استمرت السلطات المصرية بلا هوادة في حملاتها التي شنتها على المعارضة السياسية في عام 2008. وجددت الحكومة قانون الطوارئ (قانون رقم 162 لعام 1958) في مايو/أيار لمدة عامين آخرين، موفرة بذلك أساساً لاستمرار الاحتجاز التعسفي والمحاكمات غير العادلة، وهذا على الرغم من الوعود المتكررة بعدم تجديد القانون من قبل كبار المسؤولين، ومنهم الرئيس حسني مبارك. وتقدر منظمات حقوق الإنسان المصرية أن زهاء 5000 شخص ما زالوا مُحتجزين دون نسب اتهامات إليهم بموجب القانون، وبعضهم محتجزين منذ أكثر من عشرة أعوام.
وقامت قوات الأمن - التي تعمل في ظل أجواء الإفلات من العقاب - بمنع الإضرابات، وفرقت التظاهرات باستخدام العنف، وضايقت النشطاء الحقوقيين وقامت بتعذيبهم في بعض الأحيان. وتعرض للسجن صحفيون ونشطاء والمئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين - الجماعة المحظورة والتي تُعد أكبر مجموعة معارضة في مصر. واستخدمت الحكومة القوة المميتة بحق المهاجرين واللاجئين الساعين للعبور إلى إسرائيل، وأعادت قسراً ملتمسي لجوء ولاجئين إلى بلدان قد يواجهون فيها خطر التعذيب.
العنف السياسي والتعذيب
في 6 و7 أبريل/نيسان 2008 قامت قوات الأمن بمنع العمال عن الإضراب في مدينة المحلة الكبرى، وفرقت المتظاهرين ضد ارتفاع أسعار الغذاء باستخدام العنف، وألحقت الإصابات بأكثر من 100 شخص وتسببت على ما يبدو في مقتل أحد المتفرجين على الواقعة وكان يبلغ من العمر 15 عاماً. واعتقلت مئات المتظاهرين والصحفيين والنشطاء واحتجزت الكثير منهم لشهور دون نسب اتهامات إليهم وذلك رغم صدور أحكام محاكم تأمر بالإفراج عنهم. وقام ضباط أمن الدولة في المحلة بتعذيب المحتجزين أثناء الاستجواب، ومنهم محمد مرعي المترجم الذي كان يصاحب صحفي أميركي أثناء تغطية الأخير للاحتجاجات ثم تم احتجازه - مرعي - لمدة 87 يوماً دون إخطاره بأية اتهامات بحقه. وفي يوليو/تموز نقلت الحكومة 49 قضية لمحتجزين إلى محكمة أمن الدولة العليا، والتي تخرق إجراءات التقاضي فيها حقوق المحاكمة العادلة.
حقوق المهاجرون واللاجئون
تناقلت التقارير قتل حرس الحدود المصريين لـ 22 مهاجراً أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى إسرائيل في عام 2008. وحتى نوفمبر/تشرين الثاني كانت القوات المصرية قد تسببت في مقتل 34 مهاجراً على الحدود في سيناء، وهذا منذ يوليو/تموز 2007. وحتى كتابة هذا التقرير، لم تكن مصر قد سمحت لمسؤولي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمقابلة مجموعة قوامها 91 إريترياً وسودانياً وصومالياً، أعادتهم إسرائيل في أغسطس/آب 2008 إلى مصر. ورفضت مصر إطلاع المفوضية على مجموعة أخرى سابقة قوامها 48 شخصاً، كانت إسرائيل قد أعادتهم في أغسطس/آب 2007، وتناقلت التقارير إعادة ما بين خمسة إلى عشرين شخصاً منهم إلى السودان أواخر عام 2007 أو مطلع عام 2008.
وفي أبريل/نيسان 2008 أعادت مصر قسراً 49 رجلاً وصبياً سودانياً، منهم 11 لاجئاً وملتمس لجوء إلى جنوب السودان، حيث احتجزتهم السلطات طيلة أربعة أشهر. وفي يونيو/حزيران أعادت مصر قسراً ما لا يقل عن 740 إريترياً، منهم نساء وأطفال، دون السماح لمفوضية شؤون اللاجئين بمقابلتهم. وتناقلت التقارير احتجازهم في سجن عسكري وتعرضهم لخطر التعذيب والمعاملة السيئة.
حرية التعبير
أدانت محكمة في القاهرة في مارس/آذار الصحفي إبراهيم عيسى، وهو رئيس تحرير صحيفة الدستور، بناء على اتهامات "بنشر أنباء كاذبة وشائعات" عن صحة الرئيس مبارك. وأيدت محكمة استئناف في القاهرة الحكم بالإدانة في سبتمبر/أيلول، وحكمت على عيسى بالحبس شهرين، لكن الرئيس مبارك قام بالعفو عنه في أكتوبر/تشرين الأول. وطعن عيسى وثلاثة رؤساء تحرير غيره في أحكام بالسجن لمدة عام صدرت بحقهم في سبتمبر/أيلول 2007 بتهمة نشر "أخبار كاذبة وبيانات أو شائعات من شأنها أن تضر بالنظام العام". وفي أغسطس/آب حكمت محكمة في القاهرة على سعد الدين إبراهيم وأصدرت حُكماً غيابياً عليه لإضراره بسمعة مصر وحكمت عليه بالسجن عامين جراء كتابة مقالات يدعو فيها الولايات المتحدة إلى اشتراط تقديم المساعدات لمصر بإجراء الحكومة إصلاحات بمجال حقوق الإنسان.
وفي فبراير/شباط، تبنت جامعة الدول العربية مجموعة "مبادئ" قدمتها مصر والمملكة العربية السعودية، يدعوان فيها الدول الأعضاء إلى حظر محطات البث التلفازي الفضائي التي "تؤثر سلباً على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والأخلاق العامة" أو "تسيئ إلى سمعة الزعماء أو الرموز الوطنية والدينية" في الدول العربية. ومن ثم قام القمر الصناعي المصري الذي تسيطر عليه الدولة "نايل سات" بإسقاط ثلاث قنوات من بثه، ومنها قناة الحوار، التي كانت تبث برامج تستضيف منتقدي الحكومة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. وفي أبريل/نيسان قام عناصر من الشرطة في ثياب مدنية بإغلاق شركة أخبار القاهرة "سي إن سي" بعد أن قامت حسب الزعم بمد الجزيرة بتغطية خبرية تعرض تظاهرات ضد الحكومة. وفي أكتوبر/تشرين الأول حكمت محكمة في القاهرة بغرامة على مالك الشركة بمبلغ 27000 دولار بناء على اتهامات بامتلاك وإدارة معدات غير مرخص بها. وفي مطلع فبراير/شباط أيدت محكمة استئناف الحكم على مراسلة الجزيرة هويدا طه بتهمة الإضرار "بهيبة الدولة" بإنتاجها وثائقياً حول التعذيب في أقسام الشرطة المصرية.
وأصدرت الحكومة أنظمة في مايو/أيار تطالب مستخدمي مقاهي الإنترنت بتقديم معلومات شخصية تفصيلية من أجل استخدام الإنترنت. وفي أبريل/نيسان اعتقل ضباط أمن من القاهرة إسراء عبد الفتاح وآخرين كانوا قد استخدموا موقع "الفيس بوك" الاجتماعي للدعوة للإضراب، وفي مايو/أيار قام ضباط أمن في القاهرة الجديدة بخلع ثياب أحمد ماهر إبراهيم وضربه لقيامه بنفس النشاط. وفي يوليو/تموز قامت قوات الأمن في الإسكندرية باعتقال ماهر وثلاثة عشر عضواً آخرين من مجموعة "شباب 6 أبريل" وحبستهم لمدة أسبوعين دون نسب اتهامات إليهم بعد ترديدهم لأغان وطنية ورفضهم التفرق حين وُجه إليهم الأمر بهذا.
حرية تكوين الجمعيات
ينص القانون المصري الحاكم لتكوين الجمعيات، قانون رقم 84 لسنة 2002، على عقوبات جنائية تقيد من الأنشطة المشروعة لمنظمات المجتمع المدني، ومنها "الانخراط في أنشطة سياسية أو نقابية". وقانون الأحزاب السياسية، رقم 40 لسنة 1977، يُمكّن لجنة برئاسة رئيس الحزب الحاكم من تجميد نشاط الأحزاب الأخرى بدعوى المصلحة الوطنية.
وفي جلسةٍ مُغلقة في أبريل/نيسان 2008 لم يحضرها محامو الدفاع أو العامة، حكمت محكمة عسكرية على نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر و24 مدنياً آخرين، سبعة منهم غيابياً، بالسجن لمدد بلغت 10 أعوام، وأمرت بمصادرة ملايين الدولارات من الأصول المالية الخاصة بهم. وكانت محكمة جنائية مدنية قد أمرت بتبرئة 17 من المدعى عليهم في يناير/كانون الثاني 2007 لكن في الشهر التالي نقل الرئيس مبارك قضاياهم، ومعها 23 قضية لآخرين، إلى محكمة عسكرية. وفي مارس/آذار 2008، وقبل انتخابات المجالس المحلية، اعتقلت قوات الأمن أكثر من 800 عضو من الإخوان المسلمين واحتجزتهم دون نسب اتهامات إليهم، ومنهم 148 شخصاً على الأقل كانوا سيتقدمون بالترشح كمرشحين مستقلين.
وفي تطور إيجابي، منحت الحكومة في يونيو/حزيران 2008 وضع منظمة المجتمع المدني لمركز الخدمات النقابية والعمالية، الذي يقدم المساعدة القانونية لعمال المصانع ويكتب عن قضايا حقوق العمال. وفي عام 2007 كانت الحكومة قد أغلقت ثلاثة فروع للمركز بعد أن وجهت الاتهام إليه بإثارة موجة من الاضطرابات العمالية.
حقوق المرأة والطفل
لم تقم الحكومة المصرية حتى الآن بتوفير الأجواء القانونية الملائمة لحماية المرأة من العنف وتشجيع الضحايا على الإبلاغ عما يتعرضن إليه من هجمات، أو لردع الجناة عن ارتكاب الإساءات. وفي مسح إحصائي أعده المركز المصري لحقوق المرأة عام 2008 تبين أن 83 في المائة من النساء المصريات تعرضن للتحرش الجنسي. وفي أكتوبر/تشرين الأول قامت جماعة من الرجال والصبية بالتحرش جنسياً بالنساء في القاهرة أثناء الاحتفال بالعيد إثر انتهاء شهر رمضان المعظم. وتناقلت التقارير اعتقال ثمانية رجال وملاحقتهم قضائياً. وتُعد هذه الهجمات تكراراً لأحداث عنف شبيهة وقعت قبل عامين، حين تم تصوير رجال الشرطة بالفيديو وهم لا يحركون ساكناً لوقف أحداث تحرش جماعي.
وشملت بعض التعديلات الموسعة على قانون الطفل في يونيو/حزيران 2008 إنشاء شبكة من لجان حماية الطفل الحكومية، وعقوبات جنائية بحق المسؤولين الذين يحتجزون الأطفال برفقة البالغين، وتوسيع المساعدة القانونية للأطفال الذين يواجهون التحقيق أو المحاكمة. كما شملت تجريم ختان الفتيات. وحتى كتابة هذا التقرير، كانت الحكومة لم تُصدر بعد اللوائح التنفيذية للقانون الجديد.
الحق في الخصوصية
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2007 قامت الشرطة في القاهرة باعتقال 12 رجلاً على الأقل بناء على الاشتباه بالإصابة بفيروس الإيدز، وأخضعتهم جبراً لاختبارات الإيدز دون موافقتهم، وقامت بضربهم ونسب الاتهامات إليهم بـ "اعتياد ممارسة الفجور"، الذي يفسره القانون المصري على أنه يشمل السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بين الرجال البالغين، وتمت إدانة تسعة منهم بهذه التهمة. وفي البداية تم تقييد الرجال الذين تبين إصابتهم بمرض الإيدز بالسلاسل إلى أسرتهم في المستشفيات، ثم تم فك قيودهم بعد حملة محلية ودولية موسعة. وفي أبريل/نيسان 2008 اعتقلت الشرطة في الإسكندرية 12 رجلاً وعرضتهم لاختبارات شرجية جبرية، واختبارات لفحص الإيدز وغير ذلك من الإساءات، وتمت إدانة الرجال بـ "اعتياد ممارسة الفجور". وفي يونيو/حزيران، منعت السلطات المصرية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة مجتمع مدني كان لها دور أساسي في دعوة المجتمع الدولي للانتباه إلى هذه الحملة القمعية، من حضور اجتماع رفيع المستوى في الأمم المتحدة بشأن فيروس ومرض الإيدز.
وينص حُكم في قانون الطفل الجديد على ربط إبرام عقود الزواج بإجراء فحوص طبية تبين خلو الشخصين من الأمراض التي تؤثر على صحتهما الإنجابية أو صحة الأبناء في المستقبل. ومنطوق المادة الفضفاض الملتبس يثير المحاوف من انتهاكه لحق الأفراد في الخصوصية وفي تأسيس الأسرة.
عدم التسامح الديني والتمييز ضد الأقليات الدينية
رغم أن الدستور المصري ينص على التساوي في الحقوق لاتباع جميع الديانات، إلا أن التمييز ضد المسيحيين المصريين وعدم التسامح الرسمي مع البهائيين وبعض الفرق الإسلامية مستمر، رغم أحكام للمحاكم في مطلع عام 2008 أمرت الحكومة بإصدار أوراق هوية للبهائيين والسماح للمرتدين إلى الإسلام من المسيحية ثم أرادوا العودة للمسيحية أو يعودوا دون فرض عقوبات بحقهم.
وأدت النزاعات بين المسلمين والمسيحيين المصريين إلى تأجيج المصادمات العنيفة في مرات عدة، مما أسفر عن مقتل وإصابة بعض الأشخاص وتدمير الممتلكات. وفي يناير/كانون الثاني ومايو/أيار هاجم المسلمون دير أبو فانا في المنيا بالأسلحة النارية في خلاف حول ملكية الأرض.
الفاعلون الدوليون الرئيسيون
ما زالت الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة لمصر، وأمدتها في عام 2007 بـ 1.3 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية، و415 مليون دولار في مساعدات اقتصادية. وفي يناير/كانون الثاني 2008 أشاد الرئيس بوش أثناء زيارة قصيرة بـ "المجتمع المدني الحيوي" في مصر، وفي اليوم التالي على الزيارة منعت قوات الأمن المتظاهرين في القاهرة من تنظيم مظاهرة سلمية، واحتجزت تعسفاً 30 شخصاً. وفي مارس/آذار تراجعت الإدارة الأميركية عن قيود فرضها الكونغرس تشترط تقديم 100 مليون دولار من المساعدات الممنوحة بمصر بتحسين أوضاع حقوق الإنسان هناك. وفي أكتوبر/تشرين الأول أقرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بوجود "تراجع" على مسار الإصلاح في مصر، لكنها أكدت على أن "الدفاع عن الحريات من الأمور الحتمية فيما يخص الأمن القومي".
وفي يناير/كانون الثاني أصدر البرلمان الأوروبي قراراً ينتقد انتهاك الحقوق في مصر. وفي مارس/آذار وافق الاتحاد الأوروبي على منح 558 مليون يورو من المساعدات بحلول عام 2010 بموجب شروط خطة العمل الأوروبية المصرية التي تؤكد على وجوب احترام حقوق الإنسان.