فوق القانون:
السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول


القبض على المعتقلين ذوي الأهمية الخاصة ومحاكمتهم سرا

لا يترك التاريخ أدنى شك في أن الحكومة عندما تحرم الناس من حريتهم سرا، فإن حقوق الإنسان والعدالة تصبح عرضة للتهديد. ومن المتعارف عليه أن القبض على الأشخاص في الولايات المتحدة لمخالفتهم قوانين الهجرة يتم علنا، إلا أن الأشخاص الألف والمائتين الذي أفيد أنهم ألقي القبض عليهم في إطار تحقيقات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، منهم ألف تقريبا اعتقلوا سرا.(13) وقد أعلنت الحكومة عن أسماء حوالي مائة اعتقلوا بتهم جنائية، لكنها رفضت التصريح بأسماء المحتجزين بتهم مخالفة قوانين الهجرة، أو التصريح بمكان اعتقالهم أو بأسماء محاميهم أو بغير ذلك من المعلومات الهامة المتعلقة بهم. ولا زالت حتى الآن ترفض التصريح بأسماء الرجال الذين تم ترحيلهم منذ وقت طويل.

وجدير بالذكر أن السرية العامة التي تكتنف الاعتقالات لها تأثير سلبي بالفعل على قدرة المعتقلين على الدفاع عن أنفسهم. إذ إنها تجعل من الصعب على أفراد أسرهم ومحاميهم التوصل إلى مكان المعتقلين - الذين كثيرا ما ينقلون من مكان إلى آخر - وتمنع منظمات الخدمات القانونية العامة من الاتصال بالمعتقلين الذين قد يحتاجون إلى توكيل محام عنهم، وتمنع منظمات مثل منظمة هيومن رايتس ووتش من الاتصال بالمعتقلين مباشرة ومن التحدث معهم عن المعاملة التي يلقونها أثناء القبض عليهم واحتجازهم.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2001 طلبت منظمة هيومن رايتس ووتش وبعض المنظمات الأخرى الاطلاع على أسماء المعتقلين، وأسماء محاميهم، ومكان احتجازهم، وفقا لقانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة - وهو تشريع يلزم الحكومة بالإفصاح عن المعلومات، فيما عدا حالات معينة محددة تحديدا دقيقا. لكن وزارة العدل رفضت هذا الطلب، وعندما لجأت منظمة هيومن رايتس ووتش والمنظمات الأخرى للقضاء للطعن في رفض الحكومة، أصرت الحكومة على أن الكشف عن الأسماء يمثل تهديدا للأمن القومي، وتكهنت بالسيناريوهات المحتملة حول سيل الأضرار الذي قد ينهمر إذا ما كشفت عن هذه الأسماء. فأكدت مثلا على أن الكشف عن الأسماء سيقدم للإرهابيين خريطة طريق تبين معالم الجهود الحكومية لمكافحة الإرهاب. وهذه فيما يبدو حجة معقولة في ظاهرها ولكنها باطلة، لأنه من المستبعد أن تعجز أي منظمة إرهابية متقدمة عن معرفة ما إذا كان أفرادها محبوسين لدى حكومة الولايات المتحدة، خاصة وأن المعتقلين يستطيعون الاتصال بمن يريدون في حرية.

وقد رفضت أحد المحاكم الفيدرالية المحلية حجج الحكومة التي تبرر بها السرية في أغسطس/آب 2002، وأمرت بالكشف عن هوية كل من اعتقل في إطار تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ووصف القاضي عمليات القبض على الأشخاص سرا بأنها "غريبة على المجتمع الديمقراطي... ومتناقضة تناقضا شديدا مع ركائز القيم التي تميز المجتمعات الحرة المفتوحة كمجتمعنا".(14) إلا أن محكمة الاستئناف ألغت هذا الحكم في يونيو/حزيران 2003، حيث قال أحد القضاة بلغة انفعالية في قرار الاستئناف:

لقد اختار الكونغرس أن يفرض ضرورة المراجعة القضائية الجادة لكل طلبات الإعفاءات الحكومية (من قانون حرية المعلومات) ... وعلى الرغم من حرص المحكمة على مبدأ الفصل بين السلطات موضع النزاع في هذه القضية فإنها تنتهك هذا المبدأ بالتخلي أساسا عن مسؤوليتها عن تطبيق القانون كما وضعه الكونغرس.(15)
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2003، طلبت منظمة هيومن رايتس ووتش و21 منظمة أخرى من المحكمة العليا الأمريكية إلغاء قرار الاستئناف وإلزام وزارة العدل بالكشف عن الأسماء.

وفي هذه الأثناء فرضت وزارة العدل السرية التامة على كل تفاصيل الوقائع التي دارت في 600 جلسة هجرة تتعلق بمعتقلين ذوي أهمية خاصة، إلى حد أن أقرب أقرباء المعتقلين منعوا من الحضور. بل إن سياسة السرية امتد إلى مسألة الإشعار بعقد الجلسة أصلا، فقد تلقت المحاكم تعليمات بعدم الإدلاء بأي معلومات عما إذا كانت قضية بعينها موضوعة على قائمة انتظار الدعاوى القضائية أم أنها قد تحدد ميعاد للنظر فيها.(16) ولم تقدم وزارة العدل أي سبب وجيه لاتباع سياسة الجلسات المغلقة، وخصوصا أن إجراءات الترحيل عادة ما تقتصر على التحقيق البسيط حول ما إذا كان الفرد موجودا بصورة شرعية أو لديه أي سبب قانوني للبقاء في الولايات المتحدة، وهو تحقيق لا يستدعي الإدلاء بأي معلومات سرية. وفضلا عن ذلك، فإن وزارة العدل إذا أرادت تقديم معلومات سرية في أثناء إحدى الجلسات، فإن إغلاق مراحل الجلسة التي تشهد طرح هذه المعلومات فقط كاف لحماية الأمن القومي.

وقد رفعت الصحف دعوتين قضائيتين للطعن في سرية الجلسات، بزعم أن سياسة الإغلاق الشامل تمثل انتهاكا لحق الشعب الدستوري في معرفة "ما تنويه الحكومة". ففي دعوى نظرت في أغسطس/آب 2002، رفضت إحدى محاكم الاستئناف هذه السياسة، وأوضحت بلا مواربة التهديد الناجم عن إصرار الحكومة على السرية، قائلة:
إن السلطة التنفيذية تسعى إلى تجريد الناس من حياتهم بعيدا عن أعين العامة وخلف الأبواب المغلقة. وإن الديمقراطيات لتموت خلف الأبواب المغلقة. والمعروف أن التعديل الأول من خلال الصحافة الحرة يحمي حق الشعب في التأكد من أن الحكومة تتوخى النزاهة والشرعية والدقة في إجراءات الترحيل. أما عندما تبدأ الحكومة في إغلاق الأبواب، فإنها تسيطر سيطرة انتقائية على المعلومات التي يحق للشعب قانونا الاطلاع عليها.(17)
وقد رفضت الحكومة الطعن في هذا الحكم أمام المحكمة العليا.

وفي الدعوى الثانية، أيدت محكمة استئناف فيدرالية مسألة إغلاق الجلسات، حيث رأت أن ضرورات الأمن القومي أهم من الحق في عقد الجلسات الخاصة بالترحيل. ورفضت المحكمة العليا رد هذا الحكم في مايو/أيار 2003. ومن المهم هنا أن نلاحظ أن الحكومة الأمريكية في تقريرها الذي قدمته ردا على جلسة المحكمة العليا تنصلت من سياسة الإغلاق الشامل، قائلة إنها لم تعد تعقد أي جلسات سرية، وإن سياساتها المتعلقة بالجلسات السرية تخضع للمراجعة و"من المرجح" أن تتغير.