Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
   منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"
مايو/أيار 2002
جنين: العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي
2. ملخص

هذا التقرير
الملخص
التوصيات

البيان الصحفي
اقرأ ايضا
مركز العاصفة:
دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
في الثالث من أبريل/نيسان 2002 شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية كبرى على مخيم جنين للاجئين، الذي يقطنه حوالي أربعة عشر ألفاً من الفلسطينيين الغالبية العظمى منهم من المدنيين. وقالت إسرائيل إن هدفها من وراء هذه العملية هو اعتقال أو قتل الفلسطينيين المتشددين المسؤولين عن التفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات التي أدت إلى مقتل أكثر من سبعين إسرائيلياً وغيرهم من المدنيين منذ مارس/آذار 2002. وتمت عملية الاجتياح العسكري التي قام بها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين على نطاق لم يسبق له مثيل بالمقارنة بالعمليات العسكرية الأخرى التي شنها الجيش منذ بدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي في سبتمبر/أيلول 2000.

وجدير بالذكر أن وجود الفلسطينيين المتشددين المسلحين داخل مخيم جنين للاجئين، والاستعدادات التي اتخذها هؤلاء الفلسطينيون تحسباً للاجتياح الإسرائيلي، لا ينتقص من الالتزام الواقع على عاتق الجيش الإسرائيلي بموجب القانون الإنساني الدولي بضرورة اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين. كما أن من واجب إسرائيل بحكم القانون أن تضمن ألا تؤدي هجماتها على أهداف عسكرية مشروعة إلى إلحاق أضرار مفرطة بالمدنيين؛ ولكن إسرائيل، بكل أسف، لم تفِ بهذه الالتزمات، إذ يبين البحث الذي أجرته منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن القوات الإسرائيلية ارتكبت انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي أثناء اجتياحها لمخيم جنين للاجئين، وهناك أدلة كافية على أن بعض هذه الانتهاكات يبلغ حد جرائم الحرب.
ونظراً للكثافة السكانية العالية في مخيم اللاجئين، لم تكن ثمة مسافات كبيرة تفصل بين المدنيين والعسكريين على الإطلاق. وقد وصف المدنيون المقيمون في المخيم أياماً تواصل فيها إطلاق الصواريخ من المروحيات لتصيب منازلهم؛ فاضطر بعض السكان للفرار من بيت لآخر بحثاً عن ملجأ يحتمون به، في حين حاصر القتال آخرين فعجزوا عن الفرار إلى أي مأمن، وصاروا عرضة للخطر بسبب حظر التجول الذي فرضته القوات الإسرائيلية بالقوة المميتة مستخدمةً في ذلك نيران القناصة. وقد وثقت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" وقائع حوَّل فيها الجنود بيوتاً مدنية إلى مواقع عسكرية، وحبسوا ساكنيها في غرفة واحدة. وفي حوادث أخرى وجه جنود القوات الإسرائيلية أوامر صريحة للمدنيين الذين حاولوا الفرار بالعودة على منازلهم.

