أدى توغل غير متوقع نحو الجنوب، من قِبل جماعات مسلحة إسلامية في يناير/كانون الثاني 2013 إلى هجوم عسكري بقيادة فرنسية سرعان ما أسفر عن إزاحة تلك الجماعات وأنهى إلى حد بعيد احتلالها للشمال الذي اشتمل على انتهاكات عديدة. أثناء العملية العسكرية وبعدها، ارتكب جنود ماليون انتهاكات عديدة، لا سيما ضد المدنيين والمشتبهين بكونهم من المتمردين تحت الأسر.
أدت المخاوف من تهديدات جماعات مسلحة إسلامية مرتبطة بالقاعدة إلى جهود دبلوماسية متضافرة من أجل تسوية الأزمة وبث الاستقرار في مالي. أخذ الفرنسيون زمام المبادرة فيما يخص المسائل العسكرية، وتولى الاتحاد الأوروبي التدريب والإصلاح لقطاع الأمن، وتولت الأمم المتحدة من خلال إنشاء قوة حفظ سلام، مسألة سيادة القانون والاستقرار السياسي. في حين انتقد أغلب الفاعلين الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية، فقد أحجموا عن الانتقاد العلني للانتهاكات التي ارتكبها الجيش الماليّ.
ساعدت الانتخابات الرئاسية الحرة والنزيهة والشفافة إلى حد بعيد في أغسطس/آب في بث الاستقرار في الوضع السياسي. لكن انهار الأمن من واقع استمرار التوترات المجتمعية المزمنة وجراء انعدام اليقين إزاء وضع متمردي الطوارق، والهجمات المتواصلة من الجماعات الإسلامية - واشتملت على تفجيرات انتحارية - والانقسامات داخل الجيش، وتصاعد معدلات الإجرام.
بذلت السلطات المالية جهوداً قليلة غير كافية للتحقيق مع عناصر قوات الأمن المتورطين في الانتهاكات ومحاسبتهم. لكن في يناير/كانون الثاني فتح ادعاء المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في الجرائم التي يُزعم ارتكابها في ثلاث مناطق شمالي البلاد. وكان اتفاق أوغادوغو الموقع في يونيو/حزيران بين الحكومة المالية وجماعتين من الطوارق فضفاضاً ومبهماً حول المسؤولين عن الجرائم الجسيمة وهل تجب ملاحقتهم قضائياً أم لا.
تقوضت سيادة القانون في الشمال بفعل العودة البطيئة لعناصر القضاء والشرطة إلى الشمال. وقد حدت مخصصات الموازنة غير الكافية لنظام العدالة الجنائية بشكل عام من كفالة إجراءات التقاضي السليمة في شتى أنحاء مالي. وأعاقت أيضاً قدرة الماليين على الحصول على الرعاية الصحية والتعليم ظاهرة التزوير والفساد المنتشرة بشكل وبائي على كافة مستويات الحكومة.
انتهاكات قوات الأمن التابعة للدولة
قام جنود ماليون في إطار حملتهم لاستعادة السيطرة على الشمال، بارتكاب انتهاكات كثيرة للغاية، منها عمليات إعدام خارج نطاق القضاء واختفاءات قسرية وأعمال تعذيب. هذه الانتهاكات التي استهدفت أفراداً يشتبه في كونهم متمردين إسلاميين ومتعاونين، اشتملت على 26 عملية إعدام ميداني على الأقل، و11 اختفاءً قسرياً وأكثر من 50 حالة تعذيب ومعاملة سيئة.
تعرض المحتجزون للضرب المبرح والركل والخنق، والإحراق بأعقاب السجائر والقداحات والحقن بمواد كاوية مجهولة وإجبارهم على ابتلاعها، والتعرض للإيهام بالغرق، وتعريضهم لتهديدات بالقتل وعمليات إيهام بالإعدام.
كفت المعاملة السيئة بعد إحالة المحتجزين إلى قوات الدرك، الذين قام المحتجزون برشوتهم في بعض الحالات لإطلاق سراحهم. ساعد وجود قوات الدرك، والجنود الفرنسيين وقوات غرب أفريقيا، في ردع وقوع أكثر الانتهاكات جسامة.
وفي أغسطس/آب تمت ترقية قائد انقلاب 2012، النقيب أمادو سانوغو، إلى رتبة فريق، رغم تورطه المباشر في أعمال تعذيب وإخفاء قسري في 2012 وأكتوبر/تشرين الأول 2013، عندما قامت قوات موالية لسانوغو حسب المزاعم بقتل أربعة وإخفاء سبعة آخرين على الأقل من الموالين له الذين تمردوا عليه. لكن في أغسطس/آب ألغى الرئيس المؤقت قراراً من عام 2012 بتعيين سانوغو رئيساً للجنة لتنفيذ إصلاحات في الجيش.
