الولايات المتحدة الأمريكية:
انتهاكات تشوب التحقيقات في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول
لا بد من استعادة الضوابط على الصلاحيات الحكومية
" كانت أمريكا عندي أرض الأحلام، وكنت أعتبر نفسي محظوظاً لأنني أعيش في بلد متحرر وديمقراطي. لكن أرض الأحلام تحولت إلى جحيم بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول."....
مفيد خان، باكستاني رُحِّل من الولايات المتحدة1
في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، استخدمت مجموعة من خاطفي الطائرات أربع طائرات كأدوات لإثارة الرعب، وأدت جريمتهم الرهيبة إلى مقتل حوالي ثلاثة آلاف شخص وتدمير حياة الآلاف غيرهم وتدمير مركز التجارة العالمي، كما خلقت إحساساً ملحاً بضرورة حماية الولايات المتحدة من أي هجمات إرهابية مماثلة في المستقبل. إلا أن الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم يكن عدواناً على الأرواح والمنشآت فحسب، بل كان أيضاً اعتداءً على الحريات الأساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة، كما أشار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش.
ولكن مع الأسف أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم تؤكد بقوة على هذه الحريات. إذ شهدت الولايات المتحدة تقويضاً مستمراً ومتعمداً، لا مسوغ له، للحقوق الأساسية التي تحمي الناس من سوء استغلال السلطة الحكومية التي يكفلها الدستور الأمريكي وقانون حقوق الإنسان الدولي. وكان معظم من أضيروا مباشرة من المواطنين غير الأمريكيين الذين أخضعتهم وزارة العدل، وعلى رأسها وزير العدل جون أشكروفت، للاعتقال التعسفي وانتهكت مبادئ الإنصاف في الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم، وضربت عرض الحائط بمبدأ افتراض البراءة.
وقد يبدو عدم إعمال هذه الحقوق مسألة نظرية بالنسبة للكثير من الأمريكيين في مواجهة التهديد الملموس من جانب الهجمات الإرهابية. لكن حياة الكثيرين ممن أتوا إلى الولايات المتحدة، وكانت تحدوهم الآمال العريضة في أن يجدوا فيها حياة أفضل، أضيرت من جراء الممارسات التي يوثقها هذا التقرير، فقد انقلبت حياتهم رأساً على عقب عندما لفتت جنسياتهم وديانتهم أنظار الحكومة إليهم على الرغم من أنهم لم يتهموا قط بالإرهاب.
ويستند هذا التقرير إلى عشرات من المقابلات الشخصية التي أجريت مع معتقلين حاليين وسابقين ومع محاميهم، ويقدم أشمل تحليل صدر حتى اليوم لسوء معاملة غير المواطنين الأمريكيين التي استشرت في التحقيقات الخاصة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وتتناول الأبواب المختلفة من التقرير بإسهاب السرية غير المبررة في الممارسات الحكومية، ومنها السجن الذي خضع له سراً المعتقلون بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وعقد جلسات الهجرة المغلقة دون العامة، واستجواب الأشخاص في أثناء احتجازهم دون السماح لهم بالاتصال بالمحامين، والحبس المطول بصورة تعسفية، بما في ذلك الاحتجاز بدون توجيه اتهام للمحتجزين، والأحوال المزرية، ومنها الحبس الانفرادي، والإيذاء البدني الذي تعرض له بعض المحتجزين.
فبعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مباشرة بدأت وزارة العدل- من خلال الوكالات التابعة لها ومكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة الهجرة والجنسية - في عملية استجواب الآلاف من الأشخاص الذين قد تكون لديهم أي معلومات عن الأنشطة الإرهابية أو قد تكون لهم أي صلة بها. ويبدو أن قرار اختيار من يتم استجوابهم كان عشوائياً، وكان في بعض الأحيان مترتباً على لقاءات وقعت بمحض الصدفة بين الموظفين المسؤولين عن تنفيذ القانون وبين رجال مسلمين أجانب، أو مترتباً على الشكوك من جانب بعض الجيران. وأدت عملية الاستجواب إلى إلقاء القبض على حوالي ألف ومائتين من غير المواطنين وإيداعهم السجن، وإن كان العدد لا يزال غير مؤكد على وجه الدقة. ومن بين المقبوض عليهم، اتهم 752 شخصاً بمخالفة قوانين الهجرة.
وفي فبراير/شباط 2002 اعترفت وزارة العدل بأن معظم الأشخاص المحتجزين في سياق تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والمتهمين بمخالفات تتعلق بالهجرة - والذين تشير إليهم بالمحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" - ليست لهم علاقة بالجهود التي تبذلها لمكافحة الإرهاب. وفي يوليو/تموز 2002 لم يكن أي محتجز من المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" قد أدين بممارسة نشاط إرهابي، وتم ترحيل معظمهم بسبب مخالفة تأشيرات الدخول للولايات المتحدة. إلا أن مسار القبض عليهم واستجوابهم واحتجازهم يكشف عن أن وزارة العدل كانت تفترض أنهم مذنبون دون أن يكون هناك أي مبرر لهذا الافتراض.
فعندما ألقت وزارة العدل القبض على بعض الأشخاص في إطار تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بتهمة مخالفة قوانين الهجرة، مثل البقاء في الولايات المتحدة بعد انتهاء مدة التأشيرة الممنوحة، تمكنت الوزارة بذلك من إبقائهم في السجن بينما استمرت في استجوابهم والتحقيق معهم بشأن احتمال ضلوعهم في أعمال إجرامية - وهو ما يعد شكلاً من أشكال الاحتجاز التحفظي الذي لا يسمح به القانون الجنائي الأمريكي. وباستخدام مخالفات قانون الهجرة كأساس للاحتجاز تمكنت وزارة العدل من تفادي الامتثال للضمانات الموسعة التي يكفلها القانون الجنائي، مثل ضرورة وجود سبب محتمل لإلقاء القبض على الأشخاص، والحق في المثول أمام قاض في خلال 48 ساعة من القبض على الفرد، والحق في تعيين المحكمة محامياً للمقبوض عليه. وإذا كانت المخالفات المزعومة لقواعد التأشيرات تمثل أساساً مشروعاً للعمل على ترحيل هؤلاء الأشخاص غير المواطنين فإن الإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل تمثل تحايلاً على الضوابط القانونية الدستورية والدولية التي تحكم التحقيقات الجنائية.
وبالإضافة إلى استغلال قانون الهجرة للالتفاف على التزاماتها في إطار نظام العدالة الجنائية فقد وضعت وزارة العدل سياسة وإجراءات جديدة خاصة بالهجرة تضعف من الضمانات الموجودة أصلاً للحماية من الاعتقال التعسفي من جانب إدارة الهجرة والجنسية. وإذا كانت مخالفة قانون الهجرة تعتبر مبرراً للترحيل، فإنها لا تبرر في ذاتها احتجاز الأشخاص بعد إلقاء القبض عليهم. ولا تتمتع إدارة الهجرة والجنسية بسلطة قانونية تمكنها من حبس غير المواطنين إلى أن تستكمل إجراءات ترحيلهم إلا في حالة واحدة فقط وهي وجود دليل على خطورة الفرد أو احتمال فراره. وبينما نجد أن معظم الأشخاص المتهمين بالبقاء في الولايات المتحدة بعد انتهاء مدة التأشيرة، أو بالعمل رغم دخولهم بتأشيرات سياحية، أو بغير ذلك من المخالفات الشائعة لقانون الهجرة، يفرج عنهم من السجن بصورة روتينية قبل انتهاء قضاياهم، فقد عملت وزارة العدل على إبقاء المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" محبوسين مع عدم وجود أي دليل على كونهم يشكلون خطراً أو على احتمال فرارهم. وأصبح الإفراج عنهم من السجن متوقفاً على قرار الحكومة بـ "إبراء ساحتهم"، أي قرارها بأنهم ليسوا على صلة بالأنشطة الإرهابية أو لا علاقة لهم بها. وفي واقع الحال أن المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" يفترض أنهم مذنبون إلى أن يخلص المسؤولون عن تنفيذ القانون إلى غير ذلك.
