انفصل جنوب السودان في 9 يوليو/تموز 2011 بموجب بنود اتفاقية السلام الشامل عام 2005، التي وضعت نهاية لحرب أهلية استمرت قرابة 22 عاما. حدثت عملية الانفصال بصورة سلمية، إلا أن السودان شهد اضطرابات شعبية متزايدة واتساعا لنطاق المعارضة المسلحة خلال الشهور التي اعقبت الإنفصال. وانتهجت السلطات في العاصمة الخرطوم أساليبها القمعية المعتادة، بما في ذلك المضايقات والاعتقال والتوقيف، وتعذيب معارضي الحكومة والرقابة على وسائل الإعلام وحظر الأحزاب السياسية.
اندلع النزاع كذلك في المناطق الواقعة شمال حدود دولة جنوب السودان، في ما لم ينجح الاتفاق الذي أبرم بين الحكومة وواحدة من جماعات التمرد في إنهاء النزاع الكامن أو في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في إقليم دارفور. حتى كتابة هذا التقرير لم يتم تبنّي دستور السودان الجديد المقترح، كما أن الرئيس عمر البشير ينادي في الوقت نفسه بتطبيق متشدد للقوانين الإسلامية من دون استثناء للأقليات الدينية والإثنية.
نزاع جديد بالقرب من حدود دولة جنوب السودان
وصل حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، الحاكمة في الجنوب، إلى طريق مسدود فيما يتعلق بمنطقة أبيي المتنازع عليها. ففي شهر مايو/أيار الماضي شنت الحكومة السودانية هجوما عسكريا بهدف الاستيلاء على أبيي، حيث أحرقت ونهبت القوات الحكومية وميليشيات موالية لها منازل وممتلكات أخرى، ما تسبب في فرار أكثر من مائة ألف من المدنيين. واتفق الطرفان في يونيو/حزيران على سحب كل القوات العسكرية ونشر قوات أثيوبية لحفظ السلام تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.
اندلع النزاع في يونيو/حزيران بمنطقة جنوب كردفان بين قوات الحكومة السودانية وعناصر تابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان بعد أسابيع من التوتر المتزايد بشأن الترتيبات الأمنية وانتخابات حاكم الولاية، التي فاز بها في مايو/أيار، بفارق ضئيل، أحمد هارون – الصادرة بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية تهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وفي مدينة كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، أطلقت قوات وميليشيات حكومية النار على مدنيين واعتقلت من اشتبهت في تأييدهم للحركة الشعبية لتحرير السودان خلال حملات تفتيش على المنازل والتوقيف في نقاط التفتيش، كما نهبت وأحرقت كنائس ومنازل. وتضمّن تقرير نشرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، في أغسطس/آب أنماط القتل خارج نطاق القانون والهجمات الواسعة النطاق على ممتلكات المدنيين، وهي أعمال أشار التقرير إلى أنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
شنت القوات الحكومية كذلك حملة قصف جوي عشوائية على مختلف مناطق جبال النوبة، ما اضطر السكان إلى الفرار والاحتماء بالكهوف والجبال، حيث لم يتوفر لهم الغذاء والمأوى أو الأوضاع الصحية الملائمة. رفضت الحكومة السماح لمنظمات العون الإنساني بدخول المناطق المتأثرة، وأغلقت بالفعل جزءا واسعا من مناطق جبال النوبة.
اتسعت دائرة النزاع لتشمل ولاية النيل الأزرق في مطلع سبتمبر/أيلول، حيث اندلع قتال بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، أسفر عن فرار عشرات الآلاف من المدنيين عبر الحدود إلى أثيوبيا. قصفت القوات الحكومية خلال هذا النزاع المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة، ومنعت مجددا منظمات العون الإنساني من دخول المنطقة.