انتهاكات الجماعات المسلحة الإسلامية والمتمردون الطوارق
قبل إخراج المقاتلين الموالين للجماعات الإسلامية من شمال مالي – من أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا والقاعدة في المغرب الإسلامي – قامت تلك الجماعات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السجناء والسكان المحليين. مع فرضهم الجبري لرؤيتهم للشريعة، قامت الجماعات بضرب وجلد وتوقيف من يدخنون السجائر ويتناولون المشروبات الكحولية، ولا يبدون الالتزام بقواعد الملبس التي فرضتها الجماعات. وفي يناير/كانون الثاني قامت جماعات إسلامية مسلحة في كونّا بإعدام سبعة جنود ماليين على الأقل.
تستمر القاعدة في المغرب العربي في اتخاذ ثمانية أفراد على الأقل رهائن، بينهم فرنسيين وهولندي وسويدي وجنوب أفريقي وثلاثة جزائريين على الأقل. تزعم القاعدة في المغرب العربي أنها أعدمت فرنسياً يُدعى فيليب فردون، في 10 مارس/آذار انتقاماً من تدخل فرنسا العسكري في شمال مالي.
في 1 و2 يونيو/حزيران قامت قوات الحركة الوطنية للطوارق لتحرير الأزواد، والتي ما زالت تسيطر على أجزاء من منطقة كيدال، باحتجاز نحو 100 شخص تعسفاً، أغلبهم من الرجال ذوي البشرة الداكنة من غير الطوارق. قامت حركة الطوارق بسرقة وتهديد وفي بعض الحالات بضرب الرجال. في 2 نوفمبر/تشرين الثاني تم اختطاف صحفيين فرنسيين بمعقل الطوارق في كيدال وفيما بعد أعدمهما رجال مسلحون يُزعم أنهم على صلة بالقاعدة في المغرب العربي. في سبتمبر/أيلول أفرج الطوارق عن نحو 30 سجيناً تحتجزهم جماعات إسلامية في كيدال.
المحاسبة
تم ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة أخرى من قبل جميع الأطراف أثناء النزاع المسلح في مالي مؤخراً. تشمل تلك الانتهاكات الإعدام الميداني لما يناهز 153 جندياً مالياً في أغويلهوك، وتفشي أعمال النهب والسرقة، والعنف الجنسي من قبل حركة الطوارق، وتجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين، وأعمال إعدام وجلد وبتر وتدمير لمنشآت دينية وثقافية على يد جماعات إسلامية مسلحة، والإعدام الميداني والتعذيب والإخفاء القسري من قبل جنود في جيش مالي. تم استهداف العديد من المنشآت الطبية في الشمال وتم نهبها.
في يوليو/تموز 2012 أحالت حكومة مالي – وهي دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية – "الوضع في مالي منذ يناير/كانون الثاني 2012" إلى ادعاء المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق. في 16 يناير/كانون الثاني 2013 فتح ادعاء المحكمة رسمياً تحقيقاً في الجرائم الجسيمة التي يُزعم ارتكابها في ثلاث مناطق شماليّ مالي. وقت كتابة هذه السطور لم تكن قد صدرت أوامر توقيف عن المحكمة.
قدمت حكومة مالي والقيادة العسكرية العليا إشارات متضاربة حول الانتهاكات التي ارتكبها جنود بالجيش المالي، فأنكروا أحياناً بشكل قاطع وقوع انتهاكات، وفي أحيان أخرى وعدوا بمحاسبة الجناة المزعومين. في حين حققت السلطات المالية في حوادث قليلة، منها الإخفاء القسري لخمسة رجال في تمبكتو في فبراير/شباط وقتل جنود لـ 16 داعياً إسلامياً في ديابالي في سبتمبر/أيلول 2012، فلم يتم التحقيق في وقائع أخرى كثيرة، ولم تتم محاكمة جنود متورطين في الانتهاكات الأخيرة. تم إحراز تقدم على مسار العدالة بالنسبة للاختفاءات القسرية في مايو/أيار 2012 فيما يخص اختطاف 21 جندياً على الأقل من قبل قوات موالية لسانوغو. في أكتوبر/تشرين الأول وجه القاضي الذي يتولى التحقيق الاتهامات وأوامر التوقيف لثلاثة من عناصر الأمن واستدعى للاستجواب 17 آخرين، بينهم سانوغو، جراء أدوارهم المحتملة في الجرائم.
آلية المصارحة والمصالحة
في مارس/آذار أنشأت الحكومة الانتقالية لجنة للحوار والمصالحة، لكن فعاليتها تقوضت من واقع عدم وضوح ولايتها والتعيين المتسرع لأعضائها من قبل الحكومة الانتقالية، التي أخفقت في إجراء مشاورات كافية مع كافة أصحاب الشأن. ولكون ولايتها وسلطاتها على ما يبدو تقتصر على تعزيز المصالحة، فقد دفع بعض الماليين باتجاه لجنة قادرة على التصدي للإفلات من العقاب على الانتهاكات والتوصية بملاحقة أفراد محددين أمام القضاء.
