Skip to main content

تساهل الكونجرس تجاه الانتهاكات على خلفية الملف الإسرائيلي

نُشر في: The Huffington Post

 

توجه الكونجرس الأمريكي بالأمس بإهانة بالغة لمئات المديين الذين جرحوا وقتلوا خلال أحدث حروب الشرق الأوسط. فلقد أدان المجلس بأغلبية 344 صوتاً مقابل 36، تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة، المعروف أيضاً بتقرير غولدستون، والذي يوثق انتهاكات قوانين الحرب من قبل إسرائيل وحماس خلال النزاع الذي دار بينهما على مدى شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين. والمصوتون بالإيجاب، وهم 179 من الديموقراطيين و165 من الجمهوريين، إنما يعاونون في حماية مستحقي المساءلة من الجانبين.

والقرار يخضع بكامله للسياسات الأميركية التي أصبح من السهل التنبؤ بها، والتي ترفض توجيه الانتقادات للإجراءات الإسرائيلية معتبرة ذلك هجوماً يهدف لإدانة إسرائيل، بل ومظهر لمعاداة السامية. تلك السياسات تهدر فرصة وضع نهاية لإفلات أي من أطراف النزاع من المحاسبة، الأمر الذي لازم أحداث النزاع وأعاق جهود السلام. بل إن الأثر الأكثر أهمية لذلك هو على السياسة الخارجية الأميركية؛ فهو يعطي الحكومات التي ترتكب الانتهاكات حول العالم ذريعة جاهزة تتيح لها تلافي نقد الولايات المتحدة للتصرفات غير المشروعة لتلك الحكومات.

وقد وصف القرار غير الملزم رقم 867 تقرير غولدستون بأنه "متحيز تحيزاً لا سبيل للتنصل منه" وطالب الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية بالمعارضة الصريحة لأية مصادقة أو أخذ التقرير بعين الاعتبار في أي محفل متعدد الأطراف. وجاء بالقرار أن التقرير يجري استخدامه لإنكار حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها.

ويبدو أن مؤيدي القرار البالغ عددهم 344 لم يقرءوا التقرير. فالوثيقة البالغ عدد صفحاتها 575 صفحة تسجل انتهاكات لقوانين الحرب اقترفتها كل من اسرائيل وحماس فضلاً عن جماعات فلسطينية مسلحة أخرى، وتنتهى إلى أن كافة الأطراف قد قامت باقتراف جرائم حرب فضلاً عما يمكن أن يرقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية. وأنه مطلوب من كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إما إجراء تحقيقات موافقة للمعاييرالدولية أو الخضوع لملاحقة قضائية دولية.

لقد تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نتائج التقرير في أكتوبر/تشرين الأول، ومن المقرر أن تنظر الجمعية العامة في التقرير في وقت لاحق من هذا الأسبوع. والقرار الذي بين يدي الكونجرس يدين صراحة تحيز مجلس حقوق الإنسان فيما سبق ضد إسرائيل، إلا أنه يتجاهل أن المجلس قد طلب بهذا الصدد من لجنة غولدستون أن تفحص أعمال الجماعات الفلسطينية المسلحة سواء بسواء، وبعدها تبنى المجلس النتائج التي تفيد بارتكاب حماس لجرائم حرب.

وما انتهى إليه التقرير فيما يتعلق بالانتهاكات الاسرائيلية يعكس نتائج أبحاث البعثة، لا نواتج أحكام مسبقة كما يصفها قرار الكونجرس. فعملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية التي دامت لثلاثة أسابيع تضمنت حملة معقدة ومتعددة الأوجه راح ضحيتها المئات من المدنيين تحت وطأة هجمات بدون تمييز أو تناسب.

والقرار الذي يشارك في رعايته إليانا روس ليتينن من الجمهوريين وهوارد برمان الديمقراطي، يجانبه الصواب من عدة جوانب، فهو يدعي أن تقرير جولدستون "لا يتناول بالذكر الهجمات التي لا تنقطع بالصواريخ وقذائف الهاون" من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة باتجاه إسرائيل. غير أن التقرير في واقع الأمر يوثق تلك الهجمات على المدنيين الاسرائيليين، ويصفها بأنها جرائم حرب وأنها قد ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية.

ويحاج القرار بأن التفويض الممنوح لبعثة تقصي الحقائق كان أحادي الجانب، إلا أنه لا يذكر أن نطاق التفويض قد تم توسيعه بحيث يمكن وضع الجانبين موضع الفحص. كما يدعي القرار أيضاً أن حماس قد قامت بتشكيل نتائج التقرير إلى حد بعيد "باختيارها ومراجعتها مقدماً لبعض الشهود"، الزعم الذي رفضه غولدستون بشدة، فضلاً عن أن أحداً لم يتقدم بأية أدلة على قيام حماس باختيارأو مراجعة الشهود.

ويوجه القرار مجدداً نقداً كثيراً، ما تردد من كون التقرير ينكر على دولة اسرائيل حقها في الدفاع عن النفس، في حين أن التقرير لا يناقش حق إسرائيل في استخدام القوة العسكرية. إذ أنه ينظر فيما إذا كانت كل من اسرائيل وحماس، بلجوئهما إلى القوة، قد قامتا بعملياتهما العسكرية بما يتفق مع القوانين المعنية بالنزاعات المسلحة، والتي تم وضعها لتجنيب المدنيين مخاطر الحروب قدرما أمكن.

كما يتجاهل ناقدو التقرير من أعضاء الكونجرس ما تبنته إدارة أوباما  من عناصر وردت بالتقرير. وفي حين انتقد المسئولون الأميركيون رفيعو المستوى تقرير غولدستون بشدة، إلا أنهم قد صرحوا بأن نتائجه تستحق الاهتمام وأن على إسرائيل إجراء تحقيقات تتسم بالمصداقية، حتى أن بعض المسئولين الاسرائيليين في الوقت الراهن يدلون بتصريحات مشابهة.

إن رفض النداء بالمحاسبة يضر أيضاً بقدرة حكومة الولايات المتحدة على الضغط بهدف تحقيق العدالة في أماكن أخرى من العالم مثل الكونغو ودارفور، فإذا ما غضت واشنطن البصر عن الانتهاكات من قبل إسرائيل، فإنها تمنح الحكومات التي ترتكب الانتهاكات ومؤيديها سبيلاً لإبعاد أعمالهم غير المشروعة عن دائرة النقد. فضلاً عن أن هذا الرفض يميع محتوى الرسالة التي بعث بها الرئيس أوباما من القاهرة بأن الولايات المتحدة ستلتزم بموقف أكثر مبدئية في الشرق الأوسط.

تلك الطريقة في التناول وذلك القرار لن يكونا بمثابة عون لإسرائيل أو للمنطقة. وبدلاً من إدانة التقرير كان يتوجب على أعضاء الكونجرس حث كل من إسرائيل وحماس على إجراء تحقيقات ذات مصداقية، وتقديم أولئك المسئولين عن الانتهاكات للعدالة وإيقاف الهجمات غير المشروعة على المدنيين والتي طالما أججت الكراهية وأعاقت جهود السلام.

فريد آبراهامز هو باحث أول في قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش، وقد قاد فريق البحث بالمنظمة إبان حرب غزة. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة