Jordan



Jordan Jordan
  

الترحيل الاستثنائي إلى الأردن

بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 بدأت وكالة الاستخبارات المركزية سريعاً في ترحيل المشتبهين الإرهابيين ترحيلاً استثنائياً إلى الأردن للاستجواب.23 والحالة الأولى من هذا النوع كانت حالة جمال المرعي، اليمني المقيم في كراتشي، والذي أخذه من بيته فريق مشترك من عملاء الاستخبارات المركزية والمخابرات الباكستانية، وهذا في 23 سبتمبر/أيلول. وخلال أسابيع قليلة من اعتقاله تم ترحيله ترحيلاً استثنائياً لدائرة المخابرات العامة في الأردن، حيث تم احتجازه لعدة أشهر. ولم يشتك مرعي – المحتجز حالياً في غوانتانامو – من التعرض للتعذيب في الأردن، ومن هنا تعتبر حالته غير مألوفة.

أما المتكرر في حالة مرعي – وما يميزها عن عمليات الترحيل الاستثنائي ما قبل سبتمبر/أيلول 2001 – هو أن مرعي ليس أردنياً، ولا توجد صلة ظاهرة تربطه بالأردن.24 ولا يوجد لدى دائرة المخابرات العامة أي سبب ظاهر للاهتمام بحالة مرعي، بخلاف الاهتمام بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية. ويبدو باختصار أن دائرة المخابرات العامة تصرفت باعتبارها سجان بالوكالة للاستخبارات المركزية، مما خدم مصالح الاستخبارات المركزية بالأساس، وهذا بدلاً من التعاون مع الاستخبارات المركزية الأميركية من أجل تحقيق مصالح دائرة المخابرات الأردنية الأمنية الخاصة بها.

وحقيقة أن عدة محتجزين قد تم نقلهم فيما بعد إلى الاحتجاز لدى وكالة الاستخبارات المركزية بعد قضاء فترة من الزمن في الأردن، هي حقيقة من شأنها الإيحاء بأن هدف دائرة المخابرات العامة من برنامج الترحيل الاستثنائي هو مساعدة الاستخبارات المركزية الأميركية وليس السعي المباشر لتحقيق الأهداف الأمنية الأردنية. ولم يتم ترحيل هؤلاء الأشخاص فعلياً، بل هم تم نقلهم نقلاً مؤقتاً إلى الأردن لأغراض تتعلق بالاستجواب. ويوجد حالياً خمسة أشخاص على الأقل محتجزين في غوانتانامو كانوا قد أمضوا فترة من الزمن في الأردن في الفترة من 2001 إلى 2004. فضلاً عن أنه يوجد سجينين يمنيين على الأقل تم احتجازهما فيما بعد في سجون سرية تابعة للاستخبارات المركزية (دون الإرسال إلى غوانتانامو) وتم اعتقالهما في الأردن واحتجزتهم دائرة المخابرات العامة لبضعة أيام أو أسابيع قبل نقلهم إلى الولايات المتحدة لاحتجازهم هناك.25

أما شرقاوي، وهو أحد المحتجزين الذين رحلتهم الاستخبارات المركزية ترحيلاً استثنائياً إلى الأردن في عام 2002، فقد لاحظ أن محققي دائرة المخابرات العامة متلهفون للغاية على إمداد وكالة الاستخبارات المركزية بالمعلومات. وفي مذكرة كتبها شرقاوي أثناء احتجازه لدى دائرة المخابرات العامة في عام 2002، قال:

كل ما يسألني المحققون عن معلومة وأتكلم، يقول لي حكيت هذا للأمريكان، فإذا قلت له لا، يطير فرحاً ويتركني ويذهب يبلغ المسؤول، ويفرحون فرحاً شديداً.26

وقال لمحاميه فيما بعد إن أحد المحققين الأردنيين اعترف بأنه يسأله أسئلة أمده بها الأميركيون.27

وبعد نقل مرعي إلى الأردن بقليل، يظهر أن يمنياً آخر يقيم في باكستان قد تم إرساله بدوره. وكان جميل قاسم سعيد محمد طالباً ويدرس الميكروبيولوجي في جامعة كراتشي. وبعد اعتقاله على يد قوات الأمن الباكستانية وترحيله ترحيلاً استثنائياً إلى السلطات الأميركية، تناقلت التقارير أنه نُقل جواً إلى الأردن في ساعات الصباح الأولى من يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2001. وليس معروفاً عن حالته إلا القليل، بما أنه لم يُشاهد منذ ذلك الحين، لكن الصحافة ذكرت أنه أحد التابعين للقاعدة.28

وثمة شخص ثالث تم ترحيله للأردن في عام 2001، وهو محمد ولد صلاحي. وصلاحي مواطن موريتاني تم اعتقاله في موريتانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، ونُقل إلى الأردن بعد فترة وجيزة وتم احتجازه هناك حتى يوليو/تموز 2002. ومثل مرعي والآخرين فهو محتجز حالياً في غوانتانامو.

ومن المعتقد أن بعض السجناء قد تم ترحيلهم ترحيلاً استثنائياً إلى الأردن من الولايات المتحدة في عام 2002، ومنهم علي الحاج الشرقاوي، وحسن بن حتش، ورمزي بن الشبه، وإبراهيم أبو معاذ الجداوي، وأبو حمزة التبوكي، وخير الدين الجزائري، وأبو يوسف الجزائري، وأبو حسن السوري، وأبو بكر الصديق وكذلك بعض الأشخاص غير معروفي الأسماء.29 وعلى الرغم من صعوبة المعرفة على وجه اليقين – إذ وصل سجناء إضافيين حسب التقارير في عام 2003 – فيبدو أن عام 2002 كان العام الذي رحلت فيه الاستخبارات المركزية ترحيلاً استثنائياً أكبر عدد من الأشخاص إلى الأردن. (وربما يعود هذا لأن في هذه الفترة طورت الاستخبارات المركزية من قدراتها الخاصة بالاحتجاز وفتحت مراكز احتجاز سرية في تايلاند وباكستان وبولندا ورومانيا وصار اعتمادها على الأردن أقل).30 وكان قد تم احتجاز بعض المحتجزين الذين وصلوا الأردن في عام 2002 لأكثر من عام، إذ غادروا الاحتجاز لدى دائرة المخابرات العامة في عام 2004. وفيما من المستحيل تقدير إجمالي عدد الأشخاص الذين تم نقلهم للأردن في عمليات ترحيل استثنائي، فقد قال بعض السجناء السابقين لـ هيومن رايتس ووتش إنه في بعض الأوقات من عامي 2002 و2003 كان مركز احتجاز دائرة المخابرات العامة "ممتلئاً بسجناء غير أردنيين تم نقلهم إليه من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية في عمليات ترحيل استثنائي".

وكانت باكستان، وعلى الأخص مدينة كراتشي، مصدراً جاء منه ستة محتجزين على الأقل ممن يُعتقد في ترحيلهم من الولايات المتحدة إلى الأردن في عمليات ترحيل استثنائي. ولم تخف السلطات الباكستانية حقيقة أنه منذ سبتمبر/أيلول 2001 تم نقل مائة مشتبه إرهابي إلى الولايات المتحدة، إذ تباهت باكستان بعمليات النقل باعتبارها دليلاً على تعاون باكستان في مساعي الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب.31 وانتهى المطاف بعدد كبير من هؤلاء الرجال في غوانتانامو، وانتهى المطاف ببعضهم في سجون الاستخبارات المركزية السرية، وتم نقل بعضهم الآخر إلى الأردن وبلدان أخرى.32

وأحد مصادر السجناء الأخرى هو ممر بانكيسي في جورجيا. وهو موطن الآلاف من اللاجئين الشيشانيين، وتتاخم ممر بانكيسي منطقة الشيشان بروسيا وهو منذ فترة طويلة نقطة عبور للمجاهدين العرب الساعين للقتال في الشيشان. وفي أوائل عام 2002، وتحت ضغوط أميركية، بدأت الحكومة الجورجية تعتقل العرب الذين يتم العثور عليهم هناك، بمن فيهم بعض الجزائريين.33 وقد تم نقل بعض هؤلاء الرجال إلى سجون وكالة تابعة للاستخبارات المركزية في أفغانستان، ثم نُقلوا إلى غوانتانامو، لكن بعضهم الآخر نقلتهم وكالة الاستخبارات المركزية إلى أماكن أخرى. وتناقلت التقارير أن أربعة على الأقل من الرجال الذين تم نقلهم حسب المزاعم إلى الأردن في عام 2002 – وهم خير الدين الجزائري، وأبو يوسف الجزائري، وأبو حسن السوري، وأبو بكر الصديق – وكانوا قد تم اعتقالهم في جورجيا. (خير الدين الجزائري، جزائري الجنسية وهو مذكور أيضاً في رأي المحكمة الخاص بقضية إرهاب فرنسية باعتباره أحد رجال الميليشيات الذين نشطوا في ممر بانكيسي).34 وأماكن تواجد الرجال الأربعة الحالية غير معروفة، على الرغم أنه من المرجح نقلهم إلى بلدانهم الأصلية لاستمرار احتجازهم فيها.

وقد يبدو أنه تم استخدام التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية بشكل منهجي ضد المحتجزين المُرحلين ترحيلاً استثنائياً من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إلى الأردن، باستثناء حالة المرعي. وكما هو موصوف أدناه، يزعم المحتجزون إنهم تعرضوا للتهديدات والضرب والإهانات والحرمان من النوم والضرب بالفلكة. كما يبدو أنهم تم إخفائهم بشكل منهجي عن ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذين زاروا مركز احتجاز دائرة المخابرات العامة. وقابلت هيومن رايتس ووتش عدة محتجزين سابقين لدى دائرة المخابرات العامة قالوا إنهم كان يتم إخفائهم كلما زارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركز الاحتجاز، وأن السجناء الذين تم نقلهم للأردن من الولايات المتحدة كان يتم إخفائهم بدورهم.

ووصف التبوكي، السعودي الذي كان محتجزاً لدى دائرة المخابرات العامة في عام 2002، كيف تم إخفاءه أثناء زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

[كان] يأتينا العساكر في فجر ذلك اليوم ويأمروننا بجمع كل أغراضنا وملابسنا

وبالمثل، قال الشرقاوي لمحاميه إنه كلما زار ممثلو اللجنة الدولية للصليب الأحمر سجن دائرة المخابرات العامة، يتم نقله إلى قاعة محاضرات الجنود في الرابعة فجراً ويبقى هناك حتى يغادر ممثلو الصليب الأحمر.

وتستمر السرية المحيطة باحتجاز هؤلاء الرجال. وبينما خمسة من الأشخاص الذين سبق نقلهم إلى الأردن في عمليات ترحيل استثنائي، أصبحوا الآن في غوانتانامو، ويُعتقد بأن اثنين منهم قد تم الإفراج عنهما، فإن أماكن غالبية السجناء الذين رحلتهم الولايات المتحدة للأردن ترحيلاً استثنائياً ما زالت غير معروفة. وربما كان الكثير من المحتجزين الذين تبقوا أو جميعهم قد خضعوا لعملية نقل ثانية، إذ تم نقلهم من الأردن عائدين إلى بلدانهم الأصلية دون أية إجراءات قانونية، أو نيل فرصة الطعن في عمليات النقل.




23  كتب عدة صحفيين عن الترحيل الاستثنائي إلى الأردن، وعن سجون الاستخبارات المركزية الأميركية المزعوم أنها هناك. إلا أن هذه التقارير كانت غير مستوفاة، وتستند إلى معلومات تم استخلاصها من محتجزي غوانتانامو ومن مصادر استخباراتية لم تُذكر أسمائها، وليس من المحتجزين الأردنيين الذين كانوا مع المشتبهين الذين تم ترحيلهم. انظر، على سبيل المثال: " Yossi Melman, “CIA holding Al-Qaida suspects in secret Jordanian lockup,” Haaretz," 13 أكتوبر/تشرين الأول 2004 (ذكر فيه أن خالد شيخ محمد ورمزي بن الشبه وأبو زبيدة والحنبلي كانوا من بين 11 مشتبهاً من كبار المشتبهين بالانتماء للقاعدة المحتجزين في الأردن لصالح الاستخبارات الأميركية)، وانظر: Ken Silverstein, “U.S. partnership with Jordan was targeted,” Los Angeles Times, 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 (ذكر فيه أن جمال مرعي وحسن بن حتش قد تم ترحيلهما إلى الأردن)، وانظر: Farah Stockman, “7 detainees report transfer to nations that use torture,” Boston Globe, 26 أبريل/نيسان 2006 (مذكور فيه أن محمد ولد صلاحي وجمال مرعي وحسن بن حتش والشرقاوي (علي الحاج الشرقاوي) قد تم ترحيلهم إلى الأردن)، وأيضاً: Craig Whitlock, “Jordan’s Spy Agency: Holding Cell for the CIA,” Washington Post, 1 ديسمبر/كانون الأول 2007 (مذكور فيه أن علي الحاج الشرقاوي وجميل قاسم سعيد محمد وجمال مرعي قد تم إرسالهم إلى الأردن، وأن رمزي بن الشبه ربما يكون هناك). انظر أيضاً: Amnesty International, “Jordan: ‘Your confessions are ready for you to sign’: Detention and torture of political suspects,” يوليو/تموز 2006 (يصف حالات وقعت بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 ومنها حالة جمال مرعي ومحمد ولد صلاحي وجمال قاسم سعيد محمد وأبو الهيثم شرقاوي وحسن بن حتش وماهر عرار).

24  على النقيض، فإن كل الأشخاص الذين رحلتهم الولايات المتحدة ترحيلاً استثنائياً إلى مصر قبل سبتمبر/أيلول 2001 كانوا مواطنين مصريين كانت السلطات المصرية متلهفة على ما يبدو على أن تحتجزهم طرفها. فضلاً عن أن كل الأشخاص تقريباً المعروف بترحيلهم إلى مصر بعد سبتمبر/أيلول 2001 كانوا أيضاً مواطنين مصريين، على الرغم من أنه في حالات كثيرة لا يبدو أن الحكومة المصرية كانت مهتمة للغاية باحتجازهم.

25  الرجلان هما محمد فرج بشميلة وصلاح ناصر سالم علي قارو (درويش). وتم اعتقالهما في أكتوبر/تشرين الأول وسبتمبر/أيلول 2003 على التوالي. وبعد قضاء فترات زمنية قصيرة نسبياً من الاحتجاز في الأردن، تم نقلهما على يد الولايات المتحدة إلى أفغانستان حيث تم احتجازهما سراً. انظر: Amnesty International, “USA/Yemen: Secret Detention in CIA ‘Black Sites,’” AMR 51/177/2005, نوفمبر/تشرين الثاني 2005.

26  مذكرة من علي الحاج الشرقاوي، مكتوبة تقريباً في أكتوبر/تشرين الأول 2002 (موثقة لدى هيومن رايتس ووتش).

27  مذكرات المحامين، بدون تاريخ (2007).

28  انظر: Masood Anwar, “Mystery Man Handed over to US Troops in Karachi,” The News International (Pakistan), 26 أكتوبر/تشرين الأول 2001. وانظر: Alissa Rubin, “Pakistan Hands Over Man in Terror Probe,” Los Angeles Times, 28 أكتوبر/تشرين الأول 2001. وانظر: Rajiv Chandrasekaran and Peter Finn, “U.S. Behind Secret Transfer of Terror Suspects,” Washington Post 11 مارس/آذار 2002.

29  لاحظ أن بعض هذه الأسماء هي أسماء مستعارة على الأرجح وليست أسماءً حقيقية، مثلاً السوري تعني كون الشخص سوري الجنسية، والجزائري ربما تعود إلى كونه جزائرياً.

30  انظر: Dana Priest, “CIA Holds Terror Suspects in Secret Prisons,” New York Times, 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وانظر: Committee on Legal Affairs and Human Rights, Parliamentary Assembly of the Council of Europe, “Secret detentions and illegal transfers of detainees involving Council of Europe member states,” Doc. 11302 rev. 11 يونيو/حزيران 2007.

31  انظر هيومن رايتس ووتش "السجناء الأشباح: عامان من الاحتجاز السري لدى وكالة الاستخبارات المركزية"، فبراير/شباط 2007. صفحات 31 و32.

32  فيما بعد، تم نقل الكثير ممن أمضوا فترات في السجون السرية الخاصة بالاستخبارات المركزية في بلدان أخرى إلى غوانتانامو.

33  اعترفت الحكومة الأميركية بفرض هذا الضغط على جورجيا في تقريرها السنوي الخاص بالإرهاب، وهو بعنوان "أنساق الإرهاب العالمي في عام 2002"، وجاء فيه: "في عام 2002، حثت الولايات المتحدة بقوة جورجيا على استعادة السيطرة على ممر بانكيسي الذي يشغله إرهابيون من دول ثالثة على صلات بالقاعدة. وهؤلاء المتطرفون يهددون أمن واستقرار جورجيا، وكذلك أمن واستقرار روسيا". وزارة الخارجية الأميركية، أنساق الإرهاب العالمي، 30 أبريل/نيسان 2003، صفحة 29. كما وفرت الولايات المتحدة تدريباً عسكرياً للقوات الجورجية، والهدف المعلن منها كان "إخلاء منطقة ممر بانكيسي الجورجية من المقاتلين الأجانب"، المرجع السابق، صفحة 154.

34  انظر: حكم المحكمة العليا في باريس، قضية مربك لبيك بن حامد وآخرون، 14 يونيو/حزيران 2006، صفحة 88.