Skip to main content

عليك التدقيق طويلاً وبتركيز بحثاً عن أخبار سارة فيما يتعلق بحقوق الإنسان في مصرفي الوقت الراهن، إلا أن هناك بادرة مُشجعة في  قرار الرئيس المؤقت، عدلي منصور، الصادر يوم 14 أبريل/نيسان والخاص بإرسال مسودة تشريع "مكافحة الإرهاب" إلى وزارة العدل من أجل إعادة النظر فيها.

أعلنت الحكومة المدعومة من القوات المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول أن هذا التشريع قيد الإعداد. ويبدو أن وزارة الداخلية قدمت بالفعل مشروع قانون إلى مجلس الوزراء في سبتمبر/أيلول عام 2013. [1] وفي بداية شهر أبريل/نيسان من هذا العام، أقر مجلس الوزراء حزمة من القوانين تشمل قانوناً جديداً وتعديلات على قانون العقوبات، دون حوار مُجتمعي كافٍ، ثم قام بأرسلها إلى منصور حتى يوقع عليهم كما هو مُتوقع. ونحن لا نعلم الأسباب التي دفعت الرئيس إلى إرسال التشريع إلى وزارة العدل، حيث أن العملية برمتها تفتقر إلى الشفافية إلى حد كبير.

وليس من الصعب، رغم ذلك، تحديد بعض المشاكل الجوهرية فيما نعرفه عن مسودة التشريع: يبدو أن المنوط بهم سن القوانين وحفظ النظام في مصر يحاولون تجاوز العقبات التي وضعها الدستور الجديد في طريقهم؛ والتي تمنعهم من أي تجديد لفرض حالة الطوارئ. نأمل أن يدرك منصور هذا الخطر، وهو من جلس على منصة القضاء في المحكمة الدستورية العليا منذ 1992 وأصبح رئيساً لها في مايو/آيار 2013، قبل أن يصبح رئيساً مؤقتاً للجمهورية.

صياغة فضفاضة  

أولاً، إن تعريف الإرهاب فضفاض لدرجة تجعله ينطبق على أي فعل من شأنه "عرقلة" عمل الموظفين العموميين، وتعطيل المعاهد، والجامعات، والسفارات، وما إلى ذلك. وقد ينطبق هذا الوصف على الاحتجاجات السلمية والإضرابات العمالية. وهناك مادة أخرى تفرض عقوبة بالحبس لمدة تصل إلى عشر سنوات ضد كل من يُساند أوينضم إلى تنظيم "يضر بالوحدة الوطنية" أو"السلم الاجتماعي". وقد يقع تحت طائلة الاتهام، بموجب هذه اللغة الفضفاضة، كل من شارك في المظاهرات الحاشدة في عام 2011، ضد الرئيس آنذاك، حسني مبارك أو، في تلك الحالة، كل من انضم إلى مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي، والتي دفعت الجيش إلى عزل خلفه محمد مرسي.

لقدحث خبراء دوليون مصر طويلاً على إلغاء الخصائص المُسيئة في قوانين الإرهاب ولكن يبدو أن الحكام الجدد عازمون على توسيعها.

وتتفاقم هذه المشكلة بسبب تعديل آخر من شأنه تجريم حيازة أو نشر أية مواد إعلامية (مطبوعات أو تسجيلات) يظهر منها دعم أي شيء بموجب التعريف الغامض والمُربك للإرهاب. حتى أنه يمكن أن ينطبق على صفحات إنترنت تم تصفُحها أو تخزينها على حاسوب أو هاتف ذكي.

وهناك قضية ثانية تتعلق بالتوسع في إصدار أحكام الإعدام. بموجب مسودة التشريع، يُعاقب بالإعدام كل من قاد أو"أدار" جماعة تم وصمها بالإرهاب. وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، قامت السلطات بتوصيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، بعد هجوم على مقر مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة، في الدلتا، على الرغم من إفادة وزارة الخارجية الأمريكية بأن السلطات لم تقدم "أي دليل ثبوتي على تورط جماعة الإخوان المسلمين بشكل مُباشر في هذا التفجير، أوأي هجمات إرهابية حدثت في أعقاب الإطاحة بمرسي". [2]ومن المُحتمل أن تصدر أحكام بالإعدام ضد مرسي ومديري المقار المحلية للجماعة.   

