الصفحة الرئيسية / Go to Arabic Home Page    منظمة مراقبة حقوق الإنسان -الشرق الأوسط وشمال أفريقيا/    Human Rights Watch - Mideast and North Africa التقرير السنوي لعام 2000
يتناول الفترة من نوفمبر 98حتى أكتوبر99
المقدمــة
المدافعون عن حقوق الإنسان العدالة والسلم والديمقراطية محاكمات رواندا نقد التدخل العسكري مبدأ أنان المقدمــة

إصدارات أخري
التقرير السنوي لعام 1999
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
Human Rights Watch

مواقع أخرى ذات صلة
تقرير منظمة العفو الدولية 99
منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان /اليمن
شبكة مؤسسات حقوق الإنسان

المنظمة العربية لحقوق الانسان
العالم العربي على الانترنت
المقدمــة
تضاءلت في عام 1999 إحدى العقبات التي كانت تحول دون وضع حد للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والانتصاف لضحاياها، ألا وهي عقبة السيادة الوطنية، وزاد احتمال إحالة مرتكبي هذه الجرائم من زعماء الحكومات إلى العدالة بل واحتمال التدخل العسكري؛ وكان الدرس الموجه إلى الزعماء هو أنهم يخاطرون بحريتهم وسيادتهم على أراضيهم إذا ارتكبوا الانتهاكات البالغة الشدة لحقوق الإنسان
وشهد العام تقدماً كبيراً على طريق إنشاء نظام دولي للعدالة قادر على ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم. واستمرت المحاكم البريطانية في نظر القضية المرفوعة ضد دكتاتور شيلي الأسبق، الجنرال أوغسطو بينوشيه، وهي القضية التي رفعتها إسبانيا، وتعتبر أول محاكمة دولية لرئيس دولة منذ محاكمات نورمبرغ. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أول اتهام لرئيس دولة ما يزال في السلطة، وهو الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفتش، وقامت قوات منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البوسنة بإلقاء القبض على العديد من المشتبه في ارتكابهم جرائم الحرب ممن وجهت المحكمة المذكورة التهمة إليهم، وإن لم يكونوا أهم المتهمين حتى الآن. وواصلت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا محاكمتها التي حالفها التوفيق لأهم رجال السلطة المسؤولين عن ارتكاب الإبادة الجماعية في ذلك البلد. أما المحكمة الجنائية الدولية، التي ستكون أول مؤسسة عالمية لإقامة العدالة وقادرة على محاكمة كبار منتهكي حقوق الإنسان على مستوى العالم كله، فقد حظيت بتأييد باهر في الآونة الأخيرة، إذ بلغ عدد الحكومات التي وقعت معاهدة إنشائها 89، حتى أكتوبر/تشرين الأول، وهكذا فلم يعد أحد يتساءل إذا ما كانت هذه المؤسسة التي تمثل معلماً من معالم الطريق سوف تبدأ العمل بل أصبح السؤال هو متى تبدأ العمل
ولم يقتصر الأمر على المحاكم الدولية، بل إن المحاكم الوطنية أيضاً أبدت استعداداً أكبر لمحاكمة مرتكبي الجرائم البشعة ضد حقوق الإنسان خارج حدود بلدانها؛ فإلى جانب الملاحقة القضائية للجنرال بينوشيه من جانب بريطانيا وإسبانيا، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية السويسرية حكماً بإدانة أحد المسؤولين الروانديين السابقين بارتكاب جرائم حرب، بسبب الدور الذي اضطلع به في حادثة الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994. كما سبق لألمانيا والدانمرك أن أدانتا اثنين من صرب البوسنة وأحد
Press mena algeria bahrain egypt iran iraq israel saudi sudan syria tunisia yemen introdution
مسلمي البوسنة بتهمة ارتكاب بعض الفظائع إبان الصراع الذي شهدته البوسنة؛ كما قامت المحاكم النمساوية والسويسرية بمحاكمة اثنين من صرب البوسنة بتهمة ارتكاب مثل هذه الجرائم وبرأتهما منها؛ وتجري حالياً إجراءات محاكمات جنائية مماثلة فيما لا يقل عن أربع قضايا في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا. كما اضطُر أحد كبار المسؤولين العراقيين إلى العودة بسرعة إلى بلاده عندما ارتفعت أصوات الجماهير التي تطالب حكومتي النمسا والأردن باعتقاله ومحاكمته لدوره في القمع الشديد الذي يجري في العراق
. وإلى جانب ذلك، أبدى المجتمع الدولي استعداداً جديداً لنشر القوات اللازمة لوضع حد للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. ففي تيمور الشرقية، أدت الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية المكثفة إلى إقناع جاكرتا بأن تسمح بعد لأيٍ بانتشار قوات متعددة الجنسيات لوضع حد للحملات التي تقوم بها الميليشيات التي يظاهرها الجيش الإندونيسي لإبادة الأخضر واليابس؛ وفي كوسوفو قام حلف الناتو بحملة القصف الجوي التي كانت مثار خلاف قبل أن توافق بلغراد على انتشار القوات الدولية اللازمة لوضع حد للمذابح العرقية ونزوح السكان عن ديارهم على نطاق واسع.
وتؤذن هذه الاتجاهات ببدء عهد جديد لحركة حقوق الإنسان؛ فقد كان عدم وجود أي نظام يمكن أن يوصف بأنه نظام للعدالة الجنائية الدولية حتى الآن من العوامل التي ضيقت نطاق الخيارات المتاحة للدفاع عن حقوق الإنسان؛ إذ تستطيع منظمات حقوق الإنسان أن تَصِم الحكومات المعتدية على حقوق الإنسان بالعار، وأن تحشد الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، وأن تطالب بالالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكنها نادراً ما تستطيع محاكمة الطغاة أو الاعتماد على أن الحكومات سوف تستخدم ما لديها من قوات الشرطة لتنفيذ قانون حقوق الإنسان.
