فوق القانون:
السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول


أوامر اعتقال الشهود الرئيسيين

إلى جانب التهم المتعلقة بالهجرة، استخدمت إدارة بوش ما يعرف بأوامر إحضار الشهود الرئيسيين لإخضاع الأفراد الذين لهم علاقة بالتحقيقات الخاصة بالإرهاب "للاعتقال الوقائي"، ولتقليص الفحص القضائي لهذه الاعتقالات إلى أدنى حد ممكن. والمعروف أن القانون الأمريكي يسمح باعتقال الشاهد إذا كانت شهادته مهمة في قضية جنائية، وإذا كان من المحتمل أن يلوذ بالفرار قبل الإدلاء بشهادته. وقد أفادت وزارة العدل أن الحكومة استخدمت قانون الشهود الرئيسيين لضمان اعتقال عدد يقل عن 50 شخصا فيما يتعلق بتحقيقات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول (لكن الوزارة رفضت الإعلان عن الرقم الدقيق).(18)

وقد استصدرت حكومة الولايات المتحدة أوامر قضائية بالقبض على الشهود الرئيسيين محتجة بأن لديهم معلومات يمكن أن يقدموها إلى هيئة المحلفين الذين يحققون في جرائم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وتوحي المعلومات المتوافرة عن هذه القضايا بأن الحكومة أساءت استخدام أوامر إحضار الشهود الرئيسيين لضمان اعتقال الأشخاص الذين تعتقد أنهم قد يعرفون شيئا عن الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والذين لا يمكن احتجازهم بناء على تهم متعلقة بقوانين الهجرة، والذين لا يوجد ضدهم دليل كاف لتوجيه تهم جنائية إليهم. وفي الكثير من الحالات، لم يمثل الشهود مطلقا أمام هيئة المحلفين، لكنهم احتجزوا لعدة أسابيع أو شهور في ظروف سجن عقابية، بينما قامت الحكومة باستجوابهم ومواصلة تحقيقاتها.(19) فعلى سبيل المثال، احتجز إياد مصطفى الرباح بوصفه شاهدا رئيسيا أكثر من شهرين بعد أن ذهب من تلقاء نفسه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي للإبلاغ عن لقاء قصير جرى بينه وبين أربعة من الخاطفين المزعومين، وذلك في مسجده في مارس/آذار 2001. وأثناء احتجازه، تعرض الرباح بصفة روتينية للتفتيش الشخصي والداخلي مع تجريده من ثيابه، ووضع في الحجز المنفرد مع إبقاء النور مضاء في زنزانته، إلا أنه لم يمثل أمام المحلفين للإدلاء بشهادته على الإطلاق.

وقد أفادت صحيفة "واشنطون بوست" في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 أن 44 رجلا ذكرت أنهم معتقلون بوصفهم شهودا رئيسيين منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، لم يُستدع نصفهم تقريبا للشهادة أمام المحلفين على الإطلاق. وفي بضع حالات على أقل تقدير، اتهم الرجال الذين احتجزوا بوصفهم شهودا رئيسيين في آخر الأمر بجرائم مختلفة، الأمر الذي يدعم الشك في أن الحكومة استخدمت وصف "الشهود الرئيسيين" ذريعة لتعطي نفسها الوقت الكافي لجمع الأدلة اللازمة لتوجيه التهم الجنائية. وظل عدد من الشهود في السجن شهورا، وتم ترحيل البعض الآخر في آخر الأمر بناء على تهم جنائية وأخرى متصلة بقوانين الهجرة ولا علاقة لها بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهي تهم تدعمها الأدلة التي جمعتها الحكومة أثناء احتجازهم بوصفهم شهودا رئيسيين.
ومن المفروض أن أوامر اعتقال الشهود الرئيسيين تضمن الإدلاء بالشهادة في الدعاوى الجنائية في الحالات التي لا يمكن فيها استدعاء الشاهد بوسيلة أخرى للشهادة، وحيثما يكون هناك خطر كبير في أن يلوذ بالفرار بدلا من المثول للشهادة. وفي قضايا الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أخذت بعض المحاكم على الأقل دون تمحيص دقيق بزعم الحكومة أنها استوفت هذه المتطلبات. وبناء على إصرار الحكومة، وافقت المحاكم أيضا على تقييد فرصة محامي المعتقلين في الاطلاع على الأدلة التي قدمتها الحكومة، مما جعل من الصعب عليهم - إن لم يكن من المستحيل - الاحتجاج على ضرورة الاحتجاز. ففي بعض الحالات على سبيل المثال لم يتمكن المحامون من مراجعة الأدلة التي تدعم طلب إحضار الشاهد إلا في المحكمة وعلى عجل، كما أنهم لم يتمكنوا من مراجعة المعلومات بدقة مع موكليهم قبل بدء الجلسة. وبالإضافة إلى ذلك، ذهبت الحكومة في بعض الحالات على الأقل إلى القول بأن هناك احتمالا لفرار الشهود، ومعظمهم من الرجال العرب والمسلمين، لا لشيء سوى أنهم ليسوا مواطنين أمريكيين (حتى ولو كان بعضهم مقيما في الولايات المتحدة إقامة دائمة)، ولأن أسرهم موجودة بالخارج. ولم تتجاوز حجة الحكومة الافتراض العجيب بأن ملايين الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة ولهم عائلات بالخارج لا يمكن الوثوق في التزامهم بالقوانين الأمريكية والمثول للشهادة في حال استدعائهم.

وقد أودعت إدارة بوش الشهود الرئيسيين السجن لمدد طويلة، بلغت شهورا في بعض الأحوال، وأخضعتهم لنفس ظروف الحجز التي يرزح تحتها المتهمون أو المجرمون المدانون. بل إن بعضهم وضع في الحجز الانفرادي، وتعرض لتدابير أمنية يقتصر تطبيقها عادة على الأشخاص شديدي الخطورة.

ودفعت وزارة العدل بضرورة سرية كافة المعلومات المتعلقة بالشهود الرئيسيين لأن "الكشف عن مثل هذه المعلومات المحددة يضر بالحرب على الإرهاب والتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ولأن القانون الأمريكي ينص على ضرورة سرية كافة المعلومات المتعلقة بجلسات هيئات المحلفين".(20) ورفضت الوزارة أن تحدد ما هي المعلومات التي يجب أن تظل سرية على وجه الدقة على أساس صلتها بجلسات هيئات المحلفين ومصالح الأمن القومي. وبدلا من ذلك، ظلت تخفي هوية الشهود، بل إنها رفضت أيضا الكشف عن عددهم الفعلي وحيثيات اعتقالهم وطول مدة الاعتقال ومكانه. والمعروف أن اعتقال الشهود الأبرياء في ظروف يكتنفها الغموض يثير مخاوف خطيرة؛ فكما ذكرت إحدى المحاكم مؤخرا "إن حجب هذه المعلومات قد يؤدي إلى خلق الاعتقاد عند العامة بأن الحكومة ألقت القبض على فرد من أفراد المجتمع وسجنته سرا دون توجيه اتهام إليه".(21)