Libya



Libya Libya
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

VI. الإيذاء في الحجز

إلى جانب أشكال الإيذاء التي تحدث وقت القبض على المهاجرين واللاجئين، فقد أفاد بعض هؤلاء بوقوع عديد من الانتهاكات أثناء احتجازهم في منشآت شتى في ليبيا، بما في ذلك الضرب وتردي الأوضاع، والحرمان من الاستعانة بالمحامين. وفي ثلاثة من الحالات، أفاد الشهود بوقوع إيذاء بدني من جانب الحراس مما أفضى إلى وفاة أحد الأشخاص. وأفاد ثلاثة ممن التقت بهم هيومن رايتس ووتش أن مسئولي الأمن هددوا المحتجزات بإيذائهن جنسياً، ورأى أحد الشهود ما يعتقد أنه واقعة اغتصاب. وإذا كانت الأنباء تفيد بتحسن أوضاع احتجاز المهاجرين واللاجئين في السنوات الأخيرة، فإن الدلائل توحي بأن كثيراً من أشكال الإيذاء هذه لا تزال مستمرة.

وفي سياق جهودها لمواكبة التدفق الكبير في أعداد المهاجرين واللاجئين، تستخدم السلطات الليبية مجموعة مختلفة من المنشآت بغرض الاحتجاز. فقد أفاد الأشخاص الذين التقت بهم المنظمة أنهم احتُجزوا في مراكز الشرطة، وفي سجون عادية (وأحياناً مع المجرمين العاديين)، وفي قواعد عسكرية ومعسكرات صحراوية ذات خيام. وقد استعلمت هيومن رايتس ووتش من الحكومة الليبية عما إذا كان لديها معايير لاحتجاز الأجانب، ولكن حتى أغسطس/آب 2006 لم تكن الحكومة قد ردت عليها بعد. وتحدث المهاجرون واللاجئون عن التكدس وقلة الرعاية الصحية وشدة القيود المفروضة على الالتقاء بالزوار والمحامين.

وقد زارت بعثة فنية من المفوضية الأوروبية مواقع الاحتجاز في شتى أنحاء ليبيا في أواخر عام 2004، وأفادت أنها وجدت تفاوتاً في الظروف "من الظروف المقبولة نسبياً إلى الظروف شديدة الرداءة".94 وقالت البعثة إن هناك مراكز احتجاز قصير الأجل وأخرى للاحتجاز طويل الأجل، وإن المراكز المخصصة للاحتجاز لأجل طويل تشبه السجون. كما تحدثت البعثة عن التكدس وعن زعم المحتجزين أنهم لا يتناولون سوى الخبز والماء، وعن حبس المحتجزين لمدة تصل إلى سبعة أشهر أو أكثر بلا مراجعة قانونية، وعن احتجاز الأطفال دون مرافق، وعن حالات يبدو فيها أن المحتجزين لديهم وثائق إقامة سليمة بليبيا.

كما لاحظت هيومن رايتس ووتش وجود مشكلة أخرى، وهي الفساد المزمن في نظام الهجرة. حيث أفاد المهاجرون واللاجئون دوماً أن المحتجزين يمكنهم شراء حريتهم بدفع رشوة للحراس أو لقادتهم.

وتدعي الحكومة الليبية، كما سبق الإشارة، أن السلطات تعامل الأجانب في حدود القانون، وأنها تحرك الدعوى القضائية ضد المسئولين الذين يتجاوزون حدودهم باستخدام القوة المفرطة أو غيرها من صور سوء المعاملة في أثناء الاحتجاز. وقد اعترفت الحكومة بأن بعض منشآت الاحتجاز بها تكدس، لكنها عزت ذلك إلى ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين، وقلة التمويل، وبطء استجابة بعض السفارات والقنصليات التي يجب أن تؤكد هوية رعاياها قبل البدء في ترحيلهم. وقالت الحكومة إنه "من الصعب إيجاد حل سريع لمسألة التكدس نظراً لارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون إلى الجماهيرية الليبية"، حيث أن هذه الأعداد تتطلب "أموالاً طائلة تفوق طاقة الجماهيرية الليبية".95

وقالت الحكومة إن الرشوة جريمة يعاقب عليها القانون رقم 2 لسنة 1979، وفي حالة فساد أحد العاملين بالدولة أو ضباط الشرطة "فمن المؤكد أن الفروع المختصة ستتخذ الإجراءات القانونية في أية حالة معينة تُبلغ بها". ولم تشر الحكومة إلى عدد حالات الرشوة أو الفساد التي فتحت فيها تحقيقاً أو حركت فيها الدعوى القضائية.

وتُعد ليبيا من الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص المادة التاسعة منه على أنه "لا يجوز توقيف أي أحد أو اعتقاله تعسفاً. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه". ويُعتبر الاحتجاز "تعسفياً" إذا لم يكن القانون يجيزه أو إذا لم يتم طبقاً للإجراء المقرر فيه، كما يُعتبر تعسفياً إذا كان عشوائياً أو قائماً على الأهواء أو غير مصحوب بإجراءات منصفة للمراجعة القانونية.96

كما يُعرف الاحتجاز التعسفي باعتباره منافياً للقانون، وكذلك باعتبار أنه ينطوي على عنصري الظلم وعدم إمكانية التنبؤ. ونظراً لاشتداد ظاهرة احتجاز المهاجرين واللاجئين إلى أجل غير مسمى، فقد وضع فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة معايير لتحديد ما إذا كان حرمان المهاجرين وطالبي اللجوء من الحرية تعسفياً أم لا. وينص المبدأ الثالث من هذه المعايير على ضرورة "مثول [المهاجر أو طالب اللجوء الموضوع في الحجز] فوراً أمام قاض أو سلطة أخرى"، بينما ينص المبدأ السابع على "ضرورة أن يضع القانون حداً أقصى للمدة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يستمر الاحتجاز إلى أجل غير مسمى أو أن يمتد لفترة بالغة الطول".97

ظروف الاحتجاز في الكفرة

يُحتجز معظم المهاجرين أو اللاجئين، الذي يتم اعتراضهم في أثناء دخولهم من الجنوب الشرقي من السودان أو تشاد، في مدينة الكفرة الصحراوية أو على مقربة منها، ويبدو أن الحكومة تحتجز المهاجرين واللاجئين في عديد من المخيمات في تلك المنطقة. وقد تحدث الأشخاص الذين التقت بهم هيومن رايتس ووتش عن عدد من أشكال الإيذاء هناك، من بينها الإيذاء البدني الشديد.

