Skip to main content

القاهرة – "لقد عاد عهد مبارك"، هذا ما قاله ضابط شرطة لـ سيد، 23 عاما، من محافظة الشرقية بدلتا النيل،  حينما كان يحقق معه في أحد مراكز الشرطة بالقاهرة في وقت سابق من هذا الشهر. كانت الشرطة قد اعتقلت سيد بعد أن سمعه ركاب ميكروباص وهو يعرب عن تأييده للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي.

كان سيد ومجموعة زملائه من أنصار مرسي يروون لي قصصه داخل خيمة في أحد المخيمات الموالية لـ مرسي التي ​​تديرها جماعة الإخوان المسلمين بجوار مسجد رابعة العدوية، في أحد أحياء شرق القاهرة. في الخلفية، وتحت الأضواء الكاشفة، كان قادة الإخوان يحاولون جاهدين توصيل رسالتهم الأساسية عبر مكبرات الصوت: عزل الجيش للرئيس مرسي في 3 يوليو/تموز انقلاب عسكري.

وروى أحمد، 22 عاما، من محافظة الفيوم غرب القاهرة، كيف كان واحد من مئات من أنصار مرسي الذين اعتقلوا في الساعات الأولى من صباح 8 يوليو/تموز عندما اشتبكت الشرطة والجيش مع متظاهرين مؤيدين لـ مرسي ​​خارج مقر الحرس الجمهوري على طريق المطار. قتل أكثر من 50 متظاهرا، أصيب معظمهم بالذخيرة الحية.

يدعي الجيش أنه تعرض أولا لهجوم من قبل "إرهابيين"، ولكن الأدلة التي كشفتها هيومن رايتس ووتش تشير حتى الآن إلى أن الاشتباكات بدأت فقط بعد أن حاولت الشرطة إخلاء المحتجين أثناء صلاة قبل الفجر.

أفرج عن أحمد وسيد في نهاية المطاف بكفالة، لكن ليس قبل أن يتم تلقينهم درسا شديد اللهجة - مصحوبا بالصفع والشتم – مفاده أن الدولة البوليسية القديمة التي تمرد ضدها المصريون في يناير/كانون الثاني 2011 تدير الأمور بحزم الآن .

لا تزال الأجهزة الأمنية القديمة، بطبيعة الحال، تمارس نفوذا ضخما في مصر بعد سقوط مبارك، سواء خلال الفترة الانتقالية التي أشرف عليها الجيش، أو منذ انتخاب مرسي. لكن العقود القديمة من قمع الشرطة للإخوان كانت قد انتهت. وها هي الآن تعود.

لا يزال مرسي نفسه وفريقه الرئاسي رهن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي ودون توجيه تهم، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إبعادهم من السلطة. واعتقلت الشرطة 16 شخصا آخرين على الأقل من قادة الإخوان بتهمة التحريض على العنف وغيرها من الجرائم المزعومة. أغلقوا أيضا العديد من وسائل الإعلام الإسلامية واعتقلوا صحفيين متعاطفين مع الإخوان، وتركوا الدعاية الصريحة المؤيدة للجيش دون منازع في وسائل الإعلام الرئيسية.

هناك مخاوف حقيقية أنه ما لم يصل الجيش إلى اتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين بشأن إدخالهم في العملية السياسية التي رسمها حديثا الفريق أول عبد الفتاح السيسي، فإن قمع الإخوان ومؤيديها سيتصاعد - مع عواقب وخيمة.

ليس هناك شك أن فشل مرسي في مجال حقوق الإنسان - على رأس العديد من الأخطاء السياسية - هو سبب الأزمة الحالية. على رأس القائمة إخفاقه في إصلاح أو مساءلة قوات الأمن ذاتها التي تحمل الآن عليه وعلى مؤيديه. كانت أساليبهم المسيئة هي الحجة الرئيسية لأولئك الذين ثاروا ضد مبارك في عام 2011. لقد كان إصلاح قطاع الأمن وما يزال مهمة كبيرة.

لكن مرسي لم يحاول ذلك بجدية. بدلا من ذلك، فإنه، من قبيل الأمل على ما يبدو في كسب تأييد قوات الأمن، وضع على الرف تقريرا عن قتل الجيش والشرطة لمتظاهرين سلميين في الـ 18 شهرا الأولى من حقبة ما بعد مبارك.

في غياب المساءلة، ليس من المستغرب استمرار إساءة الشرطة واستخدامها المفرط للقوة في عهد مرسي، مما أدى، ضمن حوادث أخرى، إلى مقتل 48 شخصا في ديسمبر/كانون الأول الماضي في بورسعيد.

فشل مرسي أيضا في تفكيك عناصر أخرى من الدولة البوليسية القمعية التي ورثها عندما فاز في الانتخابات الحرة الأولى في مصر قبل عام. وفي حين كانت حرية الصحافة أحد المكاسب الرئيسية لثورة 2011، واصلت النيابة العامة ملاحقة الصحفيين والنشطاء السياسيين بقوانين عهد مبارك التي تجرم المعارضة.

لقد تفاقم في عهد مرسي التسامح مع خطاب الكراهية الطائفي والفشل في منع نوبات جديدة من العنف الطائفي ضد الأقليات الدينية، وهي مشكلة متكررة في ظل حكم مبارك، مع استخدام الزعماء الإسلاميين للطائفية لكسب التأييد الشعبي. في عهد مرسي، تمت صياغة قوانين جديدة بشأن المظاهرات، والجمعيات، والنقابات. لكنهم فشلوا في التصدي للعناصر القمعية في القوانين السابقة، وفي بعض المجالات زادوا من تقييد الحريات.

كانت هناك بالطبع أسباب كثيرة وراء تدفق مئات الآلاف من المصريين إلى الشوارع والساحات يوم 30 يونيو/حزيران للمطالبة برحيل مرسي، وهو ما أعطى الإشارة للجيش لعزل مرسي من الرئاسة بعد ذلك بثلاثة أيام. ولكن الخوف من خنق الحريات الوليدة في مصر من قبل الوسائل السلطوية للإخوان المسلمين وعزمهم على فرض أجندتهم الإسلامية، كانت من أبرز هذه الأسباب.

كان هذان الأمران ظاهرين في تعامل الإخوان المسلمين مع إعادة كتابة الدستور المصري في العام الماضي عندما أعلن مرسي أن قراراته فوق المراجعة القضائية ومرر دستورا ترك الباب مفتوحا لتفسيرات صارمة للشريعة الإسلامية من شأنها أن تقوض حرية التعبير وحقوق المرأة والأقليات.

لذا، وبعد سنتين ونصف على الثورة، لا يزال المجتمع المدني في مصر – وهو حشد متفائل، ومنقسم، ومتنوع، وشامل، وبلا قيادة من نشطاء، ونقابيين، ومدونين، وفنانين، وصحفيين، وناشطات نسائيات، وغيرهم – والذي قام بالكثير لتحقيق ذلك مطوقا بشكل مأساوي ما بين اثنين من أقدم مؤسسات مصر الحديثة، وأقلها مساءلة وشفافية: الجيش والإخوان المسلمين.

يجد نشطاء حقوق الإنسان على وجه الخصوص أنفسهم في ورطة محرجة وغير مريحة. فإذا أنت انتقدت انتهاكات الجيش سيتهمك مؤيدوا الانقلاب بتقديم العون للحركة الإسلامية التي يقولون إنه قد تم كشفها على أن لها أجندة سلطوية تتناقض مع حقوق الإنسان. وإن انتقدت انتهاكات الإخوان المسلمين فسيتهمك الإسلاميون بتوفير مبرر لانقلاب دموي من قبل أجهزة الأمن التي استخدمت لفترة طويلة القمع والإكراه للحد من الحرية السياسية.

في هذه الحالة التي تتسم بالاستقطاب والخطر، يجب على صانعي السياسة الأميركيين الضغط ليس فقط للعودة إلى الحكم الديمقراطي، ولكن أيضا لتعزيز دعوات النشطاء المحليين في مجال حقوق الإنسان لاحترام الحريات الأساسية، والمساءلة، وإصلاح القطاع الأمني. بدون هذه الأسس، فإن تجربة مصر الديمقراطية ستواصل التخبط، وستبقى مطالب ميدان التحرير من أجل الخبز، والعدالة الاجتماعية، والكرامة مجرد سراب. البديل هو البيادة العسكرية والمدفع الرشاش.

توم بورتيوس هو نائب مدير البرامج في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة