مع استمرار الحرب في الغرب والسلام الهش في الجنوب، ما زالت أبعاد حقوق الإنسان في السودان معقدة والتحديات هائلة. وفي دارفور ما زال مئات الآلاف مشردين داخلياً مع استخدام الحكومة السودانية للقصف العشوائي والهجمات التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين سواء في هجمات لقوات المشاة أو من قبل ميليشيات الجنجويد الموالية للحكومة في جهود مكافحة التمرد. وفي كافة أرجاء السودان فإن التأخير في تنفيذ اتفاق السلام الشامل، الموقع عام 2005 من قبل حزب المؤتمر الوطني والحكومة والجبهة الشعبية لتحرير السودان، يؤثر سلباً على العلاقات بين كافة الأطراف ويهدد استمرارية اتفاق السلام الشامل نفسه.
وفي 1 يناير/كانون الثاني 2008 تولت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور ولاية حفظ السلام في دارفور. إلا أن وإلى حد كبير جراء إعاقة الحكومة، فحتى أواخر عام 2008 كان 10 آلاف فقط من عناصر حفظ السلام الـ 26000 الموافق هم فقد من تم نشرهم على الأرض، ولم تتمكن البعثة من توفير حماية فعالة للمدنيين أو من إدارة العمليات الإنسانية.
وفي مايو/أيار 2008 قام متمردون من حركة العدالة والمساواة بمهاجمة الخرطوم. وقامت قوات الأمن الحكومية باحتجاز مئات المشتبه في كونهم متمردين، وأساءت بحدة للكثيرين.
وفي يوليو/تموز طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار أمر اعتقال بحق الرئيس عمر البشير بناء على 10 وقائع بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية على صلة بدارفور. وهددت الخرطوم بأن هذا سيؤدي لنشوب العنف في دارفور، وطبقاً لعدة مراقبين، وبغية الحصول على دعم دبلوماسي لتجميد تحقيقات المحكمة، وافقت الخرطوم على بعض الأمور المتعلقة ببعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور وألمحت باللجوء للسلم. وفي الوقت نفسه استمر السودان في رفض تسليم أحمد هارون، وزير الدولة للشؤون الإنسانية، وعلي كوشيب، اللذان صدرت بحقهما أوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في عام 2007.
وتم إجراء تعداد سكاني وطني في أبريل/نيسان، وهو من أهم منجزات اتفاق السلام الشامل، لكن لم يشمل التعداد أغلب أجزاء دارفور، التي استمر فيها العنف في بعض أجزاءها الواقعة جنوباً في الأسابيع السابقة على مهاجمة قوات الميلشيات الموالية للحكومة برفقة الحكومة المركزية المدنيين بالقرب من الحدود بين الشمال والجنوب.
وفي منطقة الحدود أيضاً أدت عدم قدرة زعماء الشمال والجنوب على حل الخلافات حول وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط إلى اندلاع مصادمات عنيفة بين القوات الشمالية والجنوبية في مايو/أيار. ومن المقرر عقد الانتخابات الوطنية في عام 2009، لكن حكومة الوحدة الوطنية - المُشكلة بموجب اتفاق السلام الشامل - لم تعد بعد لجنة للانتخابات أو هي قامت بتفعيل الإصلاحات الهامة، ومنها مراجعة قوانين الأمن الوطني والصحافة، التي من شأنها ضمان انتخابات حرة ونزيهة.
ويستمر السودان في الحكم بالإعدام على الأطفال. ويسمح الدستور السوداني المؤقت لعام 2005 بإعدام الأشخاص الذين كانوا تحت 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة في جرائم الحد والقصاص (وهي أنواع من الجرائم بموجب الشريعة الإسلامية). وتم الحكم على طفل واحد بالإعدام في عام 2008 وتوجد حالياً في الاستئناف قضيتين لطفلين آخرين على الأقل.
دارفور
تستمر الحكومة والميليشيات المدعومة من قبل الحكومة في مهاجمة السكان المدنيين المرتبطين إثنياً بحركات المتمردين، سواء عمداً أو في معرض القصف العشوائي. وقد انتشرت فصائل المتمردين وزادت معدلات السرقات والعمل العصابي. ومن المعروف على نطاق موسع حالياً أن اتفاق سلام دارفور لعام 2006 هو اتفاق عاجز.
وفي فبراير/شباط وإثر هجوم من حركة العدالة والمساواة في غرب دارفور، شنت الحكومة بعض أسوأ الهجمات على المدنيين منذ فترة ما بين 2003 و2005. ونفذت القوات الحكومية والجنجويد جملة من الهجمات استهدفت القرى وتسببت في مقتل وإصابة مئات المدنيين، ونفذت أعمال نهب موسعة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وفر ما يُقدر بأربعين ألف شخص وهرب 13 ألفاً منهم إلى تشاد.
ويبدو أن طلب ادعاء المحكمة الجنائية الدولية إصدار أمر توقيف بحق الرئيس البشير لم يزد - رغم تحذير الخرطوم - من معدل العنف على الأرض، لكن المعدل لم يتراجع أيضاً. ومع استمرار نسق الهجوم الحكومي على معاقل المتمردين، قصفت الحكومة في يوليو/تموز 21 موقعاً للمدنيين، وتسببت في مقتل اثنين من المدنيين على الأقل. وفي أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول تسببت القوات الحكومية والميليشيات على معاقل المتمردين والقرى في شمال وغرب دارفور في مقتل عدد مجهول من المدنيين، وفي نهب الممتلكات وتشريد الآلاف. وفي أكتوبر/تشرين الأول هاجمت ميليشيات مدعومة من قبل قوات حكومية قرى في جنوب دارفور، لتقتل بعض المدنيين وتدمر المنازل وتسرق الحيوانات.
وفي حوادث أخرى ليس من الواضح من المسؤول. واستهدف عناصر مسلحون عناصر حفظ السلام وعمليات الإغاثة الإنسانية، وفي العادة ما تم هذا لسرقة العربات والإمدادات والأسلحة. وفي 8 يوليو/تموز هاجم رجال مسلحون قافلة لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور شمالي دارفور، مما أسفر عن مقتل خمسة عناصر من حفظ السلام ورجلي شرطة. وفي سبتمبر/أيلول أطلق رجال مسلحون النيران على مروحيات للبعثة ثلاث مرات منفصلة، وقتلوا أربعة من الركاب في إحدى الوقائع في جنوب دارفور. وتعرض عنصر حفظ سلام نيجيري للقتل في كمين تم نصبه في أكتوبر/تشرين الأول. ومن يناير/كانون الثاني حتى أغسطس/آب 2008، اختطف مسلحون 224 سيارة وهاجموا 139 منشآة للمساعدات الإنسانية، وقتلوا 11 عاملاً بالمساعدات الإنسانية. وقد أدى استمرار أوضاع انعدام الأمان إلى الحد من العمليات الإنسانية في أنحاء كثيرة واستدعى تشديد البعثة من إجراءاتها الأمنية.
وتعرض السكان المشردون داخلياً إلى العنف والهجمات من قبل جملة من الفاعلين، ومنهم المتمردين والمتمردين السابقين وقوات حكومية. وفي جنوب دارفور شنت قوات الأمن الحكومية هجوماً على مخيم كلما، وتناقلت التقارير أن السبب كان نزع الأسلحة من المواطنين، فتسببت في مقتل 33 مدنياً منهم نساء وأطفال. وفي سبتمبر/أيلول دخلت قوات حكومية إلى مخيم زمزم وأطلقت النيران عشوائياً على المدنيين، ونهبت المباني وأجبرت المدنيين على الفرار. وتعرضت النساء والفتيات المشردات داخلياً للعنف الجنسي من القوات الحكومية والميليشيات الموالية والمتمردين والمجرمين. وأغلب الضحايا لم يسعين للانتصاف أو تم منعهن من السعي لهذا جراء المعوقات القانونية والعملية في نظام العدالة.
وقد امتد النزاع في دارفور إلى العاصمة للمرة الأولى في الفترة بين 10 و12 مايو/أيار حين هاجمت قوات حركة العدالة والمساواة أم درمان، وهي ضاحية للخرطوم تقع إلى غرب المدينة. وإثر الهجوم اعتقلت قوات الاستخبارات والأمن السودانية 300 شخص على الأقل، من بينهم أطفال، من أماكن عامة وفي عمليات تفتيش للبيوت استهدفت من يبدو عليهم أنهم من دارفور. وأفاد المحتجزون المفرج عنهم تعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة ومكابدة الأوضاع اللاإنسانية في السجون ومراكز الاحتجاز السرية. والكثير ممن تم اعتقالهم غير معروفين المصائر.
وفي يونيو/حزيران أسست الحكومة محاكم خاصة بموجب قانون مكافحة الإرهاب السوداني لعام 2001 لمحاكمة المتهمين بالمشاركة في الهجوم. وفي هذه المحاكمات الأقل من مستوى المعايير الدولية للعدالة، حاكمت المحاكم 50 شخصاً وحكمت عليهم بالإعدام من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب. وما زال لم يتم النظر في الاستئناف في قضاياهم.
وإثر طلب من مدعي المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمر توقيف للرئيس البشير في يوليو/تموز ردت الخرطوم بإستراتيجية مزدوجة شملت التهديد بالمزيد من العنف والوعد بإحراز التقدم على الأرض. وتقدمت الحكومة بسلسلة من التنازلات الصغيرة لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور وأبدت بعض التلميحات العقيمة للجوء للسلم، بغية الحصول على الدعم الدبلوماسي الكافي لتجميد الأمم المتحدة للتحقيقات. وفي أغسطس/آب أعلن الرئيس البشير "مبادرة الشعب السوداني" للتقدم بعرض لحل النزاع، وفي أكتوبر/تشرين الأول أبدى الاستعداد لحضور محادثات مقرر عقدها في قطر نهاية العام. وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت الخرطوم أيضاً عن وقف من طرف واحد لإطلاق النار قبيل المحادثات. إلا أن المتمردين رفضوا الانضمام إلى مبادرة الشعب أو محادثات قطر، قائلين بأن الحكومة ليست جادة بشأن عملية السلام أو وقف إطلاق النار، لكن المصلحة الوحيدة لديها هي استصدار تجميد لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية.
وأيضاً في رد على التهديد بصدور أمر التوقيف، عينت الخرطوم مدعي عام آخر لمحاكمة الأفراد في الجرائم المرتكبة في دارفور. إلا أنه حتى كتابة التقرير، لم يكن السودان قد أحرز أي تقدم يُذكر على مسار المحاسبة المحلية على الجرائم الجسيمة.
حرية الصحافة
استمرت الحكومة في الرقابة على الصحف في عام 2008، إبان محاولة انقلاب تشادية في أنجمينا في 2 و3 فبراير/شباط، وقالت عنها الحكومة التشادية إنها بدعم من الخرطوم، ومجدداً إثر هجوم حركة العدالة والمساواة على أم درمان. وبين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول أزال مراقبو الإعلام في جهاز الأمن السوداني جزئياً أو كلياً أكثر من 150 مقالاً، و50 مقالاً منها تغطي النزاع في دارفور.
جنوب السودان
استمر التأخير في تنفيذ اتفاق السلام الشامل في بث التوتر في العلاقات بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007 جمدت الحركة الشعبية لتحرير السودان مؤقتاً مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية، متهمة حزب المؤتمر بعدم إشراك الحركة في عوائد النفط، وعدم سحب القوات من الجنوب، وعدم اتخاذ الخطوات الكافية لترسيم الحدود بين الجنوب والشمال، وعدم تنفيذ بروتوكول أبيي، وهو اتفاق يهدف إلى الوصول لتسوية حول وضع أبيي الغنية بالنفط.
وعادت الحركة للانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية في أواخر عام 2007، لكن الأطراف لم تحل النزاع الدائر حول أبيي، مما أدى لاندلاع القتال في مايو/أيار 2008، وفيه تعرض العديد من المدنيين للقتل وفر 60 ألفاً على الأقل من منازلهم. وبلغت الأطراف الاتفاق على إعادة الأمن إلى أبيي، مما مكن السكان النازحين من العودة. إلا أن النزاع المستمر على أبيي وغيرها من القضايا، ومنها سحب القوات وترسيم الحدود، استمرت في تهديد اتفاق السلام الشامل.
وفي جنوب السودان، أسهم انتشار الأسلحة الصغيرة بين المدنيين في تزايد العنف على الأراضي والماشية والموارد. وقامت حكومة جنوب السودان التي تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي بنزع بعض أسلحة المدنيين وتورطت في انتهاكات لحقوق الإنسان على أيدي الجنود متواضعي التدريب وغير الملتزمين في أحيان كثيرة. ولم تتمكن مؤسسات إنفاذ القانون الضعيفة من توفير الأمن للمدنيين وأسهمت في خلق أجواء من الإفلات من العقاب. وتشمل انتهاكات حقوق الإنسان في إدارة العدالة -- وهي مسؤولية حكومة الجنوب - الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، والاحتجاز على ذمة المحاكمة لفترات مطولة، والأوضاع السيئة لمراكز الاحتجاز.
الفاعلون الدوليون الأساسيون
تركز الاهتمام الدولي في عام 2008 بالأساس على موضوعين: نشر عناصر بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور، وأمر توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير.
ولم يُترجم الدعم الدبلوماسي للبعثة، ويشمل عبر مجلس الأمن، إلى ضغوط فعالة على الخرطوم لتيسير نشر عناصر البعثة، ولا لتوفير المعدات الضرورية، ومنها المروحيات التي ما زالت تطالب بها القوات. وفي مطلع عام 2008 شكلت مجموعة من الحكومات، ومنها الحكومة الأميركية وكندا مجموعة "أصدقاء بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور" التي توفر المزيد من الموارد التي تقدمها البلدان المساهمة بالقوات، لكن وحتى أواخر عام 2008 كانت القوة ما زالت ضعيفة من حيث عدد العاملين والمعدات.
وفي يوليو/تموز تحول الاهتمام الدولي في مساره حين تقدم مدعي المحكمة الجنائية الدولية بطلب توقيف الرئيس البشير، وشنت الخرطوم وحلفاؤها حملتهم الدبلوماسية من أجل تجميد التحقيقات، (ويمكن لمجلس الأمن أن يأمر به بموجب المادة 16 من نظام روما).
ورغم أن كل من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية يدعمان الدعوة لتجميد الأمر، فإن مجلس الأمن ما زال منقسماً حول هذا القرار. فالعديد من الدول، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد رفضت التجميد. ومن المتوقع أن تنظر الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية في أمر طلب المدعي مطلع عام 2009.