تونس: سحق الإنسان لقمع حركة بأكملهاالحبس الانفرادي للسجناء السياسيين

تونس: سحق الإنسان لقمع حركة بأكملها

الحبس الانفرادي للسجناء السياسيين

(مقاطع من التقرير الكامل)

. ملخص...
. توصيات..
III. معلومات جديدة من سجناء أفرج عنهم مؤخراً
. تصريحات رسمية بشأن عزل السجناء
ملحق (أ)
ملحق (ب)

I. ملخص

أجريت مؤخراً مقابلات مع ثلاثة من السجناء المفرج عنهم فكشفت النقاب عن تفاصيل جديدة عن سياسة العزل القاسية واللاإنسانية التي تمارسها السلطات التونسية؛ وهذه المقابلات، التي أجريت مع ثلاثة رجال أمضوا نحو 11 عاماً رهن الحبس الانفرادي، دون انقطاع تقريباً، جاءت لتؤكد نتائج[1] خلصنا إليها من قبل بشأن احتجاز نحو أربعين من السجناء السياسيين، معظمهم من زعماء حزب النهضة" الإسلامي المحظور في تونس، في عزلة طويلة الأمد؛ وهي أن مثل هذا الاحتجاز:

يشكل انتهاكاً سافراً للقوانين المحلية التونسية والمعايير الدولية التي تحكم معاملة السجناء.

يُمارس بصفة مطردة في نظام السجون التونسي بأكمله، على نحو يظهر أنه يأتي في إطار سياسة تُنتهج وتُنفَّذ على الصعيد الوطني.

لا يرجع لدواعٍ جزائية مشروعة، وإنما لرغبة في معاقبة زعماء النهضةالمسجونين، وتحطيم روحهم المعنوية، في إطار القمع المستمر لأي مظهر من مظاهر حركتهم، سواء داخل السجون أم خارجها.

وبالرغم مما طرأ على معاملة السجناء المعزولين من بعض أوجه التحسن خلال السنوات الأخيرة، فما برحت السلطات تعزلهم عن أي اتصال مع بقية نزلاء السجن؛ أما السجناء المحتجزون قيد الحبس الانفرادي فهم يُحبسون في زنزاناتهم طيلة 22 ساعة على الأقل يومياً؛ ويتناولون جميع وجباتهم في زنزاناتهم. بل حتى فترات التريض اليومية القصيرة التي يُسمح لهم بقضائها في فناء السجن، وفترات ذهابهم للحمام للاغتسال الأسبوعي تجري بمعزل عن بقية السجناء. وباستثناء المسؤولين في السجن، لا يتصل هؤلاء السجناء اتصالاً مباشراً بأي إنسان إلا أثناء الزيارات العائلية القصيرة؛ بل حتى عندئذٍ، لا يرون أي سجناء آخرين أو أقارب سجناء آخرين، وإنما الحراس المرابطين على مقربة منهم، الذين كثيراً ما يدونون ملاحظات أثناء تحدث السجناء مع ذويهم.

ولئن كان معظم السجناء المعنيين يرزحون تحت الحبس الانفرادي، فثمة آخرون يُحتجزون فيما يمكن وصفه بالعزل في مجموعات صغيرة، حيث يشتركون في زنزانة أو جناح مع ثلاثة نزلاء آخرين على الأكثر، ولكنهم بخلاف ذلك معزولون عن بقية نزلاء السجن. وفي كلتا الحالتين، يحرم السجناء من الأنشطة الحرفية والثقافية، ويواجهون قيوداً مفرطة فيما يتعلق بمواد المطالعة والرسائل؛ وكثيراً ما تفتقر زنزاناتهم للإضاءة والتهوية الكافية.

ولا تزال السلطات التونسية ترفض حتى الاعتراف باحتجاز السجناء في عزلة صارمة وطويلة الأمد عن غيرهم من النزلاء، أو تحديد القانون المحلي الذي يجيز مثل هذا الأسلوب. كما أن المقابلات الجديدة تناقض ما ادعته الحكومة مؤخراً من أنها وضعت بعض السجناء في عزلة بناء على طلبهم؛ بل إن السلطات احتجزتهم في عزلة على كره منهم، وبدون تقديم أي تفسير رسمي، أو إبلاغم بطول فترة العزل، أو بكيفية الطعن في قرار عزلهم. وهذا الطابع الاستبدادي للعزل غير المحدد بأجل يضاعف من معاناة السجناء وذويهم. وقد احتج العديد من السجناء على هذا العزل بالفعل، وقاموا بالإضراب عن الطعام عدة مرات للمطالبة باحتجازهم مع بقية السجناء.

وفي تقريرها الصادر في يوليو/تموز 2004، خلصت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى نتيجة مؤداها أن "الظروف الحقيقية التي يكابدها النزلاء في الحبس الانفرادي الطويل الأمد من غياب التفاعل الاجتماعي الطبيعي، ومنبهات ذهنية معقولة، والتعرض للعالم الطبيعي يمكن أن تلحق ضرراً بصحتهم العقلية؛ كما أنها تمثل انتهاكاً لتحريم المعاملة أو العقوبة القاسية، واللاإنسانية والمهينة، وقد ترقى في بعض الأحيان إلى مستوى التعذيب"؛ وهي نتيجة أكدتها من جديد المقابلات التي أجرتها المنظمة مع السجناء المفرج عنهم مؤخراً.

ورداً على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في يوليو/تموز 2004، بشأن السجناء المحتجزين في عزلة طويلة الأمد، قال المسئولون الحكوميون إنه حافل بـ"الأخطاء" و"المعلومات غير الدقيقة"؛ ولكن السلطات لم تصدر منذ ذلك الحين أي معلومات تظهر عدم دقة أي من الادعاءات الواردة في التقرير، بالرغم من الالتماسات الشفهية والمكتوبة التي قدمتها هيومن رايتس ووتش للسلطات.

وفضلاً عن ذلك، فإن واقعة اغتصاب سجين سياسي رهن الحبس الانفرادي، على ما يبدو، في يوليو/تموز 2004 تظهر إلى حد يصبح السجناء المعزولون نهباً للإيذاء والاعتداء، ويقعون فريسة سهلة للانتهاكات. وفي هذه الحالة - التي نتناولها بالوصف فيما يلي - سهَّل موظفو السجن الاعتداء على نبيل واعر باتخاذهم إجراءً أبعد ما يكون عن المعهود، وهو إدخال أربعة من سجناء الحق العام في زنزانته، فقام أحدهم باغتصابه بمساعدة الآخرين. ولم يكن واعر آنذاك من السجناء المحتجزين في عزلة طويلة الأمد، وإنما أودع قيد الحبس الانفرادي كإجراء تأديبي قصير الأمد. والظاهر أن السلطات هيأت الظروف لتعرض واعر للعنف الجنسي على أيدي زملائه في السجن بهدف الانتقام منه؛ فقد جاء هذا الإجراء في أعقاب مشادة كلامية بين واعر وسلطات السجن، لم تلبث أن تحولت إلى عراك بالأيدي.

وتوضح محنة واعر، وبالأخص محاولة التستر عليها، عدم خضوع موظفي السجون إجمالاً لأي حساب أو عقاب على ما يقترفونه من صنوف الإيذاء والاعتداء، وهي مشكلة تتهدد السجناء المعزولين بوجه خاص؛ وهذا أمر لا ريب في صحته حتى وإن كانت أنباء وبلاغات الاغتصاب في السجون التونسية نادرة للغاية.