وعلى الرغم من ضيق هذه الأحياء السكنية فإن القوات الإسرائيلية عليها واجب قانوني يستلزم التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية؛ لكن الهجمات العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي كانت في بعض الأحيان عشوائية، ولم تراعِ هذا التمييز. فقد كان القصف عشوائياً على وجه التحديد في صباح السادس من أبريل/نيسان عندما أطلقت المروحيات صواريخها فأخذت الكثيرين من المدنيين على حين غرة وهم نائمون. وقُتلت امرأة بنيران إحدى المروحيات أثناء هذا القصف، كما أصيبت طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات في مكان آخر من البلدة عندما أصاب صاروخ المنزل الذي كانت نائمة فيه؛ ولم يكن يسكن هذين المبنيين سوى المدنيين، ولم يكن ثمة أي مقاتلين في المناطق المحيطة بهما مباشرة.
واستخدم الجيش الإسرائيلي الجرافات المصفحة لهدم بيوت السكان بالمخيم؛ وكان الغرض الظاهري من وراء ذلك هو فتح ممرات عبر الأزقة الضيقة الملتوية في جنين للسماح بمرور الدبابات وغيرها من الآليات الثقيلة لاختراق قلب المخيم، خاصةً وأن بعض هذه الآليات قد تعرض للتفجير بعبوات مفخخة فيما يبدو. لكن التدمير اتسع نطاقه ليتجاوز الغرض المعلن وهو الوصول إلى المقاتلين، وخصوصاً في حي الحواشين، وبلغ مستوى يتباين تبايناً شاسعاً مع الأهداف العسكرية المنشودة. وقد هال الكثير من المراقبين ما لحق بمخيم جنين من الدمار بفعل القصف بالصواريخ ونيران الدبابات، وهدم البيوت بالجرافات؛ فقد تم هدم ما لا يقل عن 140 مبنى من مباني المخيم هدماً كاملاً، معظمها تسكن فيها عدة أسر. كما تعرض أكثر من 200 منزل آخر لدمار هائل جعلها غير صالحة أو غير آمنة للسكنى؛ وأصبح ما يُقدَّر بنحو أربعة آلاف شخص، أي أكثر من ربع سكان المخيم، بلا مأوى بسبب هذا التدمير. كما لحق دمار شديد بالبنية الأساسية لمرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي بالمخيم. ويقع أكثر من مائة منزل، من بين المنازل المائة والأربعين التي هدمت تماماً، في حي الحواشين؛ وعلى العكس من المناطق الأخرى في المخيم التي استخدمت فيها الجرافات لتوسيع الطرق، فقد سوت القوات الإسرائيلية حي الحواشين بالأرض، وهو الحي الذي قُتل فيه ثلاثة عشر من الجنود الإسرائيليين يوم 9 أبريل/نيسان في كمين نصبه مسلحون فلسطينيون. ومن ثم فإن إثبات أن هذا التدمير الواسع قد تجاوز إلى حد بعيد ما تقتضيه الضرورة العسكرية ليبلغ حد التدمير الغاشم التعسفي - مما يعد جريمة من جرائم الحرب - يجب أن يكون من أهم أولويات لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة.
وقد تفاقم الضرر الناجم عن هذا التدمير بسبب عدم كفاية التحذيرات الموجهة إلى السكان المدنيين. فعلى الرغم من التحذيرات التي أصدرتها القوات الإسرائيلية في مرات عديدة، فإن الكثيرين من المدنيين لم يعلموا بالخطر إلا بعد أن بدأت الجرافات في هدم منازلهم. فقد قُتل رجل مشلول يدعى جمال فايد يبلغ من العمر 37 عاماً عندما هدمت الجرافات الإسرائيلية بيته فوق رأسه رافضة منح أسرته الوقت الكافي لإخراجه من المنزل، كما توسل رجل مسن يدعى محمد أبو سبعة يبلغ من العمر خمسة وستين عاماً لسائق جرافة أن يتوقف عن هدم بيته لأن أسرته لا تزال بالداخل، وعندما رجع إلى منزله شبه المهدم أطلق أحد الجنود النار عليه فأرداه قتيلاً.
وتأكدت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" من أن 52 فلسطينياً على الأقل قتلوا نتيجة لعمليات الجيش الإسرائيلي في جنين. وقد يرتفع هذا الرقم مع استمرار أعمال الإنقاذ والتحقيقات، ومع تحديد مكان أفراد الأسر الذين اعتقلتهم إسرائيل أو إطلاق سراحهم. ونظراً لانخفاض عدد الأفراد الذين أبلغ عنهم كمفقودين، فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" لا تتوقع أن يرتفع هذا الرقم كثيراً. وهناك اثنان وعشرون مدنياً على الأقل بين الأشخاص الذين تثبتت المنظمة من مقتلهم، ومن بينهم الأطفال والمعاقون والمسنون. وكان سبعة وعشرون شخصاً على الأقل ممن ثبت مقتلهم يشتبه في كونهم مسلحين فلسطينيين ينتمون إلى حركات مثل الجهاد الإسلامي وحماس وكتائب شهداء الأقصى. وكان بعضهم أعضاء في قوات الأمن الوطني التابعة للسلطة الفلسطينية وغيرها من أفرع الشرطة وقوات الأمن التابعة للسلطة. ولكن المنظمة لم تستطع أن تحدد بصورة قاطعة وضع القتلى الثلاثة الباقين ضمن الحالات التي وثقتها.

