تدهور الوضع الإنساني في اليمن كثيراً على مدار السنوات الماضية. وكان اليمن قد سبق أن أحرز شيئاً من التقدم على مسار سيادة القانون، وتم سن الحقوق في الدستور وقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية. إلا أن هذه الحقوق تآكلت بفعل المئات من عمليات الاعتقال التعسفي والعشرات من وقائع الاختفاء القسري، بالأساس في سياق المصادمات المسلحة في الشمال، لكن أيضاً فيما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب الحكومية في الداخل، وحملتها القمعية التي استهدفت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في جنوب البلاد.
واليمن واحدة من خمس دول معروفة أنها منذ يناير/كانون الثاني 2005 بإعدام أشخاص جراء ارتكاب جرائم وهم تحت سن 18 عاماً.
الاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية
اندلع القتال في محافظة صعدة للمرة الأولى بين القوات الحكومية - بدعم من القبائل المتحالفة معها - وجماعة متمردين تُدعى الحوثيين، في عام 2004. واندلعت جولة خامسة من القتال في مايو/أيار 2008 وانتهت في 17 يوليو/تموز. وفي سياق هذا النزاع المسلح المتكرر، نفذت قوات الأمن اليمنية المئات من عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري بحق المدنيين. ومنذ عام 2007، وعلى الأخص في النصف الأول من عام 2008، توسع مجال الاعتقالات التعسفية و"الاختفاءات"، مع توسع السلطات في استهدافها بالاعتقال والاحتجاز أشخاص يكتبون عن آثار الحرب على المدنيين.
وفي 17 أغسطس/آب، بعد شهر من انتهاء الجولة الخامسة من القتال، أعلن الرئيس علي عبد الله صالح عن إخلاء سبيل بعض السجناء، لكن العشرات، وربما المئات، من الأشخاص ظلوا رهن الاحتجاز التعسفي، ووقعت اعتقالات جديدة أيضاً. وتتباين تقديرات أعداد الأشخاص "المختفين". فالمنظمات اليمنية لحقوق الإنسان وثقت العشرات من الحالات التي "اختفى" فيها أفراد، وأغلبهم عاودوا الظهور في نهاية المطاف في مراكز احتجاز تابعة للأمن السياسي، وهو الجهة الأمنية والاستخباراتية المسؤولة من مكتب الرئيس علي عبد الله صالح. وفي أغسطس/آب 2008، ذكر المسؤولون إن هنالك زهاء 1200 سجين سياسي ما زالوا رهن الاحتجاز، مع التخطيط لإخلاء سبيل 130 شخصاً منهم. ولم تتخذ الحكومة أية خطوات للتحقيق مع المسؤولين عن الاختفاءات القسرية أو لتحميلهم المسؤولية.
حرمان المناطق المتأثرة بالنزاع من المساعدات الإنسانية
منذ يونيو/حزيران 2004 تسبب النزاع المسلح في شمال اليمن في تشريد زهاء 130 ألف شخص، والكثير منهم ظلوا بعيداً عن متناول المنظمات الإنسانية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2008. وعلى الأخص منذ عام 2007، حين سعت منظمات المساعدة الدولية إلى الدخول إلى كافة أرجاء محافظة صعدة، قيدت السلطات اليمنية كثيراً من قدرة هذه المنظمات على بلوغ عشرات الآلاف من المدنيين المحتاجين للمساعدات. وبعد اندلاع القتال مجدداً في مايو/أيار 2008، منعت الحكومة حركة السلع التجارية في صعدة، بما في ذلك الأغذية الأساسية والوقود، وهو العمل الذي يبدو أنه يُشكل عقاباً جماعياً.
وحين أعلن الرئيس علي عبد الله صالح انتهاء القتال في يوليو/تموز، وجد ستون آلفاً من الأشخاص الملجأ في بلدة صعدة، حيث تلقوا قدراً محدوداً من المساعدات. إلا أن عشرات الآلاف غيرهم - وربما ما يُقدر بسبعين ألفاً - تشردوا في مناطق نائية ومناطق حضرية أخرى، حيث قيدت الحكومة حرية التنقل مما قلل كثيراً من قدرة منظمات المساعدة الدولية من توفير المساعدات للمحتاجين. ومنذ أغسطس/آب قالت الحكومة للمنظمات الإنسانية الدولية إنها رفعت القيود على الدخول إلى كافة أرجاء صعدة، لكن الحقيقة على الأرض تختلف. فالكثير من المنظمات قيل لها إن عليها أن تتقدم بطلب ثم يصدر لها تصريح منفصل من وزير الداخلية في كل مرة تقوم فيها برحلة إلى صعدة، وهو ما يُعتبر مُستحيل عملياتياً. وحتى كتابة هذا التقرير كانت قدرة المنظمات الإنسانية على الدخول غير كافية بحيث تشمل الكثير ممن ظلوا بلا مساعدات وعرضة للمخاطر لفترة طويلة.