وفي 20 أبريل/نيسان 2004، وفي إطار المساعي المستمرة التي تبذلها السلطات التونسية لتحسين صورة سياساتها المتعلقة بالسجون، قال وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي بشير التكاري في مؤتمر صحفي "لا نرى مانعا في أن تزور المنظمات الدولية التي عرفت باستقلاليتها وحيادها مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي السجون التونسية". [2] وقد مضى على ذلك نحو عام، ولا تزال المفاوضات مستمرة بين السلطات التونسية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولم تتمخض بعد عن أي اتفاق بشأن برنامج لزيارات السجون؛ ولم يسمح لأي منظمات مستقلة بزيارة السجون التونسية منذ عام 1991. وفي أعقاب الالتماسات المتكررة من جانب منظمة هيومن رايتس للسماح لها بزيارة السجون، لم يصدر عن السلطات سوى رد غير مباشر في فبراير/شباط 2005، مؤداه أن ثمة مناقشات جارية مع منظمة أخرى، وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بشأن برنامج لزيارة السجون.[3]

II. توصيات

تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش من جديد دعوتها للإفراج عن جميع السجناء الذين أدينوا في تونس بسبب ممارستهم غير العنيفة لأفعال تتعلق بالتعبير عن الرأي، والتجمع، وتكوين الجمعيات أو الانتماء إليها. أما بالنسبة لسائر السجناء الذين أدينوا بأفعال ذات دوافع سياسية، في سياق إجراءات قضائية لا تتفق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فيجب الإفراج عنهم أو منحهم الفرصة فورا للمثول أمام محاكمات جديدة وعادلة.

وتحث هيومن رايتس ووتش السلطات التونسية على وضع حد فوري للعزل الطويل الأمد لمجموعة منتقاة من السجناء السياسيين، على نحو ما يُمارس حالياً. وإلى أن يتم إلغاء هذه السياسة، فعلى السلطات التونسية أن تقر علانية بوجود هذه السياسة، وأن تعلن عن المعايير التي تحكم توقيت تطبيقها وعلى من يتم هذا التطبيق، إلى جانب كافة الأوامر التنظيمية الخاصة بممارستها. بل إن الحبس قصير الأمد ينبغي أن يعتبر من التدابير المشددة، ومن ثم فلا يجوز استخدامه إلا في أضيق الحدود. وحينما يصدر أمر بعزل السجناء، سواء لأسباب عقابية أو احترازية، فلا بد للسلطات من تبيان الأسباب المحددة لذلك خطياً لكل فرد على حدة، وأن تُتاح له فرصة كافية للطعن في هذا الأمر بصفة دورية. ويجب على كبار المسؤولين عن التدابير الإصلاحية إعادة النظر بصفة دورية في مبررات عزل كل سجين، ثم تخضع قراراتهم بدورها للمراجعة من قبل سلطة مستقلة محايدة.

وتمشياً مع المعايير الدولية، فلا يجوز إيداع أي سجين رهن الحبس الانفرادي إلا باعتبار ذلك الملاذ الأخير ولفترات قصيرة نسبياً، ويجب أن يتم الإيداع، والتجديد في حالة الضرورة، بناء على ظروف كل حالة على حدة وتحت إشراف صارم، بمشاركة طبيب، على ألا يتخذ هذا الإجراء إلا لأسباب عقابية مشروعة على سبيل التأديب، أو لأسباب تتعلق بالأمن الاحترازي. وحينما يستخدم إجراء العزل لأسباب "احترازية"، فلا يجوز فرضه بهدف منع السجناء من تبادل الآراء والمعلومات السياسية، بل لا ينبغي فرضه إلا إذا أتى الفرد سلوكاً يظهر جنوحه المزمن للعنف أو خطورته بدرجة تشكل تهديداً بيناً وخطيراً لأمن السجن وسلامته. فإذا رؤي أن الظروف تدعو إلى احتجاز أحد السجناء بمعزل عن بقية نزلاء السجن عموما فيفترض بداية أنه من الأفضل وضع السجناء المضارين مع بعضهم البعض في زنزانات أو أجنحة، بدلا من الحبس الانفرادي.

وعند إيداع السجناء الحبس الانفرادي لأي سبب من الأسباب، فعلى السلطات التونسية أن تضمن أن تتماشى أوضاعهم المعيشية والمعاملة التي يلقونها مع كافة المعايير الدولية ذات الصلة بهذا الأمر، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (المشار إليها فيما يلي بالقواعد النموذجية للأمم المتحدة).[4] ويجب إصلاح الممارسات الحالية حتى يتحقق لجميع السجناء عدة أمور من بينها ما يلي:

الإقامة في زنزانات ذات نوافذ تسمح بدخول الضوء الطبيعي والهواء الطلق.

التمكن من ممارسة أنشطة نافعة، والاطلاع على طائفة واسعة ومتنوعة من المطبوعات.

إرسال وتلقي الرسائل بدون أي تدخل أو تأخير تعسفي.

ويجب على السلطات التونسية التحقق من أن الظروف التي يواجهها السجناء المعزولون احترازياً لا تنطوي على قيود تتجاوز ما تستوجبه الاعتبارات الأمنية المشروعة. ولا بد أن تسمح السياسات المتبعة للسجناء بأن يحيوا حياة بناءة، بل وتشجعهم على ذلك، وأن تقر بضرورة صون كرامتهم وقيمتهم الأصلية باعتبارهم بشراً. وحينما تقدم سلطات السجن على عزل سجين ما لأسباب احترازية، فمن واجبها إيجاد السبل الكفيلة بتحسين أوضاع هذا السجين تعويضاً له عن المشقة التي تنطوي عليها تلك القيود الإضافية على حرية حركته واتصالاته مع غيره من البشر.

كما توصي منظمة هيومن رايتس ووتش بأن تفتح السلطات التونسية سجونها، بما في ذلك وحدات عزل السجناء، أمام منظمات المراقبة المحلية والدولية المؤهلة، وهي خطوة ألمح إليها وزير العدل وشؤون حقوق الإنسان بشير التكاري في أبريل/نيسان 2004، كما أشرنا آنفا. ويجب على السلطات أن تسمح بإجراء مثل هذه الزيارات دون أي عوائق، وبلا إخطار مسبق، وعلى فترات مناسبة.

ويجب على تونس، بوصفها إحدى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من صنوف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أن تصبح من الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، الذي يسمح لخبراء دوليين مستقلين بإجراء زيارات منتظمة لأماكن الاعتقال في الأقاليم الخاضعة لولاية الدول الأطراف، بغية تفقد أوضاع الاعتقال، وتقديم توصيات لتحسينها.

وإننا لنحث الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والولايات المتحدة وكندا، وكافة الدول التي تربطها بتونس علاقات ثنائية، على رصد أوضاع السجون؛ والحض على تيسير السبل أمام تدابير الرصد المستقلة، مثلما ذكرنا آنفاً؛ والإلحاح على السلطات التونسية، من خلال القنوات العلنية وغير العلنية، للتوفيق بين الأوضاع في سجونها وبين المعايير الدولية، بما في ذلك وضع حد للاستخدام التعسفي للحبس الانفرادي بدون مبرر ضد السجناء السياسيين.

كما نحث الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، في الأمم المتحدة، على أن يوجه انتباهه إلى محنة السجناء السياسيين المحتجزين في عزلة طويلة الأمد في تونس، وأن يطلب من السلطات التونسية السماح له بزيارة السجناء المعزولين.

حول المزاعم الخاصة باغتصاب نبيل واعر، الذي أطلق سراحه:

على السلطات التونسية أن تسمح بإجراء تحقيق شامل ومستقل في المزاعم الخاصة باغتصاب نبيل واعر، وأن تضمن توفير السبل أمام المحققين للاتصال بالعاملين بالسجن وبالسجناء الذين زعم أنهم اشتركوا في الواقعة أو شهدوها. ويجب أن تتاح الفرصة لواعر نفسه للإدلاء بشهادة كاملة، على أن يكون ذلك بحضور محام من اختياره، إن طلب ذلك. ويجب أن يعمل التحقيق على كشف حقائق القضية، وإماطة اللثام عما إذا كانت الشكوى التي رفعها واعر قد استوفت الإجراءات السليمة من قبل مختلف السلطات المختصة بالتعامل معها في الأسابيع التالية للواقعة. ويجب تقديم أي شخص يشتبه في اشتراكه أو تواطئه في الاعتداء الجنائي على واعر إلى العدالة. فإذا تبين أن المسؤولين لم يتعاملوا كما ينبغي مع شكاواه الخاصة بالاغتصاب، أو أنهم عمدوا إلى التستر على ما حدث، فيجب تأديبهم أو تقديمهم للعدالة.

III. معلومات جديدة من سجناء أفرج عنهم مؤخراً

في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004، أعيد انتخاب الرئيس بن علي لولاية رابعة مدتها خمس سنوات، بعد فوزه بنسبة 94.5 في المائة من الأصوات، وفقاً للنتائج الرسمية للانتخابات. وبعد ذلك بأسبوع، أصدر الرئيس عفواً مشروطاً عن عدد يتراوح بين 70 و80 من السجناء السياسيين، معظمهم ممن أوشكت عقوباتهم على الانتهاء؛ وكان من بينهم ثلاثة من كبار أعضاء حزب النهضة المحظور، أمضوا معظم عقوبات السجن المفروضة عليهم في زنازين العزل؛ والثلاثة هم علي العريض الذي أمضى 11 عاماً، من عقوبة السجن لمدة 14 عاماً المفروضة عليه، رهن الحبس الانفرادي؛ وزياد الدولاتلي المحكوم عليه أيضاً بالسجن 14 عاماً، والذي أمضى 11 عاماً من مدة عقوبته رهن الحبس الانفرادي أو في مجموعات صغيرة معزولة [5]؛ ومصطفى بن حليمة الذي ظل محتجزاً في عزلة طيلة السنوات الست الماضية. وكان الثلاثة قد أدينوا بالتآمر للإطاحة بالدولة عن طريق استخدام العنف في المحاكمات الجماعية التي جرت عام 1992. وقد توجه مبعوث من منظمة هيومن رايتس ووتش إلى تونس في ديسمبر/كانون الأول 2004، وأجرى مقابلة مع كل من العريض والدولاتلي؛ أما بن حليمة فقد رد على أسئلة قدمتها له هيومن رايتس ووتش عبر طرف وسيط.

وقبل إطلاق سراحهم، لم تكن تتوفر شهادات مباشرة فيما يتعلق بالعزل الطويل الأمد لسجناء النهضة خلال السنوات الخمس الماضية. وكان مرد ذلك إلى أن معظم هؤلاء السجناء كانوا يقضون عقوبات لمدة 15 عاماً أو أطول من ذلك في سجون لا يسمح لأحد بزيارتهم فيها إلا ذويهم. وقد استقت منظمة هيومن رايتس ووتش المعلومات التي جمعتها من قبل إما من سجناء آخرين أفرج عنهم، أو من أقارب السجناء المعزولين، وهي معلومات محدودة بسبب الرقابة الشديدة على اختلاطهم بغيرهم من السجناء، ولأسباب أخرى.

والشهادات المباشرة التي أدلى بها السجناء المفرج عنهم حديثاً، والذين أمضوا عقوباتهم بمعزل عن سائر السجناء، تؤكد المعلومات التي تم جمعها من قبل فيما يتعلق بعدة جوانب رئيسية.

أولاً، قال الرجال الذين أجرينا مقابلات معهم إنهم لم يطلبوا، لا هم ولا غيرهم من السجناء المعزولين الذين يعرفونهم، احتجازهم في عزلة؛ وقالوا إن أحداً من هؤلاء السجناء على حد علمهم لم يتلق أي تفسير رسمي لاحتجازه في عزلة طويلة الأمد، ولم يبلغ بمدة هذا الاحتجاز.

ثانياً، قال السجناء الذين قابلناهم إنهم لم يتلقوا أي رعاية أو إشراف طبي دوري فيما يتعلق باحتجازهم في عزلة طويلة الأمد؛ وأضافوا أن أحداً من الأطباء لم يقم بزيارتهم لتقييم لياقتهم العقلية والبدنية وإمكانية عزلهم فترة طويلة، سواء قبل إيداعهم في هذه العزلة أو أثناءها. وبدلاً من ذلك، فمبقدورهم، مثل أي سجين آخر، أن يطلبوا من خلال أحد حراس السجن رؤية طبيب إن كانت لديهم أي أسباب صحية.

ثالثاً، أكد السجناء أن ظروف السجناء المعزولين تحسنت في مجملها منذ عام 1998؛ وشملت جوانب التحسن الأوضاع المادية للزنزانات، والمرافق، والضوء، والفترة التي يقضونها خارج الزنزانة، والظروف التي تجري فيها الزيارات العائلية.

غير أن السلطات التونسية لم تعترف حتى بممارسة أسلوب العزل الطويل الأمد للسجناء، فضلاً عن تحديد القوانين التي تسمح بها؛ وهذا الأسلوب، على نحو ما تمارسه السلطات التونسية، لا يطابق أي شكل من أشكال العقاب القضائي حيث أن هذه العقوبة قد ألغيت عام 1989 ولا يطابق أي عقوبة من العقوبات التي يخول القانون لإدارة السجن توقيعها على السجناء، باعتبار أن مثل هذا العقاب يقتصر على فترات طول كل منها عشرة أيام، ويقتضي إشرافاً طبياً وثيقاً. وفضلاً عن هذا، فإن سلطات السجن لم تقدم لكل نزيل على حدة تبريراً رسمياً لإيداعه في عزلة عن سائر السجناء، بل فرضت عليهم هذه العزلة سنوات طويلة في، دون مراقبة سلوكهم بصفة دورية وسط مجموعة من السجناء، الأمر الذي يؤدي بنا إلى نتيجة لا مناص منها، وهي أن الغرض الأوحد من سياسة العزل ليس جزائياً، بل هو تحطيم معنويات زعماء حركة النهضة وتوقيع عقاب إضافي غير قانوني عليهم في إطار القمع المستمر لحركتهم.

IV. تصريحات رسمية بشأن عزل السجناء

رداً على التقرير الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2004 بشأن العزل الطويل الأمد للسجناء السياسيين، أصدر المسؤولون التونسيون تصريحات عامة تنفي صحة المعلومات الواردة في التقرير، ولكنهم لم يقدموا أي حقائق لتفنيد هذه المعلومات؛ وفي بيان حكومي صحفي، قال المسؤولون إن التقرير يتضمن "معلومات غير دقيقة" و"أخطاء في التفسير".[6]

وقال البيان إن أوضاع السجون تخضع للقانون2001/52، وتتماشى من كافة الجوانب مع المعايير الدولية المعمول بها، مضيفاً أن القانون يكفل السلامة البدنية والعقلية للمعتقل، ويحفظ كرامته طيلة فترة بقائه في السجن، ويعده للحياة بعد خروجه من السجن، وإعادة دمجه في المجتمع.

وفيما يتعلق بالحبس الانفرادي، قال البيان إن القانون يجيز هذا الحبس باعتباره شكلاً من أشكال العقاب، ولكنه "إجراء استثنائي يخضع لضوابط صارمة".

وعبر البيان مجدداً عن موقف الحكومة الذي ينفي وجود سجناء سياسيين أو سجناء رأي في تونس، ويؤكد أنه لا سجناء في البلاد سوى أولئك الذين أدينوا بخروقات قانونية في أعقاب محاكمات عادلة.

وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن محمد الحبيب الشريف، منسق حقوق الإنسان بوزارة الدفاع وحقوق الإنسان، نفى الادعاءات التي تفيد بأن نحو 40 سجيناً سياسياً أمضوا سنوات رهن الحبس الانفرادي، ووصفها بأنها عارية من الصحة؛ وقال الشريف إن الحد الأقصى للحبس الانفرادي الذي يجيزه القانون التونسي هو عشرة أيام في المرة الواحدة.[7]

ورداً على هذه التصريحات الصحفية، أرسلت هيومن رايتس ووتش خطاباً بتاريخ 15 يوليو/تموز 2004، دعت فيه السفير التونسي للولايات المتحدة لتحديد الأخطاء والمعلومات غير الدقيقة المزعومة في التقرير؛ ثم أرسلت هيومن رايتس ووتش خطاباً تالياً للسفير في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2004؛ ولكنها لم تتلق أي رد قط على هذين الخطابين، أو حتى ما يفيد بتسلمهما.

وتخضع إدارة السجون لصلاحية وزارة العدل وحقوق الإنسان؛ وقد استقبل مسؤول الوزارة محمد الحبيب الشريف باحثاً من هيومن رايتس ووتش في مكتبه في 9 ديسمبر/كانون الأول 2004؛ ولما دُعي إلى الإشارة إلى الأخطاء الواردة في تقرير هيومن رايتس ووتش، نفى الشريف مجدداً أي دأب من جانب السلطات على إيداع السجناء في الحبس الانفرادي لمدة تتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه قانوناً، وهو عشرة أيام. وزعم الشريف أن بعض السجناء الذين أشارت إليهم هيومن رايتس ووتش قد تم عزلهم في واقع الأمر بناء على طلبهم. ولما طلب منه تقديم أمثلة ع&t impos en dehors de toute demande manant du prisonnier ou de toute sanction lgale de dix jours maximum, nous aimerions savoir si la mise en isolement a depuis lors t leve et si des fonctionnaires seront amens rendre compte de leurs actes pour avoir plac un prisonnier en isolement d'une faon qui s'avre incompatible avec la loi et les rglements tunisiens.

Nous vous remercions pour l'attention que vous portez ces questions. Toute information pertinente que vous nous fournirez avant le 21 janvier se verra reflte dans nos prochains rapports sur les conditions carcrales dans votre pays.

Pour votre information, je joins galement la prsente deux lettres que nous avons envoyes aux responsables tunisiens en date du 13 avril et du 21 novembre 2004, dans lesquelles nous sollicitons des informations sur les politiques et pratiques carcrales. Nous n'avons reu aucune rponse ce jour.

Pour conclure, nous souhaiterions raffirmer l'intrt, dj exprim dans les lettres en annexe et ritr lors de notre entretien avec M. Cherif, que porte Human Rights Watch la visite de prisons en Tunisie afin d'valuer les conditions de premire main. Nous serions heureux de vous rencontrer, vous ou d'autres responsables, pour discuter de cette possibilit.

Je me tiens votre entire disposition pour rpondre toute question que vous pourriez avoir et vous prie d'agrer, Monsieur le Ministre, l'expression de mes sentiments les plus respectueux.

-

Sarah Leah Whitson

cc: M. Mohamed Habib Cherif

Annexes.

ملحق (ب)

New York, le 3 janvier 2005

Mr. Zakaria Ben Moustapha, Prsident

Comit Suprieur des Droits de l'Homme

et des Liberts Fondamentales

85, ave. de la Libert

1002 Tunis, Belvedere, Tunisia

Envoi par fax, courrier et courriel

M. le Prsident,

Je vous prsente mes meilleurs voeux l'occasion de la nouvelle anne.

Je vous cris en rapport avec une enqute que votre instance, le Comit suprieur des Droits de l'Homme et des Liberts Fondamentales, aurait mene concernant un prisonnier, libr depuis, qui s'appele Nabil Ouaer.

Selon une information qui circulait, M. Ouaer aurait t victime d'une aggression sexuelle dans la prison de Borj ar-Roumi, pendant le mois du juin 2004. Toujours selon cette information, l'aggression aurait t commise par d'autres prisonniers avec la complicit de certains responsables de l'administration pnitencire. Il parat que la famille de M. Ouaer a saisi votre comit concernant l'affaire.

Une dpche de l'Agence France Presse date du 9 juillet 2004 rapporte que une source officielle a dclar que "le dtenu a lui-mme dmenti avoir t victime d'une quelconque agression sexuelle" au prsident du Comit suprieur tunisien des droits de l'homme et des liberts fondamentales, qui l'interrogeait le 28 juin dernier.

Je salue l'effort que le Comit suprieur a investi afin d'tablir ce qui s'est pass dans cet incident. Comme il s'agit d'un cas qui proccupe Human Rights Watch, nous vous serions reconnaissants de bien vouloir nous informer de toute conclusion manant de votre enqute.

Je me tiens votre entire disposition pour rpondre toute question que vous pourriez avoir et vous prie d'agrer, Monsieur le Ministre, l'expression de mes sentiments les plus respectueux.

Sarah Leah Whitson

Cc: Mr. Mohamed Habib Cherif, Ministre de la Justice

Mr. Tarek Azouz, Embassy of Tunisia, Washington, DC

[1]هيومن رايتس ووتش، "تونس: الحبس الانفرادي الطويل الأمد للسجناء السياسيين"، تقرير لهيومن رايتس ووتش، المجلد 16، العدد 3 (ه)، يوليو/تموز 2004، على شبكة الإنترنت فيhttp://hrw.org/reports/2004/tunisia0704/.

[2]الأسوشيتد برس، Les prisons tunisiennes peuvent tre visites par des organisations internationales, selon un ministre, ، 21 أبريل/نيسان 2004؛ انظر أيضاً Mongi Gharbi, "Promouvoir les droits de l'Homme dans toutes ses facettes," La Presse(Tunis),، 21 أبريل/نيسان 2004، و Pomme de discorde entre le ministre et

[3]اتصال هاتفي أجرته هيومن رايتس ووتش مع توفيق الشابي، مستشار، السفارة التونسية، واشنطن دي سي، 28 فبراير/شباط 2005.

[4]اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد في جنيف عام 1955، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 جيم (24) المؤرخ في 31 يوليو/تموز 1957، و2076 (62) المؤرخ في 13 مايو/أيار 1977. وعلى الرغم من أن هذه القواعد ليست اتفاقية في حد ذاتها، فإنها تعد المجموعة الأكثر قبولاً من بين المعايير التي تحكم معاملة السجناء وتنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان.

[5]بالرغم من أن العزل في مجموعات صغيرة أخف وطأة من الحبس الانفرادي، فقد يبلغ أيضاً حد المعاملة السيئة التي يمكن أن تلحق أضراراً بالصحة العقلية للسجين، وذلك إذا كان ينطوي كما هو الحال في تونس على حرمانه من أي فرصة تذكر لممارسة أنشطة تعليمية أو ترفيهية، أو من المصادر الأخرى للتنبيه والنشاط الذهني، وكان يلزمه بالبقاء في بيئة رتيبة غير متغيرة، ويجبره على التفاعل مع مجموعة محدودة للغاية من النزلاء الذي يشاركونه نفس الزنزانة. ولمزيد من المعلومات عن العزل في مجموعات صغيرة، انظر أيضاً هيومن رايتس ووتش، "العزل في مجموعات صغيرة في السجون التركية: كارثة يمكن تجنبها"، تقرير هيومن رايتس ووتش، المجلد 12، العدد 8، مايو/أيار 2000.

[6]انظر "Prisonniers politiques: Tunis rpond aux accusations de Human Rights Watch، الأسوشيتد برس، 8 يوليو/تموز 2004.

[7] "السلطات التونسية تنفي حدوث انتهاكات في سجونها"، هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، 7 يوليو/تموز 2004.

[8] محادثة هاتفية مع هيومن رايتس ووتش، 15 فبراير/شباط 2005.