Israel and the Occupied Palestinian Territories



Israel and the Occupied Palestinian Territories Israel and the Occupied Palestinian Territories
  

ملخص

ادعى حزب الله في مناسبات كثيرة – أثناء نزاعه المسلح مع إسرائيل من 12 يوليو/تموز إلى 14 أغسطس/أب 2006 – بأن صواريخه كانت تستهدف بالأساس أهدافاً عسكرية في إسرائيل، وأن هجماته على المدنيين كانت مبررة وجاءت كردود أفعال على قصف إسرائيل العشوائي الذي لا يميز بين مدنيين وعسكريين في الجنوب اللبناني، وكوسيلة لدفع إسرائيل إلى خوض حرب برية. وفي واقع الأمر يمكن دحض الادعاء الأول بأن عدداً كبيراً من الصواريخ التي أصابت الأهداف المدنية قد سقط بعيداً تمام البعد عن الأهداف العسكرية، بينما الادعاء الثاني يمكن الرد عليه بأنه تصرف غير مسموح به بموجب القانون الإنساني الدولي.

وأطلقت قوات حزب الله في لبنان آلاف الصواريخ على إسرائيل؛ تسببت في إصابات للمدنيين وأضرار لحقت بالأعيان المدنية. ويعتمد حزب الله في هجومه على أسلحة غير موجهة لا تتمتع بالقدرة على إصابة الأهداف العسكرية بأي قدر من الدقة. وتكررت إصابتها للمدن والبلدات والقرى دونما أي جهد ظاهر تم بذله للتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية. وبفعله هذا، فإن حزب الله باعتباره طرفاً في نزاع مسلح تحكمه قواعد القانون الإنساني الدولي، ينتهك قواعد الحظر الأساسية ضد الهجمات العمدية والعشوائية ضد المدنيين.

ويركز هذا التقرير على هجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل. ويستند إلى بحث ميداني في مواقع الأحداث، ومراجعة وتدقيق للأدلة الوثائقية. وقد تصدت هيومن رايتس ووتش في تقارير أخرى لأبعاد أخرى من النزاع، منها انتهاكات إسرائيل أثناء النزاع. وسوف نتصدى لأبعاد إضافية من النزاع، ومنها المزاعم التي تكررت بأن حزب الله يستخدم المدنيين كـ"دروع بشرية"، في تقرير يصدر قريباً بعنوان "لماذا ماتوا: القتلى المدنيون في لبنان خلال حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله". وفي كل الأوقات فنحن نسعى إلى قياس درجة التزام كل من الأطراف بالتزاماته بموجب قوانين الحرب، وليس قياسها بالنسبة إلى درجة التزام الطرف الآخر. ولا يعني انتقاد أحد الأطراف على انتهاك القانون الإنساني الدولي أننا نلتمس الأعذار لانتهاكات الطرف الآخر أو نقلل من شأنها.

وقد تسببت صواريخ حزب الله في مقتل 43 مدنياً و12 جندياً داخل إسرائيل أثناء النزاع الذي استمر 34 يوماً.1

وعانى 33 شخصاً مدنياً من إصابات بدنية جسيمة، و68 من إصابات بدنية متوسطة، و1388 عانوا من إصابات بدنية طفيفة، طبقاً للإحصائيات الرسمية الإسرائيلية. وعالجت المستفشيات 2773 مدنياً أصيبوا بالصدمة والاضطراب.

وتسببت الصواريخ في مقتل وإصابة الإسرائيليين في بيوتهم وفي أماكن عملهم، وفي شوارع القرى والمدن. وأصابت الصواريخ المستشفيات في نهاريا والصفد ومزرا، ومدرسة ابتدائية في كريات يام، ومكتب بريد في حيفا. وكانت هذه الهجمات ضد المدنيين والأعيان المدنية في العادة هي النتيجة المتوقعة لهجمات حزب الله، وكانت مقصودة ومتعمدة في بعض الأحيان، كما ظهر من تصريحات حزب الله.

واعترفت السلطات الإسرائيلية بأن حزب الله كان يستهدف أهدافاً عسكرية  شمالي إسرائيلي في بعض الأحيان. إلا أنها، ولصالح الأمن الوطني، لم تكشف أي تفاصيل عن هذه الهجمات أو سمحت للمراقبين المستقلين بإجراء زيارات لهذه المواقع. ولهذا فلا يمكننا التأكيد على أن هجمات حزب الله الصاروخية أصابت أهدافاً عسكرية أو سقطت على مقربة من هذه الأهداف، أو التأكيد على عدد هذه الهجمات مقارنة بعدد الهجمات الصاروخية التي أصابت مناطق مدنية.

إلا أن مشروعية الهجمات من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي يجب أن تُقاس بكل هجمة على حدة، إذ أن حقيقة أن بعض الهجمات التي قد تكون أصابت أهدافاً عسكرية لا تبرر في حد ذاتها هجمات أخرى لم تصب أهدافاً عسكرية.

وتكررت إصابة صواريخ حزب الله للمناطق المأهولة بالمدنيين في إسرائيل. وفي بعض هذه الحالات، لم نتمكن من الوصول إلى دليل على وجود هدف عسكري مشروع في المنطقة المحيطة بموقع سقوط الصواريخ في زمن الهجوم، مما يوحي بأنها كانت هجمات مقصودة ضد المدنيين. وفي حالات أخرى، اكتشفنا وجود أهداف عسكرية بالقرب من موقع الهجوم، لكن حتى بافتراض أن حزب الله كان يقصد إصابة الهدف العسكري وليس المدنيين، فإن الصواريخ غير الموجهة التي استخدمها كانت غير قادرة على التمييز بين الاثنين. وفي وقت الهجوم، فشل حزب الله أيضاً في اتخاذ كافة التدابير المستطاعة لتقليل حجم الأضرار على حياة المدنيين، مثلاً بإصدار "تحذير فعال متقدم

وبناء على تقديرنا لتصريحات كثيرة و89 بياناً صدرت أثناء الحرب من حزب الله عن هجماته على إسرائيل، استنتجنا أنه على الرغم من أن قادة حزب الله والمتحدثين الرسميين عنه قد عبروا عن التزامهم بمبدأ عدم إصابة المدنيين على طرفي النزاع، فقد كرروا التهديد بمهاجمة البلدات والمستوطنات الإسرائيلية وادعوا المسؤولية عن هجمات محددة على أهداف إسرائيلية داخل إسرائيل. وتعد هجمات حزب الله التي تنتهك قوانين الحرب، لدى ربطها بالتصريحات التي تشير إلى القصد الجرمي، دليلاً قوياً على أن بعض أعضاء حزب الله وقادته مسؤولين عن جرائم حرب.

