Morocco



Morocco Morocco
  

<<  |  الصفحة الرئيسية  |  >>

نشاط هيئة الإنصاف والم صالحة

عدد القضايا

بعد ثلاثة أشهر من إعلانها رسمياً من قبل العاهل المغربي في 7 يناير/كانون الثاني 2004، أعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة أنها تلقت أكثر من 20 ألف قضية.48 وقبل أيامٍ قليلة من انتهاء تكليفها الرسمي، قال رئيس الهيئة إدريس بنزكري أن الهيئة تلقت "قرابة 40 ألف اتصال متعلق بما يتراوح بين 25 ألف و30 ألف قضية". كما أضاف بأنه "عندما ينتهي العمل، يرجح بأن عدد القضايا التي سيتم اتخاذ القرار باستحقاقها للتعويض لن يزيد عن 10 -15 ألف قضية".49 وطبقاً لبنزكري، فقد تم استقبال أكثر من 10 آلاف شخص في مقر هيئة الإنصاف والمصالحة بالرباط للإدلاء بشهاداتهم أو لتقديم معلومات أخرى. وقد قابل العاملون في قسم التحقيقات في الهيئة قرابة 10 آلاف شخص بمن فيهم الضحايا وأقارب الضحايا والأشخاص الذين يعيشون قرب مراكز الاحتجاز وعدداً من رجال الأمن المتقاعدين. وقد قال بنزكري بشأن رجال الأمن المتقاعدين هؤلاء: "لقد رتبت هيئة الإنصاف والمصالحة أمر الاجتماع بأشخاص محددين لمناقشة حالات محددة".

وفي الأشهر التالية لإنشاء الهيئة، قدم كثيرٌ من الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية وجماعات الضحايا مذكراتهم إليها. وقد شملت هذه الجهات هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة بالمغرب (وهي ائتلافٌ مكونٌ من المنبر المغربي للحقيقة والعدالة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان)، والهيئة العامة لمشاريع الريف، والناشطين الصحراويين، وعدد من الأحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية واليسار الاشتراكي الموحد (GSU) و حزب الاتحاد الدستوري (UC).

 

وفي المناطق الثلاث المتباعدة نسبياً والتي كانت أكثر تعرضاً للمعاناة السياسية والقمع المستمر (وهي الأطلس الأوسط والريف والصحراء الغربية)، أنشأت هيئة الإنصاف والمصالحة وجوداً مؤقتاً لها لجمع مزيد من المعلومات. وقد أرسلت عامليها إلى مكاتب ميدانية في مدينتي بني ملال وأزيلال في الأطلس الأوسط، من 13 إلى 28 ديسمبر/كانون الأول 2004، وفي الصحراء الغربية من 4 إلى 13 فبراير/شباط 2005، وفي بلدتي الحسيمة ونادور في منطقة الريف من 26 إلى 30 أبريل/نيسان 2005.

جلسات الاستماع المغلقة والعلنية

أجرت هيئة الإنصاف والمصالحة عدداً من جلسات الاستماع المغلقة مع مسؤولين سابقين يمكن أن يكونوا في موقعٍ يمكنهم من تقديم معلومات بشأن عدد من الحالات المحددة، إضافةً إلى عرض رؤيتهم للأحداث التي يجري التحقيق فيها. ولم يتم الإعلان عن نتائج هذه الجلسات. وتبعاً لرئيس الهيئة بنزكري، فإن "كثيرين أرادوا المشاركة، أمّا غيرهم فكان أقل استعداداً".50 وفي الفترة الواقعة بين ديسمبر/كانون الأول 2004 ومايو/أيار 2005، تمَّ عقد سبع جلسات استماع علنية في أنحاء البلاد بما في ذلك المناطق التي تعرضت لأقسى أنواع القمع. وقد دُعي الضحايا المباشرون وغير المباشرون للكلام. أمّا الجلسة الثامنة والأخيرة، والتي كان من المقرر إجراؤها في مدينة العيون في الصحراء الغربية فقد أجلت ثم ألغيت في النهاية، وقد أُفيد أنّ ذلك كان بسبب الاضطراب السياسي الذي هزَّ المنطقة في مايو/أيار 2005 (انظر أعلاه).

وقد رحبت منظمات حقوق الإنسان المغربية، وكذلك السياسيون والناشطون السياسيون، وقادة النقابات والصحافة بقرار هيئة الإنصاف والمصالحة لعقد جلسات الاستماع العلنية، لكنهم عبروا عن تحفظاتٍ تتعلق بشكل هذه الجلسات ومحتواها. وقد ركَّز القدر الأكبر من النقد على الفقرة الأخيرة من "ميثاق الشرف" بين من يدلون بشهاداتهم علناً وبين هيئة الإنصاف والمصالحة، وهو الميثاق الذي يمنع الشهود من ذكر أسماء مرتكبي الانتهاكات المشتبه بهم.51 وقد كانت هذه القاعدة الأساسية غير مقبولة بالنسبة لبعض الضحايا مثل "مجموعة بني هاشم" (وهي مجموعة من المحتَجَزين السابقين اللذين جرى اعتقالهم عام 1975 بينما كانوا طلاباً في المدرسة الثانوية ووُضعوا في مركزي الاحتجاز السريين في أكدز وقلعة مكونة حتى أواخر الثمانينات)، ولم تكن مقبولةً كذلك بنظر بعض منظمات حقوق الإنسان ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وقد قال عبد الحميد أمين رئيس هذه المنظمة في 29 مارس/آذار 2005: "ترفض هيئة الإنصاف والمصالحة تحديد الأشخاص المرتكبين رفضاً قاطعاً، وهذا ما يعني أننا لن نحصل إلاّ على حقيقةٍ جزئية في أفضل الأحوال. وقد كشفت عواقب الهجمات [الانتحارية] في 16 مايو/أيار 2003 [في الدار البيضاء] عن هشاشة ما تمَّ تحقيقه في مجال حقوق الإنسان، أي أنها كشفت عن أهمية النضال ضد الإفلات من العقاب والنضال من أجل الحقيقة".52

يشترط "ميثاق الشرف" على الشهود العلنيين حضور اجتماعات تحضيرية قبل جلسة الاستماع نفسها، وعليهم الامتناع عن الدفاع عن أي حزب أو اتحاد سياسي أو مهاجمته. إنّ "ميثاق الشرف" يُلزم هيئة الإنصاف والمصالحة أن توفر تغطيةً صحفيةً واسعة ومتنوعة لجلسات الاستماع (انظر أدناه)؛ تمكين الشهود من الإدلاء بشهاداتهم باللغة التي يريدون (العربية الفصحى أو العربية العامية أو الأمازيغية أو الفرنسية أو الأسبانية)؛ وعلى تحمل تكاليف انتقال الشهود وإقامتهم وتوفير الاستشارات النفسية لهم.

وقد اتبعت الجلسات التي عُقدت في الرباط (جلستان) وفي مراكش وفي فكيك وخنيفرة والرشيدية الصيغة ذاتها. ففي كل جلسةٍ، كان حوالي عشر ضحايا يقصُّون أمام المجتمعين -أعضاء من هيئة الإنصاف والمصالحة، وصحفيين، وعدد من الجمهور؛ وذلك تحت صورة للملك محمد السادس- ما عانوه أثناء حكم أبيه المتوفي الحسن الثاني. وكان يُتاح لكلٍ منهم حوالي عشرين دقيقة للكلام لا يحق بعدها لأحد أن يوجه أسئلةً أو يُعقِّب على كلام المتحدث. وكان على الحضور التزام الصمت الكامل والامتناع عن التصفيق أو عن أي تعبير آخر عن المشاعر.

وقد تضمنت الأحداث التي تظاهرات الشهود انتفاضة الريف عام 1958 وحركة التمرد في منطقة غولمين عام 1973، وتظاهرات الخبز التي هزّت الدار البيضاء عام 1981. وقد تحدثوا عن الاعتقالات التعسفية و"الاختفاءات" والمحاكمات غير المنصفة، وكذلك عن التعذيب والاغتصاب والانتقام من الأقارب.

وفي هذه المدن الخمس، كانت جلسات الاستماع مزدحمةً ومليئةً بالمشاعر. لكنّ أكثر الجلسات ترويعاً كانت جلسة الاستماع العلنية في الحسيمة بمنطقة الريف، وقد كان ذلك متوقعاً نظراً لندرة المعلومات المتوفرة مسبقاً بشأن القمع الذي مورِس في تلك المنطقة أثناء تمرد 1958 وبعده. وعند افتتاح جلسة الاستماع في 3 مايو/أيار 2005، وقف الجمهور كبادرة احتجاج على القاعدة التي وضعتها هيئة الإنصاف والمصالحة والقاضية بعدم قدرة الشاهد على ذكر المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات التي عاناها أو كان شاهداً عليها. وقبل ذلك بأسبوع، كانت مجموعةٌ من المنظمات المحلية قد أعلنت عن معارضتها عن كيفية قيام هيئة الإنصاف والمصالحة بهذا الأمر، وخاصةً ما يتعلق بمنع تسمية المرتكبين علناً. وقد أخَّرت الاحتجاجات افتتاح الجلسة حتى ساعة متأخرة من المساء.

كان هدف هيئة الإنصاف والمصالحة من جلسات الاستماع ذا شقين، وذلك تبعاً لموقع الهيئة على الإنترنت وللتصريحات التي أدلى بها أعضاؤها إلى الصحافة: إبلاغ الشعب المغربي بالانتهاكات التي ارتكبتها الدولة وإظهار معاناة الضحايا ونبلهم.

وقد اختارت الهيئة الشهود العلنيين من بين من تقدموا بطلبٍ للحديث استناداً إلى عددٍ من المعايير. وقد قالت أنها اختارت الشهود جملةً بحيث يكونوا ممثلين لمختلف الانتهاكات التي حدثت، وذلك تبعاً لعوامل متعددة.53

أمّا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي انتقدت جلسات الاستماع التي أقامتها هيئة الإنصاف والمصالحة ليس بسبب عدم تمكّن الشهود من تسمية المرتكبين فحسب، بل بسبب استبعاد الانتهاكات التي وقعت بعد 1999 أيضاً، فقد نظمت بنفسها جلسات استماع علنية بين شهري فبراير/شباط ومايو/أيار من عام 2005 في الرباط وفي خنيفرة والحسيمة ومراكش وباريس، وذلك تحت عنوان "شهاداتٌ كاملة الحرية من أجل الحقيقة".54 وخلال هذه الجلسات، ذكر بعض الضحايا أسماء من يحملونهم مسؤولية انتهاك حقوقهم. كما قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في رسالةٍ بعثت بها إلى منظمة هيومن رايتس ووتش في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2005 أنّ بوسع الأشخاص اللذين جرى اتهامهم بالاسم في جلسات الاستماع التي أقامتها أن يمارسوا حقهم بالرد إذا رغبوا بذلك. وحتى اليوم، لم يواجه أيُّ من الشهود الذين تحدثوا في جلسات الاستماع التي أقامتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أية شكوى أو اتهام بالقذف. وعلى العكس من جلسات الاستماع التي عقدتها هيئة الإنصاف والمصالحة، لم تغط التلفزة المغربية جلسات الاستماع الخاصة بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رغم أنّ الجمعية قالت بأنها وجهت الدعوة لمحطتي التلفزة.

وإضافةً إلى جلسات الاستماع للضحايا نظمت هيئة الإنصاف والمصالحة سلسلةً من الندوات عن الموضوع. وقد كان لهذه الندوات هدفان: إكمال "جلسات الاستماع للضحايا" بتقديم المعلومات التي هي قرائن متعلقة بالانتهاكات المرتَكبَة خلال أربعة عقود، وللتفكير في الإصلاحات اللازمة لإقامة حكم القانون وحماية الحريات وضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي. وقد عُقدت خمس ندوات بين 15 فبراير/شباط و15 مارس/آذار 2005. وقد بُثَّت جميعاً عبر التلفزة الحكومية المغربية، القناة الثانية، وذلك في فترتها الرئيسية. وكانت مواضيع هذه الندوات: "التحول الديمقراطي في المغرب"، و"تجاوز العنف بصفته وسيلةً للحكم"، و"الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، و"الإصلاح الثقافي والتربوي"، و"إصلاح السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية". وقد كان المتحدثون والمتحاورون من الدارسين والمحللين السياسيين بصفة رئيسية.

الإعلام وقضايا الشفافية

لقد تتبعت وسائل الإعلام الوطنية والدولية عن كثب (وخاصةً الصحافة المطبوعة) جلسات الاستماع التي عقدتها هيئة الإنصاف والمصالحة. وقد بثَّت قناة التلفزة الحكومية الرئيسية الجلسة الأولى كاملةً على الهواء. ثم، وبخلاف ما كان قد أُعلن سابقاً، لم يتم بثّ الجلسات التالية بثّاً مباشراً، كما لم تُبَّث كاملةً. وقد قال بعض المدافعين عن التحول إلى الشكل الجديد من التغطية أنّ هذا الشكل أكثر نجاحاً في جذب اهتمام المشاهدين العاديين من التغطية الحية والمطوَّلة أحياناً. كما نشرت هيئة الإنصاف والمصالحة أيضاً خلاصات وتسجيلات صوتية للشهادات عبر موقعها على الإنترنت، إضافةً إلى صور للجلسات. كما قامت بعض الصحف المغربية بنشر شهادات الضحايا والشهود اللذين لم يكونوا من بين من تحدثوا في جلسات الاستماع العلنية التي أقامتها الهيئة. وفي بعض الحالات، قام هؤلاء الشهود الآخرون بتسمية من يعتبرونهم مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.55

إنّ قانون إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة ينص على الحاجة إلى الشفافية والسرية. وتنص المادة الرابعة على أن: "مشاورات الهيئة سرية. وعلى جميع الأعضاء الحفاظ على السرية الكاملة فيما يخص مصادر المعلومات وسير التحقيقات". إنّ شرط السرية هذا شرطٌ مفهوم. فهو يمكن أن يحمي المفوضين والشهود من التعرض للضغوط. كما يمكن أن يشجع موظفي الدولة على التعاون مع هيئة الإنصاف والمصالحة.

وفي الوقت نفسه، تنص المادة 24 على أنه "ومن أجل ضمان تفاعل ومشاركة جميع قطاعات المجتمع في قيامها بعملها، فسوف تضع الهيئة خطةً لإقامة الصلات مع الضحايا أو عائلاتهم وممثليهم، ومع الصحافة المطبوعة والمُذاعة، ومع جميع قطاعات المجتمع المدني". ويصف تصريح الهيئة في 15 إبريل/نيسان 2004، والذي يشرح مهمتها "أولئك اللذين صنعوا حركة حقوق الإنسان والمجتمع المدني" بأنهم "شركاء أساسيون" لهيئة الإنصاف والمصالحة.56

لقد سبب التعارض بين الحاجة للسرية وبين الحاجة للشفافية بعض التوتر. وفي بلاغٍ صدر في 7 فبراير/شباط 2005، اتهمت منظمات حقوق الإنسان المغربية الثلاث، والتي تشكِّل هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة بالمغرب، هيئة الإنصاف والمصالحة بالامتناع عن إشراكها في عملها. وتبعاً لما قاله أعضاء هذه الجماعات، فإنّ هيئة الإنصاف والمصالحة لم تجتمع معهم إلاّ مرتين خلال السنة الأولى من عملها.57 وفي الاجتماع الثالث بتاريخ 8 يوليو/تموز 2005، قدمت لجنة المتابعة توصياتها إلى هيئة الإنصاف والمصالحة التي نشرتها على موقع الإنترنت الخاص بها.

وقد اشتكت لجنة التنسيق لعائلات المختطفين أيضاً من أنّ هيئة الإنصاف والمصالحة لم تكن تتواصل معها بشكلٍ كافٍ. وقالت أنّ أعضاء اللجنة كانوا من أوائل زوار الهيئة بعد إنشائها، وأنّ بعض أعضائها زاروا الهيئة أكثر من مرة من أجل تقديم تفاصيل تتعلق بقضاياهم الفردية. وتدّعي لجنة التنسيق أنّ هيئة الإنصاف والمصالحة، ومنذ ذلك الوقت، لم تجرِ أية اتصالات أخرى بالعائلات. وقد أصدرت عائلة أحد أشهر "المختفين"، وهو حسين المنوزي، تصريحاً بتاريخ 10 مارس/آذار 2005 جاء فيه:

مع إعلان نتائج تحقيقات هيئة الإنصاف والمصالحة منذ أيام قليلةٍ فقط (وهي تحقيقات لم تسع لإشراكنا عن طريق تزويدنا بجميع المعلومات المتعلقة بالبحث، وإمكانية تقديم أنواع أخرى من الأدلة المتصلة بالحقائق)، فقد تمَّ تجاوز حقنا بالعلم. وقد تمّ تجاوز ذلك الحق عبر عدم احترام مبدأ تمكين جميع الأطراف المعنيين من الإطلاع على الأدلة والرد عليها.58

لقد تبنت هيئة الإنصاف والمصالحة، كما يقول رئيسها، سياسة الامتناع عن نقل معلومات جزئية إلى عائلات "المختفين"، مفضلةً الانتظار إلى أن تُنهي تحقيقاتها.

ويمثل موقع الهيئة (www.ier.ma) جهداً طيباً من جانبها باتجاه الشفافية والتواصل. ويحوي الموقع النصوص المرجعية الأساسية للهيئة، إضافةً إلى معلومات عن سير أعضائها، وخلاصات لجلسات الاستماع التي عقدتها ولكثيرٍ من الندوات التي تحدث فيها مفوضوها، وكذلك الترقيات الصحفية التي حظيت بها، وثبتاً يتعلق بانتهاكات الماضي، وروابط لمواقع أخرى تضم معلومات بشأن حقوق الإنسان وهيئات البحث عن الحقائق.

وما من قاعدةٍ تلزم هيئة الإنصاف والمصالحة بأن تنشر على موقعها وثائق غير وثائقها. لكن من المؤسف أن الهيئة، وباختيارها نشر بعض المقالات المنشورة في الصحف وبعض المواد الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، قد اختارت تقديم منظور انتقائي فيما يخص عملها. ففي حين يقدم الموقع عدداً من المقالات والبلاغات التي تنتقد هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن اللهجة العامة ميالةٌ إلى الإيجابية. ويقول عبد الله بن عبد السلام من هيئة الإنصاف والمصالحة، على سبيل المثال، أن مذكرةً نقديةً مقدمةً من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في 29 يناير/كانون الثاني 2004 لم تُنشر على الموقع. كما لم تنشر توصيات المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف والمتعلقة بالتعويضات، ولا البلاغ الذي هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة بالمغرب والذي انتقد ضعف التعاون معها من جانب الهيئة.59

عرضٌ للنتائج التي خرجت بها هيئة الإنصاف والمصالحة

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2005، أعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة أول نتائج مساعيها لاستيضاح مصير الأشخاص "المفقودين". وقد أفادت بأنها حددت الأماكن التي دُفن فيها خمسون رجلاً وامرأةً ممن "اختفوا" خلال السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات. وقد أورد بلاغ الهيئة أسماء الأشخاص الخمسين جميعاً وأشار إلى أنه اتصل بعائلاتهم قبل الإعلان عن الأسماء. وقد كانت هذه الأسماء جميعها مذكورةً في قوائم الأشخاص "المختفين" المؤكدة؛ وقد كان معظمهم من الصحراء الغربية. وقد مات كل واحدٍ منهم بعد احتجازه في واحدٍ من ثلاثة مراكز احتجاز سرية نائية وهي: أكدز وقلعة مكونة وتاكونيت. ثم دفنوا في مقابر تقع قرب هذه المراكز كما تقول هيئة الإنصاف والمصالحة. وقد صرحت هيئة الإنصاف والمصالحة بأنها زارت هذه المراكز وحددت موعد الموت ومكانه، "وذلك بفضل المعلومات التي تم جمعها من السلطات الوطنية، والوثائق التي قدمتها السلطات الإقليمية، والمعلومات المجموعة من الموظفين السابقين الذين شهدوا ملابسات الموت والدفن".60

وقد أدى الإعلان عن أن هيئة الإنصاف والمصالحة قد توصلت إلى حل 50 قضية قديمة من قضايا "الاختفاء" إلى نشوء آمال بأن يتبع ذلك الإعلان إعلانات أخرى من نفس الطبيعة بحيث تقدم إجابات لحالاتٍ بارزةٍ أخرى من حالات "الاختفاء". لكن بعض الأسئلة المهمة كانت تُطرح بشأن هذا الاكتشاف الأول:

  • هل أبلغت هيئة الإنصاف والمصالحة العائلات بالموعد الذي يمكنها فيه أن تدفن الجثث بما يتناسب مع التقاليد، أو ما إذا كانت سوف تتمكن من دفنها؟

  • ما هي الوسائل التي تعرّفت هيئة الإنصاف والمصالحة على أصحاب الجثث، وهل بوسع العائلات أن تفعل ذلك أيضاً إذا أرادت؟

  • ما هي المعلومات التي قدمتها هيئة الإنصاف والمصالحة من خلالها إلى العائلات، إذا كانت قد قدمت معلومات، بشأن ما حدث لهؤلاء الأشخاص في الوقت الفاصل بين اعتقالهم أو خطفهم وبين موعد الوفاة؟

  • هل تم إبلاغ العائلات بأسباب الوفاة؟

  • هل حددت هيئة الإنصاف والمصالحة للعائلات أي أفراد، أو جهات، كانوا متورطين في موت أقربائهم؟

  • هل زودت العائلات بسجلات الأرشيف المتعلقة بحالة كل شخص، أو دُعِيت للإطلاع عليها، وهل جرى نقاش ذلك في هيئة الإنصاف والمصالحة؟

  • هل ستدلي السلطات العامة أي تعليق فيما يخص باكتشاف جثث الأشخاص الخمسين الذين ماتوا بعد أن جرى احتجازهم بشكل غير قانوني على أيدي موظفي الدولة؟

    لم تُعرف إجابات هذه الأسئلة في الوقت الذي نُشر فيه هذا التقرير.

    وكما ذكرنا أعلاه، فإن على هيئة الإنصاف والمصالحة أن تقدم إلى الملك تقريراً كاملاً عن عملها عند انتهاء تكليفها. وإلى جانب هذا التقرير، تعتزم هيئة الإنصاف والمصالحة النشر العلني لنسخة من التقرير تكون مكتوبةً بطريقةٍ أكثر قبولاً مع خلوّها من أسماء المرتكبين المشتبه بهم طبقاً لما جاء في قانون إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة.61

