Skip to main content

مصر: تحركات حكومية لتقييد حقوق الإنسان وأنشطة منظمات الديمقراطية

ينبغي إيقاف التحقيق مع المنظمات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً

(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على نيابة أمن الدولة المصرية أن تغلق فوراً تحقيقات "الخيانة" التي تجريها مع منظمات غير حكومية مصرية متهمة بتلقي التمويل الأجنبي.

أعلنت الحكومة المصرية في 14 سبتمبر/أيلول 2011 عن تقرير لوزارة العدل توصل إلى أكثر من 30 منظمة غير حكومية تتلقى تمويلاً أجنبياً وغير مسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي، كما يتطلب قانون الجمعيات، وكشفت عن إحالة هذه المعلومات إلى النائب العام. يُعاقب على هذه المخالفة بالسجن والغرامة بموجب قانون الجمعيات الأهلية المصري. وقالت هيومن رايتس ووتش إن تقييد التمويل الأجنبي يؤدي إلى حرمان منظمات المجتمع المدني من القدرة على العمل، إذ أن مصادر التمويل المحلية في عهد مبارك كانت تخشى تمويل تلك المنظمات.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بدء السلطات المصرية في تحقيقات جنائية بنفس أساليب مبارك في خنق المجتمع المدني هو أمر مثير للشبهات حول التزام الحكومة الانتقالية بحقوق الإنسان. لابد أن تقوم  مصر أولاً بتعديل قانون الجمعيات من أجل حماية استقلالية وحرية المجتمع المدني، لا أن تزيد من القيود عليه وتهدد بالملاحقة الجنائية".

بموجب قانون الجمعيات، فإن لوزارة التضامن الاجتماعي الحق في منع التمويل لجملة من الأسباب، منها إذا رأت الوزارة أن الغرض من التمويل لا يدخل ضمن اختصاصات الجمعية كما هي معلنة. وقد أدى هذا بشكل متكرر إلى المنع التعسفي للتمويل عن مشروعات ومنظمات تتعامل مع قضايا حقوقية حساسة وهامة، مثل قضية التعذيب.

وفي 22 سبتمبر/أيلول نشرت صحيفة الفجر المصرية نسخة مسربة من تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لوزارة العدل، وردت فيها أسماء 39 منظمة غير مسجلة بمقتضى قانون الجمعيات، وتشمل القائمة بعض منظمات حقوق الإنسان المصرية المعروفة. وذكرت الصحيفة عدة منظمات متهمة بتلقي التمويل الأجنبي دون تصريح مسبق. تعكف الحكومة منذ فترة طويلة على حرمان المنظمات التي تعتبرها تتعامل في قضايا حساسة من التسجيل، وبينها العديد من منظمات حقوق الإنسان المستقلة.

يتم إجراء التحقيق – الذي لم تُكشف عنه رسمياً إلا تفاصيل قليلة – تحت طائلة قانون الجمعيات لسنة 2002 شديد التقييد، والذي يجرم أنشطة منظمات المجتمع المدني التي تمارسها منظمات غير مسجلة بموجب القانون، ويجرم القانون تلقي أي تمويل دون تصريح رسمي مسبق. يواجه مدراء هذه المنظمات والعاملون بها عقوبات بالسجن والغرامة إذا أدينوا.

وأعلنت نيابة أمن الدولة في 7 أغسطس/آب عن البدء في "تحقيق موسع" في شكاوى تلقاها النائب العام من "جهات سيادية". اتهم المنظمات التي "تحصل على تمويل غير قانوني من مصادر أجنبية" بتهمة "الخيانة العظمى والتآمر على مصر وتنفيذ أجندات خارجية للإضرار بالأمن القومي المصري" لكنه لم يذكر أي من المنظمات المعنية. عادة ما تحقق نيابة أمن الدولة في قضايا التنظيمات المسلحة أو الجريمة الدولية المنظمة، وتحيل القضايا إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، والمُشكلة بموجب قانون الطوارئ المطبق في مصر منذ عقود. هذه المحكمة لا تتبع إجراءات المحاكم الطبيعية ولا تتيح الحق في الاستئناف.

في 12 يوليو/تموز، أعلنت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا – وخدمت في منصب الوزيرة لمدة طويلة في عهد مبارك – عن طلبها تشكيل لجنة تقصي حقائق من وزارة العدل للتحقيق في "التمويل الدولي المباشر لمنظمات مجتمع مدني مصرية وأجنبية تعمل في مصر". وفي وقت سابق من ذلك الأسبوع، قال وزير التضامن الاجتماعي جودة عبد الخالق في بيان صحفي إنه قرر تشكيل لجنة لمراجعة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ويتم النظر في أمر تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي. قانون الجمعيات ينص بالفعل على رقابة مشددة على تمويل المنظمات غير الحكومية، إذ يطالب بالتصريح المسبق على كل منحة تحصل عليها أي منظمة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

ورد في محضر اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 27 يوليو/تموز أن مجلس الوزراء يؤكد "رفض الحكومة المصرية الكامل والقاطع بكافة أشكاله التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية بما في ذلك التمويل الأجنبي المباشر بكافة أشكاله ومن كافة مصادره والذي يُقدم لمنظمات وجمعيات المجتمع المدني وكيانات أخرى مصرية والمنظمات الأجنبية التي تمارس نشاطاً في مصر بدون ترخيص وذلك بالمخالفة للقوانين المصرية ذات الصلة". وفي مطلع أغسطس/آب أمر البنك المركزي كل البنوك البالغ عددها 39 بنكاً الناشطة في مصر، محلية وأجنبية، بإبلاغ وزارة التضامن الاجتماعي بأي تحويلات مالية على حسابات المنظمات غير المسجلة طرف الوزارة، والبحث فيما إذا كانت المنظمات قد تلقت تصاريح من الوزارة بتلقي التمويل. على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة، اتصلت بنوك خاصة مثل HSBCوالبنك التجاري الدولي بما لا يقل عن أربع منظمات حقوقية مستقلة معروفة، لديها حسابات في هذين البنكين، للسؤال عن التحويلات الواردة من مصادر أجنبية.

وفي 22 أغسطس/آب تقدمت مجموعة من 40 منظمة مصرية غير حكومية بشكوى إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية التعبير، والمقرر الخاص المعني بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، وورد في الشكوى أن تلك التحقيقات تعتبر تهديداً جسيماً للمجتمع المدني المصري.

وقال جو ستورك: "كون المنظمات المستهدفة انتقدت المؤسسة العسكرية على التعذيب والمحاكمات العسكرية فهذا يثير الشبهات حول التحقيق". وأضاف: "الكثير من المنظمات غير المسجلة ستلعب دوراً هاماً في مراقبة الانتخابات الوشيكة، وأي تدخل في حرية هذه المنظمات في العمل سيكون ذات أثر سلبي على أجواء ما قبل الانتخابات".

المادة 13 من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وأقرته الجمعية العامة بالإجماع في عام 1998، تنص على أن على الدول ضمان "حق الأفراد والجماعات في طلب وتلقي واستخدام الموارد لأغراض تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات المصرية أن تبدأ فوراً في تعديل القانون رقم 84 الخاص بالجمعيات، بحيث يصبح متفقاً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، عن طريق جعل نظام تسجيل الجمعيات بالإخطار، وتقييد صلاحيات التدخل في عمل المنظمات غير الحكومية، وحماية استقلالية المنظمات المالية مع مطالبتها بالشفافية المالية. ولابد أن يطبق القضاة المصريون القواعد الدولية الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، كما وردت أيضاً في الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس/آذار، وهذا من أجل وقف العمل بقوانين وقواعد من قبيل القانون رقم 84، تُصرّح بالقيود المتعسفة وغير المتناسبة على حرية تكوين الجمعيات.

وقال جو ستورك: "لا يحق لأي حكومة منع التمويل الأجنبي عن منظمات المجتمع المدني". وتابع: "التصريح المسبق قبل تلقي التمويل الأجنبي يعتبر من القيود التي لا داعي لها، بما أن هناك أساليب أخرى أنسب لتنظيم الإدارة المالية للمنظمات".

قانون الجمعيات

استعانت حكومة مبارك بمجموعة معقدة والمتشابكة من القوانين والقرارات وصلاحيات الطوارئ من أجل خنق حرية تكوين الجمعيات. بموجب القانون رقم 84 الخاص بالجمعيات الأهلية، منعت السلطات منظمات حقوق إنسان ومنظمات أخرى تنتقد السياسات الحكومية من تلقي المنح من حكومات ومؤسسات أجنبية. ومنعت مباحث أمن الدولة في حالات كثيرة تسجيل منظمات حقوق إنسان مستقلة بموجب القانون، بما في ذلك الكثير من المنظمات غير المسجلة المعنية هنا. وبسبب الرقابة الدائمة من أمن الدولة، مع تلقي نشطاء كثيرين مكالمات هاتفية منتظمة من ضباط أمن الدولة المسؤولين عن متابعتهم، خشى الكثير من الممولين المصريين تمويل المنظمات المعارضة للحكومة، خشية الانتقام. وهناك الكثير من المنظمات التي منعتها أمن الدولة من التسجيل بصفة المنظمات غير الحكومية – بالإضافة إلى بعض المنظمات التي لم تُقبِل على التسجيل – تم تسجيلها كمكاتب محاماة أو شركات غير هادفة للربح.

ومنذ خلع مبارك في فبراير/شباط، قام حُكام مصر الجدد – المجلس الأعلى للقوات المسلحة – بتحرير قانون الأحزاب السياسية بما يسمح بإنشاء أحزاب سياسية جديدة بالإخطار لا أكثر، مع تعديل قانون النقابات، لكن لم تظهر أية بوادر لتحركات من أجل تعديل قانون الجمعيات. وأكد وزير العدل عبد العزيز الجندي لـ هيومن رايتس ووتش في اجتماع بتاريخ 7 يونيو/حزيران مع المنظمة أن تعديل هذا التشريع ليس من ضمن الأولويات التشريعية.

التحقيقات مع منظمات المجتمع المدني واستهدافها

اتسمت تحقيقات الوزارات والنيابة بعدم توفر أدنى قدر من الشفافية، ولم يكشف المسؤولون بعد عن أسماء المنظمات التي يجري التحقيق معها. ذكر محضر اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 27 يوليو/تموز أن "من المقرر أن تقدم لجنة تقصي الحقائق المشكلة بقرار من مجلس الوزراء والتي يرأسها السيد وزير العدل تقريرها الخاص بوضع التمويل الأجنبي المخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية والثنائية السابق الإشارة إليه خلال الأيام القليلة القادمة تمهيداً لنشره على الرأي العام المصري". لكن وحتى الآن لم تكشف وزارة العدل علناً عن أي تقرير من هذا النوع. وأكد مسؤول بالوزارة لـ هيومن رايتس ووتش إن التحقيق قائم، لكنه قال إن مداه والمنظمات الخاضعة له ليست بالمعلومات العلنية.

وبحسب النسخة المسربة من تقرير لجنة تقصي حقائق وزارة العدل والمنشورة في الفجر بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول، فهناك 39 منظمة غير حكومية على الأقل ليست مسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي بموجب قانون رقم 84، ولكنها تعمل بصفة قانونية كشركات خاصة أو مكاتب محاماة، ويتم التحقيق معها.

في تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش في عام 2005 تحت عنوان "هوامش القمع"، تم توثيق كيف تراجع مباحث أمن الدولة بشكل روتيني طلبات التسجيل وترفضها، وأن أمن الدولة تراجع وتراقب قيادات منظمات حقوق الإنسان، وكذلك أنشطة هذه المنظمات وتمويلها، دون أي سند قانوني لذلك. ورغم الضمانات العلنية من المسؤولين، ومنها تأكيدات مباشرة لـ هيومن رايتس ووتش من مساعد وزير الداخلية اللواء مروان مصطفى في 5 يونيو/حزيران بأن الوزارة لم يعد لها أي دور في مراقبة منظمات المجتمع المدني، فقد قال ممثلون لمنظمات تسعى للتسجيل لـ هيومن رايتس ووتش إن المسؤولين الحكوميين أخطروهم بأن "التصريح الأمني" ما زال جزءاً من عملية التسجيل.

