V. قوات الأمن الكردستانية (آسايش)

منحت السلطات الكردستانية الفعلية الاعتراف الرسمي بآسايش في مارس/آذار 1993،78  لتضعها تحت إشراف وزارة الداخلية الكردستانية ولتخولها سلطة ملاحقة الجرائم الاقتصادية، مثل التهريب، والجرائم السياسية ومنها التجسس وأعمال التخريب والإرهاب. ومن الناحية التنظيمية، كانت الآسايش مقسمة إلى أربعة مديريات، تغطي محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وجزء من كركوك، وكل منها مُشكلة من الشعبة السياسية والشعبة الاقتصادية والشعبة القانونية.79 وتم تشكيل مديرية للأمن العام للإشراف على مهام الشعب وللتنسيق بينها. وتبعاً لمجريات العمل الطبيعية كان رؤساء مختلف المديريات من المدنيين.

وبينما يتمتع العاملون بآسايش بالانتماء الحزبي الواضح، فإن القادة السياسيين الأكراد قد بذلوا جهوداً مخلصة في مطلع التسعينيات، تحت مظلة الإدارة المشتركة الأولى، لتحقيق الاتحاد الجزئي بين القوات الأمنية والشرطية. فضلاً عن هذا، تقدم مجلس الوزراء في ذلك الحين بفرض إجراءات لزيادة الشفافية والمساءلة لدى مؤسسات إنفاذ القانون. وكان هناك جزء من التدريب الأساسي للعاملين بآسايش يرمي إلى تحسين درجة الوعي بأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون الجزائي العراقي، وكذلك المعرفة بالمعايير الدولية المتصلة بإنفاذ القانون.80 إلا أن هذه الإجراءات لم تستمر فيما بعد، وشجع ضعف الإرادة السياسية الخاصة بتحميل العاملين بآسايش مسؤولية الإساءة إلى المعتقلين رهن احتجازهم، من خلق حالة من الإفلات من العقاب سادت وظلت إلى يومنا هذا.

وفي أعقاب انهيار الإدارات المشتركة في معرض الصدامات المسلحة بين الأكراد، بعد أن بلغ النزاع ذروته في منتصف التسعينيات، راح كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يديران قوات آسايش خاصة بكل منهما في الأراضي الخاضعة لسيطرة كل من الحزبين. وحتى أواخر عام 2004 ظلت هذه القوات تحت سيادة وزارة الداخلية بكل من الحزبين، مع تغييرات قليلة ألمت بالبنية التنظيمية أو مجالات العمل. وعلى كل من الجانبين استمرت قوات آسايش في العمل بالتعاون مع الجهات الاستخباراتية التابعة لكل من الحزبين. وكانت الجهة الاستخباراتية الأساسية في الحزب الديمقراطي الكردستاني هي باراستين، ويرأسها مسرور برزاني،81 وتلك الخاصة بالاتحاد الوطني الكردستاني، وهي دازغاي زانياري، ويرأسها خسرو جول محمد.82 والمسؤولية الأساسية لهاتين المؤسستين هي جمع المعلومات عن أمور متصلة بالأمن الداخلي والخارجي لإقليم كردستان. ومن الناحية الرسمية فهذا الجهاز الاستخباراتي لدى كل من الحزبين ليس مخولاً سلطة الاعتقال أو الاحتجاز، أو حتى سلطة العمل في أي من مراكز الاحتجاز المعروفة. وكلٌ من المؤسستين تنسق وتشارك المعلومات مع قوات آسايش المعنية في المحافظات الخاضعة لإشرافها. وفي بعض الحالات تحتجز آسايش محتجزين تم القبض عليهم في البداية من جانب واحدة من المؤسستين الاستخباريتين، مع بقاء الأشخاص المحتجزين خاضعين لإشراف الاستخبارات أثناء الاحتجاز.83 وفي الفترة السابقة على الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003 ومنذ ذلك الحين، ومع زيادة مستوى التهديدات بالهجمات من قبل الجماعات المسلحة ومع تدهور الظروف الأمنية، ظل مستوى التنسيق مرتفعاً بين الهيئات الاستخباراتية التابعة لكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وبطبيعة الحال بين قوات آسايش على الطرفين.