    وبالإضافة إلى هاذين التقريرين، ستكون هيئة الإنصاف والمصالحة قد أوجدت، استناداً إلى أبحاثها وتحقيقاتها، قاعدة بيانات غير مسبوقة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في المغرب في الفترة السابقة لعام 1999. وقد يتحوي أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة أدلةً قيمةً من ناحية الإجراءات القاضية، تكون مهمةً لكلٍّ من الضحايا ولمن يواجهون الاتهامات أو التهم الرسمية.62

    في الوقت الحاضر، لا يوجد في المغرب أي قانون ينظم حفظ الأرشيف العام وينظم الحق بالنفاذ إليه. وقد تحدث أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة في تصريحاتهم العلنية عن الحاجة لوضع قوانين وسياسات لحماية وحفظ البيانات التي جمعوها، ولجعلها مفتوحةً أمام الشعب المغربي بالقدر الممكن. ومن المفترض أن تعالج توصياتهم النهائية هذه الحاجة بطريقةٍ فعالة.

    وتعد الاستمارات التي جرت تعبئتها لكل شخص قدّم قضيته إلى هيئة الإنصاف والمصالحة بمثابة الحجز الأساسي لقاعدة بيانات هيئة الإنصاف والمصالحة. وهي تتضمن اسم الضحية، وطبيعة الانتهاك، ووصفاً لأي تعذيب أو معاملة مهينة أو غير إنسانية تدعيها الضحية، وكذلك مكان الاحتجاز وأسماء المرتكبين (أو المرتكب) المشتبه بهم. وتبعاً لإدريس اليازمي، وهو أحد مفوضي الهيئة، فإن البيانات التي جُمعت قد أتاحت وضع تسلسل زمني دقيق وتفصيلي لفترات القمع الرئيسية في تاريخ المغرب، إضافةً إلى خريطة تبين مراكز الاحتجاز السرية الرئيسية.

    وكغيرها من هيئات التوصل إلى الحقيقة، كان عمل هيئة الإنصاف والمصالحة يتركز على الضحايا، ولا ريب في أن هذا سوف ينعكس في توثيقها للقمع في المغرب. وسوف يكون تكوين صورة أكثر اكتمالاً أمراً ممكناً إذا، وعندما، يصير من الممكن الحصول على مزيدٍ من المعلومات من المرتكبين ومن موظفي الدولة.

    وكجزءٍ من عمل هيئة الإنصاف والمصالحة على موضوع التعويض، قام المفوضون بزيارة جميع مراكز الاحتجاز السرية السابقة المعروفة في المغرب، وذلك للتفكير في اقتراح تحويل بعض هذه المواقع إلى أماكن تذكارية عامة.  ويبدو أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تقم بزيارة مركز DST في تيمارا، والذي تدعي منظمات حقوق الإنسان بأنه كان يستخدم كمركز احتجاز سري لاستجواب من يشتبه بأنهم من الإسلاميين بعد عام 2001 – وهي فترة غير مشمولة بتفويض هيئة الإنصاف والمصالحة). وتبعاً لرئيس هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن الهيئة يمكن أن توصي أيضاً بأنواع أخرى من إعادة التأهيل الجماعية، من قبيل برامج تنمية اجتماعية/اقتصادية للمناطق التي عانت عقوداً من الإهمال، سواءٌ لأنها كانت تعتبر مناطق عاصية أو لأنها كانت قريبةً من السجون السرية، وذلك كتازمامرت مثلاً. 63



    48 "المغرب: 20000 طلب بالتعويض عن مظالم سنوات الرصاص"، “Maroc : 20 000 demandes d’indemnisation pour les abus des années de plomb”، وكالة الأنباء الفرنسية، 15 أبريل/نيسان 2004.

    49 مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، الرباط، 6 أبريل/نيسان 2005.

    50 مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، الرباط، 6 إبريل/نيسان 2005.