وفي 27 يوليو/تموز قالت وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعي، فاطمة عبد الفتاح، لصحيفة الشروق المستقلة اليومية إن الوزارة "لا تمنع أي جمعية أو منظمة من الحصول على المنح من بعض الدول أو بعض الجهات الأجنبية إلا في حالة وجود اعتراضات أمنية على الجهة التي تقوم بالتمويل، كأن تكون دولة معادية أو جهة غير مشروعة". وأضافت أن هناك ظرفين قد تتدخل فيهما أجهزة الأمن في عمل منظمات المجتمع المدني. الحالة الأولى عندما يتم التسجيل، إذ تجري الأجهزة الأمنية تحريات حول خلفية الأفراد المؤسسين للجمعية لضمان أن ليس لديهم سجل جنائي أو أنشطة مخالفة أخرى. الحالة الثانية عندما تتلقى المنظمة تمويلاً أجنبياً، وقتها تتحرى أجهزة الأمن في أمر المانحين الأجانب.

وفي يونيو/حزيران 2011 رفضت الوزارة السماح لمؤسسة المرأة الجديدة – ومقرها القاهرة – بقبول جائزة نيلسون مانديلا - غراسا ميشيل، التي تقدمها شبكة التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين، وهي منظمة دولية تروج للمشاركة المدنية، ونالت المؤسسة الجائزة على خلفية حملتها الخاصة بحرية تكوين الجمعيات. قالت الوزارة إن أهداف الحملة تشمل التحضير لمشروع قانون ينظم منظمات المجتمع المدني وأن "إصدار القوانين لا يدخل ضمن اختصاصات وأنشطة المنظمة، بل في إطار اختصاصات السلطة التشريعية". بيان الوزارة صدّق على أن الجمعية يحق لها مناقشة القانون وتقديم رأيها فيه ومقترحات حوله كجزء من المشاورات حول هذا الموضوع، لكنها منعت عن المؤسسة الجائزة رغم ذلك.

وقال نجاد البرعي – وهو محامي مسؤول عن المجموعة المتحدة للمساعدة القانونية – لـ هيومن رايتس ووتش: "نحن مسجلون قانوناً كمكتب محاماة في نقابة المحامين، لكن الأسبوع الماضي اتصل بنا بنكنا، البنك التجاري الدولي، ليطلب منّا تقريراً عن مصادر تمويلنا". وقال باسم سمير، مدير الأكاديمية الديمقراطية المصرية، لـ هيومن رايتس ووتش، إن منظمته المسجلة كشركة مدنية، تلقت اتصالاً من البنك للسؤال عن تحويل ورد إليها من السفارة الهولندية. وقال: "اتصل بي مدير فرع بنك الإتش إس بي سي ليسأل عن سبب تلقي منظمتي لتحويل من السفارة الهولندية. أوضحت له أن التحويل لأغراض التدريب فسألني، تدريب من أي نوع".

التصريحات الحكومية الخاصة بالتدخل

تتعامل المنظمات غير الحكومية المصرية بجدية مع تحقيقات نيابة أمن الدولة، بسبب التصعيد في الخطاب الحكومي العام والمؤسسة العسكرية على مدار الشهور الأخيرة، الذي يبدو أنه يهدف إلى نزع الشرعية عن المنظمات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً. في 23 يوليو/تموز قال لواء المجلس العسكري حسن الرويني لقناة الجزيرة مباشر إن حركة شباب 6 أبريل تتلقى تمويلاً أجنبياً وأنها تهدف إلى إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب.