وفي أواخر عام 2004 ومطلع عام 2005، اتخذ الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني خطوات لإقصاء قوات آسايش لدى كل منهما من إشراف وزارة الداخلية التابعة لكل من الحزبين. ولم يتم التنسيق بين الحزبين في هذا الشأن، ونفذا عملياتهما كلٌ بصورة مستقلة عن الآخر باستخدام آليات مختلفة. فمن جانبه شكل الحزب الديمقراطي الكردستاني سلطة جديدة، وهي الهيئة العامة لأمن إقليم كردستان العراق، وتم تشكيلها بموجب قانون رقم 64 لعام 2004 (ديسمبر/كانون الأول 2004).84 والأسباب المذكورة وراء تشكيلها هي "تنظيم وتوحيد كل الجهات الأمنية في إطار عمل موحد

وكان فصل قوات الآسايش عن وزارة الداخلية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني أقل وضوحاً، ولا تعرف هيومن رايتس ووتش بوجود قرار صدر من جانب قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني لهذا الغرض. ويبدو أن جلال طالباني، المشرف على الجهات الاستخباراتية والأمنية بالحزب، قد اتخذ القرار في مطلع عام 2005.89 وبموجب الترتيبات الجديدة فآسايش مسؤولة رسمياً أمام عمر فتاح عضو المكتب السياسي التابع للاتحاد الوطني الكردستاني.90 وهذه الترتيبات تخرج آسايش فعلياً من حيز أي إشراف ورقابة حكومية، وتؤكد على مكانتها كجهة تابعة لحزب سياسي وليست كفرع من السلطات الحكومية التنفيذية.

وثمة مخاوف مماثلة، وهي على الأخص نقص الإشراف، ناشئة بخصوص اللجنة الأمنية العامة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني. وفيما تم تشكيلها بطريقة أكثر شفافية وجاءت مُشكلة طبقاً للقانون، فإن اللجنة الأمنية العامة تخضع لإشراف الحزب وليس الحكومة، والحزب لا يتمتع إلا بالقليل من الإشراف والرقابة، هذا إن كان لديه أي قدر منهما، على اللجنة.91 والمادة 4 من القانون المنشئ للجنة الأمنية العامة ينص على أن يتولى رئيس وزراء حكومة كردستان الإقليمية منصب الرئيس المعين للجنة في غياب رئيس لها. إلا أن هذا لا يكاد يُشكل إشرافاً حكومياً، والقانون نفسه لا يوفر آليات لمحاسبة رئيس اللجنة الأمنية العامة أو أي من أعضائها.

ومنذ توحيد إداراتي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في مايو/أيار 2006، وقوات آسايش التابعة لكل من الحزبين مستمرة في العمل كهيئات منفصلة موازية. وتدرك هيومن رايتس ووتش أن مستقبل هذه القوات خاضع للنقاش، ويتضمن خيار وضعها مجدداً تحت إشراف وزارة الداخلية. وكما ذُكر أعلاه، فوزارة الداخلية هي واحدة من أربع وزارات أساسية في حكومة إقليم كردستان، والتي ليس من المتوقع توحيدها قبل مرور فترة العام ويتضمن عرضاً بوضع كل مراكز الاحتجاز، ومنها تلك التي تديرها آسايش، تحت إشراف وزارة العدل (انظر القسم IX أدناه). وحتى كتابة هذا التقرير، ما زالت هذه الموضوعات متوقفة.

وكما سبق الذكر، فمراكز الاحتجاز التي تديرها قوات آسايش حالياً مستخدمة بالأساس بغرض احتجاز الأشخاص المشتبه بهم في أعمال مُخلة بالأمن ومتصلة بالإرهاب، وكذلك في الجرائم الخطيرة. ومقرر لهذه المراكز احتجاز المشتبه بهم قبل المثول أمام المحكمة، بانتظار إكمال التحقيقات الجنائية والتحويل إلى محكمة. فلابد إذن أن ينقل مسؤولو آسايش السجناء المدانين، بموجب القانون القائم، إلى سجن وزارة  الداخلية الذي تديره قوات الشرطة؛ لقضاء فترات عقوبتهم.93

والبنية التنظيمية لقوات آسايش ومراكز الاحتجاز التابعة لها لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، هي بنية متماثلة. ومديرية الأمن العامة (آسايش جيشتي) التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني مركزها مدينة أربيل، وتغطي محافظتي أربيل ودهوك. وهي في الوقت الحالي تخضع لرئاسة عصمت أرجوشي. وكذلك هناك مديريات على مستوى المحافظات، وهي آسايش دهوك، برئاسة سعيد سنجاري، وآسايش أربيل، برئاسة عبد الله علي. ولها فروع في بلدات عدة، مثل زاخو وعقرة وشقلاوة. ومركز مديرية الأمن العامة (آسايش جيشتي) التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني هو مدينة السليمانية، وتغطي تلك المحافظة وجزء من كركوك. ويرأسها سيف الدين علي. والمديرية على مستوى المحافظة تحمل اسم آسايش سليمانية، ومقرها هي الأخرى المدينة، وكان يرأسها سركوت قبه وقت زيارات هيومن رايتس ووتش إلى إقليم كردستان (ويرأسها حالياً العقيد حسن نوري). والفروع الأخرى تشمل آسايش هولير، ومقرها بلدة كويسنجق، وآسايش جرميان، ومقرها بلدة كالار، وآسايش كركوك، ومقرها بلدة قره هنجير، وآسايش شارازور، ومقرها قريباً من بلدة الحلبجة. وكقاعدة عامة، فمراكز الاحتجاز على مستوى المحافظات لا تضم سوى المحتجزين التابعين للمحافظة، بينما مراكز احتجاز مديريات الأمن العامة فيها محتجزين من محافظات أخرى، ومنهم أشخاص من خارج إقليم كردستان، وكذلك من غير المواطنين العراقيين. ومن حيث الممارسة، فهناك تداخل بين فئات المحتجزين في نفس مركز الاحتجاز، وهذا كوضع مؤقت لحل مشكلة الازدحام بمراكز الاحتجاز.




78  قانون وزارة الداخلية رقم 9 لعام 1993، وصدر بقرار رقم 21 في 27 مارس/آذار 1993، وتم نشره في صحيفة البرلمان، العدد 10، أبريل/نيسان 1993. وفي واقع الأمر أسست السلطات الكردستانية الآسايش قبلها بخمسة شهور، في أكتوبر/تشرين الأول 1992، وبدأت آسايش عملها في يناير/كانون الثاني 1993.

79  الشعب الأخرى في الأسايش تتضمن شعبة الإقامة والسفر.

80  تتضمن نظام الأمم المتحدة لسلوك مسؤولي إنفاذ القانون، وقواعد الأمم المتحدة للحد الأدنى من معاملة السجناء.

81  الاسم الرسمي لباراستين (وهو يعني حرفيا "الحماية") هو ريكشتيني تايبيتي (التنظيم الخاص باللغة العربية)، وتم تشكيلها في عام 1968 وكانت خاضعة بالكامل لقائد الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني. وتمت إعادة تشكيلها بعد عام 1991 ووضعت تحت لواء قيادة جديدة.

82  دازغاي زانياري (جهاز المعلومات باللغة العربية)، تمت إعادة تشكيلها عام 1991 من هيئات الاستخبارات والأمن السابقة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. وهي تخضع بالكامل لإشراف زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني.

83  أثناء زياراتها لمراكز احتجاز الحزب الديمقراطي الكردستاني، قابلت هيومن رايتس ووتش عدة محتجزين ذكروا أن الباراستين اعتقلتهم.

84  قانون رقم 64 لعام 2004، منشور في الصحيفة الرسمية الكردستانية، العدد 53، 19 ديسمبر/كانون الأول 2004.

89  بالإضافة إلى دازغاي زانياري (جهاز المعلومات)، فجهات الاتحاد الوطني الأمنية الأخرى تتضمن المخابرات العسكرية والمعروفة باسم زادغا، وكذلك مجموعة مكافحة الإرهاب المشكلة حديثاً، ويرأسها بافيل طالباني.

90  تم تعيين عمر فتاح كنائب لرئيس الوزارة المشتركة التي أعلن عنها في 6 مايو/أيار 2006، إثر إعلان توحيد إدارتي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

91  جهات الحزب الديمقراطي الكردستاني الأخرى تتضمن المخابرات العامة (ريخستين) والمخابرات العسكرية (هاوالغري).

93  لكن في حالات قليلة استمر العاملون بآسايش في احتجاز المسجونين المدانين الذين لم يتم تحويلهم قط إلى سجن تابع للشرطة، أو الذين قضوا فترات عقوباتهم لكن ظلوا رهن الاحتجاز... انظر القسم VI أدناه.