    51 كان على المتحدثين أن يتعهدوا "بعدم ذكر أسماء الأشخاص الذين يحمِّلهم الضحايا مسؤولية الانتهاكات التي تعرضوا لها، وذلك انسجاماً مع الطبيعة غير القضائية لهيئة الإنصاف والمصالحة، والتزاماً بأحكام قانون إنشائها الذي يدعوا إلى نسب نسبة المسؤولية للأفراد". انظر "ميثاق الشرف الخاص بمشاركة هيئة الإنصاف والمصالحة والضحايا في جلسات الاستماع العلنية"، “Charte d’honneur relative aux engagements de l’Instance Equité et Réconciliation et des victimes participant aux auditions publiques”، [بالفرنسية على الإنترنت]، http://www.ier.ma/_fr_article.php?id_article=639.

    52 تصريح علني في باريس حضرته هيومن رايتس ووتش.

    53 انظر "معايير وأسس اختيار الشهود"، على موقع هيئة الإنصاف والمصالحة على الإنترنت: www.ier.ma/_fr_article.php?id_article=582.

    54 انظر المعلومات التي يوفرها موقع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: http://www.amdh.org.ma/html/act_pub.asp.

    55 انظر مثلاً: "المجلة الأسبوعية"، Le Journal Hebdomadaire، 25 ديسمبر/كانون الأول 2004، العدد 188، [على الإنترنت]، http://www.lejournal-hebdo.com/rubrique.php3?id_rubrique=200، حيث اتهم كثير من الضحايا المرتكبين بالاسم.

    56 عرض لقانون إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، Présentation des Statuts de l’Instance Equité et Réconciliation، [على الإنترنت]، http://www.ier.ma/_fr_article.php?id_article=1273.

    57 مقابلات هيومن رايتس ووتش في الرباط مع محمد صبار المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف في 29 مارس/آذار 2005؛ ومع عبد العزيز النويدي من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في 1 إبريل/نيسان 2005؛ ومع عبد الإله بن عبد السلام من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في 29 مارس/آذار 2005.         

    58 "بلاغ صادر عن عائلة حسين المنوزي، ’الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة‘"،“Communiqué de la famille de Houcine el-Manouzi, ‘La vérité, toute la vérité, rien que la vérité’”، الدار البيضاء، 10 مارس/ آذار 2005؛ وكذلك مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رشيد المنوزي شقيق حسين المنوزي، الدار البيضاء، 31 مارس/آذار 2005.

    59  مقابلة هيومن رايتس ووتش، الرباط، 29 مارس/آذار 2005.

    60 هيئة الإنصاف والمصالحة، "* تعلن النتائج المتعلقة بأماكن دفن الضحايا المتوفين في مراكز الاحتجاز غير القانونية"، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2005، [بالفرنسية على الإنترنت]،

    www.ier.ma/_fr_article.php?id_article=1332.

    61 مقابلة هيومن رايتس ووتش، الرباط، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

    62 أنظر المبدأ 25 من "أسئلة بشأن إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب":

    يتضمن الحق بالمعرفة وجوب حفظ الأرشيف، وخاصةً خلال المرحلة الانتقالية. إن الخطوات لتلك الغاية هي:

    (أ‌) إجراءات حمائية وعقابية تحول دون نقل هذا الأرشيف أو إتلافه أو إساءة استخدامه؛

    (ب‌) إيجاد سجل لجرد المواد الأرشيفية المتوفرة، بما فيها المواد الموجودة لدى بلدان أخرى بغية ضمان إمكانية نقلها بموافقة تلك الدول، وإعادتها حيث يكون ذلك ملائماً؛

    (ت‌) تعديل شروط الوصول إلى الأرشيف والاستعانة به في ضوء الوضع الجديد، وخاصةً من ناحية السماح لكل ذي صلة بأن يضيف رده إلى الملف.

    63 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إدريس بنزكري، الرباط، 6 أبريل/نيسان 2005.


    <<  |  الصفحة الرئيسية  |  >> November 2005
  •