* * *

ويركز هذا التقرير على درجة استهداف حزب الله للمدنيين والأهداف المدنية، ومدى قصفه العشوائي دونما تمييز لهذه الأهداف المدنية، وما تسببت فيه هذه الهجمات من إصابات ووفيات. ولا يتصدى لآثار أخرى لحملة حزب الله الصاروخية، مثل إخلاء السكان، وتكلفة أيام العمل المهدرة، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية، والضرر الذي لحق بالبيئة الطبيعية ومناطق المنشآت.

وقد نشرت هيومن رايتس ووتش عدة تقارير وبيانات صحفية متصلة بانتهاك قوانين الحرب من جانب أطراف نزاع 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وكلها متوافرة على موقع هيومن رايتس ووتش على www.hrw.org، وتتضمن "الضربات القاتلة: هجمات إسرائيل العشوائية ضد المدنيين في لبنان" (2006)، و"على حزب الله وضع حد لهجماته على المدنيين" (5 أغسطس/أب 2006)، و"هجمات حزب الله الصاروخية على حيفا بغرض قتل المدنيين" (18 يوليو/تموز 2006).

كما أصدرنا تقارير عن نزاعات مسلحة سابقة بين إسرائيل وحزب الله، ومنها "عملية عناقيد الغضب: الضحايا المدنيين" (1997)، و"قطع شطرنج المدنيين: انتهاكات قوانين الحرب واستخدام الأسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية" (1996). وفي وقت كتابة هذا التقرير، نقوم أيضاً بالتجهيز لإصدار التقرير المذكور أعلاه "لماذا ماتوا: القتلى المدنيون في لبنان خلال حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله" وتقرير منفصل عن استخدام إسرائيل للذخيرة العنقودية.

وخلص باحثونا في نزاع 2006 المسلح إلى أن هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي المسؤولة عن غالبية وفيات المدنيين في لبنان كانت عشوائية، بمعنى أنها كانت لا تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية. ووقعت عدة هجمات لاقى فيها مدنيون حتفهم، وقعت في أوقات حين لم يكن ثمة دليل على أن مقاتلي حزب الله كانوا موجودين في الموقع المقصود بالقصف، ولا أسلحة تابعة لحزب الله، برغم مزاعم جيش الدفاع الإسرائيلي بأن نسبة كبيرة من وفيات المدنيين في لبنان ترجع إلى إخفاء حزب الله صواريخه ومقاتليه في قرى وبلدات. وفيما حذر جيش الدفاع الإسرائيلي في أحيان كثيرة المدنيين بأن يخلوا بعض المناطق في الجنوب اللبناني، فإنه قد تصرف في عدة حالات وكأن تحذيراته تمنحه الحق في معاملة كل الأشخاص الذين لم يفروا على أنهم مقاتلين. وفي جنوب لبنان، ظل أشخاص كثيرين في مواقعهم حتى بعد صدور التحذيرات، بسبب التقدم في العمر أو اعتلال الصحة، أو المسؤولية عن مواشي ومحاصيل، أو نتيجة عدم القدرة على تحمل أجور سيارات الأجرة المرتفعة للقيام بالإخلاء، أو خوفاً من أن يصبحوا من ضحايا جيش الدفاع الإسرائيلي الذين يُقتلون على الطرقات. وهكذا فإن القصف المدفعي العشوائي لجيش الدفاع الإسرائيلي كانت له آثار مدمرة على المدنيين.3 فضلاً عن هذا فإن إسرائيل قامت بقصف لبنان عشوائياً وبكثافة بالذخيرة العنقودية، والتي خلفت حوالي المليون قنبلة لم تتفجر بعد، وتسببت حتى 20 يونيو/حزيران 2007، في مقتل 24 مدنياً وإصابة 183 آخرين، طبقاً لمركز تنسيق عمليات إزالة الألغام التابع للأمم المتحدة في جنوب لبنان.4 وفي حالات أخرى تعمدت إسرائيل استهداف المدنيين فقط بسبب ارتباطهم السياسي أو الاجتماعي بحزب الله، برغم حقيقة أنه ليس ثمة دليل على أن هؤلاء المدنيين شاركوا في الاقتتال.