ويبدو أن هذا الحال قد بدأ يتغير ببطء، إذ أصبح من الأرجح اليوم أن تُوجه الاتهامات للطغاة، حيث تمكنت المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان برواندا ويوغوسلافيا السابقة، إلى جانب العديد من المحاكم الوطنية، من احتجاز المشتبه فيهم ممن وُجهت إليهم التهم، واحداً بعد الآخر، فنشأ سجل يحفل تدريجياً بأسماء المقبوض عليهم والذين حوكموا وعوقبوا. ويبدو أن المجتمع الدولي قد أصبح أكثر استعداداً، في بعض مناطق العالم على أقل تقدير، لنشر القوات اللازمة لوضع حد للمذابح الهائلة؛ ولو أن هذه الاتجاهات الجديدة ما تزال تتعثر وتغص بمشكلات عدم الاتساق وإمكان سوء التطبيق؛ ويبدو أن إفريقيا تعاني من التجاهل بصفة خاصة؛ ولكن هذه الاتجاهات تبشر، على أية حال، بمشرق عهد ينتقل فيه الدفاع عن حقوق الإنسان من صيغة الضغط القائم على القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى صيغة تطبيق القانون.
ولكن ازدياد الاستعداد لتجاوز السيادة الوطنية في مواجهة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لا يعني انتهاء نظام الحكومات المستقلة، فالحكومات ذات السيادة ما تزال تتحمل المسؤولية الأولى عن الحفاظ على النظام، وإرساء سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان. وهذا واجب له أهميته التي لا تقتصر على كونه واجباً، بل تتخطى ذلك إلى أنه يؤدي إلى منع تفاقم الانتهاكات الأقل شدة وتصاعدها إلى أن تصبح فظائع بشعة ـ وهكذا فالواجب المذكور يمثل أقل الاستراتيجيات تكلفة وأقربها إلى تحقيق الغايات الإنسانية المنشودة. فإذا قصّرت الحكومات في النهوض بهذه المسؤوليات، فعلى حركة حقوق الإنسان أن تلجأ إلى أساليبها المعتادة، وهي إماطة اللثام عن الانتهاكات وإدانتها ونبذ مرتكبيها والدعوة إلى فرض العقوبات عليهم. ومع ذلك، فلقد أوضح لنا العام المنصرم احتمال وجود أدوات جديدة يمكن الانتفاع بها في الحالات القصوى أيضاً، وسوف تركز المقدمة الحالية للتقرير السنوي العاشر الذي تصدره منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" على مناقشة هذه التغيرات الكبيرة في النظام العالمي للدفاع عن حقوق الإنسان - سواء كان ذلك ما تبشر به من خير، وما تحمله في طياتها من مخاطر. التدخل العسكري
لاشك أن أهم التطورات التي شهدها عام 1999 وأكثرها إثارة هو استخدام القوة العسكرية من جانب الهيئات الإقليمية والدولية لوضع حد للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، أي أبشع الانتهاكات المرتكبة في إطار العدوان الواسع النطاق أو الاعتداءات المنظمة على السكان المدنيين. ولم تمض إلا خمس سنوات على تجاهل المجتمع الدولي، تجاهلاً مزرياً، للإبادة الجماعية في رواندا. وقام أعضاء المجتمع الدولي مرتين، في غضون العام المنصرم، بنشر قواتهم لوضع حد للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، مرة في كوسوفو ومرة في تيمور الشرقية. أما في تيمور الشرقية، فإن الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية الشديدة كفلت موافقة الحكومة الإندونيسية على نشر القوات المتعددة الجنسيات. وأما في كوسوفو فإن القصف الجوي الذي قامت به قوات الناتو أدى إلى موافقة الحكومة اليوغوسلافية على نشر القوات الدولية. وربما رأينا في هاتين الحالتين ما يدل على أن المجتمع الدولي أصبح على استعداد لاستخدام موارد استثنائية، من بينها القوات العسكرية، في التصدي للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي يملك القدرة على وضع حد لها. تيمور الشرقية
عندما أعلنت الأمم المتحدة، في 4 سبتمبر/أيلول، أن نتيجة الاستفتاء الذي أشرفت على إجرائه في تيمور الشرقية يوم 30 أغسطس/آب كانت التصويت بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال، انطلقت قوات الميليشيا التي يساندها الجيش الإندونسي كالسيل العارم تقتل وتحرق وتدمر. وزعمت جاكرتا أنها كانت تحاول كبح جماح أعمال العنف، ولكن الأدلة المتوافرة، ومن بينها ما رواه الكثيرون من شهود العيان، تشير إلى تورط الجيش والشرطة في حملة منسقة لطرد المراقبين المحايدين ثم الشروع في حملة لاجتثاث الأخضر واليابس قتلت فيها أعداداً مجهولة من السكان، ودمرت فيها أكثر من نصف المنازل ومرافق البنية الأساسية في أماكن كثيرة. وأصبح مئات الآلاف من أبناء تيمور الشرقية نازحين، مما أرغم الكثيرين منهم على عبور الحدود ودخول تيمور الغربية التابعة لإندونيسيا. وكان التحدي الذي يواجهه المجتمع الدولي هو كيف يضع حداً لذلك العنف
والدمار ما دامت جاكرتا لا تريد وضع حد له. واستحق المجتمع الدولي ما وُجِّه إليه من اللوم والانتقاد بسبب تقصيره في اتخاذه الاحتياطات الكافية لتلافي سفك الدماء المشار إليه آنفاً. والذي حدث هو أن الأمم المتحدة كانت حريصة على اغتنام الفرصة التي أتاحها الرئيس ب. ج. حبيبي، الرئيس الإندونيسي آنذاك، حين أعلن على غير انتظار في يناير/كانون الثاني 1999 أن حكومته سوف تسمح لتيمور الشرقية بإجراء استفتاء للبت في مستقبلها، وهكذا قامت الأمم المتحدة في مايو/أيار بالوساطة لعقد اتفاق تتحمل الحكومة الإندونيسية بموجبه مسؤولية الحفاظ على الأمن في تيمور الشرقية حتى انتهاء الاستفتاء. ولكن ذلك لم يتحقق، ففي الشهور التي سبقت التصويت، كانت القوات الإندونيسية كثيراً ما تمتنع عن التدخل فيما تفعله الميليشيات المحلية، والتي كان الجيش نفسه قد تولى تنظيم الكثير منها، وما قامت به من حملة دموية لتخويف مناصري الاستقلال وموظفي الأمم المتحدة. ولم يقم المجتمع الدولي بدوره بالضغط اللازم على جاكرتا حتى تقوم بنزع أسلحة الميليشيات وتسريحها قبل موعد إجراء الاستفتاء.

وعندما تفجرت أعمال العنف على نطاق هائل في أوائل سبتمبر/أيلول، لم يكن من الممكن، واقعياً، تدخل القوات الدولية للسيطرة عليها دون موافقة الحكومة الإندونيسية. وكانت أستراليا هي الدولة الوحيدة التي أيدت استعدادها للمساهمة بالقوات اللازمة للشروع في التدخل، ولكنها رفضت أن تتخذ أي إجراء دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولم يكن مجلس الأمن على استعداد لمساندة التدخل العسكري دون موافقة جاكرتا، وهكذا تركزت الجهود الدولية على الضغط على الحكومة الإندونيسية إما لتتولى بنفسها وضع حد لأعمال القتل أو لتفويض الآخرين في ذلك.
وكانت ممارسة الضغط في البداية تتسم بالبطء، إذ كانت الحكومات المانحة للمعونة تخشى أن يزيد إصرارها على تحقيق مطالبها على الحد المعقول فيخرج العملية الديموقراطية في إندونيسيا عن مسارها ويدعم النزعة الانفصالية، وإن كان أخطر ما يهدد مسار الديموقراطية في إندونيسيا ما يزال يكمن في رفض العسكريين الإندونيسيين الانصياع إلى حكم القانون. وكان من بين الذين ألقوا الضوء على الفظائع التي كانت ترتكب في تيمور الشرقية ماري روبنسون، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. وأخيراً، وبعد وقت طويل، قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالاستجابة للضغوط الجماهيرية الكبيرة فقطعت المعونة والأسلحة أو هددت بقطعها إذا لم يتوقف ارتكاب الفظائع. كما قام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أيضاً بالامتناع عن تقديم الأموال لإندونيسيا، بسبب الضغوط التي تعرضا لها من الحكومات المانحة، وبسبب خوفهما الظاهر من أن تؤدي أعمال العنف في تيمور الشرقية إلى زيادة إحجام الاستثمارات الدولية في الاقتصاد الإندونيسي الذي كان الضعف قد حل به من قبل. وهكذا كانت الرسالة المرسلة إلى إندونيسيا هي أنها لن تتمكن من الاستفادة بالأريحية الدولية ما دامت تسخر سخرية صارخة من القواعد الدولية التي تحظر ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكانت اليابان هي الدولة الوحيدة بين كبار الدول المانحة التي أصرت على أن تكون لروابطها الاقتصادية الأولية على ضرورة وضع حد لسفك الدماء، ولو أنها قامت بممارسة الضغط الدبلوماسي على إندونيسيا.