القضاء
أدى الإهمال وسوء الإدارة في القضاء المالي إلى أوجه قصور ضخمة وإلى عرقلة جهود التصدي للإفلات من العقاب بالنسبة للجناة على جميع فئات الجرائم. مع اقتران ذلك بمسلك غير مهني وممارسات فاسدة، فقد أسهمت مشكلات العاملين والمشكلات اللوجستية في قطاع العدالة في الانتهاكات للحق في إجراءات التقاضي السليمة.
وبسبب عدم قدرة المحاكم على التصدي لإدارة القضايا، فقد تم احتجاز مئات السجناء على ذمة المحاكمة لفترات مطولة في سجون ومراكز احتجاز مزدحمة بالسجناء. هناك قلة من نحو 250 رجلاً احتجزوا على صلة بهجوم استعادة الشمال يمثلهم محامون، ومات البعض رهن الاحتجاز بسبب عدم كفاية الرعاية الصحية ولتردي أوضاع الاحتجاز. لكن وزير العدل الانتقالي استبدل العديد من رجال النيابة الفاسدين بآخرين وأحرز بعض التقدم على مسار تحسين أوضاع الاحتجاز.
تجنيد الأطفال وعمل الأطفال
أثناء احتلال الجماعات الإسلامية المسلحة للشمال من أبريل/نيسان 2012 حتى فبراير/شباط 2013، قامت بتجنيد وتدريب واستخدام مئات الأطفال في صفوفها. شارك العديد من الأطفال – تصل أعمار بعضهم إلى 12 عاماً – في معارك، وقُتل الكثيرون أثناء القتال أو جراء القصف الجوي. تم تدمير العديد من المدارس جراء أعمال القصف الفرنسية لأن الجماعات الإسلامية كانت تستخدم المدارس كمراكز قيادة.
يعد استخدام الأطفال في الأعمال الزراعية وفي الخدمة المنزلية والتعدين وقطاعات أخرى منتشراً، وكثيراً ما يشتمل العمل على أعمال خطرة يحظر القانون المالي على أي شخص تحت 18 عاماً مزاولتها. تعرض العمال الأطفال في استخراج الذهب بالأساليب البدائية لمخاطر صحية جراء حوادث وجراء التعرض لمادة الزئبق السامة. وما زالت خطة عمل الحكومة الخاصة بعمل الأطفال غير نافذة بعد أكثر من عامين على تبنيها.
الأطراف الدولية الرئيسية
أصدر شركاء مالي – وأبرزهم فرنسا والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والأمم المتحدة – عدداً من البيانات التي نددت بأعمال العنف والقتال والانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية، لكن ترددت في الإدانة العلنية للانتهاكات التي ارتكبها جيش مالي.
تم إنشاء بعثة دعم دولية لمالي بقيادة أفريقية (أفيسما) قوامها 6200 عنصر، وقد نالت ولايتها من واقع قرار مجلس الأمن 2085 في ديسمبر/كانون الأول 2012، وكان التصور الخاص بالبعثة هو إعادة السيطرة الحكومية على شمال مالي في 2013. تلك البعثة داهمتها الأحداث بعد مهاجمة المتمردين الإسلامويين لبلدة كونّا التي تسيطر عليها الحكومة في يناير/كانون الثاني. استدعى الهجوم عمليات عسكرية لمدة 6 أشهر شارك فيها 4500 جندي فرنسي، عاونتهم القوات الأفريقية على إعادة السيطرة الحكومية على الشمال.
إقراراً بتعقد التحديات السياسية والأمنية، تبنى مجلس الأمن في أبريل/نيسان القرار 2100، القاضي بتشكيل بعثة متكاملة للأمم المتحدة لبث الاستقرار في مالي (مينوسما) وقوامها 11200 عنصر. في يوليو/تموز تم تغيير تكليف أغلب عناصر مينوسما إلى عمليات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.
في الوقت نفسه فقد تولى الاتحاد الأفريقي وتجمع الإكواس زمام الأمور في دعم المفاوضات بين الطوارق المسلحين والحكومة المالية، وفي يناير/كانون الثاني نشر مجلس الأمن والسلم الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي 50 مراقباً لحقوق الإنسان في مالي. في فبراير/شباط بادر مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بتدشين بعثة تدريب الاتحاد الأوروبي في مالي، المكلفة بتدريب أربع فرق من الجنود الماليين والمساعدة في إصلاح الجيش المالي. في مايو/أيار نظم الاتحاد الأوروبي وفرنسا مؤتمراً للمانحين أسفر عن تعهدات بـ 4.2 مليار دولار لتمويل جهود تنمية مالي.
في فبراير/شباط أرسل مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعثة تقصي حقائق ثانية إلى مالي والدول المحيطة بها. في مارس/آذار تبنى مجلس الأمن قراراً بتكليف خبير مستقل.