وقد اعترف حزب الله بأنه كان يستهدف بلدات ومدناً إسرائيلية، وإن كان قد ادعى خلاف ذلك في بادئ الأمر، لكنه زعم أن ليست لديه طريقة أخرى لإجبار إسرائيل على الكف عن هجماتها على المدنيين اللبنانيين. ونصت اتفاقيات جنيف صراحة على أن الانتهاكات التي يرتكبها أي من أطراف النزاع، بغض النظر عن جسامتها، لا تحرر الطرف الآخر من التزاماته بالالتزام بالقانون.5 وفيما يُسمح بهجمات الردع في ظروف معينة ومحددة أثناء النزاعات المسلحة بين الدول، فليس من المسموح على الإطلاق فرض هجمات الردع هذه ضد المدنيين.6 والأطراف في النزاع المسلح غير الدولي ليس لها الحق في اللجوء إلى أي من أنواع هجمات الردع.7 كما تقدم حزب الله بتبرير آخر لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وإجبار إسرائيل على خوض هجوم بري على لبنان، مما يمنح حزب الله مزايا قتالية معينة تعوزه في الحرب الجوية. وأيّ كانت المزايا التي يمنحها هذا الادعاء إذا كان حزب الله قد سدد إلى أهداف عسكرية فحسب باستخدام أسلحة دقيقة (مثال: استخدام القناصة لاستهداف الجنود على الحدود)، فلا يمكن استخدام هذا الادعاء لتبرير الهجمات العشوائية أو المباشرة على المدنيين. ويتطلب القانون الإنساني الدولي بعض النظر عن الهدف أن يتم تنفيذ الهجمات على الأهداف المدنية فحسب، وهي عبارة عن أشخاص وأعيان وأماكن هي بطبيعتها وموقعها والغرض منها واستخداماتها، تسهم إسهاماً فعالاً في العمل العسكري، والتي يقدم تدميرها في ذلك الوقت ميزة عسكرية محددة. ولا يحول المنطق العسكري للهجمة ضد المدنيين هؤلاء المستهدفين إلى أهداف عسكرية صحيحة، بل يبقون متمتعين بالحصانة من الهجوم بموجب قوانين الحرب.

وثمة رأي خلافي آخر هو أن هجمات حزب الله الصاروخية على البلدات والقرى في الشمال الإسرائيلي ليست عشوائية لأن معظم المدنيين الإسرائيليين في هذه الأماكن، إما قد فروا إلى أجزاء أخرى من البلاد بعيداً عن مرمى الصواريخ، أو لجأوا إلى الملاجئ أو "حجرات أمنة" في منازلهم. وطبقاً لهذا الرأي فإن إطلاق الصواريخ غير الموجهة على إسرائيل لا يجب أن يعتبر عشوائياً بسبب أعداد المدنيين المعرضين للخطر التي تقلصت. (وثمة رأي خلافي مماثل يعتنقه من يقولون بأن الهجمات العشوائية الإسرائيلية ضد الجنوب اللبناني أثناء الحرب كانت مقبولة لأن السكان المدنيين إما أنهم قد فروا أو وجب أن يفروا بسبب تحذيرات الحكومة الإسرائيلية التي سمعوا بها).

وهذا الادعاء ينطوي على إشكالية باعتباره واقعاً ومن الناحية القانونية. فبينما فر كثير من سكان شمال إسرائيل أو لجأوا إلى ملاجئ، فإن البلدات والمدن لم تخل من المدنيين. واختار جزء كبير من السكان البقاء، لأسباب متنوعة. وبعضهم لم يكن لديهم أماكن يفرون إليها أو لم يتمكنوا من تحمل تكلفة السكن في أماكن أخرى، أو اختاروا ألا يهجروا بيوتهم وأعمالهم وأقاربهم الذين قرروا البقاء. بالإضافة إلى أن سكان أقل نسبياً من المجتمعات العربية في الشمال الإسرائيلي قرروا الفرار من المنطقة أو كانوا قادرين على اللجوء إلى الملاجئ أو الحجرات الأمنة.

وحتى إذا كان طرفاً في نزاع قد أصدر تحذيرات للمدنيين بالفرار، أو حتى لو كان معظم المدنيين قد فروا أو لجأوا إلى الأمان، فالقانون الإنساني يحظر أن يعامل أطراف النزاع أي منطقة باعتبارها منطقة يمكن إطلاق النار عليها وقصفها بحرية إذا ظل فيها مدنيين لأي سبب من الاسباب. وعلى هذا الطرف أن يستمر في اتخاذ تدابير الحذر الواجبة لعدم إصابة المدنيين والامتناع عن شن الهجمات العشوائية التي لا تميز بين المدنيين والعسكريين.

كما لا يجب اعتبار بيانات حزب الله العلنية التي تتوعد بمزيد من الهجمات على البلدات الإسرائيلية، على أنها من أشكال التحذير المسبق التي يشجع القانون الإنساني الدولي الأطراف المتحاربة على إعلانها قبيل الهجمات التي قد يكون لها أثر على سكان مدنيين.8 والغرض من التحذير المسبق المجدي هو تمكين المدنيين من اللجوء إلى ملاجئ أو مغادرة المنطقة. ولكي تكون مجدية، فيجب أن تكون التحذيرات صادرة في الوقت المناسب ومحددة وشاملة بحيث تسمح باللجوء إلى الملاجئ أو المغادرة. ومن غير المشروع استخدام تحذير مزعوم ذات طبيعة فضفاضة وغير دقيق الغرض منه بث الذعر والخوف وليس مساعدة المدنيين على اللجوء للحماية، حتى لو لم يُنفذ الهجوم المعلن عنه.9

وبالانسجام مع مبادئها، فإن هيومن رايتس ووتش محايدة في الأمور الخاصة بمدى شرعية اللجوء إلى الحرب. ونعتبر هذا الحياد هو الوسيلة الأكثر كفاءة في تفعيل هدفنا الرئيسي، وهو تشجيع كل الأطراف المتحاربة في النزاع على احترام القانون الإنساني الدولي. وبالتالي، فلا يناقش هذا التقرير موضوع الطرف المسؤول عن النزاع المسلح بين حزب الله وإسرائيل، ولا أي من الطرفين له الحق بشن الحرب... إذ لا تؤثر عدالة القضية على تحليلنا من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي.