ثالثاً، يُجيز أحد تعديلات مشروع قانون العقوبات للسلطات التحفظ على المُحتجزين دون عرضهم على أحد وكلاء النيابة أو أحد القضاة لمدة 72 ساعة – وهي ثلاثة أضعاف المدة التي أقرها الدستور الجديد - ويمكن لهذه المدة أن تمتد إلى أسبوع. وفي ظل هذه الظروف، يصبح المعتقلون عُرضة للانتهاكات والاعترافات القسرية. وكان وزير الخارجية نبيل فهمي قد امتدح الدستور مؤخراً في واشنطن، باعتباره "تحول جوهري، وخاصة في قضايا الحريات المدنية"، إلا أنه لم يجد ما يقوله حول هذا المُقترح الذي ينحرف عن أهداف الوثيقة التي يدعي أنه يعتز بها. [3]

حالة الطواري

لدى السلطات المصرية تاريخ حافل من التشريعات المناهضة للإرهاب والتي تثير إشكاليات. لقد أدى اغتيال أنور السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981 إلى وصول نائبه مبارك، إلى السلطة، بالتزامن مع أعلان حالة الطواريء (بموجب القانون 162 لعام 1958) وقام مبارك بتجديدها دون انقطاع على مدار فترة حكمه التي استمرت 30 سنة.  وفي عام 1981 أيضاً، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات تجيز حبس "كل من تتوافر ضده أدلة موثوقة أو مُشتبه به في الضلوع بأنشطة من شأنها الإخلال بالأمن العام أو النظام العام أو تهدد الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي". وفي عام 1992، وسطتمرد إسلامي مسلح، أعلنت الحكومة قانون لمكافحة الإرهاب، والذي سمح بالاحتجاز دون الإحالة إلى النيابة العامة لكل من ينتمي إلى الجماعات التي سعت إلى "تعطيل الدستور أوالقوانين، ومنع سلطات الدولة من القيام بواجباتها، وتهديد الحريات الشخصية أو الحريات، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي". [4]ولقد تم احتجاز 15 ألف إلى 20 ألف شخصاً تقريباً دون مُحاكمة، ودام احتجاز بعضهم لمدة عقدين من الزمن.[5]  

كما قدمت السلطات مسودة تشريع لمكافحة الإرهاب في عامي 2006-2007، لتستبدل ظاهرياً قانون الطواريء، إلا أن التشريع لم يصدر في شكله النهائي على الإطلاق أو تم تمريره رسمياً، على ما يبدو بسبب رفض وزارتي الداخلية والدفاع لمُقترح بتحديد طول مُدد الاحتجاز. وكانت أحد النتائج المترتبة على ذلك قيام مجلس الشعب، الذي كان يُهيمن عليه الحزب الحاكم حينئذ: الحزب الوطني الديموقراطي، بتجديد حالة الطواريء عن طيب خاطر كل عامين حتى رحيل مبارك.

من الواضح أن المادة التي تجيز تمديد فترات الاحتجاز دون توجيه تهمة في المسودة الجديدة، تهدف إلى دمج مواد من قانون الطواريء سيئ السمعة إلى قانون العقوبات. وهكذا يتثنى للسلطات الالتفاف على شرط في الدستور الجديد وهو موافقة البرلمان على إعلان حالة الطواريء، والتي تقتصر على 3 شهور؛ ويتطلب تجديدها موافقة أغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر الرئيس منصور قانون الاجتماعات العامةالجديد، وهو أيضاً إعادة إنتاج فعالة لمواد قانون الطواريء شديدة الصرامة. [6]

توصيات موثوقة

لقدحث خبراء دوليون مصر طويلاً على إلغاء الخصائص المُسيئة في قوانين الإرهاب ولكن يبدو أن الحكام الجدد عازمون على توسيعها. وفي أبريل/نيسان 2009، قام مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، مارتن شينين، قام بزيارة مصر بدعوة من الحكومة في ذلك الحين. إلا أن الحكومة المؤقتة تجاهلت، مع الأسف، التوصيات الموثوقة التي تقدم بها بعد مُراجعته لمواد مكافحة الإرهاب في قانون العقوبات، ومناقشة مسودة التشريع التي لم يتم العمل بها مع المسؤولين المصريين. 