وأثناء زيارة له إلى واشنطن في 25 يوليو/تموز، قال اللواء محمد العصار نائب وزير الدفاع للحضور في معهد السلام بالولايات المتحدة إن التمويل الأجنبي للمنظمات غير المسجلة "يمثل خطراً، على ضوء الحوادث الأخيرة ومع فقد الكثير من أسلحة الشرطة وفرار نحو 20 ألف سجين من السجون المصرية إثر الأحداث التي تعرضت لها البلاد". وفي 28 يوليو/تموز قال المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري إن هناك أطرافاً أجنبية تمول وتحضر مشروعات معينة ينفذها بعض الأفراد داخلياً... ربما السبب هو سوء الفهم، بأن الأطراف الخارجية تدفع الناس إلى اتجاهات غير سليمة، ولا تريد الاستقرار لمصر.

وفي ترديد لنفس آراء الوزيرين جودة عبد الخالق وفايزة أبو النجا، قال عبد العزيز حجازي، مدير الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، وهي جهة ممولة من الحكومة، لصحيفة المصري اليوم في 16 أغسطس/آب إنه طلب من السفارة الأمريكية توفير التمويل لمنظمات المجتمع المصرية بما يتفق مع "أولويات مصر" قائلاً إن وزارة التعاون الدولي تحدد المتلقين لأي تمويل أجنبي يصل إلى منظمات غير حكومية "لضمان وصول التمويل إلى الأطراف التي تستحقه".

وأضاف أنه من غير المعقول أن يذهب مبلغ 40 مليون دولار أمريكي إلى حقوق الإنسان بينما هناك مشاكل أكبر من هذا الموضوع، مشيراً إلى مبلغ أعلنت السفارة الأمريكية قبل ذلك عن أنها خصصته للديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان في مصر. ومنذ أكثر من عام، في مارس/آذار 2010، حضّر حجازي مشروع قانون للجمعيات الأهلية كان من شأنه زيادة الرقابة الحكومية على المنظمات غير الحكومية، ومن شأنه جعل العضوية في الاتحاد العام للجمعيات الأهلية إجبارية، لكن لم يتم تفعيله.

حرية تكوين الجمعيات في القوانين المصرية والدولية

بصفة مصر دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية وفي المثياق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، فهي ملزمة باحترام حرية تكوين الجمعيات وضمان هذا الحق، كما ورد في المادة 22 من العهد والمادة 10 من الميثاق، ولا يحق لها الحد من هذا الحق إلا عن طريق قواعد "ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي". وأي قيود تُفرض لابد أن تكون استجابة لاحتياجات عامة ضاغطة وتعكس القيم الديمقراطية الخاصة بالتعددية والتسامح. القيود "الضرورية" لابد أن تكون متناسبة – أي تتوازن بحرص مع السبب المحدد لفرض القيد، لا أن تكون تمييزية، ويشمل حظر التمييز، التمييز بناء على الآراء السياسية.

قانون الجمعيات القائم – قانون رقم 84 لسنة 2002 – لا يفي بهذه المطالب ومن ثم فهو يخالف المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يصرّح القانون للحكومة بالتدخل في عملية التسجيل وإدارة المنظمات غير الحكومية وسياساتها ويعرقل من حق المصريين في تكوين وإدارة الجمعيات المستقلة. المادة 42 من القانون تمنح لوزارة التضامن الاجتماعي صلاحيات واسعة بدرجة غير مقبولة، تضمن لها سلطة حل أي منظمة وحتى الأمر بسجن أعضاء المنظمات غير الحكومية على أنشطة تعتبر مشروعة، بما في ذلك تلقي التمويل الأجنبي أو الانتماء لمنظمات أجنبية دون تصريح، أو لضلوعها في أنشطة سياسية أو نقابية إذا رأت السلطات أنها تقوم بذلك، وانتهاك "النظام العام أو الآداب". كما يطالب القانون في المادة 76 بأن تقوم جميع المنظمات غير الربحية البالغ عدد أعضائها 10 أو أكثر وتعمل بأنشطة التنمية الاجتماعية، بالتسجيل لدى وزارة التضامن الاجتماعي وإلا أصبحت عرضة لعقوبات جنائية، تشمل السجن لمدة عام.