النزاع المستمر في دارفور
أسفر ازدياد الهجمات التي تقودها الحكومة على المناطق الآهلة بالسكان في شمال وجنوب دارفور، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2010 ومطلع عام 2011، عن مقتل وجرح عشرات المدنيين وتدمير الممتلكات ونزوح ما يزيد على سبعة آلاف شخص، معظمهم من قبيلتي الزغاوة والفور اللتين تعتقد الحكومة أن لهما ارتباط بجماعات التمرد. اندلع القتال عقب الخلاف الذي نشب بين الحكومة ومني أركو مناوي، القائد الرئيسي الوحيد لحركة تحرير السودان الذي وقّع على اتفاق دارفور للسلام عام 2006.
عجزت بعثة الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة عن الوصول إلى أجزاء واسعة من دارفور، الأمر الذي حد من قدرة قوات حفظ السلام على حماية المدنيين أو مراقبة أوضاع حقوق الإنسان. وظلت الغالبية العظمى من نازحي دارفور، الذين يقدر عددهم بنحو 2.5 مليون شخص، تعيش في معسكرات داخل دافور وفي تشاد. وكانت قوات الأمن التابعة للحكومة قد نفّذت عدة مرات عمليات تفتيش عنيفة طوقت خلالها المعسكرات واعتقلت عشرات من المقيمين بها. كما تتحمل القوات الحكومية أيضا مسؤولية حوادث عنف جنسي بحق النساء والفتيات النازحات.
لم تنجح اتفاقية السلام الموقّعة في يوليو/تموز بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في وقف القتال المتجدد من حين إلى آخر، كما لم تنجح الاتفاقية في معالجة الإنتهاكات المستمرة لحقوق الانسان والافلات من المحاسبة. يُضاف إلى ما سبق أن الحكومة السودانية انتهجت، بدعم من بعثة الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة لحفظ السلام، خططا مثيرة للجدل بشأن "عملية سياسية داخلية" لإنهاء النزاع في دارفور.
على الرغم من أن الرئيس عمر البشير أعلن في مارس/آذار نيته رفع حالة الطوارئ في دارفور، فإنه لم ينفذ ما صرّح به حتى لحظة كتابة هذا التقرير. فقد واصلت السلطات استغلال قوانين الطوارئ وقوانين الأمن الوطني في اعتقال من تشتبه في معارضتهم للحكومة وحبسهم لفترات طويلة دون اتخاذ أي إجراءات قانونية بحقهم، كما يتعرض هؤلاء في الكثير من الحالات إلى سوء المعاملة والتعذيب خلال فترة الاعتقال. واشتملت قوائم الذين جرى اعتقالهم خلال العام 2011 على موظفين في بعثة الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة لحفظ السلام، بالإضافة إلى موظفين في منظمة إغاثة دولية. ولا يزال أربعة من قادة النازحين قيد الإحتجاز منذ اعتقالهم في شمال دارفور عام 2009 بموجب قوانين الطوارئ.
حملات السلطات ضد المحتجين
اعتقلت سلطات الأمن في يناير/كانون الثاني 2011 ما يزيد على 100 من الذين شاركوا في احتجاجات حدثت في الخرطوم وامدرمان مستلهمين تجربة الإنتفاضات الشعبية في كل من تونس ومصر. فقد اعتقل جهاز الأمن والاستخبارات الوطني عشرات المحتجين، الذين بقوا رهن الاحتجاز عدة اسابيع خضعوا خلالها للضرب والحرمان من النوم والصعق بالصدمات الكهربائية، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الاعتداءات الجسدية والنفسية، بما في ذلك التهديد بالقتل والإغتصاب.
إستخدمت قوات الأمن العنف خلال العام المنصرم لتفريق الاحتجاجات السلمية في انحاء البلاد واعتقلت الكثير من المحتجين، خصوصا في الجامعات، حيث يتجمع الطلاب للاحتجاج على عدد من سياسات الحكومة وعلى ارتفاع الأسعار. وتورط مسؤولون في أجهزة الأمن في ارتكاب حوادث عنف جنسي ومضايقات تعرضت لها نساء وفتيات شاركن في الاحتجاجات، بما في ذلك حادثة الاغتصاب الوحشية التي تعرضت لها في منتصف فبراير/شباط الناشطة الشابة صفية اسحق، التي اضطرت للفرار من السودان عقب حديثها علنا حول محنة الاغتصاب التي تعرضت لها.
اعتقال وحبس المعارضين
إستهدف جهاز الأمن والإستخبارات الوطني اعضاء الأحزاب والناشطين وغيرهم من الذين تعتبرهم السلطات معارضين للحكومة. ففي يناير/كانون الثاني ألقت سلطات الأمن القبض على الزعيم المعارض حسن الترابي وأعضاء آخرين في حزب المؤتمر الشعبي، إذ ظل هؤلاء رهن الإعتقال أربعة أشهر. وجرى اعتقال هؤلاء بعد أن حذّر الترابي من اندلاع إنتفاضة شعبية اذا رفضت الحكومة إجراء إصلاحات.
عند اندلاع القتال في جنوب دارفور، في يونيو/حزيران، إعتقلت قوات الأمن كل من إشتبهت في تأييده للحركة الشعبية لتحرير السودان أو انتمائه لها. من ضمن الذين اعتقلهم جهاز الأمن والاستخبارات الوطني من أبناء مناطق جبال النوبة في إطار تلك الحملات د. بشرى قمر حسين رحمة، الناشط البارز في مجال حقوق الإنسان، الذي لا يزال حتى كتابة هذا التقرير رهن الإعتقال دون أن توجَّه له تهمة.
وعندما اتسعت رقعة القتال لتشمل منطقة جنوب النيل الأزرق، إعتقلت قوات الأمن، بما في ذلك جهاز الأمن والإستخبارات الوطني، ما يزيد على 100 شخص على خلفية الإشتباه في انتمائهم للحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، بمن في ذلك المسرحي والكاتب السوداني المعروف الناشط عبد المنعم رحمة، الذي عمل في السابق مستشارا لحكومة ولاية النيل الأزرق للشؤون الثقافية. أطلقت السلطات سراح بعض المعتقلين إثر إعلانهم التخلي عن انتمائهم السياسي للحركة. واصدرت الحكومة في سبتمبر/أيلول قرارا بحظر 17 حزبا سياسيا، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، بذريعة ارتباطها بالجنوب.
القيود على وسائل الإعلام
إستمرت السلطات السودانية في تضييقها على وسائل الإعلام من خلال توقيف واعتقال ومحاكمة صحفيين تناولوا قضايا حساسة، كما واصلت السلطات كذلك مصادرة المطبوعات.
فخلال الفترة بين 30 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 اعتقلت سلطات جهاز الأمن والإستخبارات الوطني مجموعة صحفيين وناشطين دارفوريين يعملون في "راديو دبنقا"، وهي خدمة بث إذاعي إخبارية تتناول أخبار دارفور، إذ تعرضوا للضرب وسوء المعاملة والتعذيب خلال فترات اعتقالهم التي امتدت إلى أسابيع وشهور. ووجهت السلطات إلى سبعة من هؤلاء تهما جنائية، بما في ذلك تهمة التجسس، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام في حال الإدانة.
وفي شهر مايو/أيار اعتقل أفراد من جهاز الأمن والإستخبارات الوطني صحفيَين سودانيَين إثنين بسبب محاولتهم إعداد تغطية إخبارية للانتخابات في جنوب كردفان. وخلال شهري يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول إعتقلت عناصر جهاز في جهاز الأمن صحفيين يعملون في قناة الجزيرة الفضائية كانوا بصدد التغطية الإخبارية للأحداث في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
كما وجّهت السلطات أيضا تهمة إشانة السمعة إلى إثنين من الصحفيين البارزين بسبب تناولهم لحادثة اغتصاب الناشطة صفية اسحق في فبراير/شباط بواسطة عناصر في جهاز الأمن. كما تعرض صحفيون آخرون لمضايقات تلقوا خلالها تهديدات بتوجيه تهمة إشانة السمعة بحقهم بسبب التغطية الصحفية لنفس الحادثة.
كما صادرت عناصر تابعة لجهاز الأمن والإستخبارات الوطني أعدادا من صحف رئيسية بسبب تناولها مواضيع حول النزاعات، أو بسبب مقالات تنتقد الحزب الحاكم. كما علّقت السلطات كذلك صدور 12 صحيفة، بما في ذلك صحيفة "أجراس الحرية"، بسبب علاقات مزعمومة لهذه الصحف بجنوب السودان.
العدالة والمحاسبة
أحال مجلس الأمن عام 2005 ملف الوضع في دارفور إلى محكمة الجناية الدولية، التي أصدرت بدورها مذكرات توقيف بحق ثلاثة أشخاص، بمن في ذلك الرئيس البشير، على خلفية تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة. ما يزال السودان يرفض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المتعلقة بارتكاب جرائم في دارفور، كما لم تتخذ الحكومة خطوات جادة في محاكمة المتهمين بهذه الجرائم أمام المحاكم السودانية. وعلى الرغم من تعيين العديد من المدّعين لقضايا دارفور، فإن الحكومة السودانية لم تتخذ خطوات تُذكر باتجاه تعزيز مبدأ المحاسبة، كما انها لم تطبق أيا من الإصلاحلات القانونية التي أوصت بها لجنة الإتحاد الافريقي عالية المستوى حول دارفور، التي يترأسها ثابو امبيكي، الرئيس السابق لجنوب افريقيا، في تقريرها الصادر عام 2009.
الأطراف الدولية الرئيسية
هنأ قادة العالم السودان على السماح بانفصال الجنوب، إلا أنهم لزموا الصمت إلى حد كبير إزاء انتهاكات حقوق الإنسان وخرق قوانين الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق. إذ لم يحدث أن أدانت الامم المتحدة أو الإتحاد الأفريقي الإنتهاكات الخطيرة التي حدثت هناك، على الرغم من المناشدات الصادرة بهذا الشأن من المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للامم المتحدة، بإجراء تحقيق حول احتمالات إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، أو اتخاذ خطوات أخرى لحماية المدنيين من تبعات القتال الدائر هناك.
رحّبت ثلاث دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية –جيبوتي وتشاد وملاوي- بالرئيس البشير على أراضيها، متجاهلة بذلك إلتزامها بالقبض عليه، وهو التزام تفرضه عليها عضويتها في المحكمة.
إنتقد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا زيارات الرئيس السوداني الخارجية، وحثت السودان ودولا أخرى على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك التعاون في تسليم المتهمين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة. وكانت ماليزيا قد ألغت، إثر احتجاجات قوية، زيارة كان يعتزم البشير القيام بها.
توسطت لجنة الاتحاد الأفريقي، التي يترأسها امبيكي، بين السودان ودولة جنوب السودان في عدد من القضايا المهمة العالقة بين الجانبين، مثل اقتسام عائدات النفط وإدارة الحدود ووضع منطقة أبيي المتنازع عليها. ولعب رئيس الوزراء الأثيوبي، ميليس زيناوي، وكل من المبعوث الخاص للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي دورا رئيسيا في هذه المساعي. وصادقت الأمم المتحدة في يونيو/حزيران على إرسال قوات أثيوبية لحفظ السلام في منطقة أبيي قوامها 4200 جندي وضابط. ولعبت الولايات المتحدة أيضا دورا رئيسيا في جهود الوساطة للتوصل إلى اتفاق جديد للسلام في دارفور وقّعته في الدوحة الحكومة السودانية وواحدة من جماعات التمرد.
إلا أن الأطراف الدولية المعنية لم تتخذ موفقا موحَّدا إزاء معالجة قضية حماية المدنيين وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصا في جنوب كردفان والنيل الأزرق. جدير بالذكر أن التفويض الممنوح للبعثة المشتركة للإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور قد انتهى في يوليو/تموز، وانتهت بذلك عملية الرقابة الدولية في السودان، باستثناء دارفور، حيث ما تزال البعثة المشتركة تواجه قيودا كثيرة.
جدّد مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول التفويض الممنوح لخبير الامم المتحدة في السودان لعام آخر، إلا أن القرار لم يعكس خطورة الوضع على الأرض، كما انه لم يناشد بإجراء تحقيق دولي أو بالإستجابة على نحو مناسب للأزمة الإنسانية وأزمة حقوق الإنسان في المناطق الحدودية في كل من أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق.