Skip to main content

لهذا لا يمكن أن يؤتمن الأردن على عدم التعذيب

نُشر في: The Independent

إذا كانت وزيرة الداخلية البريطانية ماي تيريزا تعتقد أن الحكومة الأردنية يمكن أن تؤتمن على عدم تعذيب سجنائها، فإنها تحتاج إلى أن تنظر بشكل أكثر تمعنا في الأدلة.
 

يا له من مشهد سيئ. المملكة المتحدة منهمكة في البحث عن سبيل تلو الأخر للالتفاف حول حقيقة أن قوات الأمن الأردنية تعذب المحتجزين مع تمتعها تقريبا بحصانة كاملة من العقاب. لكي تُرحّل الإرهابي المشتبه به أبو قتادة، وصلت المملكة المتحدة إلى حد التفاوض مع الأردن على اتفاق جديد يفترض به أن يعالج ما وصفته وزيرة الداخلية ماي تيريزا "بـمسألة قانونية بحتة"، ألا وهي أن الأردن قد يدين أبو قتادة على أساس أدلة منتزعة باستخدام التعذيب.

لا يعتبر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة أثناء الاحتجاز سياسة معمول بها صراحة في الأردن، ولكن يظل التعذيب آفة كبيرة في سجل حقوق الإنسان في الأردن. والتحقيقات المعيبة والمقاضاة غير المشددة والأحكام المخففة تعمل معا لتجعل محاسبة المسؤولين عن أعمال التعذيب تقريبا مستحيلة.  ولهذا، فإن موقف هيومن رايتس ووتش هو إن أبو قتادة قد يتعرض للتعذيب إذا أرُسل إلى الأردن على الرغم من قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي خلص إلى العكس من ذلك.

عوضا عن التسرع في اعتقاد أنها قد حلت مشكلة التعذيب في الأردن، من الأحري بـماي أن تتابع التطورات في قضية سلطان الخطاطبة الأخيرة. كانت قوات الشرطة قد أوقفت الخطاطبة- 32 عاما- في بلدة عجلون الشمالية بتهمة حيازة المخدرات في أوائل مارس/آذار، وتوفي الخطابة في سجن الجويدة في عمان بعد أربعة أيام من حبسه.

تقدم التقارير الطبية الخاصة بالخطاطبة سردا مروعا لما عانى منه أثناء الاحتجاز: كدمات على الوجه والرأس ناتجة عن "تعرض الجسم للاحتكاك بجسم صلب"، وكدمات في الكوع الأيسر والساق اليسرى ناتجة عن "الاحتكاك والارتطام بجسم خشن"، بالإضافة إلى وجود "سحجات دائرية على الرسغ الأيسر". وعلى الرغم من مزاعم الشرطة بأنه أصيب أثناء سقوطه عند وفاته، توضح تقارير الفحص الطبي أن العلامات التي على جسده ناجمة عن التعذيب.

في أواخر مارس/آذار، وجه أحد المدعين العامين في عمان تهمة التعذيب لستة من أعضاء مكافحة المخدرات في مديرية الأمن العام في ما يتعلق بوفاة الخطاطبة. تضمنت لائحة الاتهام انتهاك المادة 208 من قانون العقوبات الأردني، التي عدلها المشرعون في 2007 لتنص صراحة على حظر استخدام التعذيب. لم يحدث في ما سبق أن أٌدُين مسؤول أمني بالتعذيب بمقتضى المادة 208، وتعتقد هيومن رايتس ووتش إن هذه هي أول مرة يحاول فيها مدعٍ عام القيام بذلك.

إن قرار المدعي العام خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن تاريخ الأردن الطويل في الإفلات من العقاب وما يشوب إقامة العدل في مثل هذه الحالات من أوجه قصور خطيرة يثير الشكوك حول إمكانية تحقيق العدالة.

لن يحاكم الضباط الستة أمام محكمة مدنية مستقلة. ففي الأردن، يحقق كل جهاز أمني في الانتهاكات التي تجرى أثناء الاحتجاز ويعاقب عليها من خلال آليات داخلية، والوحيدة من بين هذه الآليات شبه القضائية التي لا تتسم بالغموض الكامل هي محكمة الشرطة، وتتكون هيئتها ذات الثلاث قضاة من شرطيين زميلين يعينهما مدير الشرطة وقاض مدني.

لا يعضض سجل آليات المساءلة الداخلية الغامضة تلك صحة ثقة ماي، فللأردن سجل يبعث على الإحباط من التحقيقات الضعيفة والأحكام المخففة في ما يتعلق بالضباط المتهمين بارتكاب انتهاكات، بما في ذلك التعذيب.

وحتى عندما تدين محكمة الشرطة بعض الضباط على خلفية ارتكاب انتهاكات، فإنها في العادة تكتفي بتأديبهم. على سبيل المثال، في أعقاب التعرض بالضرب الجماعي الوحشي لسبعين من نزلاء سجن سواقة في عام 2007،  أدانت المحكمة مدير السجنجراءانتهاكاللوائح الشرطيةبتهمة "ممارسةسلطةغيرقانونيةنشأعنها ضرر" بغرامة قدرها 170 دينارا أردنيا (أي 250 دولارا أمريكيا)، ولم تدن المحكمة 12 حارسا ممن شاركوا في أعمال الضرب بحجة أنهم كانوا يتبعون الأوامر.

ولكن في أغلب الأحيان لا يجرى التحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة ولا يُعاقب عليها، كذلك لا تٌنشر معلومات عن أية تدابير لمحاسبة مرتكبي هذه الإساءات.

في عام 2011 أثناء محاكمة جماعية لبعض الإسلاميين على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب أمام محكمة أمن الدولة في الأردن، زعم العديد من المُدعى عليهم تعرضهم للتعذيب على يد قوات الأمن، ولكن لم يجر التحقيق في إدعاءاتهم.  ومن المرجح أن تتم محاكمة أبو قتادة نفسه أمام محكمة أمن الدولة، وهي محكمة شبه عسكرية غير مستقلة ولها سجل من قبول الأدلة التي يشوبها استخدام التعذيب.

وفي مارس/آذار 2012، ضرب ضباط شرطة- كما يُزعم- 30 محتجزا بالهراوات وركلوهم وضربوا رؤوسهم بقوة في الحوائط في قسم الشرطة، من بينهم اثنان ضُربا حتى فقدا وعيهما. قيل إن الشرطة فتحت تحقيقا داخليا في الواقعة ولكن نتائج التحقيق لم تنشر على الملأ. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش لم يلاحق أي من الضباط قضائيا.

مر عامان منذ أن عدّل الأردن دستوره لكي ينص صراحة على حظر التعذيب واستخدام الأدلة المنتزعة من خلال التعذيب. وعلى الرغم من وعود الإصلاح العديدة، مازالت مزاعم التعذيب مستمرة، وذلك تحديدا بسبب الافتقار إلى آلية محاسبة ذات مصداقية. لاحظ المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بمسألة التعذيب ذلك في أواخر عام 2011 عندما انتقد سجل التعذيب في الأردن، مشيرا إلى "العدد الكبير" من الشكاوى المقدمة بحق ضباط الأمن في مقابل قلة عدد الحالات التي يجرى فعليا التحقيق فيها، وافتقار أجهزة التحقيق إلى الاستقلال.

إذا كانت الحكومة الأردنية جادة إزاء وضع نهاية للتعذيب وووقف استخدامه في انتزاع الأدلة، ينبغي أن تكون خطوتها الأولى هي ضمان المحاسبة على الانتهاكات. وكبداية، ينبغي أن يحيل الأردن حالات التعذيب وغيرها من حالات سوء المعاملة كلها إلى اختصاص المحاكم المدنية المستقلة وأن تكفل التحقيق المستقل والفعلي في مزاعم التعذيب، كما ينبغي عليه أيضا أن يطور آلية شكاوى سرية لضحايا التعذيب.

لا تتدخر المملكة المتحدة كما يبدو أي جهد للتخلص من أبو قتادة. ليتها تبذل بعضا من هذا الجهد لدفع الأردن إلى وضع نهاية للإفلات المنهجي من العقاب على التعذيب.  

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع