HRW Logo HRW in Arabic
Human Rights Watch
E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Israel Home
 

أكتوبر/تشرين الأول 2000

إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة المحتلان
والأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية
التحقيق في الاستعمال غير المشروع للقوة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وشماليّ إسرائيل
في الفترة من 4 ـ 11 أكتوبر/تشرين الأول

ثانياً ـ دور قوات الأمن الإسرائيلية
  • المقدمة
  • أولاً- دور قوات الأمن الفلسطينية
  • ثانياً- دور قوات الأمن الإسرائيلية
      *استعمال القوة دون تمييز أو الإفراط في استعمالها
      *أم الفحم
      *البيرة - رام الله
      *مفترق نتساريم
      *تجاهل العاملين بالمهن الطبية أو استهدافهم
      *مفترق نتساريم
  • ثالثاً- عدوان المدنيين على العاملين بالمهن الطبية
  • رابعاً- استخدام الأسلحة بصورة غير مشروعة
  • خامساً- التوصيات ____ شكر وتقدير
  • استعمال القوة دون تمييز أو الإفراط في استعمالها
    تتضمن المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استعمال القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون التوجيهات الرسمية حول المعايير الدولية الخاصة باستعمال القوة في إنفاذ القانون، بما في ذلك حالات إشراف الشرطة على أحداث التجمهر غير المشروع المتسمة بالعنف. وهي تنطبق على جميع العاملين بتطبيق القانون، بما في ذلك السلطات العسكرية أو قوات الأمن الحكومية التي تمارس سلطات الشرطة. وتنص المادة 9 من المبادئ الأساسية المذكورة على ما يلي:
      "يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس أو لدفع خطر محدق يهدد الاخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره ، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفا غير كافية لتحقيق هذه الاهداف وفي جميع الاحوال ، لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح " ويُشترط في تلك الحالات التي يتحتم فيها استعمال القوة والأسلحة النارية أن يمارس الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون "ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المنشود المراد تحقيقه ، وأن يقللوا الاضرار والاصابات الى ادنى حد ممكن وأن يحترموا أرواح البشر ويحافظوا عليها "
    . وقد سجلت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في التحقيق الذي أجرته في المصادمات التي وقعت في بلدة أم الفحم الإسرائيلية، وبلدة البيرة/رام الله في الضفة الغربية ومفترق نتساريم في قطاع غزة، تكرار استعمال القوة المفضية إلى الموت ضد المتظاهرين الإسرائيليين العُزّل من السلاح، الذين لم يكونوا يمثلون خطراً وشيكاً بالموت أو الإصابات الخطيرة لأفراد قوات الأمن أو لغيرهم، واستعمال القوة دون تمييز في التصدي للحالات التي يقوم فيها الجانب الفلسطيني بإطلاق النار. والى جانب تكرار استعمال قوات الأمن الإسرائيلية للذخيرة الحية، فإنها كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على استخدام العيارات المطاطية والرصاصات الفولاذية المغلفة بالبلاستيك، على الرغم من أنها تفضي إلى الموت في مثل تلك الحالات، لأغراض السيطرة على الحشود وتفريقها. ولم تلجأ، على العكس من ذلك، إلى استخدام الغازات المسيلة للدموع إلا في حالات جد قليلة، حتى حين كانت الأدلة تشير إلى أن الغازات المسيلة للدموع أقدر على تفريق المتظاهرين.
  • أم الفحم
    قامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بالتحقيق في المصادمات التي وقعت في أم الفحم بين قوات الأمن الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل على مدى يومين، حيث أدى الإفراط في استعمال القوة المفضية إلى الموت من جانب قوات الأمن الإسرائيلية إلى سقوط القتلى والجرحى من الفلسطينيين. وقد بدأت المصادمات في أول أكتوبر/تشرين الأول بعد أداء الصلاة وتشييع جنازة رمزية، في داخل أم الفحم نفسها، لأربعة من الفلسطينيين الذين قتلتهم الشرطة الإسرائيلية في القدس يوم 29 سبتمبر/أيلول.
    وبعد موكب الجنازة خرج بعض المقيمين في أم الفحم من وسط المدينة وهم يحملون لافتات احتجاج وتجمعوا عند نقطة التقاء الطريق الرئيسي لأم الفحم مع طريق أفولاـ حديرا، وهو المكان الذي كانت المظاهرات تعقد فيه في الماضي. وعندما وصلوا إلى ذلك الموقع، كان العشرات من أفراد الشرطة الإسرائيلية، وشرطة الحدود، والقوات الخاصة قد أخذوا أماكنهم فيه، وقد رابط البعض في الناحية المقابلة من الموقع والتي تواجه المتظاهرين مباشرة، والبعض الآخر في مواقع احتياطية على مسافة قريبة فوق ذلك الطريق. ويقول شهود العيان إن المتظاهرين تبادلوا الصياح والسباب مع قوات الأمن. ولم تتمكن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" من البت بصورة حاسمة فيما إذا كان أي من المتظاهرين قد ألقى الأحجار قبل أن تبدأ قوات الأمن في إطلاق الغازات المسيلة للدموع والعيارات المطاطية (الاسطوانية والمستديرة) على المتظاهرين. وأُصيب أربعة أشخاص على الأقل في أول موجة من إطلاق النار، كان بينهم العمدة الذي أُصيب في رأسه بإحدى عبوّات الغازات المسيلة للدموع، واستمرت المصادمات فبدأ المتظاهرون يرشقون قوات الأمن بالحجارة، وأطلقت قوات الأمن كميات محدودة من الغازات المسيلة للدموع وكميات كبيرة من الذخيرة الحية والعيارات المطاطية على المتظاهرين. ووفقاً للعاملين بالمهن الطبية الذين شهدوا الاشتباك أدت النيران الإسرائيلية إلى قتل ثلاثة أشخاص وجرح نحو 130 شخصاً، من بينهم نحو 90 شخصاً أُصيبوا بالجروح من العيارات المطاطية والذخيرة الحية.
    ووصف شهود العيان لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مقتل محمد أحمد جبارين (24 سنة) وأحمد إبراهيم الصيام جبارين (18 سنة) يوم أول أكتوبر/تشرين الثاني، ومقتل مصلح حسين أبو جراد (16 سنة) يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول.
    ففي عصر يوم أول أكتوبر/تشرين الأول قامت القوات الإسرائيلية الخاصة المرابطة في موقع حصين فوق سقف أحد المنازل، وفي بعض المواقع الأخرى من حوله، بإطلاق النار على محمد أحمد جبارين فقتلته، وعلى أحمد إبراهيم الصيام جبارين فأصابته بجروح قاتلة. وكانت قوات الأمن قد احتلت في وقت سابق من ذلك اليوم سقف منزل لم يكتمل بناؤه والطابق الثاني فيه، وكان المنزل يقع على تل شديد الانحدار يطل على مفترق الطرق، مما أتاح لأفراد القوات الرؤية الواضحة للمفترق في السفح وللمناطق العليا من التل. وبعد أن أخذت القوات مواقعها تجمع قاذفو الحجارة في حقل مكشوف في منطقة بعيدة على التل، لا تقل المسافة التي تفصل بينه وبين مواقع القوات عن خمسين متراً، إلى جانب المنحدر الشاهق الشديد الانحدار. وقامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بفحص مواقع المتظاهرين وقوات الأمن، ولم تجد أي دليل يشير إلى أن المتظاهرين كانوا يشكلون خطر الموت أو الإصابة بجروح خطيرة لقوات الأمن في ذلك الموقع، إذ كان المتظاهرون عزّلاً، وكان العائق الطبيعي المتمثل في المنحدرين السامقين، والذي يفصل الموقع عن المفترق في السفح والحقل المرتفع، يحمي الموقع ويحول دون اجتياحه. وكان هناك لوحان من الألواح الزجاجية الضخمة لا يزالان قائمين فوق سقف المنزل الذي رابطت فوقه قوات الأمن، ولم يصابا بأية أضرار، ولم تكن هناك أضرار تُذكر في بلاط السقف المصنوعة من الصلصال، والمتاخمة لموقع قوات الأمن. وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك قوات أمن احتياطية ترابط بالقرب من الموقع للاستعانة بها إن دعت الحاجة، ولم تكن قد نُشرت في المنطقة.
    ووفقاً لما رواه شهود العيان، كان محمد أحمد جبارين قريباً من مقدمة جمهور المتظاهرين الذين يقذفون الحجارة من الحقل المكشوف على التل، ومن الجهة المقابلة لموقع قوات الأمن. وتفرق الجمهور عند إطلاق الغاز القوي المسيل للدموع على الحقل، في محاولة للاحتماء خلف المنازل المجاورة. وكان محمد أحمد جبارين يجري على التل فراراً من الغاز ومبتعداً عن موقع قوات الأمن عندما أُصيب بالذخيرة الحية. وحملته إحدى السيارات في الطريق الرئيسي إلى سيارة إسعاف ولكنه لم يلبث أن توفي. وفي الموقع نفسه أُصيب أحمد إبراهيم الصيام جبارين بعده بمدة، ربما بلغت نصف ساعة، بعيار مطاطي دخل عينه اليسرى. واستقرت حالته بالتنفس الصناعي ثم نُقل إلى مستشفى رامبام في حيفا، حيث أُعلن أن مخه قد مات، وتُوفي في اليوم التالي.
    وقبيل حلول الغسق طار النبأ بين أفراد الجمهور بأن أحد المتظاهرين قد قُتل مما أثار ثائرتهم، ولم تلجأ قوات الأمن إلا في هذه اللحظة إلى إطلاق عبوات كثيفة من الغاز المسيل للدموع مما أدى إلى تفريق المتظاهرين؛ وعندما خلا المكان منهم غادرته قوات الأمن الإسرائيلية.
    واستُؤنفت المظاهرات في صباح اليوم التالي، الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، إذ تجمع حشد أكبر في اليوم الثاني ووصلت قوات الأمن مع تعزيزات إضافية، إلى جانب عربتين أو ثلاث عربات مصفحة. وعادت قوات الأمن إلى إطلاق العيارات المطاطية والذخيرة الحية على المتظاهرين الذين يقذفون الحجارة، ولكنها لم تستخدم إلا كمية أقل نسبياً من الغازات المسيلة للدموع، على الرغم من عدم هبوب الرياح أو قلتها مما يُعتبر ظروفاً موائمة لاستعمال هذه الغازات. ولم ترجع وحدة القوات الخاصة إلى موقعها الأول فوق سقف المنزل أعلى التل، بل جعلت تطلق النار من مستوى الشارع على المفترق، وأصابت طلقتان من هذه الطلقات، قبيل الغروب، مصلح حسين أبو جراد فقتلتاه أثناء وقوفه مع مجموعة من المتظاهرين بالقرب من محطة البنزين عند المفترق. واتضح على الفور، وفقاً لما رواه شاهد عيان كان يراقب ما يجرى من مسافة بعيدة، أن شاباً قد قُتل. وقال العاملون بالمهن الطبية إن أبو جراد أُصيب بالذخيرة الحية مرتين، مرة في القلب ومرة في الجانب الأيمن من صدره في موضع أدنى قليلاً من مستوى القلب. وعندما اندفع أشخاص لم يكونوا يشاركون في المظاهرات في اتجاه المفترق للاحتجاج على مقتل ذلك الشاب، أطلقت قوات الأمن كميات هائلة من الغاز المسيل للدموع أدت إلى تفريق الجمهور؛ ومن ثم غادرت قوات الأمن المكان على غرار ما فعلت في اليوم السابق.
    والظاهر أن قوات الأمن لم تتعرض في أي وقت من الأوقات، لا في اليوم الأول ولا في اليوم الثاني، لأي أخطار وشيكة على أرواح أفرادها ولا إلى خطر الإصابة بجروح بالغة. وكانت أحوال الريح في كلا اليومين تسمح لقوات الأمن باستعمال الغاز المسيل للدموع بنجاح في تفريق المتظاهرين عندما أرادت أن تفعل ذلك. وفي يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول تفرق الجمهور من تلقاء نفسه عندما وصل إلى المفترق فلم يجد أية قوات للشرطة.
  • البيرة ـ رام الله
    اكتشفت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن قوات الأمن الإسرائيلية لجأت إلى استعمال القوة المفضية إلى الموت دون تمييز ـ ومن ثم دون وجه حق ـ ضد المتظاهرين والعاملين بالمهن الطبية في المصادمات التي وقعت في منطقة فندق "سيتى إن" في بلدة البيرة ـ رام الله بالضفة الغربية. ويقع الفندق في مفترق طرق دائري، حيث تتاخم المنطقة الخاضعة لسيطرة الأمن الإسرائيلي منطقة خاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني. ويؤدي أحد الطرق الداخلة في هذا المفترق الدائري إلى مستوطنة "بيت إيل"، ويؤدي أحد الطرق القريبة من المفترق إلى مكتب التنسيق المحلي لداوريات الشرطة المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما تؤدي الطرق الأخرى إلى المدن والقرى الفلسطينية.
    وكانت المصادمات قد وقعت بين المتظاهرين الفلسطينيين وجنود الجيش الإسرائيلي في ذلك الموقع من قبل، بل كانت تقع كل يوم تقريباً منذ 30 سبتمبر/أيلول. وقال شهود العيان لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول إن قوات الجيش الإسرائيلي لم تحاول استعمال الغازات المسيلة للدموع لتفريق الجمهور، باستثناء يوم واحد في ذلك الأسبوع قامت قوات الأمن فيه باستخدام كميات كبيرة من الغازات المسيلة للدموع الشديدة التركيز. ولكن قوات الجيش الإسرائيلي كانت تعتمد على العيارات المطاطية، والرصاصات المعدنية المغلفة بالبلاستيك، والذخيرة الحية ضد المتظاهرين الذين كانوا يقذفون الحجارة، إلى جانب قنابل مولوتوف في بعض الأحيان. كما قام المسلحون الفلسطينيون في حادثة واحدة على الأقل، من مواقعهم فوق مبنى من المباني أو أكثر من مبنى على مبعدة من المتظاهرين، بإطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الجنود الذين يحتلون الفندق.
    وكان مصدر نيران الجيش الإسرائيلي هو القوات المرابطة في سيارات "الجيب" عند مفترق الطرق الدائري أو في الطريق المؤدي إلى مكتب قيادة المنطقة، كما كان المصدر في بعض الأيام الأخرى هو الجنود المرابطة في المباني القائمة في المفترق الدائري أو بالقرب منه. وذكر أحد شهود العيان في الفندق أن عدداً من الجنود الإسرائيليين يبلغ نحو خمسة وثلاثين قاموا في يوم أول أكتوبر/تشرين الأول باحتلال الفندق، ولم يغادروه حتى صباح 3 أكتوبر/تشرين الأول. كما احتل الجيش الإسرائيلي منزلين آخرين قريبين على الأقل، وكان ما زال يحتل أحدهما أثناء زيارة منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول.
    ويقول شهود العيان إنهم في عصر يوم أول أكتوبر/تشرين الأول شاهدوا بعض الفلسطينيين المسلحين المرابطين في أحد المباني التي لم يكتمل إنشاؤها، أو في أكثر من مبنى منها، والتي تقع على بعد نحو 100 متر من مستشفى الإسعاف الميداني التابع لاتحاد لجان الإغاثة الطبية الفلسطينية فوق أحد التلال، يطلقون النار على قوات الجيش الإسرائيلي في مفترق الطرق الدائري. واتضح من دراسة خط النار أن أي تبادل لإطلاق النار بين المباني التي يحتلها الجيش الإسرائيلي والمباني التي لم يكتمل إنشاؤها لابد أن يمر خلف المستشفى الميداني بمسافة لا تقل عن 100 متر. ورداً على النيران الفلسطينية أطلق الجيش الإسرائيلي النار بصورة مستمرة في اتجاه رجال الإسعاف والشبان الذين يتابعون الموقف بالقرب من مستشفى الإسعاف الميداني الذي كان يبعد بمسافة تقدر بنحو 300 متر عن مفترق الطرق الدائري، ويقع خلف موقع الاشتباكات بمسافة كبيرة. وكان هذا المستشفى يمارس عمله في ذلك الموقع منذ بداية المصادمات في 30 سبتمبر/أيلول، وعليه لافتات تحمل اسم اتحاد لجان الإغاثة الطبية الفلسطينية بوضوح، إلى جانب وجود أعداد كبيرة (قد تصل إلى عشرين فرداً) من رجال الإسعاف الذين يرتدون السترات والقبعات البيضاء الخاصة بالاتحاد المذكور، وكثرة الحركة في الموقع الذي كان يدخله رجال الإسعاف حاملين الجرحى على نقالات وتخرج منه سيارات الإسعاف، مما ينفي أي صعوبة في تمييز مكان المستشفى وإدراك موقعه. وفي الدقائق القليلة الأولى لإطلاق النار أُصيب ثلاثة من رجال الإسعاف ونقلتهم سيارة إسعاف قريبة إلى خارج الموقع، ولكنها لم تستطع العودة بسبب كثافة النيران، مما أدى إلى ترك رجال الإسعاف الآخرين والسابلة مسمرين في أماكنهم تحت وابل النيران الكثيفة أربع ساعات أو خمساً حتى انسحب الجيش الإسرائيلي من مفترق الطرق الدائري في المساء. وقامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أثناء تفقدها للموقع يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول بجمع أغلفة الذخيرة الحية المستعملة وبعض الطلقات التي لم تُستخدم من الغرف الواقعة في ثلاث طوابق بفندق "سيتى إن"، وسجلت أدلة النيران التي أطلقها الفلسطينيون على الفندق وكان مصدرها فيما يبدو هو مبنى لم يكتمل إنشاؤه في منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني، يقع على بعد 350 متراً من الفندق، وعلى مسافة ما خلف المستشفى. واستناداً إلى زاوية دخول الرصاصات الفلسطينية اتضح أنها لا يمكن أن تكون قد أُطلقت من المنطقة التي يقع المستشفى فيها. ومن المحال أيضاً أن يكون المستشفى قد تعرض للنيران الموجهة إلى المباني التي لم يكتمل إنشاؤها من أسلحة الجيش الإسرائيلي في مواقعه المذكورة.
  • مفترق نتساريم
    وصف الشهود في قطاع غزة العديد من حالات الإفراط في استعمال القوة واستعمالها دون تمييز، بما في ذلك استخدام نيران الرشاشات الكبيرة ذات العيار المتوسط التي لا تناسب الموقف (انظر أدناه) ضد المتظاهرين والسابلة الذي لا يحتمون بشيء، وذلك في أحوال لم يكونوا يمثلون فيها أي خطر وشيك بالموت أو بالإصابات الخطيرة لقوات الجيش الإسرائيلي. وكانت هذه القوات المرابطة عند مفترق نتساريم تتمتع بحماية مؤكدة، إذ كانت تحتمي بموقع حصين، بل محصّن تحصيناً شديداً فهو يمتد تحت الأرض ويبتعد عن الطريق. وكان الجنود يدخلون ويخرجون منه، فيما يبدو، من خلال سراديب خفية تمتد بينه وبين مستوطنة نتساريم، وكانت أبراج القناصة داخل المستوطنة توفر "التغطية" النيرانية اللازمة للموقع الحصين وللطريق المؤدي إلى المستوطنة، مما يقطع باستحالة تعرض الموقع الحصين للاجتياح.
    وكانت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية تشغل إحدى الثكنات العسكرية ومخفر شرطة بالقرب من المفترق، وكانت تشارك قوات الجيش الإسرائيلي منطقة للراحة تقع عند إحدى زوايا المفترق وتستخدمها الداوريات المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقال العميد الفلسطيني أسامة العلي، الممثل الفلسطيني في لجنة الأمن الإقليمية في غزة، وعضو لجنة الأمن الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة والعامة، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن بعض رجال الأمن الفلسطينيين أُصيبوا بجروح قاتلة من جراء نيران قوات الجيش الإسرائيلي عندما حاولوا السيطرة على المتظاهرين عند مفترق نتساريم.
    ووفقاً لما رواه العاملون بالمهن الطبية المختصون بحالات الطوارئ، والذين كانوا يقومون بعلاج الجرحى في نتساريم، لم يلجأ الجيش الإسرائيلي، على الرغم من موقعه الآمن، إلى استخدام الغاز المسيل للدموع بعد يوم 30 سبتمبر/أيلول وهو أول يوم تقع فيه المصادمات، كما استخدم الجيش في ذلك اليوم أيضاً الذخيرة الحية، والعيارات المطّاطية، والرصاص المعدني المغلف بالبلاستيك. كما قالوا لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن الجيش كف عن استخدام العيارات المطّاطية والرصاص المعدني المغلف بالبلاستيك بعد اليوم الرابع واقتصر على الذخيرة الحية. وقال الشهود أيضاً إن الجيش كان يستخدم العيارات المطاطية والرصاص المعدني المغلف بالبلاستيك في صباح كل يوم من تلك الأيام الأربعة فحسب، وهو الوقت الذي يكون فيه عدد المتظاهرين محدوداً، ثم يستخدم الذخيرة الحية بعد ذلك طول اليوم.
    وفي ليل السابع من أكتوبر/تشرين الأول قام الجيش الإسرائيلي بتدمير عدد من المباني، وجدران البساتين، وقطع الأشجار المحيطة بمواقع التقاطع من جميع الجهات، وهكذا أزال جميع الحواجز التي كان يمكن للفلسطينيين الاحتماء بها عند إطلاق النار لمسافة مئات الأمتار في جميع الاتجاهات. وكان من شأن ذلك أيضاً إزالة كل ما كان المتظاهرون يلجأون إلى الاختباء خلفه عند اندلاع القتال. وقامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بزيارة إلى ذلك الموقع يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول وشاهدت الجيش الإسرائيلي وهو يطلق النار، وربما كان ذلك رداً على قيام مجموعة صغيرة من المتظاهرين بإلقاء الأحجار أو رداً على قيام شاب بحمل العلم الفلسطيني إلى نقطة التقاطع. ولم نشاهد أي أدلة على استخدام الأسلحة النارية أو قنابل مولوتوف من جانب المتظاهرين، ولكننا شاهدنا حامل العلم وهو يغادر التقاطع حتى وصل إلى مكان سيارات الإسعاف، من مكاننا في المخبأ الذي يطل من علٍ، في أحد المباني التي كانت ما تزال قائمة، على الموقع كله؛ وكان ذلك المبنى بمثابة دكان صغير متاخم للمكان الذي تقف فيه سيارات الإسعاف، ويبعد عن المفترق بمسافة تتراوح بين 200 و 250 متراً؛وفي نفس الوقت زادت كمية النار التي يطلقها الجيش الإسرائيلي، وكان المارة الذين يراقبون الحالة من ركن المبنى يتراجعون قائلين إن الطلقات كانت تصل إلى مقربة من واجهة المبنى. وقال رجال المهن الطبية العاملين في المنطقة أيضاً إن نيران القناصة كانت موجهة إلى تلك المنطقة وصادرة من مستوطنة نتساريم، وذكروا أنهم شاهدوا بعض الحواجز الصلصالية التي أقامتها السلطة الفلسطينية في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول على جانب الطريق حتى يستطيع الناس الاختباء خلفها من نيران القناصة الصادرة من مستوطنة نتساريم. وقال شهود آخرون إن سيارات الأجرة التي كانوا يستقلونها قد تعرضت لإطلاق النار عند عبورها ذلك التقاطع نفسه أثناء ذهابها إلى جنوب غزة وعودتها.
    واستناداً إلى ما أدلى به شهود العيان، فإن حادثة إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على محمد جمال محمد الدرة ـ الذي كان في الثانية عشرة من عمره ـ وقتله، كانت فيما يبدو من قبيل استعمال القوة دون تمييز وبصورة غير مشروعة. ففي نحو السابعة من صباح السبت سبتمبر/أيلول، وهو اليوم التالي للمصادمات التي وقعت في القدس، ولسقوط القتلى فيها، بدأ المتظاهرون يتجمعون عند مفترق نتساريم، وهو المفترق الذي يلتقي عنده طريق غزة الرئيسي الممتد من الشمال إلى الجنوب، مع الطريق الذي يربط مستوطنة نتساريم بنقطة عبور الحدود عند كرني وحيث يوجد موقع للجيش الإسرائيلي لحراسة مستوطنة إسرائيلية يقيم فيها نحو 60 أسرة. وظل الجمهور يقذف قطع الصخور والأحجار عدة ساعات، وكان الجيش الإسرائيلي يقوم ـ بصورة متقطعة ـ بإلقاء عبوّات الغازات المسيلة للدموع وإطلاق العيارات المطاطية والرصاصات المعدنية المغلفة بالبلاستيك رداً على الأحجار. وطبقاً لما رواه طلال أبو رحمة، وهو مصور فلسطيني يعمل لحساب إحدى قنوات الأخبار التليفزيونية الفرنسية، والذي كان موجوداً في الموقع منذ السابعة صباحاً، بلغ عدد الذين أُصيبوا بجروح نتيجة للنيران الإسرائيلية نحو أربعين شخصاً عندما انتصف النهار أو كاد، وأضاف أبو رحمة قائلاً لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن الموقف انفجر عندها إذ انطلقت نيران أسلحة الجيش الإسرائيلي، وربما كانت رداً على نيران الفلسطينيين الموجهة إلى موقعه الحصين، أو مصاحبة لهذه النيران. وكانت النتيجة المباشرة هي تفريق الجمهور، وأما الذين لم يستطيعوا الفرار فقد حاولوا الاحتماء بأي شيء، وظلوا مسمّرين في أماكنهم. واستمر إطلاق النار من الموقع الإسرائيلي لمدة لا تقل عن خمس وأربعين دقيقة، وان اتسمت تلك الفترة فيما يبدو بعدم إطلاق النار رداً عليها سواء من المتظاهرين أو الشرطة الفلسطينية.
    وحاول محمد الدرة الاحتماء مع والده خلف برميل مياه ضخم يبعد خمسة عشر متراً عن التقاطع على الطريق المؤدي إلى كرني. ورأى شهود العيان الوالد وهو يلوِّح بيديه في ذعر وفزع إلى الجنود الإسرائيلي مطالباً إياهم بعدم إطلاق النار عليه وعلى ابنه. وقال المصّور أبو رحمة لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنه لجأ مع غيره في أول موجة من اندلاع النيران إلى الاحتماء خلف سيارة من طراز "فولكس فاغن" تقف على جانب الطريق في مواجهة الموقع الذي انحصر فيه محمد وأبوه. وقال إنه لم يكن في البداية مهتماً بالولد وأبيه بل كان يصّور المفترق ثم إطلاق النار على المدنيين الذين كانوا يحاولون إبعاد إحدى السيارات عن مخفر الداوريات المشترك في زاوية المفترق، متجاوزين المكان الذي كان أبو رحمة يقف فيه، نحو نقطة عبور كرني، مما أسفر عن جرح اثنين. وأضاف أن صرخات الغلام شدت انتباهه فحول عدسة آلة التصوير إليه والتقط صور المشهد الذي أذاعته التلفزيونات العالمية بعد ذلك. وقال أبو رحمة إنه استمر ينظر إلى المحاولات التي بذلها الوالد على مدى خمس عشرة دقيقة لحماية طفله، والانفجارات الحمراء على الجدار وعلى الطريق، وهما يقبعان خلف برميل الماء الضخم، والطلقات منهمرة على المنطقة. وفي الدقائق الأولى التي كانت لا تزيد على خمس أو سبع دقائق، شاهد طلقة أصابت محمداً في رجله، مما أصاب والده بالهلع، فجعل يلوح بيديه ويستخدم التليفون المحمول (النقّال) طلباً للغوث، ولكن الوالد لم يلبث أن أُصيب هو الآخر في ذراعه. وبعد نحو نصف ساعة من بداية إطلاق النار سمع أبو رحمة دوياً رهيباً، وهبّت سُحب الغبار فغشت رؤيته للطفل ووالده، وعندما انقشعت شاهد الطفل وقد أُصيب بجرح قاتل في بطنه، ووالده لا يزال يتمايل إلى الأمام وإلى الخلف، وقد بدا عليه ذهول الصدمة، بعد أن أُصيب بعدة طلقات. ولم تستطع سيارات الإسعاف التي كانت تحاول نقل الغلام ووالده أن تصل إلى الموقع لمدة تتراوح بين 15 و 20 دقيقة بسبب استمرار إطلاق النيران بكثافة (انظر أدناه). وقال أبو رحمة إنه استطاع في وقت لاحق إحصاء عدد كبير من الثقوب التي أحدثتها الطلقات في دائرة على الجدار في المنطقة التي كانا يحاولان الاحتماء بها. ووفقاً لما رواه أبو رحمة، لم يلحظ في أي وقت خلال الخمس والأربعين دقيقة التي قضاها في مكانه أي نيران فلسطينية صادرة من الشارع الذي كان هو والطفل وأبوه فيه. ولم يكن الوالد أو ابنه، أو أي شخص بالقرب منهما، يمثل أي خطر على موقع الجيش الإسرائيلي أو أرواح الجنود، ولم يكن الوالد وابنه في موقع تبادل إطلاق النار أثناء أي اشتباك سابق بين موقع الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في موقع الدوريات المشتركة في زاوية المفترق. ولم تستطع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" فحص الجدار لأن الجيش الإسرائيلي كان قد دمره هو والمنطقة المحيطة به أيضاً.
  • تجاهل العاملين بالمهن الطبية واستهدافهم
    تنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون للقوة والأسلحة النارية على أن يكفل هؤلاء تقديم المساعدة واالاسعافات الطبية في أقرب وقت ممكن الى الشخص المصاب أو المتضرر . وهكذا فإن تجاهل العاملين بالمهن الطبية أو الاعتداء عليهم أثناء قيامهم بنقل الجرحى وعلاجهم يُعتبر أيضاً خرقاً واضحاً لمبادئ الأمم المتحدة.
    وقد ثبت من المقابلات التي أجرتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مع الأطباء والتقنيين الطبيين المختصين بحالات الطوارئ، وغيرهم من شهود العيان، ارتكاب الجيش الإسرائيلي لعدد من الأحداث التي تشكل نسقاً يثير القلق من الانتهاكات الخطيرة لصفة الحياد التي يتمتع بها العاملون بالمهن الطبية، وكان من بينها استخدام الجيش الإسرائيلي للقوة المفضية إلى الموت ضد سيارات الإسعاف الفلسطينية، ورجال المهن الطبية الفلسطينيين، والمستشفيات والعيادات الميدانية الفلسطينية، وكلها كانت تتولى علاج المدنيين المصابين بالجروح أو نقلهم. واستخدام النيران ضد رجال المهن الطبية يعرقل تقديم العلاج العاجل للجرحى، وقد يكون قد أفضى إلى الموت في بعض الحالات الأخرى.
    وفي الفترة بين 19 سبتمبر/أيلول و16 أكتوبر/تشرين الأول، سقط قتيل واحد على الأقل، وكان من الفنيين الطبيين المختصين بحالات الطوارئ، وكان يعمل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، وجُرح ما لا يقل عن عشرة أشخاص بالرصاص الحي الذي أطلقه عليهم الجيش الإسرائيلي، أثناء قيامهم بنقل الفلسطينيين الذين جُرحوا أثناء المصادمات. ولحقت بعض الأضرار بما لا يقل عن عشرين سيارة من سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من جراء الرصاص الحي والعيارات الفولاذية المغلفة بالبلاستيك التي أطلقها الجيش الإسرائيلي.
  • مفترق نتساريم
    في يوم 30 سبتمبر/أيلول، قام جنود الجيش الإسرائيلي المرابطون في الموقع الحصين المذكور بإطلاق النار عدة مرات على سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني أثناء محاولتها نقل محمد جمال محمد الدرة، ابن الاثني عشر ربيعاً (انظر ما سبق) وغيره من الجرحى عند مفترق نتساريم في غزة. ففي وقت ما بين الساعة الثانية عشرة والواحدة من ظهر ذلك اليوم، أصدر العاملون بالمهن الطبية في الموقع نداءً يدعون فيه جميع سيارات الإسعاف المتاحة إلى القدوم إلى مفترق نتساريم للمساعدة في نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين أُصيبوا بجروح من جراء النيران الكثيفة الصادرة من الموقع الإسرائيلي الحصين وربما أيضاً من القناصة فوق أسطح مستوطنة نتساريم، واستجابت للنداء سيارة الإسعاف الخاصة باثنين من التقنيين الطبيين المختصين بحالات الطوارئ وهما بسام فايز سالم البلبيسي، وولاء كوده، فجاءت إلى المفترق من دير البلح في جنوبي غزة.
    وعندما وصلت سيارتهما إلى المكان طبقا لرواية ولاء لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، وجدا سيارة إسعاف أخرى تقوم بنقل أحد الجرحى من مكان يقع جنوب مخفر الداوريات المشتركة، فاقتربا بسيارتهما من المفترق بعد أن سمعا الناس يصرخون في طلب سيارة إسعاف عند إحدى زوايا المفترق. ولكن قبل أن يصلا إلى تلك الزاوية وقع انفجار هائل بالقرب من سيارتهما، وأدت قوة الانفجار إلى رفعها عن الأرض وتحطيم زجاجها الأمامي وإصابة جانبها بأضرار من الشظايا. واضطرا إزاء النيران الكثيفة الصادرة من الموقع الإسرائيلي الحصين إلى الارتماء على أرضية السيارة، وكانت ولاء كوده قد ازداد تلاحق أنفاسها إلى الحد الذي اضطر زميلها إلى مساعدتها بقناع الأكسجين. وفي ذلك الوقت كانت سيارة الإسعاف الخاصة بالتقني الطبي المختص بحالات الطوارئ علي الخليل قد وصلت إلى المكان، عبر التقاطع من ناحية مدينة غزة، وعندما سمع صراخ ولاء تصور الخليل أنها قد أُصيبت أو أن زميلها البلبيسي قد أُصيب بطلقات نارية، فاقترب بسيارته متراجعاً، وهو منكمش في مقعد القيادة، خشية أن يتعرض هو نفسه للنيران. وأُصيبت إحدى إطارات سيارته ولكنها استمرت في الحركة، وتمكن الرجلان ـ وهما يحتميان بسيارة الخليل ـ من نقل ولاء كوده إلى مخفر الداوريات المشتركة للاحتماء به. وقالت ولاء كوده لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنها لم تستطع الانتقال هي ومن معها ممن احتموا بذلك الموقع لمدة لا تقل عن خمس وأربعين دقيقة بسبب استمرار إطلاق النار على مخفر الداوريات المشتركة وعلى سيارات الإسعاف.
    وكان التقنيون المختصون بحالات الطوارئ لا يزالون يسمعون الصراخ الصادر من زاوية المفترق، وعاد البلبيسي والخليل لمحاولة نقل الجرحى. وقال علي الخليل لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنهما استمرا في التعرض للنيران أثناء اقتراب سيارتهما من المفترق، حيث شاهدا والد محمد الدرة يلوح بيده. وكان البلبيسي، الذي كان في الثامنة والأربعين من عمره، قد نهض أو كاد من مقعد الراكب الأمامي وعلى وشك أن يفتح باب سيارة الإسعاف الجانبي، عندما أُصيب برصاصة قاتلة إذ دخلت من جانبه الأيسر واخترقت القلب. وقال الخليل لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنه أدرك عندما شاهد تدفق الدماء الغزيرة أن صديقه قد تُوفي. وأضاف قائلاً "لقد كان عليَّ أن أبذل محاولة ما"، ومن ثم أسرع بالسيارة تحت وابل النيران عبر التقاطع لينقل البلبيسي إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وأخذ معه طبيباً وممرضاً من المستشفى الميداني أثناء سيره، وقد فحصت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" سيارة الإسعاف المذكورة ووجدت الأدلة المتمثلة في كثرة الثقوب التي أحدثتها الرصاصات وخدوش الشظايا.
    وفي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول أطلق جنود الجيش الإسرائيلي، من موقعهم الحصين في نتساريم، النار على إحدى سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني التي كانت تقل معين أبو عيش، وهو التقني الطبي المختص بحالات الطوارئ، بينما كان يقوم مع أفراد فريقه بنقل شاب آخر من المصابين. ولم يرد أن أحداً من الفلسطينيين كان يطلق النار آنذاك. وقد أُصيبت السيارة بسبع طلقات متوسطة العيار، دخلت جميعها من الجانب الذي يجلس فيه السائق ومرت من خلال مكان جلوسه ومكان جلوس الراكب إلى جواره، ومرت إحدى الرصاصات بالقرب من أنبوبة الأكسيجين بالسيارة، ولم يكن يفصل بينهما سوى سنتيمترات معدودة، وأصابت رصاصة أخرى مكاناً متاخماً لخزان البنزين. وأما الشاب الجريح الذي كانا ينقلانه في السيارة فقد أُصيب إصاباتٍ أخرى في رأسه نتيجة الشظايا التي دخلت سيارة الإسعاف.
    وفي يوم أول أكتوبر/تشرين الأول، قامت مروحية مقاتلة تابعة للجيش الإسرائيلي بإطلاق النار برعونة وعدة مرات على المناطق المتاخمة للمستشفى الميداني التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في نتساريم، مما أدى إلى توقف العمليات فيها. وكان هذا المستشفى الميداني يحمل علامات تحدد هويته بوضوح وتقع على بُعد 400 متر من المفترق الذي وقعت فيه المصادمات، وبه موظفون مكلفون بحظر تواجد غير العاملين بالمهن الطبية داخل المستشفى أو بالقرب منها. ولم يتوقف إطلاق النار عليها، طبقاً لما رواه مدير جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية في غزة، الدكتور خليل أبو فضل، إلا بعد أن قام مندوب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي كان موجوداً هناك في ذلك الوقت، بتقديم احتجاج عاجل إلى الجيش الإسرائيلي.

  •  
    E-mail بريدالكتروني WR 2000 Mena  Campgn HR-Global  حقوق المرأة والطفل والعدالة والأسلحة والألغام Countries Mena Israel Home