ورد في المادة 17 من القانون أن "لا يجوز لأية جمعية أن تحصل على أموال من الخارج... إلا بإذن من وزير الشئون الاجتماعية" وعدم الالتزام بهذه المادة قد يؤدي إلى حل الجمعية بموجب المادة 42 من القانون. وقد اعتبر مجلس الدولة – أعلى محكمة إدارية في مصر – في عام 2008 أن المادتين 17 و42 غير دستوريتين لأنهما تمنحان سلطات مفرطة للسلطة التنفيذية، مما يقوض الحق في حرية تكوين الجمعيات. في قضية لجمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ضد محافظ القاهرة ووزارة التضامن الاجتماعي، حكم مجلس الدولة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2008 بأن:

بالاطلاع على نص المادة 17 من قانون الجمعيات تبين أنه تضمن نظام الإذن المسبق أو الترخيص قبل الحصول على أموال أو تبرعات من الخارج، وهذا النظام يعكس النظرة المقيدة للحريات الفردية، لأن الفرد وفقاً له لا يستطيع ممارسة حريته إلا بعد أن يستأذن الإدارة وأن ترخص له بذلك، ومن هنا يتوقف تمتعه بهذه الحرية... على إرادة السلطة التنفيذية... في حين يسمح نظام الإخطار بأن يتصرف الفرد بكامل حريته على أن يسأل عندئذ عن الأضرار التي قد يسببها للغير، وهذا يعكس النظام الديمقراطي الحر، وبالتالي تكون المادة 17 سالفة الذكر قد تبنت منهجاً غير ديمقراطياً لممارسة المواطن لحقوقه الدستورية.

حُكم المحكمة ألغى القرار الإداري القاضي بإغلاق جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، لكن ما توصلت إليه المحكمة من عدم دستورية القانون ليس ملزماً إلا فيما يخص هذه القضية.

نظرياً، يسمح قانون الجمعيات للمنظمات بالعمل في أكثر من نشاط واحد، لكن عملاً يطالب المسؤولون المنظمات بطلب الإذن المسبق من وزارة التضامن الاجتماعي وما زال نطاق الأنشطة المسموح بها محدوداً للغاية. المادة 11 من قانون 84 تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات موسعة في منع المنظمات من السعي لأية أهداف تراها السلطات "تهدد الوحدة الوطنية" أو "مخالفة النظام العام أو الآداب"، وهي صياغة فضفاضة تجعل القانون عرضة لإساءة استخدامه، وسبق وخدمت هذه الأحكام في القانون كأسانيد للحرمان من التسجيل.

وفي عهد مبارك قامت مباحث أمن الدولة بمنع تسجيل عدد من منظمات حقوق الإنسان المستقلة بسبب "اعتبارات أمنية" غير محددة، ومن بين هذه المنظمات المركز المصري لحقوق السكن، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والجمعية المصرية لمناهضة التعذيب والمرصد المدني لحقوق الإنسان والمركز العالمي لحقوق الإنسان. في كل حالة من الحالات، رفعت المنظمة المعنية قضية أمام مجلس الدولة للطعن في قرارات الوزارة، لكن أجهزة الأمن والوزارة لم يستجيبا لطلب المحكمة بإبداء أسباب قرارات الرفض.

وفي مراجعة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لتقرير مصر الخاص بحقوق الإنسان عام 2002، ورد في التعليق الختامي للجنة إعراب اللجنة عن قلقها إزاء:

القيود التي يفرضها التشريع المصري والممارسة، على إنشاء منظمات غير حكومية وعلى أنشطتها، ولا سيما فيما يتعلق بالبحث عن التمويل الخارجي الذي يستلزم الإذن المسبق للسلطات وإلا تعرضت للعقوبة الجنائية (المادة 22 من العهد).

وأوصت اللجنة مصر بـ:

إعادة النظر في تشريعها وتنفيذه للسماح للمنظمات غير الحكومية ممارسة اختصاصاتها دون عوائق لا تتوافق مع أحكام المادة 22 من العهد، مثل الإذن المسبق، ومراقبة التمويل والحل الإداري.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة