Iraq



Iraq Iraq
  

next  |  index  |  previous 

II. تحديد الجناة

هناك أسباب عدة تجعل من أحداث عام 1999 فرصة فريدة للتحقيق في كيفية قيام نظام صدام حسين بالقمع المنهجي للمجموعات التي شعر أنها تشكل تهديداً لحكمه، والدور الرئيسي الذي لعبه المجيد في تطبيق هذا القمع.

أول هذه الأسباب أن ضحايا هذه المذبحة والشهود الذين يملكون معلومات بشأنها يتركزون في البصرة أو حولها، وهي منطقة تتمتع بالهدوء النسبي في العراق. فقد تمكن باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2003 من إجراء مقابلات متعددة مع ضحايا وشهود عيان لجمع المعلومات التي يتضمنها هذا التقرير. كما تشير المعلومات إلى أن كثيراً من المسئولين الحكوميين والبعثيين الذين قد تكون لديهم معلومات بشأن الانتفاضة والهجمة التي تلتها عام 1999 لا يزالون يقطنون في البصرة أو حولها. ومازال في وسع محققي المحكمة العراقية الخاصة الحصول على معظم هذه المعلومات. إن جسامة الانتهاكات التي وقعت خلال الحملة تستدعي إجراء تحقيق مفصل على يد خبراء في التحقيقات الجنائية، ومقاضاة المسئولين عن هذه الانتهاكات.

ثانياً، أن بعض ضحايا مذبحة 1999 لا يزالون مدفونين في مواقع قبور جماعية غير ظاهرة أو لم يتم نبشها. وقد يساعد فتح هذه المواقع باستخدام الوسائل العلمية للطب الشرعي على اكتشاف أدلة إضافية قد تكون ضرورية للتحقيقات والمحاكمات الجنائية.

وأخيراً، فإن قوائم الأسماء التي ورد فيها اسم مصطفي كأحد من تم قتلهم، إضافة إلى غيرها من الأدلة الوثائقية، تقدم بدورها إشارات تقود إلى كشف هويات المسئولين عن الأمر بجرائم القتل هذه أو تنفيذها ــ ليس فقط المجيد، بل العملاء الذين قاموا بالفعل بتنفيذ الإعدامات.

قائمة إعدامات البصرة

لا تحمل قائمة الإعدامات أية أختام أو شعارات أو توقيعات؛ مثلها في ذلك مثل القوائم المشابهة التي تم اكتشافها منذ سقوط النظام السابق. وقد ظهرت نسخة من القائمة للمرة الأولى على لوحة إعلانات مسجد الإمام علي ومسجد الجمهورية بالبصرة عقب سقوط المدينة تحت احتلال القوات البريطانية في إبريل/نيسان مباشرة. وقد قال القائمون على المسجدين لمنظمة هيومن رايتس ووتش أنهم حصلوا على القائمة من مكاتب مديرية الأمن العام أثناء النهب الذي تعرضت له المباني الحكومية بعد وصول القوات البريطانية إلى البصرة.4 وليس لدى منظمة هيومن رايتس ووتش معلومات حول سلسلة تناقل الوثيقة قبل هذه النقطة. فقد قامت معظم المساجد الشيعية بتعليق صور ضوئية من القائمة كما تم توزيع نسخ منها على نطاق واسع بين عائلات المفقودين. وقد حصلت منظمة هيومن رايتس ووتش على أربع صفحات من القائمة في إبريل/نيسان 2003. وتعلم المنظمة بوجود صفحتين أخريين على الأقل من هذه الوثيقة تضمان أسماء لأفراد تم إعدامهم.

وتضم الصفحات الأربع من قائمة الإعدامات التي تحوزها منظمة هيومن رايتس ووتش أسماء 120 من الضحايا مرقمين بتسلسل عبر الصفحات الأربع. وجميع الأسماء لشباب من الذكور ــ أصغرهم سناً في السادسة عشرة بينما يبلغ عمر أكبرهم ستة وثلاثين عاماً ــ يقطنون في البصرة أو حولها. وتحتوي الصفحات الأربع على الأعمدة الخمسة ذاتها: الرقم المسلسل، والاسم الكامل، وتاريخ الميلاد، وعنوان السكن، وملاحظات. وتحمل جميع الصفحات عنواناً واحداً: "قائمة بأسماء المتهمين الذين اعترفوا باشتراكهم بأحداث 17/18/3/1999".

وتشير كل صفحة من قائمة الإعدام إلى تاريخ مختلف لإعدام الأفراد الواردة أسماؤهم. بينما يشير عمود "ملاحظات" إلى السلطات المحلية المختلفة في البصرة أو المنطقة الجنوبية من العراق التي قامت بتنفيذ الإعدام. فعلى سبيل المثال تحتوي الصفحة التي ورد فيها اسم مصطفى على 28 اسماً آخر في أعمدة مسطرة بعناية تشير إلى أسمائهم، ومحال إقامتهم، وتواريخ إعدامهم، وهويات العملاء القائمين بتنفيذ الإعدام ــ في حالة مصطفى كانوا ضباط مديرية الشرطة.

الصفحة الأولى: 33 رجلاً تم إعدامهم في 25 مارس/آذار 1999:

تضم هذه القائمة 33 اسماً (مرقمين من 1 إلى 33). وتقول الملحوظة: "بتاريخ 25/3/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ذوي الشهداء بناء على أمر السيد قائد القطاع الجنوبي المحترم".5

الصفحة الثانية: 31 رجلاً تم إعدامهم في 18 إبريل/نيسان 1999:

تضم هذه القائمة 31 اسماً (مرقمين في القائمة من 34 إلى 64). وتقول الملحوظة: "بتاريخ 18/4/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل امناء سر فرعي البصرة وأم المعارك الحزب قائد وأعضاء الفروع القيادية لهم ".

الصفحة الثالثة: 28 رجلاً تم إعدامهم في 19 إبريل/نيسان 1999:

تضم هذه القائمة 28 اسماً (مرقمين من 65 إلى 92). وتقول الملحوظة: " بتاريخ 19/4/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ضباط مديريتنا".

الصفحة الرابعة: 28 رجلاً تم إعدامهم في 8 مايو/آيار 1999:

تضم هذه القائمة 28 اسماً (مرقمين من 93 إلى 120)، بما فيهم اسم مصطفى جواد. وتقول الملحوظة: "في 8/5/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ضباط مديريتنا".

معلومات بشأن الجناة

تساعد قائمة الإعدامات، فيما لو ثبتت صحتها، على تحديد من يملكون معلومات بشأن هوية الجناة المسئولين بشكل مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمنهجية والتي وقعت في البصرة عام 1999. وكما سيظهر بالتفصيل أدناه، فإن شهادات كل من الناجين من الضحايا وشهود العيان تؤكد الحقائق الأساسية الواردة في قائمة الإعدامات: أن عشرات من الرجال قد تم اعتقالهم على يد قوات الأمن العراقية وأعضاء حزب البعث عقب انتفاضة الصدر، وأن عشرات الرجال قد قتلوا في إعدامات سريعة وجماعية على يد القوات الأمنية والحزبية في مناطق مهجورة داخل البصرة وحولها في غضون بضعة أسابيع في شهور مارس/آذار وإبريل/نيسان ومايو/آيار من عام 1999.

من بين ما يؤكد صحة القائمة بقوة احتواؤها على أسماء 29 شخصاً تم التعرف عليهم بشكل احتمالي من بين بقايا 33 شخصاً عثر عليها في مواقع مقابر جماعية بالبصرة. وبينما لم يكن باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش حاضرين أثناء نبش هذه المقابر، فإن فحص البقايا بعد بضعة أيام من نقلها من موقع الدفن الأصلي أظهر قصاصات قماش عالقة بعدد من الجثث تشبه عصابات الأعين والحبال التي قد تكون قد استخدمت في تقييد الأيدي والأقدام. كما ظهر في عدد من الجماجم التي فحصها باحثو هيومن رايتس ووتش بالعين المجردة ما بدا وكأنه ثقوب سببتها طلقات رصاص.

أربطة أعين قد وجد مع بقايا بشرية انتشلها أقارب الضحية في البرجسية. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

أربطة وجدت على هذه البقايا البشرية التي انتشلها أقارب الضحية في البرجسية. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).

تشير الملاحظات الواردة في الصفحتين الأوليين من القائمة إلى كون الإعدامات قد تم تنفيذها "بناء على أمر السيد قائد القطاع الجنوبي المحترم". وكان علي حسن المجيد هو من يشغل هذا المنصب عام 1999. كما أنه اعتاد الإشارة إلى نفسه بهذا اللقب في بيانات رسمية للحكومة العراقية آنذاك.6 وقد أجمع كل من أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات في البصرة عام 2003 على كون المجيد هو "قائد القطاع الجنوبي" خلال عام 1999. وإضافة إلى ذلك، فقد أعرب كل من التقت بهم المنظمة عن اعتقادهم بأن المجيد أشرف مباشرة على جميع العمليات العسكرية والأمنية في جنوب العراق، بما في ذلك البصرة، أثناء الانتفاضة والحملة التي تلتها.

وقد أشار الشهود والناجون من ضحايا حملة عام 1999 بأصابع الاتهام مراراً إلى مهدي الدليمي، وهو ضابط جيش ترأس مديرية الأمن العام، بالتورط في القتل وغيره من الجرائم. فقد أخبر جواد كاظم علي، والد مصطفى جواد، منظمة هيومن رايتس ووتش:

بإمكاني أن أمنحكم اسم الشخص المسئول عن القتل والتعذيب الذي شهدته البصرة. اسمه مهدي الدليمي. وقد ترأس مديرية الأمن في البصرة لسنوات عديدة؛ وكان واحداً من أهم خمسة مدعين في العراق. واعتمد عليه صدام حسين بقوة. لا أعرف مكانه الآن. كان واحداً ممن عملوا لصالح علي الكيماوي...حيث كان مهدي يتبع علي الكيماوي مباشرة.7

وقد أشار سيد حيدر الحسن، الزعيم الديني والمحلي من مسجد الجمهورية، أيضاً إلى المسئولية المحتملة والدراية المؤكدة لمهدي الدليمي بشأن مذبحة 1999:

كان قد قضى في البصرة زمناً طويلاً. كان يعلم كل شيء عن البصرة وأهل البصرة. لقد كان مجرماً في الماضي. وقد قام بتتبع الحركة الإسلامية في البصرة منذ بدايات السبعينات وطور أسلوبه الخاص في الحصول على الاعترافات. استخدم كل أنواع وأساليب التعذيب الفظيعة. حتى أنه استعمل أحياناً أفراد العائلة [ليقوموا بتعذيب أفراد من نفس العائلة].8

كما توفر قائمة الإعدام أدلة محتملة على هوية العملاء الذين قاموا مباشرة بتنفيذ أوامر الإعدام. فالصفحة الأولى من القائمة تقول " بتاريخ 25/3/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ذوي الشهداء". ويشير هذا إلى أن أقارب أعضاء حزب البعث الذين قتلوا أثناء الانتفاضة قد يكونون قد مُنحوا أول فرصة للثأر. وعلى محققي المحكمة العراقية الخاصة أو غيرها من المحاكم تحقيق أسماء أعضاء حزب البعث الذين قتلوا في الانتفاضة من خلال السجلات الأرشيفية وشهادات شهود العيان، مما سيساعد على التعرف على العائلات التي ربما يكون قد كان لها يد في تنفيذ مذابح 1999.

وتضم مجموعة أخرى من المتورطين في المذبحة أعضاء حزب البعث من منطقة البصرة. فوفقاً للقائمة فإن الضحايا الثلاثين الذين قتلوا في يوم 18 أبريل/نيسان قد تم قتلهم "من قبل امناء سر فرعي البصرة وأم المعارك الحزب قائد وأعضاء الفروع القيادية لهم". ويمكن من خلال الأدلة الأرشيفية التي تضم عضوية حزب البعث الحصول على قائمة للمشتبه فيهم لاستجوابهم بشأن تورطهم في جرائم القتل هذه. وهناك العديد من الشهود من البصرة أو حولها ممن كانوا مرتبطين بحزب البعث ويستطيعون توفير معلومات بشأن هيكله القيادي.

وبالمثل، فإن القائمة تشير إلى أن 55 آخرين من الشباب قد قتلوا في يومي 19 أبريل/نيسان و 8 مايو/آيار على يد "ضباط مديريتنا". وقد كان أفراد الشرطة معروفين ويمكن تحديدهم باستخدام سجلات التوظيف والتنظيم؛ ولابد من استجوابهم بشأن دورهم في أحداث 1999.

وقد أكد عشرات من سكان البصرة بشكل عام أن أعضاء البعث وضباط الشرطة والأمن قاموا باعتقال واحتجاز وتعذيب وإعدام الأفراد الذين يشتبه في اشتراكهم في الانتفاضة وأسرهم. وقد تمكنت منظمة هيومن رايتس ووتش أثناء إجراء تحقيقها من الحصول على أسماء الكثيرين من المسئولين العراقيين المتورطين في حملة الإعتقالات والإعدامات الجماعية التي تلت انتفاضة الصدر. ولن تستطيع منظمة هيومن رايتس ووتش إعلان أسماء هؤلاء الجناة المحتملين نظراً إلى أن المنظمة لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من هوية هؤلاء الجناة. وسيتطلب تحديد المسئولين الذين تحملوا مسئولية الإعدامات الجماعية تحقيقات إضافية؛ ولكن من الواضح أن هناك أدلة كافية للتعرف على هوية كثير من الجناة.

 وقد قامت القوات البريطانية في البصرة بإجراء تحقيقات أولية عند بعض مواقع القبور الجماعية من خلال التقاط صور للمقابر وتسجيل إقرارات الشهود.9 وعلى حد علم منظمة هيومن رايتس ووتش فإن تحقيقاً شاملاً لم يتم إجراءه حتى الآن في انتفاضة الصدر وهوية المسئولين عن قمعها.



[4] مقابلة مع سيد حيدر الحسن (اسمه الحقيقي)، مسجد الجمهورية، 24 إبريل/نيسان 2003.

[5] في الأغلب يشير لفظ "الشهداء" هنا إلى أعضاء حزب البعث الذين قتلوا أثناء الانتفاضة.

[6] انظر على سبيل المثال إذاعة جمهورية العراق (عبر خدمة رصد البي بي سي)، "قائد المنطقة الجنوبية يطلع صدام على نبأ إسقاط طائرة"، 30 أغسطس 1998 (نص بيان رسمي وقع عليه المجيد بصفة "قائد القطاع الجنوبي").

[7] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

[8] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

[9] بناء على زيارة لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى البصرة، 2 يونيو 2003.


next  |  index  |  previous 

February 2005