فوق القانون:
السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول


أساليب الصدمة والرعب

تعتبر حماية أمن الأمة من الوظائف الرئيسية الواقعة على عاتق أي حكومة، إلا أن الولايات المتحدة تعي منذ أمد طويل "أن درع الضرورة العسكرية والأمن القومي يجب ألا يستخدم في وقت الشدة لحماية الإجراءات الحكومية من الفحص الدقيق والمحاسبة الدقيقة... ويجب أن تكون مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية والقضائية مستعدة لممارسة سلطاتها لحماية جميع المواطنين من المخاوف والتحيزات التافهة التي قد تثور بمنتهى السهولة".(36)

وعلى الرغم من هذا التحذير فقد استخدمت إدارة بوش منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عبارة "الأمن القومي" كتكتيك للصدمة والرعب يضعف من استعداد الشعب لمساءلة الحكومة عن أفعالها. ومن يجرؤ على التساؤل نادرا ما يجد إجابة، إذ نجحت الحكومة إلى حد كبير في ضمان عدم إعلان أي تفاصيل تُذكر عن هوية المعتقلين وأسباب اعتقالهم، فحرصت على التعتيم على إجراءات الترحيل التي التي خضع لها المعتقلون بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حتى يظل الجمهور غافلاً عنها؛ ومن المؤكد أن لوائح اللجان العسكرية تفتح الباب أمام احتمال إغلاق جلسات المحاكمة إلى حد كبير. وما دام ستار السرية قائماً، فسوف تظل الشكوك تحوم حول عدالة هذه السياسات، وسيصعب معالجة أي أخطاء تقع في إطارها.

إن تجاهل إدارة بوش للمراجعة القضائية، واعتمادها على القوة الجبرية التنفيذية وميلها إلى السرية يحد من إمكانية محاسبتها. والمعروف أن ضياع فرصة المساءلة يضر بالحكم الديمقراطي والتقاليد القانونية التي تعتمد عليها حقوق الإنسان. فعملية الفحص القضائي والرقابة من جانب الكونغرس والشعب عموما مسألة ضرورية لا غنى عنها لمنع السلطة التنفيذية من تحريف وتشويه الحقوق الأساسية حتى تصبح معالمها مبهمة. وقد أكدت بعض المحاكم على استقلالها، وأجرت فحصا دقيقا للإجراءات الحكومية المخالفة للمتطلبات الدستورية، إلا أن بعض المحاكم الأخرى تخلت عن مسؤوليتها في القيام بالدور الضامن للعدالة، وفشلت بعض المحاكم في تطبيق مبدأ بسيط نادت به "الماغنا كارتا" (الوثيقة العظمى) وهو أن "الملك - بإيجاز - لا يعلو على القانون، وسيظل كذلك دائما"(37) وقد بدأ الكونغرس من ناحيته في طرح علامات الاستفهام الجادة منذ وقت قريب حول قانونية الاعتقالات التي نفذتها إدارة بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ومدي ضرورتها.
إن الولايات المتحدة في مواجهة المعركة الصعبة والمعقدة مع الإرهاب العالمي يجب عليها ألا تتخلى عن تقاليدها الراسخة في مجال العدالة والمساءلة العامة. فالولايات المتحدة منذ وقت طويل تعتبر نفسها تجسيدا لمفهوم الحكم الرشيد. لكن الحكم الرشيد - وحمايته لحقوق الإنسان - هو بعينه ما يتعرض للخطر حاليا من جراء سياسات إدارة بوش لمكافحة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.