ولم تجد المنظمة دليلاً يثبت الادعاءات القائلة بأن القوات الإسرائيلية نفذت مذابح أو حالات إعدام خارج نطاق القضاء على نطاق واسع في مخيم جنين للاجئين. لكن الكثير من حالات الوفاة بين المدنيين التي وثقتها المنظمة تصل إلى حد القتل غير المشروع أو القتل العمد على يد الجيش الإسرائيلي. وهناك حالات أخرى كثيرة كان بالمستطاع تجنبها لو أن القوات الإسرائيلية اتخذت الاحتياطات المناسبة لحماية حياة المدنيين في أثناء عمليتها لعسكرية حسبما يقضي القانون الإنساني الدولي. ومن بين المدنيين الذين لقوا حتفهم كمال الصغير، وهو مشلول عمره سبعة وخمسون عاماً، أطلقت عليه النار ثم دهسته دبابة في أحد الطرق الرئيسية أمام المخيم يوم 10 أبريل/نيسان، على الرغم من أنه كان يحمل علماً أبيض مثبتاً إلى كرسيه المتحرك، ومريم وشاحي البالغة من العمر ثمانية وخمسين عاماً التي قتلت عندما أصاب صاروخ منزلها يوم 6 أبريل/نيسان بعد سويعات من مقتل ابنها الأعزل رمياً بالرصاص في الشارع، وجمال فايد البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً وهو رجل مشلول لقي حتفه سحقاً تحت أنقاض بيته يوم 7 أبريل/نيسان على الرغم من توسلات أسرته للسماح لهم بإخراجه، وفارس زيبن البالغ من العمر أربعة عشر عاماً الذي قُتل برصاص آلية إسرائيلية مصفحة وهو في طريقه لشراء بعض مستلزمات البقالة يوم 11 أبريل/نيسان، بعد أن رفع الجيش الإسرائيلي حظر التجول مؤقتاً.
ويلاحظ أن بعض الحالات التي وثقتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تبلغ حد الإعدام خارج نطاق القضاء مما يعد جريمة واضحة من جرائم الحرب، مثل قتل جمال الصباغ يوم 6 أبريل/نيسان برصاص القوات الإسرائيلية وهو خاضع لسيطرتها تماماً، وبينما كان ينفذ الأوامر بالتجرد من ملابسه. وفي حالة واحدة على الأقل قتل جنود الجيش الإسرائيلي دون وجه حق جريحاً فلسطينياً يدعى منذر الحاج الذي لم يكن عندئذ يحمل السلاح، حيث ورد أنه كان مصاباً بكسور في الذراعين ولم يكن يقوم بدور فعال في القتال.
وطوال عملية الاجتياح استخدم جنود القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين لحمايتهم من المخاطر متخذين منهم "دروعاً بشرية" ومجبرين إياهم على تأدية أعمال محفوفة بالمخاطر. وقد تلقت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" العديد من الشهادات المنفصلة والجديرة بالتصديق تفيد أن الفلسطينيين أجبروا على البقاء في أوضاع تعرضهم للأخطار لحماية الجنود الإسرائيليين من النيران أو من التعرض للهجوم؛ إذ أرغم الجنود الإسرائيليين هؤلاء الفلسطينيين على الوقوف فترات طويلة أمام مواقع مكشوفة للجيش، أو أجبروهم على مصاحبة الجنود أثناء تنقلهم من بيت لآخر. وقد وصف كمال طوالبة، وهو أب لأربعة عشر طفلاً، كيف أبقاه الجنود هو وابنه البالغ من العمر أربعة عشر عاماً لمدة ثلاث ساعات في مرمي النار، متخذين من كتفيه وكتفي الصبي مسنداً لبنادقهم أثناء إطلاق النار. كما أجبر الجنود سيدة تبلغ من العمر خمسة وستين عاماً على الوقوف على سطح أحد المنازل أمام موقع للقوات الإسرائيلية في غمرة القتال باستخدام المروحيات.

وكما حدث في عمليات سابقة للجيش الإسرائيلي فقد أجبر الجنود الإسرائيليون الفلسطينيين، تحت تهديد السلاح أحياناً، على مرافقتهم أثناء تفتيشهم للمنازل، وعلى دخول البيوت وفتح الأبواب وتأدية مهام أخرى محفوفة بالمخاطر. وفي جنين مورس هذا الاستغلال القهري للمدنيين على نطاق واسع، ففي كل حالة تقريباً من الحالات التي اقتحم فيها الجنود الإسرائيليون البيوت أخبر السكان منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن الجنود كان برفقتهم مدنيون فلسطينيون يشاركون في العملية بالإكراه. ويمثل الاستخدام القسري للمدنيين أثناء العمليات العسكرية انتهاكاً خطيراً لقوانين الحرب، إذ يعرض المدنيين لخطر الموت المباشر أو الإصابات الخطيرة. ولم تجد منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" حتى الآن دليلاً على أن المسلحين الفلسطينيين أجبروا مدنيين فلسطينيين على الوقوف كدروع بشرية أثناء الهجوم؛ لكن المسلحين الفلسطينيين عرضوا حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر في المخيم باتخاذه قاعدة للتخطيط ومنطلقاً للهجمات، باستخدام حيل وأساليب عشوائية مثل زرع عبوات ناسفة تم إعدادها بصورة مرتجلة في المخيم، والاختلاط بالسكان المدنيين أثناء الصراع المسلح، وذلك، في بعض الحالات، لتجنب القبض عليهم من جانب القوات الإسرائيلية.

وفي أثناء "عملية السور الواقي" عرقلت القوات الإسرائيلية مرور سيارات وطواقم الإسعاف إلى مخيم جنين لمدة أحد عشر يوماً، من 4 إلى 15 أبريل/نيسان. وخلال هذه الفترة لم يتمكن المصابون من المقاتلين والمدنيين في المخيم ولا المرضى من الحصول على العلاج الطبي الطارئ، وكان أداء سيارات الإسعاف والمستشفيات لوظيفتها في مدينة جنين مقيداً بدرجة شديدة، وأطلق الجنود الإسرائيليون نيرانهم مراراً على سيارات الإسعاف؛ وقُتلت ممرضة تدعى فروة جمال برصاص القوات الإسرائيلية بينما كانت تعالج مدنياً مصاباً، وفي حالتين على الأقل توفي جريحان مدنيان دون أن يتلقيا العلاج الطبي. ويُعدُّ الهجوم المباشر على المهنيين الطبيين ومنع الجرحى من تلقي الرعاية الطبية من الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب.
وخلال الفترة التي سيطرت فيها القوات الإسرائيلية على مخيم جنين، كانت السلطات الإسرائيلية ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي باتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين في المخيم من الأخطار الناجمة عن القتال، وضمان حصول السكان المدنيين على الإمدادات الغذائية والطبية إلى أقصى حد ممكن في ظل هذه الظروف. غير أن ما حدث في الواقع هو أن القوات الإسرائيلية منعت المنظمات الإنسانية، ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من دخول المخيم والوصول إلى سكانه المدنيين، على الرغم من الحاجة الإنسانية الماسة إلى ذلك. واستمر هذا الحظر من 11 إلى 15 أبريل/نيسان بعد استسلام معظم الفلسطينيين المسلحين. وبعد التحقيقات التي أجرتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" لم تجد المنظمة دليلاً يؤكد صحة الأنباء التي أفادت بأن القوات الإسرائيلية نقلت الجثث من مخيم اللاجئين لدفنها في مقبرة جماعية.
إن كل حالة من الحالات المسجلة في هذا التقرير تستدعي المزيد من التحقيقات الوافية الشفافة المحايدة، على أن تعلن نتائجها على الملأ؛ وفي حالة اكتشاف وقوع مخالفات ينبغي محاسبة المسؤولين عنها. وهناك أدلة كافية على أن أفراد الجيش الإسرائيلي قد ارتكبوا انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف، أو جرائم حرب، في الحالات المشار إليها في التقرير، والتي تستدعي إجراء تحقيقات جنائية محددة للتثبت من هوية المسؤولين وتحريك الدعوى القضائية ضدهم. ويقع على إسرائيل الالتزام الأساسي بإجراء هذه التحقيقات، ولكن المجتمع الدولي تقع على عاتقه أيضاً مسؤولية ضمان إجراء هذه التحقيقات.