تقييم هجمات حزب الله الصاروخية

يعرض هذا التقرير تفصيلاً لعشرات من هجمات حزب الله الصاروخية التي أصابت مناطق مدنية في إسرائيل. ولا يشمل كل الصواريخ أو كل المدن التي أصيبت، أو كل الحالات التي وقعت فيها إصابات قاتلة. إلا أن الحالات التي نفحصها هنا تظهر نسقاً عاماً منسجماً مع بيانات وتصريحات حزب الله على امتداد فترة الحرب، بإطلاق النار بشكل عشوائي، وفي بعض الحالات بشكل عمدي، تجاه مدنيين وأعيان مدنية، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

ومعلوماتنا مصدرها زياراتنا أثناء النزاع وبعده إلى البلدات والقرى التي أصابتها الصواريخ، ومن التحقيق في أدلة الشظايا التي تم جمعها في تلك الأماكن، ومن مقابلات مع شهود عيان من المدنيين، ومع أطباء إسرائيليين قاموا بعلاج المصابين، ومن السلطات المدنية الإسرائيلية، ومن مسؤولين بالشرطة الإسرائيلية وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي، ومن قيادة الجبهة الوطنية، ومن مصادر منشورة للمعلومات عن الأسلحة، ومن بيانات وتصريحات لمسؤولي حزب الله، ومعلومات تم جمعها من منظمات دولية وغير حكومية في لبنان. وإلى اليوم، لم نتلق ردوداً على أسئلتنا التي أرسلناها في 30 أبريل/نيسان إلى قيادة حزب الله عن هجماته الصاروخية (انظر الملحق).

وتكرر إطلاق حزب الله للصواريخ تجاه المناطق المسكونة بالمدنيين والتي لا يوجد بها أهداف عسكرية ظاهرة، في انتهاك للحظر على مهاجمة المدنيين. وفي حالات أخرى، أدركنا بوجود أهداف عسكرية ثابتة ومتحركة في المنطقة التي أصابتها صواريخ حزب الله وتسببت في مقتل وإصابة مدنيين إسرائيليين. والبت في ما إذا كان حزب الله يوجه صواريخه إلى أهداف عسكرية في تلك الحالات أمر صعب التحديد. لكن لأن الأسلحة التي استخدمها حزب الله تنقصها الدقة الكافية في حالة إصابتها لمناطق مكتظة بالسكان، فهذه العمليات هي بلا شك انتهاك لحظر القانون الإنساني على الهجمات العشوائية. ويدعي حزب الله أنه كان يستهدف الأهداف العسكرية وأن صواريخه أصابت هذه الأهداف بنسبة أكبر مما عرفنا، ولام الرقابة الإسرائيلية على التغطية على هذه الحقائق. لكن حتى إذا اتضح أن حزب الله كان يستهدف أهدافاً عسكرية في الشمال الإسرائيلي بدرجة أكبر مما عُرف إلى الآن، فما زال هناك نسق واضح مُستنتج مفاده وجود صواريخ استهدفت المدنيين، مباشرة أو بشكل عشوائي، في انتهاك للقانون الدولي.

وفي اختيارهم للصواريخ، فإن قادة حزب الله المسؤولين أظهروا، على الأقل، إهمالاً في الانتباه إلى أن أسلحتهم قد تضر المدنيين. وعلى حد علمنا فكل الصواريخ التي أطلقها حزب الله ليس بها أجهزة للتوجيه. وهكذا فإن قوات حزب الله كانت تطلق الصواريخ على هدف عام، لكن دون دقة في التوجيه. وكثير من الصواريخ التي أصابت مناطق ساحلية مكتظة بالسكان، مثل مدينة حيفا وسلسلة ضواحيها إلى الشمال والشرق المعروفة باسم هكريوت، كانت صواريخ 220 مم مشحونة بآلاف الكريات المعدنية عيار 6 مم (ويطلق عليها أحياناً الصواريخ حاملة الكرات)، والتي تنتشر على مساحة واسعة لدى الارتطام وبقوة هائلة. وهذه الكريات أسلحة فتاكة ضد الأشخاص، وبينما هي غير قادرة على إلحاق الأضرار بالقطع العسكرية الصلبة، فهي تخترق اللحم والأعضاء البشرية على نطاق واسع من موقع الانفجار. كما أطلق حزب الله عدداً غير معروف من الصواريخ التي تحمل ذخائر عنقودية، محملة بالمتفجرات الصغيرة، والتي لدى الارتطام تطلق كريات معدنية عيار 3 مم على نطاق واسع.

والحظر على الهجمات العشوائية التي لا تفرق بين العسكريين والمدنيين لا ينطبق فقط على المدنيين، بل أيضاً على الأعيان المدنية، من مبانٍ وغيرها من المنشآت. وطالما أن هذه الأهداف لم تتحول إلى أهداف عسكرية، كأن تُستخدم كمواقع دفاعية أو مقار عسكرية، فإن الأطراف المتحاربة عليها ألا تهاجمها، عمداً أو بشكل عشوائي. وتستحق الأعيان المدنية حماية أصيلة لصيقة بها لأنها في أغلب الأحيان مساكن للمدنيين.

وكانت جهود حزب الله الرامية لإصابة الأهداف الصناعية وأهداف البنية التحتية في ميناء حيفا وضواحيها الشمالية الشرقية، يمكن أن تعتبر مشروعة بموجب القانون الإنساني الدولي، فقط في حالة إن كانت الأعيان المستهدفة "تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري" وإذا كان تدميرها يمثل لحزب الله "ميزة عسكرية أكيدة".10 ومن حيث المبدأ تتضمن الأهداف العسكرية المشروعة الأعيان التي تساهم مساهمة مباشرة في العمليات العسكرية القائمة.11

تقييم بيانات وتصريحات حزب الله أثناء الحرب

ذكر حزب الله أنه أطلق 8000 صاروخ على إسرائيل أثناء النزاع الذي استمر 34 يوماً (انظر أدناه). وقال المسؤولون الإسرائيليون إن العدد كان 3917 صاروخاً،12 وسقطت منها 23% في "مناطق مباني".13

وزعم حزب الله أن صواريخه أصابت أهدافاً عسكرية داخل إسرائيل أكثر مما أفاد الإعلام بذلك. لكن بيانات وتصريحات حزب الله التسع والثمانين التي فحصناها والخاصة بالهجمات الصاروخية على إسرائيل، تدعي بوقوع 22 هجوماً صاروخياً على مواقع عسكرية محددة، مثل قواعد جيش الدفاع الإسرائيلي، وعلى الأقل أربعة أضعاف عدد الهجمات التي وقعت على مستوطنات مدنية محددة.14 وكانت هناك حالات نادرة أصابت فيها الصواريخ مدنيين، ثم عبّر حزب الله عن الأسف لهذا، على سبيل المثال حين أصاب صاروخٌ صبيين فلسطينيين إسرائيليين في الناصرة يوم 19 يوليو/تموز، وحين أصاب صاروخ آخر فلسطينيين إسرائيليين عجوزين من حيفا في 6 أغسطس/أب.. في تلك المناسبات لم يحدد حزب الله الهدف المقصود بهذه الصواريخ.

وهذه البيانات، مقترنة بالأدلة التي تم جمعها ميدانياً شمالي إسرائيل، تدع قليلاً من الشك بأن حزب الله أطلق الصواريخ عمداً أو عشوائياً على المدنيين في أحيان كثيرة. وأن القادة الذين أمروا بإطلاق هذه الصواريخ وعملوا بقصد جرمي أو بدافع من الإهمال والتهاون في أرواح المدنيين، كانوا يرتكبون جرائم حرب.

وذكر قادة ومتحدثو حزب الله بوضوح وفي أحيان كثيرة أنهم استهدفوا البلدات والقرى، وفي العادة يبررون أفعالهم تلك بهجمات الردع ضد الضربات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين. وبعد أربعة أيام من نشوب النزاع، مثلاً، في 16 يوليو/تموز، وبعد إصابة صاروخ من صواريخ حزب الله عيار 220 مم وكان محملاً بالكريات المعدنية، لثمانية عمال سكة حديد في حيفا ومقتلهم، ظهر أمين عام حزب الله حسن نصر الله على التلفزيون وقال:

في اليوم الأوّل ركّزنا قصفنا الصاروخي على المواقع العسكرية فقط ولم نتعرّض لأيّ مستعمرة أو مستوطنة إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة، ولكنّ جيش العدوّ العاجز أمام المجاهدين بدأ منذ اليوم الأول باستهداف البلدات والقرى والمدنيين والمنشآت المدنية والبنية التحتية....

ولم يكن أمامنا أي مجال اليوم سوى أن نفي بوعد قد قطعناه على أنفسنا وقمنا بقصف مدينة حيفا ونحن نعرف أهمية هذه المدينة وخطورة هذه المدينة....

وبالتالي سوف نلجأ إلى كل وسيلة تمكننا من هذا الدفاع طالما أن العدو يمارس عدوانه بلا حدود وبلا خطوط حمراء ونحن سوف نمارس تصدينا بلا حدود وبلا خطوط حمراء....15

وحقيقة أن بيانات حزب الله في وقت الحرب ادعت النجاح في إصابة الأهداف العسكرية ومعها أيضاً التجمعات المدنية، تظهر أن حزب الله كان يفهم الفارق بين الاثنين وتوحي بقوة بأنها تعمد استهداف المدنيين في بعض الأوقات.

وفي بيان نموذجي من بياناته، قال حزب الله في 2 أغسطس/أب:

رداً على الهجمات الصهيونية ضد مناطق مدنية لبنانية، قامت المقاومة الإسلامية الساعة 11:30 صباحاً بقصف مستوطنتين من مستوطنات العدو في تسوريل وصفد، بعشرات الصواريخ. كما استهدفت بالصواريخ مقر قيادة المنطقة الشمالية في بيرانتي وقاعدة عين حمور العسكرية، وشرق طبرية، وقصفتها للمرة الأولى....

ورداً على العدوان الصهيوني المستمر ضد المدنيين اللبنانيين، قصفت المقاومة الإسلامية الساعة 11:40 صباحاً مستوطنات جورين وإيلون، ومعلوت، وكفار فراديم، وإلكوش، بعشرات الصواريخ.

ووجهت المقاومة الإسلامية تمام الساعة 12:00 دفعات من الصواريخ تجاه مستوطنتي كابري وطبرية.16

وفي 9 أغسطس/أب، بعد ثلاثة أيام من قتل صواريخ حزب الله لسكان عرب في حيفا للمرة الأولى، وبعد ثلاثة أسابيع من بدء قتل وإصابة السكان اليهود، دعا نصر الله علناً السكان العرب بالمدينة إلى الفرار منها حرصاً على سلامتهم:

إلى عرب حيفا لدي رسالة خاصة. نحن حزنا ونحزن لشهدائكم ولجرحاكم. أنا أرجوكم وأتوجه إليكم أن تغادروا هذه المدينة. أتمنى عليكم أن تفعلوا ذلك. خلال الفترة الماضية، إن وجودكم وما أصابكم جعلنا نتردد في التعرض لهذه المدينة، برغم من أن الضاحية الجنوبية تقصف سواء إن قصفت حيفا أو لم تقصف حيفا وبقية العمق اللبناني يقصف. أرجو أن تريحونا من هذا التردد وأن تحقنوا دماءكم التي هي دماؤنا وان تغادروا هذه المدينة.17

وتشير بيانات نصر الله إلى أن هجمات حزب الله الصاروخية كانت إما تستهدف السكان اليهود في حيفا أو أن حزب الله كان يعرف بأنها تعرض المدنيين بالمدينة للخطر لكنه لا يهتم طالما الضحايا من اليهود، مشيراً على الأقل إلى النية بالتساهل في تعريضهم لهجمات عشوائية.

كما يحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات التي تستهدف بالأساس بث الخوف بين السكان المدنيين. وفي أي من الحالات فثمة انتهاك، سواء كان الهجوم أو لم يكن في واقع الأمر قد نتج عن إصابات مدنية خطيرة. وطبقاً لإعلان تقدم به الأمين العام في 29 يوليو/تموز، كان حزب الله يسعى لشل الحياة اليومية في شمال إسرائيل بأن يجبر السكان المدنيين على الفرار من الشمال، سواء إلى الملاجئ أو إلى النصف الجنوبي من البلاد:

متى أيها الإخوة والأخوات وعلى طول الصراع العربي الإسرائيلي؟ متى اضطر مليونا إسرائيلي على النزوح أو البقاء في الملاجىء لمدة ثمانية عشر يوماً وأكثر وسيزداد هذا العدد مع توسعنا في مرحلة ما بعد حيفا، لأن قصف مدينة العفولة وقاعدتها العسكرية هي بداية هذه المرحلة وهناك مدن كثيرة في الوسط ستكون في دائرة الاستهداف في مرحلة ما بعد حيفا إذا ما استمر العدوان الهمجي على بلدنا وشعبنا وقرانا.18

وبطبيعة الحال، نتج عن أفعال حزب الله فرار من 25% إلى 50% من السكان من منازلهم في بعض المدن التي لم يكن بها أهداف عسكرية، مثل كريات شمونا، وكرمائيل، ونهاريا. وقضي ألاف ممن ظلوا أياماً وليالٍ داخل الملاجئ أو الحجرات الأمنة في بيوتهم.

ومنذ انتهاء النزاع في أغسطس/أب 2006 وحزب الله وقادته لم يعترفوا على حد علمنا بأي طريقة بأن أساليبهم في إطلاق الصواريخ على إسرائيل كانت في ذلك الحين انتهاكاً للقانون الإنساني. ولا أعلنت حكومة لبنان أنها ستجري تحقيقاً أو مراجعة لأسلوب عمل حزب الله.

القانون الإنساني الدولي والنزاعات بين الأطراف غير المتماثلة

أثار النزاع بين حزب الله وإسرائيل قضايا متصلة بتطبيق القانون الإنساني الدولي في النزاعات غير المتماثلة، أو النزاعات التي تنشأ بين غريم يتمتع بمستوى ضعيف من تكنولوجيا التسليح وطرف آخر يتمتع بمستوى مرتفع منها. والسؤال هو إن كان الالتزام باتخاذ اللازم من تدابير الحماية لتقليل الضرر على المدنيين، هو نفسه المنطبق على كل أطراف النزاعات على الإطلاق، أم أنه يعتمد على مستوى التقدم التكنولوجي لدى الأطراف. وهل يُجرم القانون الإنساني على نحو غير عادل الأطراف منخفضة المستوى التكنولوجي مثل حزب الله المسلح بصواريخ غير موجهة، بأن يلزمه بنفس المعايير الدولية الخاصة بحماية المدنيين – بحظر الهجمات العشوائية – كمثل معاملته للأطراف المتمتعة بأسلحة دقيقة التوجيه؟

يفرض القانون الإنساني الدولي المحاذير على الوسائل والأساليب والأدوات الحربية التي تفرق بين المقاتلين والمدنيين وبهذا تتسبب في أضرار لا داعي لها للمدنيين. والقنابل المعقدة "الذكية" والصواريخ الموجهة بدقة قد يمكن استخدامها لهذا الغرض، فيما تعتبر الصواريخ غير الموجهة وغيرها من الأسلحة غير المعقدة "الغبية" أسلحة عشوائية الاستهداف بلا شك.

ومن الواضح أن هذا يفرض الضغوط على القوات العسكرية منخفضة المستوى التكنولوجي في تسليحها، وعلى الجماعات المسلحة غير المنتمية إلى الدول، وتدفعها هذه الضغوط إلى البحث عن أساليب بديلة لشن الحروب، مثل القيام بهجمات محدودة على الأهداف العسكرية في أراضي العدو أو باستخدام نيران القناصة، أو بالمتفجرات الصغيرة المنقولة بواسطة الصواريخ، أو بغيرها من الأسلحة التي يمكن توجيهها نحو أهداف عسكرية بقدر معقول من الدقة. حتى إذا كانت أساليب الهجوم هذه تجعل من القوة منخفضة المستوى التكنولوجي في غير صالح الطرف الذي يستخدمها، فليس من مهام القانون الإنساني أن يضمن التنافس المتعادل بين أطراف الاقتتال، بل هو – القانون الإنساني – يعمل لصالح ضمان أكبر قدر ممكن من إبعاد أهوال الحرب عن المدنيين. والسماح لاستخدامات غير القانونية للأسلحة لأسباب خاصة بالتكلفة، هو أمر كفيل بربط درجة معاناة المدنيين بالإمكانيات المالية للأطراف المتحاربة. كما أن هذا الأمر كفيل – على حساب المدنيين أيضاً – بتثبيط الجيوش عن شراء أو تطوير أسلحة أكثر تعقيداً وإمكانيات كفيلة باستبعاد المدنيين من طائلة الحرب.