وكانت هذه الضغوط مجتمعة كافية للحصول على موافقة جاكرتا على نشر قوات متعددة الجنسيات في تيمور الشرقية، وإن كانت الحملة التي شنتها قوات الجيش والميليشيا لإحراق الأخضر واليابس قد بلغت ذروتها آنذاك فخلفت تيمور الشرقية خاوية على عروشها وقد هجرها معظم أهلوها، ومما زاد الطين بلَّة أن عشرات الآلاف من الذين اضطروا في حالات كثيرة إلى الفرار، اتجهوا إلى تيمور الغربية، التي لم تُنشر فيها أية قوات دولية.
وفي غضون ذلك كان سلوك أفراد بعثة الأمم المتحدة العزل من السلاح في تيمور الشرقية (التي يشار إليها اختصاراً بكلمة "يوناميت") مثالياً، وعلى من يريد تقدير مدى إحساسهم بالواجب والاضطلاع بشجاعة به، أن يقارن سلوكهم هنا بسلوك رجال الأمم المتحدة المسلحين الذين كانوا يتولون الدفاع عن مدينة سريبرينيتشا في البوسنة عام 1995 والذين لم يتدخلوا لإنقاذ السكان المدنيين في تلك المنطقة، التي أعلن مجلس الأمن أنها "منطقة آمنة"، من المذابح التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة. بل إن العاملين في صفوفهم من أبناء البوسنة قد أُرغموا على ترك أفراد أسرهم تحت رحمة القوات المعتدية. ولكن الكثيرين من ممثلي بعثة "يوناميت" في تيمور الشرقية أصروا على اصطحاب العاملين التيموريين معهم أثناء فرارهم إلى ديلي، العاصمة، ورفضوا إخلاء مقر قيادتهم في ديلي حتى تم إجلاء العاملين المحليين، وأفراد أسرهم، وجميع المدنيين التيموريين الذين كانوا قد لجأوا إلى الاحتماء في مجمّع الأمم المتحدة.

عن مراقبة حقوق الإنسان

الصفحة التالية next اكتب لنا بالعربية أو الإنجليزية
mena@hrw.org
الصفحة السابقة
back

الصفحة الرئيسية