حرية تداول المعلومات
كما تميز النزاع في عام 2008 بقيود الحكومة الشاملة على المعلومات. إذ منع المسؤولون الصحفيين والعاملين بالمساعدات الإنسانية من الدخول إلى منطقة النزاع، وهددوا الصحفيين بالانتقام منهم إذا كتبوا عن النزاع، ولاحقوا قضائياً صحفياً واحداً على الأقل، وهو مُحرر موقع المعارضة عبد الكريم الخيواني، وهذا في محكمة أمن الدولة. وفي يونيو/حزيران 2008 حكمت المحكمة عليه بالسجن ستة أعوام. وعفى عنه الرئيس صالح في 25 سبتمبر/أيلول. كما قامت السلطات بفصل كل الهواتف النقالة في منطقة النزاع باستثناء مجموعة مختارة منها.
الإرهاب ومكافحة الإرهاب
عادت العمليات الإرهابية إلى اليمن في عام 2008. إذ قامت القاعدة في اليمن بإصدار مجلة على الإنترنت بعنوان "صدى الملاحم"، تدعو فيها المجاهدين إلى اختطاف السائحين الأجانب لتأمين إخلاء سبيل الأعضاء المُحتجزين. ورداً على هذا راحت الحكومة الأميركية تضغط على الحكومة اليمنية من أجل تفعيل إجراءات شاملة لمكافحة الإرهاب تخشى منظمات حقوق الإنسان المحلية أن تتسبب في قمع المعارضة وتزيد من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية.
وفي سبتمبر/أيلول 2008 تم توجيه هجوم مُعقد استخدمت فيه سيارات مُفخخة بالتنسيق فيما بينها استهدف بوابات السفارة الأميركية في العاصمة صنعاء، ليسفر عن مقتل ستة من حراس الأمن اليمنيين، وأربعة مدنيين، وستة من القائمين بالهجوم. وفي مارس/آذار 2008 أطلق جناة مجهولون قذائف الهاون على السفارة، فأصابوا مدرسة قريبة منها. وفي يناير/كانون الثاني 2008، قتل رجال مسلحون سائحين اثنين بلجيكيين وسائقيهما اليمنيين. وربط المسؤولون اليمنيون الهجمات الثلاث بالقاعدة.
وأخلت السلطات اليمنية سبيل بعض المشتبهين الأمنيين المعتقلين، ومنهم جمال البدوي، وهم يمني مُدان بتنظيم هجوم في أكتوبر/تشرين الأول 2000 على المدمرة كول الأميركية، نظير تعهدهم بالتعاون مع قوات الأمن.
وما زال زهاء 255 سجيناً رهن الاحتجاز العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو، وأكثر من مائة منهم من اليمنيين، وهم أكبر مجموعة محتجزة هناك بالتصنيف بناء على الجنسية. واثنان من محتجزي غوانتانامو الثلاثة المُدانين أمام اللجان العسكرية الأميركية المثيرة للجدل هم من اليمن، وتمت إدانة كل منهما في عام 2008.
العدالة الجنائية وإعدام الأحداث
ما زال اليمن يطبق عقوبة الإعدام على جملة واسعة من الجرائم، ومنها قتل مسلم وإشعال الحرائق أو التفجيرات، وتعريض وسائل النقل والاتصالات للخطر، والردة والسرقة والدعارة والزنا والمثلية الجنسية.
وفي عام 1994 عدل اليمن من قانونه الجنائي بحيث أصبح يفرض عقوبات أخف على الجرائم التي يرتكبها أشخاص تحت سن 18 عاماً، وضمن هذا فرض عقوبة قصوى تبلغ السجن 10 أعوام بحق من يرتكبون جرائم كبرى. إلا أن تنفيذ هذا الحُكم القانوني وحُكم مماثل في قانون الأحداث قد أُعيق جراء معدل تسجيل المواليد المنخفض للغاية في اليمن وضعف نظام عدالة الأحداث، مما صعب على الكثير من المخالفين الأحداث إثبات أعمارهم وقت ارتكاب الجرائم. وفيما ينص القانون اليمني على الفحص لتحديد السن من قبل "خبير"، فهو لا يوضح كيفية إجراء الفحص، ولا يضع مطالب بافتراض صغر سن المدعى عليهم تحت 18 عاماً إذا تبين الخبير احتمال كون المدعى عليهم تحت سن 18 عاماً دون أن يكون على يقين من هذا. وطبقاً لمنظمات المجتمع المدني الناشطة بمجال عدالة الأحداث في اليمن، فإنه لا يوجد في اليمن مرافق طب شرعي لديها عاملين مُدربين لإجراء فحص تحديد السن، ولا يسأل القضاة بشكل روتيني المدعى عليهم صغار السن عن أعمارهم وقت ارتكاب الجريمة للمساعدة على ضمان عدم محاكمة الأحداث بالخطأ بصفتهم من البالغين.