وفي الوقت نفسه، فإن الحظر المفروض على الهجمات العشوائية غير المميزة بين المدنيين والعسكريين، يضع مزيداً من الأعباء القانونية على القوات العسكرية المسلحة المتمتعة بقدر مرتفع من التقدم التكنولوجي. وحينما يكون لدى الجيوش الخيار في استخدام أسلحة دون غيرها في الهجوم، فلابد أن يستخدموا – بقدر الإمكان – سلاحاً يقلل من الخسائر في أرواح المدنيين. ويفرض هذا ضغطاً على الجيوش في استخدام الأسلحة الموجهة بدقة فقط، لدى مهاجمة مناطق مكتظة بالسكان. ولا يمكن لهم أيضاً تبرير الهجمات غير المشروعة بأنها جراء استخدام أسلحة منخفضة المستوى التكنولوجي، أو لمستوى التدريب والتسليح المنخفض، فهذا بمثابة ارتكاب إساءات. وكما كتب أحد دارسي القانون الإنساني: "إن القول بأن طرفاً ما يتمتع بقدرات تكنولوجية تجعله يمارس قدراً كبيراً من الاعتناء في الهجوم، فهو برغم ذلك لا يفعل ذلك لأن غريمه ليست لديه أجهزة ومعدات في نفس الدرجة من الدقة" في حماية من ليسوا أطرافاً في الاقتتال.19

التزام إسرائيل باتخاذ الاحتياطات من آثار الهجمات

الأطراف في نزاع مسلح ملتزمة بموجب القانون الإنساني الدولي باتخاذ الاحتياطات اللازمة، قدر المستطاع، لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.20 ويتضمن هذا تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها،21 ونقل السكان المدنيين بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.22

وعلى امتداد المنطقة الشمالية من البلاد، فإن الأهداف العسكرية الثابتة، مثل قواعد جيش الدفاع الإسرائيلي، تقع بالقرب من مستوطنات مدنية أو وسطها. ومقر قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي في الشمال يقع في مدينة الصفد. والبحرية الإسرائيلية لديها مركز تدريب كبير على الشاطئ في حيفا، إلى جوار مستشفى كبير وحي من المباني السكنية قليلة الطوابق.

وفي بعض الحالات، أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي نيران مدفعيته على لبنان من مواقع بالغة القرب من تجمعات سكنية، مثل حدود قرى زاريت وعرب العرمشة (بالنسبة للحالة الثانية، انظر دراسات الحالة أدناه). وتعتبر قطع المدفعية التي قامت بالقصف أهدافاً عسكرية، وفي بعض من بياناته التي أصدرها وقت الحرب، أعلن حزب الله أنه قام بتوجيه صواريخه إلى مواقع قطع مدفعية داخل إسرائيل.

وقد بذلت إسرائيل جهوداً كثيرة لحماية أو إخلاء المدنيين في شمال إسرائيل، وهي جهود تقلل بالطبع من عدد الإصابات المدنية التي تتسبب فيها الصواريخ التي أطلقها حزب الله أثناء النزاع. إلا أنه يبقى السؤال عما إذا كانت إسرائيل قد التزمت بالكامل بالمعيار الخاص بأن عليها تفادي، قدر المستطاع، وضع الأهداف العسكرية في مناطق مكتظة بالسكان أو بالقرب منها، وبحماية كل سكانها المدنيين المقيمين بالقرب من هذه الأعيان والمنشآت العسكرية.

لكن حتى لو كانت إسرائيل لم تتمكن من أداء دورها بهذا الصدد، فإن القانون الإنساني الدولي يتطلب من الأطراف المتقاتلة أن تفرق في كل الأوقات بين غير المقاتلين والأهداف العسكرية المشروعة، بحيث يتم إطلاق النار على الفئة الأخيرة فقط، وفقط في حالة تبين أن الخسائر المدنية قليلة مقارنة بالمكسب العسكري المتوقع. وعدم التزام حزب الله بهذه المطالب كان هو السبب الرئيسي في إصابات المدنيين أثناء الحرب في إسرائيل. (انظر أدناه، الفصل الخاص بالتزامات إسرائيل باتخاذ الاحتياطات ضد آثار الهجمات).

ملحوظة على الرقابة الإسرائيلية

بأخذ اعتبارات الأمن في الاعتبار، قصرت السلطات العسكرية الإسرائيلية من كم المعلومات المتوافرة علناً عن مختلف أبعاد الحرب، ومنها معلومات معينة عن صواريخ حزب الله التي سقطت أثناء النزاع. وهذه القيود حدت من قدرتنا على التحقيق بالكامل في إجمالي نسق هجمات حزب الله.

في 16 يوليو/تموز، بعد أربعة أيام من نشوب النزاع، أصدر مسؤول الرقابة العسكرية التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي، الكولونيل سيما فاكنين غيل، دليلاً إرشادياً للصحفيين يحظر عليهم الكتابة عن، من بين عدة أشياء أخرى، "الزيارات الخاصة بالحكومة الإسرائيلية ومسؤولي جيش الدفاع الإسرائيلي إلى شمال إسرائيل، حتى انتهاء الزيارات، وهذا للصلة الواضحة بين زيارات المسؤولين والهجمات الصاروخية في المناطق المعنية"، وعن "الصواريخ التي تصيب قواعد الجيش العسكرية و/أو المنشآت الإستراتيجية، وعن "الصواريخ التي تسقط في البحر المتوسط، و"النشر الفوري عن مواقع أصابتها الصواريخ وقت الإصابة بها".23

وقد اعترفت السلطات الإسرائيلية لـ هيومن رايتس ووتش بأن بعض الصواريخ سقطت في مناطق عسكرية أو أصابت أهدافاً عسكرية كانت غير مسموح للعامة بالدخول إليها، لكنها رفضت طلبات هيومن رايتس ووتش بتوفير معلومات عن هذه الحوادث. كما واجهتنا قيود على المعلومات المتصلة ببعض الأهداف الصناعية. مثلاً قال كوبي بشار رئيس شرطة منطقة زفولون شمالي حيفا: "كان حزب الله يحاول إصابة المنشآت البتروكيماوية. وقد وقعت إصابات داخل المصانع، لكن بسبب الرقابة لا أعرف إن كان مسموحاً لي بمنحكم هذه المعلومات".24 وفي نهاية الأمر لم يقدم هذه المعلومات.

وفي 19 يوليو/تموز، زار باحثو هيومن رايتس ووتش مستشفى رامبام في حيفا وقابلوا جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي كان يتلقى علاجاً جراء إصابة لحقت به حين سقط صاروخ على قاعدة جوية قرابة المدينة. وقال إن جيش الدفاع الإسرائيلي حظر عليه التكلم إلى الصحافة، ولم تبلغ وسائل الإعلام، على حد علمنا، عن هذا الهجوم أبداً. وقال طبيب في مستشفى رامبام، كشف أنه عالج الجندي، إن جيش الدفاع الإسرائيلي حجب النشر حول هذه الهجمة الصاروخية بالذات.




1  تتضمن هذه الإحصائيات التي عرضتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، أربعة إسرائيليين لاقوا حتفهم جراء الإصابة بأزمات قلبية كانت الصواريخ السبب فيها. انظر: http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+from+Lebanon-+Hizbullah/Israel-Hizbullah+conflict-+Victims+of+rocket+attacks+and+IDF+casualties+July-Aug+2006.htm (تم الاطلاع عليه في 28 مايو/أيار 2007). بينما تحدد الإحصائيات الرسمية الأخرى عدد من توفوا إثر الإصابة بأزمات قلبية بثلاثة أشخاص، من بين 42 قتيلاً.

3  هيومن رايتس ووتش، الضربات القاتلة: هجمات إسرائيل العشوائية ضد المدنيين في لبنان، الكتاب 18، رقم 3 (E)، أغسطس/أب 2006، http://hrw.org/reports/2006/lebanon0806/

4  انظر: http://www.maccsl.org/reports/Victims/Casualties%20Tables.pdf (تم الاطلاع عليه في 9 يوليو/تموز 2007).

5  انظر المادة 1 المشتركة في كل اتفاقيات جنيف 1949 ("تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وأن تفرض احترام هذه الاتفاقية في جميع الأحوال").

6  انظر البروتوكول الأول، مادة 51.6. ولمزيد عن هجوم الردع باعتباره عنصراً في القانون الدولي العرفي، انظر:

 International Committee of the Red Cross, Customary International Humanitarian Law (Cambridge: Cambridge University Press, 2005) الصفحات 520 إلى 523.

7  انظر: ICRC، القانون الإنساني الدولي العرفي، القاعدة 148، باقتباس من المادة 3 من اتفاقية جنيف 1949، والبروتوكول الثاني، مادة 4، وإدانات في عدد من وثائق الأمم المتحدة.

8  انظر البروتوكول الأول، المادة 57.2 (ج).

9  انظر البروتوكول الأول، المادة 51.2. وجاء مثل هذا التهديد في بيان نصر الله في 3 أغسطس/أب، حيث قال: "إذا قصفتم عاصمتنا بيروت، فسوف نقصف كيانكم المغتصب (تم الاطلاع عليه 1 مايو/أيار 2007).

10  البروتوكول الأول، مادة 52.2

11  إم. بوث وكيه. بارش، ودبليو. سولف:

New Rules for Victims of Armed Conflicts: Commentary on the Two 1977 Protocols Additional to the Geneva Conventions of 1949 (The Hague: Martinus Nijhoff, 1982) صفحة 324.

12  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الكولونيل يشيل كوبرستيين، رئيس قسم الحماية البدنية في جيش الدفاع الإسرائيلي، راملي، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2006.

13  ما لم يُذكر خلاف ذلك، فالإحصائيات الرسمية الخاصة بمواقع ضربات الصواريخ مصدرها مركز القيادة المركزي للشرطة الإسرائيلية، المقاطعة الشمالية، في عرض بالكمبيوتر بعنوان "الحرب في الشمال"، والعرض غير مؤرخ لكنه في أواخر 2006، ومسجل لدى هيومن رايتس ووتش.

14  توجد نسخ من هذه البيانات مسجلة لدى هيومن رايتس ووتش.

15  نصر الله: مستعدون للمواجهة البرية ومجاهدونا يعشقونها، نخوض معركة الأمة ولا قلق لدينا على إعادة إعمار ما تهدم، صحيفة النهار، 17 يوليو/تموز 2006.

16  تسوريل وجورين وإلكوش هي قرى تعاونية (موشافس)، وإيلون مستوطنة كيبوتز، وكفار فراديم قرية صغيرة، وكلها تقع قرب معلوت، وكابري مستوطنة كيبوتز تقع شرقي نهاريا.

 17 النص الإنجليزي للخطاب في: http://www.aimislam.com/forums/index.php?showtopic=457&st=40 (تم الاطلاع عليه 1 مايو/أيار 2007).

18  زعيم حزب الله يقسم على قصف "المدن" الإسرائيلية في خطاب 29 يوليو/تموز: BBC Monitoring Middle East,، 30 يوليو/تموز 2006.

19  انظر: Michael N. Schmitt, “The Impact of High and Low-Tech Warfare on the Principle of Distinction” (Cambridge, Massachusetts: Program on Humanitarian Policy and Conflict Research, November 2003), p. 11, http://www.ihlresearch.org/ihl/feature.php?a=45 (تم الاطلاع عليه 6 يونيو/حزيران 2007). كما أن "القانون الإنساني في الوقت الحالي لا يلزم باستحواذ مقدرات عسكرية تمد المدنيين بحماية أكبر، بل إنه يقتصر على فرض واجب باستخدام المقدرات العسكرية ما إن تتوافر لدى الطرف المتحارب".

20  البروتوكول الأول، مادة 58 (ج)

21  البروتوكول الأول، مادة 58 (ب)

22  البروتوكول الأول، مادة 58 (أ)

23  رقيب الصحافة والإعلام، دولة إسرائيل، "سياسة الرقابة تجاه الاقتتال في الشمال" 16 يوليو/تموز 2006. انظر أيضاً بنجامين هارفي، “Israeli Censor Wielding Great Power,” Washington Post 19 يوليو/تموز 2006، http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2006/07/19/AR2006071901674_pf.html (تم الاطلاع عليه 6 يونيو/حزيران 2007).

24 مقابلة هيومن رايتس ووتش، كريات شايم، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2006.