ولم تكن عملية "الإبراء" هذه هي البدعة الجديدة الوحيدة في ممارسات الهجرة التي وضعت لتوسيع سلطات الحكومة في التعامل مع من تحتجزهم إدارة الهجرة والجنسية. فقد وضعت وزارة العدل قواعد جديدة وأصدرت سياسات جديدة تسمح باحتجاز المعتقلين بدون اتهام في حالات "الطوارئ" غير المحددة، وتعطيها الحق في عقد جلسات مغلقة تماماً أمام العامة، بمن فيهم أفراد أسر المحتجزين وأصدقائهم، للنظر في مخالفات الهجرة، وتسمح لإدارة الهجرة والجنسية بإبقاء المحتجزين في السجن على الرغم من أوامر قضاة الهجرة بالإفراج عنهم بكفالة. كل هذه القواعد والسياسات الجديدة وسعت من نطاق السلطة التقديرية التي تتمتع بها الوزارة وأضعفت من الضمانات القائمة لحماية حقوق غير المواطنين في الحرية والإجراءات القضائية المنصفة.
وفي بعض الحالات احتجزت وزارة العدل بعض الأشخاص في إطار تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عن طريق استصدار أوامر بإلقاء القبض عليهم باعتبارهم شهوداً جوهريين. وكان الغرض الظاهري من هذه الأوامر هو ضمان مثول الشهود أمام هيئة المحلفين العليا التي تحقق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وبعد الاستجوابات المتكررة - والحبس الانفرادي في ظل قيود بالغة الشدة - أطلق أخيراً سراح بعض الشهداء الجوهريين، بدون مثولهم أحياناً أمام هيئة المحلفين العليا على الإطلاق، بينما اتهم آخرون بجرائم أو بمخالفة قوانين الهجرة. ورفضت وزارة العدل الكشف عن عدد الأشخاص المقبوض عليهم كشهود جوهريين أو عدد من بقي منهم في الحجز. وتمكنت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" من التعرف على وجود 35 فرداً محتجزاً كشهود جوهريين.
ويلاحظ أن معظم المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" رجال مسلمون ليسوا من مواطني الولايات المتحدة. ونظراً لأن الخاطفين التسعة عشر المزعومين كانوا جميعاً رجالاً مسلمين من بلدان الشرق الأوسط فليس بغريب أن يركز المسؤولون عن تنفيذ القانون على الرجال المسلمين من غير مواطني الولايات المتحدة الذين ينتمون إلى بلدان الشرق الأوسط والبلدان المتاخمة لها. لكن الاشتباه في وجود إرهابيين آخرين في الولايات المتحدة قد يكون لهم ملامح مشابهة للخاطفين المزعومين لا يبرر إسقاط حقوق الجالية المسلمة المهاجرة، فالأصل الوطني والديانة والنوع (ذكر أم أنثى) لا يمثل دليلاً على سلوك أي مسلك غير مشروع.
