإسلامي وخارجه.

    وجدير بالذكر أن هناك شعورا عاما يسود في المملكة وفي غيرها من دول الخليج بالتعاطف مع محنة العمال المهاجرين، ليس أقله أن أعلى سلطة دينية إسلامية في المملكة، وهو المفتي الأكبر الشيخ عبد العزيز الشيخ، قد اعترف بأن المهاجرين يعانون "من الاستغلال والقمع". (2) وتضمنت تصريحات له نشرتها الصحيفة السعودية اليومية "المدينة" عام 2002 قوله "إن الإسلام لا يسمح بهضم حقوق العمال بغض النظر عن دينهم... فكما نطالبهم بأداء واجباتهم فعلينا أن نفي بواجبنا وأن نلتزم بشروط التعاقد". وانتقد المفتى الأكبر ترهيب العمال الأجانب قائلا إن حجب رواتبهم أو التأخر في سدادها مع تهديدهم بالترحيل "ليس أمرا مشروعا، ويمثل نوعا من الغش". وأفتى بأن الإسلام يحرم "ابتزاز العمال [الأجانب] وتهديدهم بالترحيل إذا رفضوا شروط أرباب العمل المخالفة للعقد".

    وثمة مثال آخر نجده في دولة البحرين المجاورة حيث ينظم مركز البحرين لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، حملة لرفع مستوى الحماية للخادمات، حيث وصف أحد مسؤولي المركز هؤلاء النساء في عام 2003 بأنهن "الأكثر تعرضا للانتهاك من بين القوى العاملة بأكملها"، واتهم الحكومة بأنها لا تتخذ ما يكفي من خطوات "لكسر أصفاد الاستغلال التي تقيدهن". وحث المركز منظمات المجتمع المدني في البحرين، ومن بينها منظمات حقوق المرأة، على الاهتمام بهذه القضية. (3)


    1- سلطان الدوساري: "الحكومة تتوقع تخفيض العمالة المغتربة بنسبة 50% خلال عشر سنوات"، عرب نيوز، الخامس من فبراير/شباط 2004.
    2- "رجل دين سعودي يدعو إلى حقوق العمال"، قناة بي بي سي الإخبارية الدولية، الثالث من سبتمبر/أيلول 2002. وكالة الأنباء الفرنسية "مفتي السعودية يحذر أصحاب الأعمال من نقض العهد"، الثاني من سبتمبر/أيلول 2002.
    3- ميرا رافي "المنظمات النسائية غير الحكومية وأجهزة حقوق الإنسان يجب أن تكون أكثر اهتماماً برصد أوضاع العمل"، بحرين تريبيون، 25 يونيو/حزيران 2003.