أعرب شينين عن قلقه إزاء خطورة التشريع المُقترح في "إلصاق صفة الإرهاب" بممارسات لا تُشكل عنفاً ضد الأشخاص. [7]كما كتب شينين أن القانون "الذي لا يقتصر بشكل صحيح على مجابهة الإرهاب، يُضعف من شرعيته" و"قد يُقيد دون مبرر" ممارسة الحق في المعارضة السلمية. [8]كما دافع عن ضرورة عرض المُحتجزين على القضاء في غضون 24 ساعة من إلقاء القبض عليهم، "يلي ذلك العرض على محكمة عادية ومُستقلة أكثر من مرة واحدة أسبوعياً". [9]وأضاف شينين أن تعريف جرائم الإرهاب "يجب أن يقتصر حصرياً على الأنشطة المنطوية على استخدام العنف المميت أو الخطير، أو المتعلقة به مباشرة، ضد مدنيين، وتحميل المسؤولية الجنائية لجماعة أو لأعضائها، فقط على أساس أدلة موضوعية على أنشطة ذات طبيعة إرهابية حقيقية، وعلى تورط الأشخاص المعنيين فعلياً". [10]

تواجه مصر مشكلة خطيرة، لا يمكن إنكارها، مع الإرهاب، إلا أن الحل لا يكمن بالتأكيد في تجريم كافة أشكال المعارضة العلنيةوالمعارضة السياسية ووصمها بالإرهاب. على المسؤولين في وزارة العدل النظر في أمر توصيات شينين، وكذلك العودة إلى الأحكام التشريعية النموذجية بشأن مكافحة الإرهاب الصادرة عام 2009 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من أجل مساعدة الدول في تبني "طريقة تعامل مع الإرهاب قائمة على العدالة الجنائية السليمة". [11]فإذا قاموا بذلك، فقد يحدونا الأمل في قيامهم بمراجعة أسوأ مواد التشريع الجديد.

 

جو ستوركنائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.


 

 [1] "تحذر منظمات حقوقية من أن قانون جديد لمكافحة الإرهاب من شأنه إعادة تأسيس للدولة البوليسية ويزيد من حدة العنف والإرهاب"، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2013

[2] وزارة الخارجية الأمريكية، مكتب مكافحة الإرهاب، "مصر "، تقارير قُطرية حول الإرهاب عام 2013، 30 أبريل/نيسان 2014. وتبنت جماعة أنصار بيت المقدس التي تتمركز في سيناء هجوم المنصورة.

[3] "سياسة مصر الخارجية في واقع جديد"، منتدى رجال الدولة مع السيد نبيل فهمي، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، 28 أبريل/نيسان 2014، نسخة الخدمة الإخبارية الفيدرالية.

[4] الاسم الرسمي للقانون 97/1992 هو قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون إنشاء محاكم أمن الدولة، وقانون سرية الحسابات المصرفية، وقانون الأسلحة والذخيرة. لبعض المواد، انظر الفصل حول مصر في هيومن رايتس ووتش، التقرير العالمي عام 1996، ص 271.

[5] جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، "الاحتجاز والمحتجزون في مصر لعام 2003" (القاهرة، 2003)، ص 18.

[6] هيومن رايتس ووتش، "مصر - قانون الاجتماعات العامة الجديد شديد التقييد"، 26 نوفمبر/تشرين الثاني، 2013.

[7] "تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، مارتن شينين: البعثة إلى مصر"، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الثالثة عشر، البند 3 من جدول الأعمال، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2009، نسخة منقحة، رقم: A/HRC/13/37/Add.2 ، § 14

[8] المرجع نفسه ، § 16

[9] المرجع نفسه ، § 17

[10] المرجع نفسه ، § 50، 51

[11] وثائق الأمم المتحدة ، فرع منع الإرهاب، "الأحكام التشريعية النموذجية بشأن مكافحة الإرهاب"، فبراير/شباط 2009.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.