وفي بلد قام على أكتاف المهاجرين، وما فتئ يتجدد على أيديهم، فمما يبعث على بالغ الأسى أن يجد المرء لدى الحكومة الأمريكية استعداداً لإهدار حقوق غير المواطنين، وأن يجد من الجمهور في الأغلب والأعم صمتاً إزاء هذا الوضع. ولا يسع المرء إلا أن يتكهن بأن طبيعة تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانت ستختلف لو كان المواطنون هم الهدف الأساسي لها. ولكن كما أُشير في هذا الصدد "نظراً لأن غير المواطنين ليس لهم حق التصويت، ومن ثم ليس لهم صوت مباشر في العملية الديمقراطية، فإنهم يصبحون أقلية مستضعفة على وجه الخصوص. وفي غمرة الانفعال الوطني ومشاعر الحمية التي تخلقها الحرب في نفوس المواطنين تصبح مصالح غير المواطنين أقل وزناً في ميزان الحرية في مقابل الأمن".2
ولم تكن حقوق غير المواطنين وحسب هي التي تعرضت للتجاهل. فعندما رفضت وزارة العدل الكشف عن أسماء المحتجزين بسبب مخالفة قوانين الهجرة وفيما يتعلق بتحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وأغلقت جلسات الهجرة أمام العامة، داست الوزارة بذلك على الحقوق الأساسية في حرية التعبير، التي تتضمن حق العامة في معرفة "ما تنويه حكومتهم" على حد تعبير المحكمة العليا.3
وذهبت وزارة العدل إلى القول بأن حجب أسماء المحتجزين عن العامة ومنع الجمهور من حضور الجلسات الخاصة بالترحيل أمر ضروري لحماية الأمن القومي وحماية تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ولكن الحجج التي ساقتها الوزارة لم تكن مقنعة، فقد زعمت مثلاً أن الكشف عن أسماء المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة" سينبه التنظيمات الإرهابية إلى من تم اعتقالهم. غير أنه ليس من المعقول أن تكون أي من هذه التنظيمات ليست على علم بالقبض على أعضائها؛ لأن معظم المحتجزين ظلوا في الحجز فترة طويلة وكانوا يتمتعون بحرية إبلاغ من يريدون باحتجازهم. كما تؤكد الحكومة أنها لو أعلنت أسماء المحتجزين أو عقدت جلسات الترحيل علناً، فسوف يتمكن الإرهابيون من تتبع مسار التحقيق. وقد تكون هناك أسباب وجيهة فعلاً في بعض الحالات الفردية لمنع الجمهور من الاطلاع على جميع جلسات الترحيل أو بعضها لمنع الكشف عن المعلومات الحساسة، فقد قامت الحكومة بتحويل مئات من جلسات الهجرة إلى جلسات مغلقة بدون الإدلاء بأي بيان فردي يبين ضرورة هذا الإغلاق. وتستند الكثير من حجج الحكومة عن الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن عقد جلسات علنية، أو عن الكشف عن هوية المحتجزين ذوي "الأهمية الخاصة"، إلى الافتراض بأن المحتجزين لهم صلة بالأنشطة الإرهابية، ولكن أياً من هؤلاء لم يتهم بتهمة واحدة متعلقة بالإرهاب. إن التكهنات غير المدعمة بالأدلة بشأن الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالتحقيقات الحكومية يجب ألا تغلب على المبدأ الأساسي الذي يقضي بضرورة تحري العلنية في عمليات القبض على الأشخاص وفي جلسات الاستماع التي تؤثر على حريتهم، وذلك ضماناً للعدالة ومنعاً لسوء استغلال السلطة.
إن ستار السرية الذي أسدلته وزارة العدل على المحتجزين بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول يكشف عن تجاهل مذهل لمبدأين من المبادئ الديمقراطية، وهما الشفافية والمحاسبة العامة. فقد عملت وزارة العدل على النأي عن الرقابة عن طريق حجب المعلومات اللازمة لتحديد مدى توافق إجراءات تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مع القانون الأمريكي وقانون حقوق الإنسان الدولي. كما عملت أيضاً على إسكات النقد الموجه إلى جهودها الرامية لمكافحة الإرهاب، وأبرز شاهد على ذلك هو التصريح سيء السمعة الذي أدلى به المحامي العام جون أشكروفت أمام الكونغرس عندما قال إن من يثيرون التساؤلات عن "الحرية المفقودة" يساعدون أعداء الوطن.4
إن تاريخ الولايات المتحدة يبين مدى خطورة السماح للحكومة بادعاء حقها في ممارسة السلطة بلا ضابط من أجل حماية الأمن القومي. فبعد الحرب العالمية الأولى وفي خضم مرحلة الصراع الاجتماعي التي شهدت العديد من التفجيرات (ومنها تفجير منزل المحامي العام)، شنت الحكومة عدداً من الحملات الضخمة التي ألقت فيها القبض على الآلاف من المشتبه في كونهم شيوعيين وفوضويين دون اعتبار لسلامة الإجراءات اللازمة. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية احتجز أكثر من 110 ألف شخص في مخيمات الاحتجاز، لا لشيء سوى أنهم ينحدرون من أصل ياباني. وفي أثناء الحرب الباردة وقعت أعداد لا حصر لها ضحية "للفزع الأحمر"، ففقدوا وظائفهم وتعرضوا للمهانة علناً، حتى إن بعضهم أودع السجن للاشتباه في أنهم على صلة بالحزب الشيوعي أو لكونهم على صلة فعلية به. وكانت الحكومة في كل حالة من هذه الحالات تدعي وجود ضرورة تحتم ذلك، ولكن التاريخ في كل حالة من هذه الحالات يبرئ الضحايا ويدين مسلك الحكومة.
إن منظمة مراقبة حقوق الإنسان تعترف بالأهمية البالغة لحماية الأرواح من الهجمات الإرهابية ولتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. ويجب أن تسير عملية تنفيذ القانون وجمع المعلومات على نحو يتسم بالفعالية والحصافة والكفاءة. فلا يوجد دليل على أنه قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم يكن لدى العملاء الفيدراليين السبل الكافية للتحقيق ولتحريك الدعوى الجنائية ضد المؤامرات والتنظيمات الإرهابية، ولا يوجد دليل على أن عملهم تعطل بلا داع بسبب ضمانات الحقوق الفردية. وفي تقديرنا أن اختزال هذه الضمانات في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لم يكن وليد الضرورة، ولكنه نجم عن عدم الاعتراف الكافي بأهمية الحقوق التي تعتبر أساساً للديمقراطية الأمريكية. إن حماية الحريات المدنية لن تضعف الأمن القومي، بل ستكون ركيزة للسياسات الديمقراطية القوية. وكما كتب لويس د. برانديس القاضي بالمحكمة العليا في عام 1927، فإن من صاغوا الدستور الأمريكي كانوا يعرفون أن "الخوف يولد القمع، وأن القمع يولد الكراهية، وأن الكراهية تهدد استقرار الحكم".5
إن الأمم كالأفراد تماماً يظهر معدنها وقوة عقيدتها ساعة الشدة. إلا أن الحكومة الأمريكية في مواجهة الخطر الداهم فعلاً والمتمثل في التهديدات الإرهابية المستمرة وضرورة العثور على المسؤولين عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ومحاسبتهم عليها لم تستطع أن ترفع لواء المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الأمة الأمريكية، وهي نفس القيم التي أعلن الرئيس بوش أنها تعرضت للاعتداء من جانب الإرهابيين.
لذلك نأمل أن يكون هذا التقرير تشجيعاً للمسؤولين والمشرعين والمواطنين الأمريكيين على الإصرار على إجراء الجهود الأمريكية الداخلية لمكافحة الإرهاب في ظل الاحترام الكامل للحقوق الأساسية. ونلاحظ هنا أن معالجة انتهاكات الحقوق التي صاحبت عمليات الاحتجاز في أعقاب أحداث سبتمبر/أيلول تتطلب سلسلة من الخطوات، كما نوصي فيما يلي، لكن الهدف الأساسي منها ينبغي أن يكون ذا شقين: 1) تطبيق الشفافية والمساءلة على معاملة الحكومة للمحتجزين عن طريق رفض السرية الطاغية التي تحيط باعتقالهم وبالإجراءات القانونية التي اتخذت حيالهم، 2) وحماية سلامة نظام الهجرة ونظام العدالة الجنائية عن طريق وضع حد للسياسات والممارسات التي تلتف حول الضمانات الهامة للحقوق.