وفي فبراير/شباط 2007 أعدم اليمن محمد سيف المعماري جراء جريمة اقترفها وهو يبلغ من العمر 16 عاماً. وطبقاً مؤسسة الإصلاح الجنائي الدولية، فمن المُعتقد أن 18 حدثاً آخرين على الأقل ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم في اليمن.
الزواج جبراً وفي سن مبكرة
لا يحدد قانون الأحوال الشخصية اليمني سناً دنيا لزواج الفتيات، ويذكر بدلاً من هذا ألا تتزوج الفتاة إذا لم تكن بلغت بعد، حتى لو كانت تعدت سن 15 عاماً. بالإضافة إلى أن قانون العقوبات لا يُجرم الاغتصاب الزوجي والفتيات والنساء اللاتي يُجبرن على الزواج لا يسعهن الانتصاف من الإساءات التي تُمارس بحقهن أثناء الزواج. والزواج في سن مبكرة من الممارسات الشائعة في اليمن وهو على صلة بارتفاع معدلات الوفاة أثناء الولادة والعنف الأسري والخروج من التعليم. وقد تبين من مسح إحصائي أجري عام 2005 في الحديدة حضرموت من قبل مركز بحوث ودراسات تنمية النوع في جامعة صنعاء أن 52 في المائة من الفتيات يتزوجن تحت سن 18 عاماً، وبعض الفتيات تزوجن في سن مبكرة تبلغ الثامنة. وفي أبريل/،يسان 2008 رفضت اللجان البرلمانية أحكاماً واردة في قانون مقترح للأمومة الآمنة، وتم تقديمه في عام 2005، كان من شأنها أن ترفع من السن الدنيا للزواج إلى 18 عاماً وتحظر ختان الفتيات. ودعت اللجنة الوطنية للمرأة، وهي لجنة حكومية، إلى تعديلات إثر احتجاج جماهيري واسع على حالة فتاة تبلغ من العمر تسعة أعوام طلبت الطلاق بعد أن أُجبرت على الزواج من رجل أكبر منها بكثير وقام باغتصابها. وقالت وزارة الصحة إنها تعتزم العودة لعرض مشروع القانون مع وضع حُكم فيه بتحديد السن الدنيا للزواج عند 15 عاماً.
الفاعلون الدوليون الأساسيون
تقدم كل من المملكة العربية السعودية وقطر ودول أخرى من الخليج العربي مساعدات كبيرة لليمن، لكن أغلب المساعدات لا تُذكر قيمتها علناً. والكثير من اليمنيين يعتقدون أن هذا، بالإضافة إلى كم كبير من المساعدات الممنوحة لفاعلين خاصين، منهم زعماء القبائل والمؤسسات الدينية يجعل من المملكة العربية السعودية أكبر جهة مانحة لليمن.
كما تقدم تسع دول من الاتحاد الأوروبي المساعدات لليمن. وبريطانيا هي أكبر مانح غربي لليمن، ووزارة التنمية الدولية البريطانية قالت إنها ستقدم 117 مليون جنيه أسترليني (189 مليون دولار أميركي) لليمن بين أعوام 2007 و2011.
وبسبب تواجد الكثير من المحاربين القدامى من اليمنيين والعرب ممن حاربوا في أفغانستان، فقد كانت مكافحة الإرهاب من القضايا الأساسية في علاقة اليمن بالولايات المتحدة. وفي العام المالي 2008 قدرت إدارة بوش إنفاقها 17.5 مليون دولار في مساعدات عسكرية وغيرها من المساعدات الممنوحة لليمن، منها 2 مليون دولار على هيئة هبات إضافية، كما تعتزم الحكومة الأميركية تجميد 20.6 مليون دولار مُقدمة للحكومة اليمنية احتجاجاً على إخلاء سبيل جمال البدوي.
وقد ترددت كل الدول المانحة في عامة 2008 عن الضغط على الحكومة بشأن سلوكها في نزاع صعدة، والظاهر أن السبب هو الخوف على استقرار الحكومة سياسياً.
وتتواجد الكثير من هيئات الأمم المتحدة في اليمن، ومنها برنامج الغذاء العالمي، واليونسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، رغم أن مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ليس لديه عاملين في اليمن. وقد وضعت المخاوف الأمنية جميع العاملين في الأمم المتحدة في اليمن على مستوى تأهب أمني مرتفع ولم تعمل هيئات الأمم المتحدة إلا في بلدتين في محافظة صعدة.
ومن المقرر مراجعة اليمن بموجب آلية المراجعة الدورية الشاملة التابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مايو/أيار 2009.