وقد اعترف علي امدورد، وهو أحد كبار المسئولين الليبيين المختصين بالهجرة، بأن ظروف الاحتجاز في الكفرة تكون أحياناً سيئة، وأشار إلى وفاة امرأة حامل دون أن يوضح ظروف وفاتها. وقال إن الحكومة أعدت، في أعقاب ذلك، لإعادة 130 من البالغين المحتجزين بتلك المنشأة، وهم من إريتريا والسودان والصومال، بمساعدة سفارة كل فئة والمنظمة الدولية للهجرة، التي قدمت مائة دولار أمريكي لكل شخص. (أنكرت المنظمة الدولية للهجرة تقديم المال إلى الأشخاص الذين أعادتهم ليبيا إلى بلادهم.)98 وقال امدورد إن إحضار مسئولي السفارات إلى الأشخاص الموجودين في ليبيا الذين قد يتعرضون للاضطهاد من جانب حكوماتهم لا يمثل أية مشكلة لأن "أحداً منهم لم يقل إنه يخشى ذلك".99

وفي لقاءات مع هيومن رايتس ووتش، تحدث ثمانية أفراد كانوا محتجزين في الكفرة وعلى مقربة منها، ومنهم ثلاثة مُنحوا لاحقاً حق اللجوء في إيطاليا، عن سوء المعاملة التي شهدوها ومروا بها في مختلف منشات الاحتجاز. فذكر أبرهه، وهو لاجئ إريتري فر من موطنه عام 2002 بعد امتناعه عن تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، أن سلطات الأمن الليبية قبضت عليه لعدم حمله الوثائق اللازمة، واقتادته إلى أحد مراكز الشرطة بالكفرة في عام 2002. وقال إن المهربين اللذين أحضراه إلى ليبيا مقابل 200 دولار أمريكي كانا بالمركز، وكانت الشرطة تضرب أحدهما. وقالت الشرطة إنها لا تريد سوى المهربين، وإنها ستطلق سراح أبرهه والآخرين وعددهم 25 تقريباً، لكنها أبقتهم في المركز ثلاثة أيام. وكان المحتجزون ينامون بدون حشايا على الأرض في فناء، لكنهم كانوا يتلقون الطعام والماء، وكانت النساء والأطفال ينامون في الجانب الآخر من الفناء.

وبعد ثلاثة أيام، نقلت السلطات المجموعة إلى سجن خارج الكفرة، حيث كانت الظروف أسوأ بدرجة ملحوظة. ولم يكن بالسجن طبيب على حد علم أبرهه، ولم يكن الحراس يأخذون أحداً أبدا إلى أي مكان بغرض الرعاية الطبية. وظل أبرهه في زنزانة بها مرحاض واحد مع أربعين رجلا تقريباً، ولم يسمح لهم الحراس بالخروج لمدة شهر. وعلى مدى الشهرين التاليين كانوا يسمحون لهم بالخروج حسب الأهواء، حيث قال أبرهه "إن المسألة تتوقف على مزاج الحارس". ولم يكن يُسمح للمحتجزين بإجراء مكالمات هاتفية، أو الاتصال بمحامين أو استقبال زوار، حيث قال أبرهه لهيومن رايتس ووتش:

ما كان لأحد أن يعرف إن كنا أحياء أم أمواتاً لأننا لم نكن نستطيع الاتصال بأحد... وقد طلبنا التحدث إلى مدير السجن لنطلب معلومات، لكن الحراس ظلوا يقولون "غداً، غداً". ثم حضر مدير السجن وأخبرنا أن علينا الانتظار حتى يتم تحديد موعد إعادتنا لبلادنا. وفي أحد الأيام حضر السفير الإريتري، وقال إنه جاء لمساعدتنا على الخروج، لكنه في الحقيقة كان قد جاء لإعادتنا للوطن.100

وأضرب أبرهه وآخرون عن الطعام احتجاجاً على ظروف الاحتجاز، لكنهم استسلموا بعد 15 يوماً عندما خارت قواهم، فقد مرض أبرهه واثنان آخران، فوضعهم الحراس في الفناء على الأرض. وقال أبرهه إن مدير السجن جاء وضرب ثلاثتهم بعصا مطاطية، فثار المحتجزون المضربون عن الطعام لكن الحراس تمكنوا من إرجاعهم إلى زنازينهم. وأضاف أبرهه قائلاً إن "اثنين منهم أُصيبا إصابة شديدة، فجاء طبيب في اليوم التالي لفحصهما".

وبعد ثلاثة أشهر، أخبر مدير السجن المحتجزين أن الحكومة الليبية ليس لديها المال الكافي لإرسالهم إلى إريتريا، لكنهم يمكنهم الذهاب إلى السودان. ثم أخذ المدير جميع السجناء – وعددهم حوالي 100 شخص– واقتادهم باتجاه السودان في أربع مركبات. وعندما توقف الركب في منتصف الطريق، دفع كل سجين 100 دولار إلى مدير السجن، من أجل إعادتهم إلى الكفرة، حيث تُركوا على جانب الطريق. وفي الكفرة دفع أبرهه 200 دولار للوصول إلى طرابلس، حيث قضى حوالي ستة أسابيع، ثم دفع 1000 دولار لأحد المهربين ليستقل سفينة بها أكثر من 150 راكباً إلى إيطاليا، ووصل إليها في مارس/آذار 2003 بعد يومين في عرض البحر، وهناك حصل على صفة اللاجئ في مايو/أيار 2005.

وحكى لاجئ اريتري آخر لهيومن رايتس ووتش، واسمه "تيكلو" وقد مُنح حق اللجوء في إيطاليا، عن تجربته في الاحتجاز ثلاثة أشهر في الكفرة، حيث يقوم الحراس بضرب المحتجزين بصورة منتظمة، فقال إن السلطات اعتقلته في عام 2002، مع حوالي 100 من النزلاء، من الجنائيين والمهاجرين. وكان محتجزاً في زنزانة مشتركة بلا نوافذ أو أسرّة مع أربعة رجال آخرين. وأضاف تيكلو أن المسئولين الليبيين كانوا يستجوبونه "صباحاً ومساءاً" بعد القبض عليه، وأنهم ضربوه مراراً بأسلاك الكهرباء وبسوط، مطالبين إياه بالكشف عن مكان وأسماء المهاجرين الآخرين الذين أفلتوا من الشرطة وعن تفاصيل دخولهم البلاد دون إذن. واستمر الاستجواب والضرب حوالي 20 يوماً، ثم أصبح يجري بين الفينة والفينة. وقال تيكلو إنه لم يكن مسموحاً له بإجراء أية مكالمات هاتفية أو بالاتصال بمحام.101

وقال إسكندر، وهو لاجئ إثيوبي، إنه دفع 300 دولار لأحد المهربين للذهاب من السودان إلى الكفرة في يناير/كانون الثاني 2002، لكن قوات الأمن الليبية ألقت القبض على المجموعة التي كان مسافراً معها عند وصولهم. وأضاف أنه قضى سنة في السجن في إحدى القواعد العسكرية على مشارف الكفرة مع حوالي 170 شخصاً، منهم 70 امرأة. وقال "لم أستطع الاتصال بأحد هاتفياً أو الكتابة إلى أحد طيلة عام كامل. كل ما قالوه لنا إنهم يحاولون الاتصال ببلادنا لإعادتنا إليها". وقال إن اثنين من الرجال تُوفيا خلال وجوده هناك، لكنه لا يعرف السبب وراء موتهما. وأوضح قائلاً إنهما "كانا مريضين، ولم يتلقيا الرعاية اللازمة؛ كنا ننام على الأرض ولذلك أُصيبا بالبرد، كما كانا يعانيان من الاكتئاب الشديد".

وقال إسكندر إن الحراس لم يسمحوا للمحتجزين مطلقاً بالخروج من زنازينهم. وفي أحد الأيام (وهو لا يعرف تاريخه) احتج المحتجزون بأن أضربوا عن الطعام. وحكى لهيومن رايتس ووتش كيف تعاملت السلطات الليبية مع الموقف:

وقعنا في مصيدة هناك، ولم يعيدونا لبلادنا. كنا محبوسين كالحيوانات؛ فأضربنا جميعاً عن الطعام لخمسة أيام. فجاء العقيد مع حرس كثيرين أحاطوا بالفناء وأخرجونا جميعاً من الزنازين. فأخبرنا العقيد إننا لا نعرف سبب وجودنا هناك، ولا نعرف إن كنا متهمين بأية تهم. فقال إنه سيتصل ببلادنا، فقلنا إننا سننتظر رده جالسين هناك في الفناء. وعندئذ بدأ الحراس يضربون الجميع بالعصي ويطلقون النار في الهواء لإرغامنا على العودة إلى الزنازين.102

وقال إسكندر إنه دفع رشوة، أثناء ترحيله بعد حوالي ثلاثة أشهر، وهرب إلى طرابلس حيث قضى ستة أشهر. وفي يونيو/حزيران 2003، دفع 1000 دولار ليتم تهريبه على متن سفينة إلى إيطاليا. وأضاف قائلاً "كان هناك حوالي 110 أشخاص في سفينة الصيد الصغيرة. نزلنا في لامبيدوزا عند الفجر، ولم يكن هناك أحد حيث رسونا، فما كان منا إلا أن انتظرنا في السفينة حتى تأتي الشرطة". وعندما وصلت السلطات الإيطالية، طلب إسكندر حق اللجوء السياسي. وفي مايو/أيار 2005، حصل على الإقامة لمدة عام لأسباب إنسانية.103

وفي حادثة أخرى وقعت مؤخراً، تعرض ولدمريم - وهو إريتري كان يسعى للجوء في إيطاليا في مايو/أيار 2005 - للقبض عليه خارج الكفرة في مارس/آذار 2004 لعدم حيازته للوثائق اللازمة، وذلك بمجرد دخوله ليبيا قادماً من السودان. وقال إن السلطات الليبية احتجزته مع 46 آخرين، منهم طفلان، لمدة ثلاثة أسابيع في مخيم صحراوي على بعد حوالي 40 كيلومتراً من المدينة. وكان ولدمريم يقيم في خيمة مع حوالي 15 رجلاً، بينما ظل النساء والأطفال في خيمة مخصصة لهم.

وذكر ولدمريم أن الحراس كانوا يضربون المحتجزين في كثير من الأحيان، حيث قال لهيومن رايتس ووتش:

كان الحراس يدخنون الحشيش طوال الليل ثم يأتون بضوء كشاف ليختاروا منا البعض ليضربوهم. وفي إحدى الليالي جاءوا، فرفعت رأسي، فسألوني ما ديانتي فأجبتهم بأنني مسيحي، فأخذوني إلى الخارج وضربوني. وقال رجلان آخران إنهما مسلمان فلم يأخذهما الحراس للخارج.104

وأضاف ولدمريم أن الحراس كثيراً ما كانوا يجعلون الرجال يقولون إنهم يهود وهم يضربونهم. وفي مرات أخرى كانوا يأمرون الرجال بالبقاء في وضع تمرين الضغط مدة طويلة وقد ارتكزوا على قبضات أيديهم وهي مضمومة وعلى أطراف أصابع أرجلهم. وقال ولدمريم "بعد فترة يبدأ الجسم في الارتعاش، وإذا سقط أحد كان الحراس يضربونه".

وفي إحدى الليالي هرب أحد الرجال، ثم عُثر عليه بعد أربع ساعات وقد خارت قواه في الصحراء. وقال ولدمريم إن الحراس في تلك الليلة أجبروا كل الرجال في المخيم على خلع ملابسهم والاستلقاء على الأرض، وقام حوالي عشرة حراس بضرب الرجال على رءوسهم وأجسادهم بعصي مطاطية.

وذكر ولدمريم أن الحراس كانوا يذهبون أحياناً إلى خيمة النساء ليلاً، لكن قائد المعسكر أمرهم بالكف عن ذلك. فقال "كان الحراس يذهبون إلى الخيمة ليلاً لمضايقة الفتيات. كنا مستعدين أن نفديهن بأرواحنا، وعندما تحدثنا إلى قائد المعسكر أمر الحراس بالكف عن ذلك".

وبعد ثلاثة أسابيع في المخيم، نقلت السلطات المحتجزين إلى سجن بالكفرة، وهو سجن عادي به حوالي 600 سجين، على حد قول ولدمريم. وقد وضعته السلطات في زنزانة بها 150 من المهاجرين الذين لا يحملون وثائق وينتمون إلى جنسيات مختلفة. وكانت هناك زنزانة منفصلة بها حوالي 15 من النساء والأطفال. وذات مرة، أخذ الحراس امرأة حامل إلى المستشفى ثم أخلوا سبيلها.

وكان هناك مرحاض واحد في زنزانة ولدمريم، وكان المحتجزون يستخدمونه أيضا لتنظيف أنفسهم باستخدام دلاء الماء، وهي وسيلة الاستحمام المتاحة لهم. ولم تتح لهم الفرصة مطلقاً لتغيير ملابسهم أو الوسادات أو البطاطين أو الملاءات، ولم يكن هناك أسرّة بالزنزانة. وكان بالزنزانة شباك واحد ذي قضبان، وكان الحراس يخرجون الرجال من الزنزانة ثلاث مرات في اليوم لعدّهم. وكان المحتجزون يتناولون الأرز أو المعجنات المسلوقة مرة في اليوم. ولم يكن يُسمح لهم بإجراء مكالمات هاتفية أو باستقبال الزوار. وفي إحدى المرات جاء السفير الإريتري لتحديد الإريتريين الذين سيتم ترحيلهم، وقال ولدمريم "معظمنا قال إننا إثيوبيون لنتحاشى إعادتنا لإريتريا".

وفي يونيو/حزيران 2004، تمرد كثير من الإريتريين والإثيوبيين بسبب نقص الطعام، حيث قال ولدمريم "قررنا التمرد فكنا نلقي عليهم بأي شيء في متناول أيدينا، كالأكواب والأطباق". وبعد التمرد أخذ مسئولو الأمن كل الإثيوبيين والإريتريين إلى المخيم الصحراوي ثانية، وهناك دفع ولدمريم رشوة لأحد الحراس ليخلي سبيله. وتمكن في آخر الأمر من الوصول إلى طرابلس حيث دفع 1400 دولار للسفر بحراً إلى إيطاليا، فوصل إليها في سبتمبر/أيلول بعد ثلاثة أيام في عرض البحر، وهناك قدم طلباً للحصول على اللجوء.

الظروف السائدة في منشآت الاحتجاز الأخرى

تحتجز السلطات الليبية المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في منشآت شتى في مختلف أنحاء البلاد. وفي سبتمبر/أيلول 2004، تحدث بعض الصوماليين الذين تم ترحيلهم من ليبيا إلى صحفيين في مقديشو قائلين إن الشرطة الليبية كانت قد احتجزتهم في مخزن للكيماويات، وهو الأمر الذي تسبب في إصابتهم بمشاكل جلدية.105

وفي سبتمبر/أيلول 2003، حاولت اللاجئة الإريترية أنابيسا لأول مرة الذهاب من ليبيا إلى إيطاليا على متن سفينة لأحد المهربين، تحمل 47 آخرين. وكما سبقت الإشارة في الفصل الخامس، "الانتهاكات أثناء القبض على الأشخاص"، فقد غرقت السفينة بأربعة من ركابها قبل أن يتمكن طاقم سفينة فرنسية من إنقاذ بقية الناجين، وتسليمهم إلى السلطات الليبية.

وقالت أنابيسا إن الليبيين احتجزوا هذه المجموعة في سجن على مسيرة حوالي ساعة ونصف الساعة بالسيارة من الساحل، وكانت تعتقد أنه مركز احتجاز "للمهاجرين واللاجئين فقط". وكان بالمجموعة أربع نساء حوامل، وضعت إحداهن مولودها على الفور، بينما أطلقت السلطات سراح الثلاث الأخريات قبيل موعد وضع كل منهن. كما كان هناك طفل عمره أربع سنوات، كانت أمه قد غرقت أثناء محاولة السفر بحراً، فجاء أبوه وأخذه عائداً إلى إريتريا.

وقالت أنابيسا إن الحراس في المعسكر دأبوا على ضرب المحتجزين باستخدام أنابيب من البلاستيك. وبعد حوالي ستة أسابيع، حاولت السلطات نقل النساء الموجودات في المجموعة، مما كان يعني فصل الأزواج عن الزوجات. فاحتج الرجال المحتجزون بشدة؛ مما أدى إلى المزيد من الضرب، بما في ذلك الضرب بالعصي التي تولد صدمات كهربية.

 

وعلى الرغم من الاحتجاج، فقد نقلت السلطات النساء إلى منشأة أخرى في مصراتة. وظلت أنابيسا مع 12 امرأة أخرى في زنزانة صغيرة ليس بها دش للاستحمام، فكانت النساء يستخدمن المياه التي تجلب إليهن في زجاجات من البلاستيك بغرض الاستحمام، ولم يكن يُسمح لهن بالذهاب إلى الحمام إلا مرة واحدة يومياً. وكن يتلقين الخبز والشاي في الصباح، ووجبة واحدة من الأرز يومياً. وكانت أوضاع المرافق الصحية شديدة السوء؛ فمرضت نسوة كثيرات، على حد قول أنابيسا. كما قالت إن امرأة إثيوبية تُوفيت بعد أن أضربت عن الطعام احتجاجاً على هذه الظروف، لكنها لا تتذكر اسمها.

وقالت أنابيسا إن الحراس الرجال كانوا يهددون المحتجزات بالاعتداء عليهن جنسياً. ووصفت الخوف الذي كانت النساء يعشن فيه بقولها:

عندما كنا نحتاج لأخذ الطعام كنا نذهب سوياً، وعددنا 13 امرأة، كي لا نترك واحدة منا في الغرفة وحدها أبداً. وكانت هذه وسيلة ناجحة في درء الاعتداء. والأمر نفسه عندما كان الحراس الرجال يأتون ليلاً بمجموعة من المفاتيح ويدخلون إلى زنزانتنا، فكنا نوقظ بعضنا البعض متى حدث ذلك ونتجمع معا جالسات ونبدأ في البكاء والصراخ حتى ييأسوا ويخرجوا.106

وادعت أنابيسا أنها رأت الحراس في مصراتة يضربون رجلاً نيجيريا حتى الموت بعد أن حاول الهرب، لكنها لا تعرف اسمه. كما قالت إنهم عذبوا رجلاً من غانا بأن كبلوا قدميه ويديه خلف ظهره وتركوه في العراء في الشمس وقد غطوا جسده بشراب مُحلى بالسكر يجتذب الذباب.

وأمضت أنابيسا ثلاثة أشهر في مصراتة ثم دفعت رشوة لأحد الحراس ليتركها تهرب هي وثلاث نسوة أخريات. ثم استقلت سفينة ثانية إلى إيطاليا ووصلت إليها في ديسمبر/كانون الأول 2003، وبعدها تمكنت من الحصول على حق اللجوء. وقالت إن بعض من اعتُقلوا معها ظلوا في مصراتة لمدد بلغت تسعة أشهر.

كما احتُجز شخصان آخران التقت بهما هيومن رايتس ووتش، وهما إريتريان، في أوقات مختلفة في إحدى المنشآت في مصراتة، وزعم كلاهما أن الحراس دأبوا على ضرب المحتجزين بصورة منتظمة.107

وذكر أحد اللاجئين الإثيوبيين، ويُدعى غيتاشيو، أن السلطات احتجزته في مركز احتجاز يبدو أنه مخصص للأجانب قرب طرابلس لمدة 29 يوماً في أواخر عام 2003. وقال إن الحراس كانوا يجبرون المحتجزين على حمل كتل من الأسمنت في موقع بناء وكانوا يضربون بالعصا من لا يستطيع حمل الكتل الثقيلة. وادعى أن الحراس ضربوا ذات مرة إثيوبيا آخر ضرباً مبرحاً حتى انكسر عاموده الفقري ومات، لكنه لا يعرف اسم هذا الرجل.108

وتمكن غيتاشيو من الهرب عن طريق رشوة أحد الحراس، وبدأ يعمل بدون تصريح حتى يكسب بعض المال ليدفعه ثمنا للسفر إلى إيطاليا، التي نجح في الوصول إليها في أكتوبر/تشرين الأول 2004. وفي مايو/أيار 2005، كان طلبه للحصول على اللجوء لا يزال قيد الفحص.

أما الصحفي واللاجئ الإريتري يوهانيس، الذي فر إلى ليبيا في عام 2002 لأنه لم يجد الحماية اللازمة في السودان، فقد قبض عليه بعد أن حاول الانحراف بسيارته لتفادي نقاط التفتيش قرب الكفرة في عام 2002. وقال لهيومن رايتس ووتش إنه قضى بعض الوقت في أربعة سجون في مناطق مختلفة بليبيا.

وأول هذه السجون مكان أطلق عليه اسم "أوجيلا"، حيث وضعته السلطات في الحبس الانفرادي وكانت تعتدي عليه بالضرب على مدار فترة احتجازه التي امتدت شهرين. وقال إنهم في الساعة السادسة من مساء كل يوم كانوا يضربونه بالعصي ويركلونه ويقولون له إنه يجب أن يعتنق الإسلام. وفي إحدى المرات ضربوه بشدة بعصا على رأسه حتى غاب عن الوعي. وأضاف "قالوا لي إني جاسوس، وكانوا يضحكون وهم يعذبونني".

وفي منشأة أطلق عليها اسم "جالو" حبسته السلطات وحده في زنزانة لمدة شهرين تقريباً. وقال إن الحراس كانوا يضربونه في محاولة لإجباره على نبذ عقيدته المسيحية وتأدية صلاة المسلمين. ثم نُقل إلى مكان أطلق عليه اسم "الجدابية" حيث أقام في زنزانة بها حوالي 50 من اللاجئين والمهاجرين من تشاد. وقال إن الحراس ضربوه هناك أيضاً وأجبروه على أداء صلاة المسلمين. وفي هذه المنشأة مرض يوهانيس مرضاً شديداً. وفي أحد الأيام اشتد عليه المرض حتى أعجزه عن الحركة بينما كان الحراس ينادون على السجناء للخروج إلى الفناء، وهو الأمر الذي أثار غضب الحراس. وقال إنهم قاموا بإطفاء السجائر في رجله لإجباره على التحرك، وقد لاحظت هيومن رايتس ووتش آثار حرقين على إحدى رجليه، قال إنهما بسبب هذا الاعتداء. وبعد حوالي شهرين في هذا السجن، نقلته السلطات إلى سجن في بني غازي. وأدعى يوهانيس أن الحراس هناك كانوا يضربون السجناء في الممرات. وقال إنهم في إحدى المرات ضربوا سجيناً تشادياً ضرباً شديداً حتى فارق الحياة، لكنه لم يعط تفاصيل عن هذه الواقعة. وبعد ذلك بفترة قصيرة، دفع يوهانيس رشوة لبعض الحراس وتمكن من الفرار وتوجه إلى إيطاليا حيث قدم طلباً للحصول على اللجوء.109

وأمضى إفريم س.، وهو لاجئ إثيوبي من أب إثيوبي وأم إريترية، بعض الوقت في مارس/آذار 2001 في منشأة في طرابلس، حيث كانت الأوضاع الصحية رديئة إلى حد خطير. وقال إفريم إنه اعتُقل عندما واجهت سفينة المهرب التي استقلها إلى إيطاليا بعض المصاعب وتمكن صياد إيطالي من إنقاذ ركابها وسلمهم إلى السلطات الليبية. وقضى إفريم 12 يوماً في ما كان يعتقد أنه سجن عادي في طرابلس. وقال إن المسلمين كانوا بمعزل عن المسيحيين، وكان يقيم في غرفة كبيرة بها حوالي 30 رجلاً. وأضاف أنهم كانوا يتناولون طعاماً "مقرفاً" من إناء واحد للجميع. ولم يكن هناك دش أو تجهيزات أخرى للاستحمام، وكان هناك مرحاض واحد للرجال الثلاثين. ولم يكن أحد يستطيع أن يتحدث إلى الحراس، ولم يكن يُسمح لهم بالخروج. وقال إفريم لهيومن رايتس ووتش "كان الكثيرون منا يخشون على أرواحهم، فكنا نعتقد أنهم سيرحلوننا أو سيقتلوننا. ولم تسنح لي الفرصة لأخبر أحداً بأنني لاجئ وأنني كنت خائفاً".110 ثم تمكن إفريم من الهرب من السجن ونجح في الوصول إلى إيطاليا في عام 2002، حيث مُنح حق اللجوء.

أما تيكلو، وهو اللاجئ الإريتري البالغ من العمر 23 عاماً الذي سبقت الإشارة إليه، فقد حكى لهيومن رايتس ووتش ما حدث بعد أن قُبض عليه في أثناء محاولته مغادرة ليبيا متجهاً إلى إيطاليا، والإيذاء الذي تعرض له في مقر الاحتجاز بما في ذلك احتمال تعرضه للإيذاء الجنسي. فقال إن الشرطة قبضت عليه هو ومجموعة من الأجانب في مايو/أيار 2003، بينما كانوا ينتظرون وصول سفينة أحد المهربين. وأضاف أنه قضى ثلاثة أشهر في قاعدة بحرية في زلطن، ووصف الظروف التي كانت سائدة فيها بقوله:

كنا نقيم في الفناء، مقسمين بحسب الجنسية والجنس في الأقسام المختلفة للفناء. كان الجنود شباباً ويدخنون الحشيش كثيراً. وكانوا يجبروننا على الجري حول الفناء في الصباح وهم يلقون علينا بأشياء، بأي شيء في متناول أيديهم.111

وذكر تيكلو أن كل الرجال المحتجزين كانوا ينامون في العراء، ولم يتم توفير أيا حشيات لهم. أما النساء والأطفال فكانوا يقيمون في بناء يشبه المرأب في نهاية الفناء. وقال تيكلو "كان الحراس يذهبون إليه ليلاً وكانت النساء يصرخن، فيذهب الرجال ليروا ما يحدث لكن الحراس كانوا يضربونهم. لست متأكداً، فلا أدري إن كانت أي منهن قد اغتُصبت. ولو حدث ذلك لما حكت عنه المغتصبة خوفاً من العار".

وفي نهاية يوليو/تموز 2003، قال مدير المنشأة إن كل من دفعوا للمهربين بالعملة المحلية سيُطلق سراحهم، أما من دفعوا بالدولار الأمريكي فسيبقون. ومن ثم أطلق سراح تيكلو، الذي يدعي أن المدير قال له وللآخرين إن بوسعهم البقاء والعمل بليبيا إن أرادوا، لكن من المحظور عليهم محاولة السفر إلى أوروبا. وفي أغسطس/آب، دفع تيكلو 1000 دولار واستقل سفينة إلى أوروبا حيث حصل على وضع اللاجئ.

منشآت الترحيل

لدى الحكومة الليبية نوعان من المنشآت تحتجز فيهما الأجانب الذين لا يحملون وثائق قبل ترحيلهم إلى خارج ليبيا، وهما المنشآت "الطوعية" والمنشآت "غير الطوعية". وتُخصص المراكز الطوعية للمهاجرين واللاجئين الذين يوافقون على العودة إلى بلادهم، ومعظمها في طرابلس.

وأفادت السلطات أن المراكز الطوعية "مفتوحة"، بمعنى أن النزلاء يستطيعون الدخول والخروج كما شاءوا ريثما يتم إعداد الترتيبات اللازمة لإعادتهم إلى بلادهم. إلا إن بعثة المفوضية الأوروبية إلى ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني-ديسمبر/كانون الأول 2004 لاحظت أن نزلاء المركز الطوعي في شارع الفلاح بطرابلس (الذي يقع على مقربة من المركز غير الطوعي بالشارع نفسه) يشعرون بالخوف إلى حد العجز عن الخروج من محيط المنطقة. وقال تقرير البعثة "إنهم يجلسون بجانب أمتعتهم ولا يجرؤون على الخروج خشية أن تلقي الشرطة القبض عليهم".112

وقد منعت الشرطة الليبية إحدى الصحفيات الغربيات من دخول المركز الطوعي بشارع الفلاح إبان زيارتها له في أواخر عام 2004، فتحدثت الصحفية إلى عدد من غير الليبيين في المنطقة المحيطة بالمركز، وقد ذكرت أن عدة مئات من الغانيين والنيجيريين كانوا ينامون في خيام في منطقة محاطة بسور تعلوه أسلاك شائكة وتحرسه الشرطة. وقال بعض المهاجرين إن المركز مكدس حيث ينتظر نزلاؤه الرحلات الجوية التي ستقلهم إلى بلادهم.113

ويوافق مسئول الهجرة الليبي علي امدورد على أن مصطلح "طوعي" مصطلح نسبي؛ لأن البعض في المراكز الطوعية يقبلون بالعودة إلى بلادهم خوفاً من القبض عليهم واحتجازهم في أحد المراكز غير الطوعية.114 وربما تجتذبهم المائة دولار التي قالت الحكومة الليبية إن المنظمة الدولية للهجرة تعطيها لكل من يتطوع من تلقاء نفسه للعودة إلى بلده، على الرغم من أن المنظمة أنكرت تقديم هذه الأموال.115

أما الظروف في المراكز غير الطوعية فهي أسوأ حالاً، وإن كانت الدلائل توحي بأنها في طريقها إلى التحسن. فعلى العكس من المراكز الطوعية الممتلئة بمن قبلوا العودة لديارهم، فالمراكز غير الطوعية يقيم بها الأجانب الذين لا يحملون وثائق ممن قبضت عليهم الشرطة واحتجزتهم لحين ترحيلهم. وليس أمام أولئك الذين يخشون التعرض للاضطهاد في بلادهم أية إمكانية لتقديم طلب للجوء أو الطعن في قرار الترحيل.

وتقول الحكومة الليبية إن الأجانب المحتجزين يُوضعون في بادئ الأمر في مواقع احتجاز صغيرة في مختلف أنحاء ليبيا، وهو ما أوضحه علي امدورد بقوله "إننا أحياناً نجمعهم ونطعمهم، لكن هذا ليس احتجازاً، وإنما هو حجز مؤقت". وقال إن المحتجزين يأخذون ثلاث وجبات يومياً وتُوفر لهم الرعاية الصحية الأساسية، وأضاف "إذا زرتهم فربما تجد أن مستوى التكدس والظروف السائدة لا ترقى إلى المعايير الأمريكية أو معايير الاتحاد الأوروبي، لكنهم يُعاملون كما نُعامل نحن ويأكلون كما نأكل نحن".116

وبعد فترة الحجز المبدئية، تنقل السلطات المحتجزين إلى المراكز غير الطوعية الأكبر حجماً. ويقع المركز الرئيسي للترحيل غير الطوعي في شارع الفلاح بطرابلس ويعرف بمعسكر الفلاح، بينما تقع مراكز الترحيل الدائمة الأخرى في مصراتة (220 كيلومتراً شرق طرابلس) وسلمام (بين صبراتة وزوارة، إلى الغرب من طرابلس) والكفرة وسبها.

وليس من الواضح ما سيؤول إليه حال مراكز الترحيل في المستقبل. حيث قال مدير إدارة الهجرة محمد الرمالي لهيومن رايتس ووتش إن من شأن القانون رقم 2 (2004) الخاص بتنظيم دخول وإقامة ومغادرة الأجانب في ليبيا أن يؤدي في نهاية الأمر إلى إزالة هذه المخيمات. (للإطلاع على مناقشة للقانون رقم 2، انظر الفصل التاسع "المعايير القانونية"). إلا إن بوسع الحكومة، بمقتضى القانون الجديد، أن توجه الاتهام إلى الأجانب الذين لا يحملون وثائق وتحيلهم إلى القضاء ليحكم عليهم القضاة إما بالترحيل في غضون 24 ساعة، وإما بالسجن لمدة تصل إلى عام.117

الظروف السائدة في مركز الفلاح للترحيل

زارت هيومن رايتس ووتش مركز الفلاح للترحيل غير الطوعي مرتين، الأولى في 25 إبريل/نيسان والثانية في 9 مايو/أيار 2005. وقد تحسنت الأوضاع في المركز بدرجة ملحوظة فيما بين الزيارتين، حيث قامت السلطات بدهان الجدران وتركيب أسرة وتوفير المزيد من الطعام، وذلك حسبما تبين من تفقد المكان ومقابلات المحتجزين مع هيومن رايتس ووتش.

ففي الزيارة القصيرة التي تمت في 25 إبريل/نيسان، أحصت هيومن رايتس ووتش 27 محتجزاً بالمركز من بلدان مختلفة مثل ليبيريا وساحل العاج وغينيا والمغرب وبنغلاديش والكونغو. وتمكنت هيومن رايتس ووتش من توجيه أسئلة موجزة إلى مجموعة صغيرة من المحتجزين، وهم ثلاثة من ليبيريا ومواطن من ساحل العاج وآخر من غينيا وآخر من الكونغو، فقالوا إن الظروف في المركز مقبولة عموماً، لكنهم يخشون العودة إلى بلادهم.118

ويتكون المركز من فناء واسع مفتوح مستطيل الشكل، به حوالي ستة عنابر للنوم على أحد الضلعين الطويلين في مواجهة البوابة، وثلاث غرف على أحد الضلعين القصيرين ومنطقة للطهي في الضلع القصير الآخر. وتحتوي عنابر النوم على حوالي 20 مرتبة وبطانية موضوعة على الأرض، وتقع دورات المياه في غرف منفصلة على الجانب.

وفي الزيارة الثانية قال مسئولو الهجرة لهيومن رايتس ووتش إن المركز به 172 شخصاً من المزمع إعادتهم لأوطانهم، من بينهم 43 مصرياً. كما كان هناك مواطنون من المغرب ونيجيريا والكونغو وغانا وساحل العاج وليبيريا.119

وفي تلك الزيارة الثانية كان بالغرف أسرَّة ضيقة تشبه الأرفف، قال المحتجزون إن السلطات قامت بتركيبها منذ أيام. وكانت الحوائط مطلية حديثاً، وكان المركز نظيفاً ومرتباً. وأخذ المسئولون الزائرين إلى عيادة طبية صغيرة بها طبيب، وقالوا إن المحتجزين يُنقلون إلى المستشفى في الحالات المرضية الخطيرة.

ولم يكن بين المحتجزين بالمركز نساء أو أطفال هذه المرة، لكن المسئول عن مراكز الترحيل بليبيا أبلغ هيومن رايتس ووتش أنهم يضعون النساء والأطفال في غرف خاصة.120 وأجرى وفد من البرلمان الأوروبي، زار مركز الفلاح في إبريل/نيسان 2005، مقابلات مع بعض المحتجزات، وجاء في تقريره أن النساء لم يشكين من التحرش أو سوء المعاملة، لكنهن كن يطلبن وجود طبيبة وتحسين مستوى الرعاية للأحداث الذين ليسوا برفقة ذويهم. وأبلغ المسئولون الليبيون الوفد أن إجمالي عدد المحتجزين في مركز الفلاح يتراوح بين ما يقل قليلاً عن 100 وما يزيد على 700.121

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات قصيرة مع مجموعة من تسعة من المحتجزين، ألقي القبض عليهم جميعا بسبب عدم حملهم الوثائق اللازمة. وقال هؤلاء إن الظروف بالمركز طيبة بصفة عامة، وخاصةً يوم زيارة هيومن رايتس ووتش، عندما قدمت لهم السلطات كميات وافرة من الدجاج. حيث قال رجل "لم أر دجاجاً بهذه الكثرة مطلقاً من قبل". وكان معظم الرجال قد مكثوا حوالي أسبوعين بالمركز، وكان أحدهم قد مضى عليه شهر.122 وكانت الشكوى الرئيسية للمحتجزين هي عدم توافر المعلومات عن ترحيلهم المنتظر، وعدم تمكنهم من الاتصال هاتفياً بأسرهم في بلادهم، فلم تكن السلطات تسمح إلا باستخدام جهاز هاتف واحد لإجراء المكالمات المحلية فقط. وقال مصري يبلغ من العمر 32 عاماً كان قد دفع حوالي 2000 دولار في مصر ليتم تهريبه عبر ليبيا إلى إيطاليا، "لا نعرف متى سنغادر، ليس هناك أي أخبار".123 وقال اثنان من الرجال التسعة، أحدهما مصري والآخر نيجيري، إن الشرطة الليبية اعتدت عليهما بالضرب بعد القبض عليهما.124

وكانت الأوضاع التي شهدتها هيومن رايتس ووتش في الفلاح أفضل كثيراً مما قال أحد اللاجئين إنه شهده في ديسمبر/كانون الأول 2004. حيث ذكر الرجل، وهو ليبيري ترك ليبيا بعد المقابلة، إنه أعطى رشوة عبارة عن السجائر لحراس المعسكر ليدخل إليه حتى يرعى بعض أصدقائه الذين كانوا بين المحتجزين. وقال لهيومن رايتس ووتش إنه في داخل المركز رأى "كثيراً من اللاجئين وغيرهم من المحتجزين يعانون من الأمراض الصدرية بسبب البرد في السجن"، كما رأى "كثيراً من الأطفال الذين يعانون من شدة المرض وسوء التغذية". وأضاف أنه لم يكن هناك ماء لمدة ثلاثة أيام خلال زيارته، ولم تكن هناك رعاية طبية. وكان المحتجزون المرضى بالجدري وغيره من الأمراض المعدية يختلطون بغيرهم من المحتجزين. كما ذكر الرجل أن المحتجزين سبق أن قاموا بأعمال شغب نظراً لسوء الأوضاع داخل المركز.125




94 المفوضية الأوروبية "تقرير البعثة الفنية إلى ليبيا لبحث الهجرة غير الشرعية"، 27 نوفمبر/تشرين الثاني-6 ديسمبر/كانون الأول 2004.

95 مذكرة من الحكومة الليبية إلى هيومن رايتس ووتش، 18 إبريل/نيسان 2006. انظر الملحق 1.

96 كما يجب إخطار المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين كتابة – بلغة يفهمونها – بأسباب الاحتجاز وبإمكانية الانتصاف عن طريق سلطة قضائية لها صلاحية البت على وجه الفور في قانونية الاحتجاز والأمر بالإفراج عن المحتجز إذا كان ذلك مناسباً. لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تقرير الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، رقم الوثيقة: E/CN.4/2000/4، 28 ديسمبر/كانون الأول 1999، ملحق 2، مداولة 5، "وضع المهاجرين وطالبي اللجوء"، على الموقع التالي على الإنترنت، تاريخ الإطلاع: 6 مارس/آذار 2006:

http://www.unhchr.ch/Huridocda/Huridoca.nsf/0811fcbd0b9f6bd58025667300306dea/39bc3afe4eb9c8b480256890003e77c2?OpenDocument#annexII

97 المصدر السابق.

98 رسالة من هيومن رايتس ووتش إلى روبرت بايفا، مدير إدارة العلاقات الخارجية بالمنظمة الدولية للهجرة، 28 إبريل/نيسان 2006.

99 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي امدورد، طرابلس، 30 إبريل/نيسان 2005. وقد ذكر امدورد أن امرأة حامل تُوفيت في مخيم الكفرة، لكنه رفض إعطاء التفاصيل.

100 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أبرهه م.، روما، 26 مايو/أيار 2005.

101 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع تيكلو أ.، روما، 26 مايو/أيار 2005.

102 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إسكندر س.، روما، 26 مايو/أيار 2005.

103 تمنح الحكومة الإيطالية تصريح إقامة بصفة مؤقتة لمدة تصل إلى عامين بموجب المادة 5(6) من القانون رقم 189/2002، المعروف بقانون "الملجأ النهائي". انظر الفصل العاشر من هذا التقرير.

104 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ولد مريم ج.، روما، 26 مايو/أيار 2005.

105 محمد ولد حسن، "المخاطر التي يواجهها المهاجرون الصوماليون في ليبيا"، أخبار بي بي سي، 16 سبتمبر/أيلول 2004، على الموقع التالي على الإنترنت، تاريخ الإطلاع: 7 مايو/أيار 2006:

http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/3659658.stm

106 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أنابيسا س.، روما، 25 مايو/أيار 2005.

107 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الأمين س.، 24 مايو/أيار 2005، واسطفانوس هـ.، 26 مايو/أيار 2005.

108 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع غيتاشيو ج.، روما، 24 مايو/أيار 2005.

109 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع يوهانيس ج.، روما، 24 مايو/أيار 2005.

110 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أفريم س.، 24 مايو/أيار 2005.

111 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع تيكلو أ.، روما، 26 مايو/أيار 2005.

112 في أواخر عام 2004 زارت البعثة الفنية للمفوضية الأوروبية كلا من المعسكرات الطوعية وغير الطوعية. انظر تقرير المفوضية الأوروبية، ص 31-32 (حيث ورد خطأ أن موقع المركز هو شارع الفتح).

113 فيفيان وولت، "بين قارتين"، تايم الأوروبية، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2004، على الموقع التالي على الإنترنت، تاريخ الإطلاع: 6 مارس/آذار 2006:

http://www.time.com/time/europe/magazine/article/0,13005,901041018-713167,00.html

114 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي امدورد، طرابلس، 30 إبريل/نيسان 2005.

115 مراسلات بين هيومن رايتس ووتش وبوب بايفا، 28 إبريل/نيسان 2006.

116 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي امدورد، طرابلس، 30 إبريل/نيسان 2005.

117 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد الرمالي، 25 إبريل/نيسان 2005.

118 زيارة هيومن رايتس ووتش إلى مركز الفلاح للترحيل، 25 إبريل/نيسان 2005.

119 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع هادي خميس، مدير معسكرات الترحيل، مكتب الجوازات والجنسية، طرابلس، 9 مايو/أيار 2005.

120 المصدر السابق.

121 "تقرير البعثة إلى ليبيا، 17-20 إبريل/نيسان 2005"، بقلم هيلين فلوتر، عضو البرلمان الأوروبي، 2 يونيو/حزيران 2005، على الموقع التالي على الإنترنت، تاريخ الإطلاع: 7 مايو/أيار 2006:

http://libertysecurity.org/IMG/pdf/flautre-libye-avr05.pdf

122 أخبر مسئولون ليبيون وفد البرلمان الأوروبي أن متوسط طول فترة الإقامة في الفلاح هو أسبوعان، إلا أن بعض الأفراد يظلون محتجزين لمدد تصل إلى ثمانية أشهر، "تقرير البعثة إلى ليبيا، 17-20 إبريل/2005"، ص 7.

123 مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، مركز الفلاح للترحيل، طرابلس، 9 مايو/أيار 2005، حُجب الاسم.

124 مقابلات مع هيومن رايتس ووتش، مركز الفلاح للترحيل، طرابلس، 9 مايو/أيار 2005، حُجبت الأسماء.

125 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ديفيد ب.، طرابلس، 21 إبريل/نيسان 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> September 2006