Lebanon



Lebanon Lebanon
  

تحليل الهجوم

قامت هيومن رايتس ووتش بإعادة تركيب عناصر الحادث، بالاعتماد على القرائن الشرعية والشهادات التي جمعها وتحقق منها باحثوها، كما يلي:

خلال نهار 23 سبتمبر/أيلول، نفذت طائرات أباتشي وطائرات دون طيار إسرائيلية عدة غارات على سيارات مدنية على طرق الجنوب اللبناني. وقد أصابت إحدى هذه الغارات في ذلك اليوم عائلة سرور الألمانية من أصل لبناني الهاربة من المنصوري، وقتلت اثنين من أفرادها وجرحت أربعة. وأصابت غارة أخرى سيارة عائلة عباد الهاربة أيضاً من المنصوري، وجرحت تسعة من أفرادها. وفي غارة أخرى في ضواحي قانا على سيارة أجرة قتلت المصورة اللبنانية الشابة ليال نجيب، كما قتل 3 وجرح 14 في غارة استهدفت سيارة صالون كانت تقل عائلة شعيتو قرب كفرا3. وكانت سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبناني مشغولة بشق طريقها على طرق الجنوب اللبناني لإخلاء الجرحى تحت القصف الشديد.

وفي حوالي التاسعة والنصف من ذلك المساء، قصفت المدفعية الإسرائيلية جوار منزل أحمد فواز /41 عاماً/الواقع في تبنيب، ويعمل أحمد كميكانيكي سيارات. وسارعت العائلة إلى الاختباء في المدخل، غير أن قذيفة انفجرت خارج المنزل تماماً، ناشرةً الشظايا نحو الداخل. ونتيجة الانفجار جرح خمسة من أفراد عائلة فواز وهم: أحمد فواز الذي أصيب بشظايا في وركه وذراعه، وابنه محمد /13/ عاماً الذي أصيب بشظايا في إبهام قدمه اليسرى وبطنه، وعلي شقيق محمد التوأم الذي أصيب بجروح طفيفة في ساقه من الشظايا، وفاطمة زوجة أحمد التي أصيبت بجراح في ساقها وكتفها الأيسر، وجميلة أم أحمد /80/ عاماً التي قطع شظية عصب الساق لديها، بالإضافة إلى جروح ناتجة عن شظايا الزجاج المتناثر إثر الانفجار4.

بعد القصف، وضع أحمد فواز عائلته في سيارته (وهي إشارة واضحة على أن ساقي أحمد كانتا تعملان في ذلك الوقت)، وانطلق بهم إلى السراي الحكومية المحلية، ووصل إلى هناك حوالي الساعة العاشرة مساءً. ومن ثم قام عناصر الدفاع المدني المتواجدين في مبنى السراي بنقل الجرحى إلى مشفى تبنين، حيث تلقوا الإسعافات الأولية، ولكن تقرر نقلهم إلى مشفى صور الأفضل تجهيزاً لمعالجتهم، لأنه لا يوجد مسكنات للألم في مشفى تبنين. وتبين سجلات مكتب الصليب الأحمر المتاخم لمشفى تبنين إدخال أفراد عائلة فواز الجرحى، بالإضافة إلى طبيعة جراحهم. والأهم من ذلك، أن السجلات تؤكد عدم إصابة أحمد فواز بجراح خطيرة في ساقيه.

وفي مقابلتين منفصلتين مع هيومن رايتس ووتش، أشار كل من حسين عياد /27/عاماً، ويعمل مع الصليب الأحمر اللبناني منذ 8 سنوات، وحسين فرحات /21 عاماً/، ويعمل معه منذ 5 سنوات، أن السراي المحلية اتصلت بمكتبهم لتبلغهم عن المدنيين الجرحى، حيث وضعوا سيارة الإسعاف ذات الرقم 782 في وضع الاستعداد5. ويتألف طاقم السيارة المذكورة من عياد، الذي قاد السيارة، وفرحات ومحمد برجي. وبعد العاشرة والنصف بقليل، طلب مشفى تبنين من الصليب الأحمر الاستعداد لنقل ثلاثة من المصابين ذوي الجراح الخطيرة (أحمد فواز، وابنه محمد، ووالدته جميلة) إلى صور. ووضع المسعفون المصابة جميلة على كرسي ذي عجلات وثتبوها بالحزام ووضعوا الكرسي خلف كبين السائق مباشرة، ووضعوا أحمد وابنه على حمالتين في الجزء الخلفي من السيارة.

اتصل موظفو الصليب الأحمر في تبنين مع زملائهم في صور الذين قرروا إرسال سيارة إسعاف ثانية (ذات الرقم 777)، من صور لتلاقي الأولى في منتصف الطريق في قانا لأخذ المصابين بحيث تتمكن السيارة الأولى من العودة إلى مقرها في تبنين. وكان طاقم سيارة الإسعاف القادمة من صور مؤلفاً من قاسم شعلان، السائق، ومحمد حسن ونادر جودة.

وقد ذكر الطاقمان اللذان قابلتهم هيومن رايتس ووتش، أن السيارتين كانتا معلمتان بوضوح ويمكن التعرف على أنهما سيارتي إسعاف من مسافة بعيدة. فهما مطليتين باللون الأبيض، وعليهما شارات صليب أحمر كبيرة على الجانبين والسطح، بالإضافة إلى علم كبير معلق على سطح كل منهما ومضاء بضوء شديد على السطح أيضاً. كما أن لكل سيارة ضوء شديد متقطع أزرق اللون مصمم لتسهل رؤيته من مسافة بعيدة حتى في الليل. وأكد الطاقمان أنهم أضاءوا أنوار السيارتين وأطلقوا بوق الإنذار طيلة العملية، كما تقتضي التعليمات.

وفي الطريق إلى قانا، رأى طاقم سيارة إسعاف تبنين الطيران الحربي الإسرائيلي يحلق في السماء، وشاهدوا إحدى الطائرات الإسرائيلية تطلق صاروخاً فوقهم تماماً بالقرب من قرية حاريس أحدث انفجاراً هائلاً. فاتصل السائق حسين عياد بمكتب الصليب الأحمر في تبنين ليبلغ عما حدث ويطلب التعليمات، فأبلغوه أن يتابع طريقه بحذر6. وقررت غرفة العمليات في تبنين التريث في إرسال سيارة إسعاف ثانية لنقل أفراد العائلة الجرحى الآخرين نظراً لخطورة الوضع الأمني.

وصلت سيارتا الإسعاف إلى قانا في نفس الوقت تقريباً ووقفتا بالقرب من بعضهما في الساحة العامة، بالقرب من النصب التذكاري في الساحة العامة الكبيرة والمكشوفة. وقد اختاروا هذا الموقع لأن المنطقة مكشوفة، بحيث يسهل رؤيتهم بوضوح من الجو. وبقيت أضواء السيارتين مضاءة طيلة عملية النقل. وقفت السيارتان في نفس الاتجاه، حيث كانت السيارة (777) أمام السيارة (782) مباشرة (فكان الباب الخلفي للسيارة 777 بجانب نافذة سائق السيارة 782 من الجهة اليمنى).

تشير المنطقة D إلى مقعد السائق في سيارة الإسعاف

قام الطاقمان بنقل المصابين بسرعة من السيارة 782 إلى السيارة 777. وعاد طاقم السيارة 782 واثنين من طاقم السيارة 777 إلى سيارتيهما، ولم يبقى في الخارج سوى قاسم شعلان، الذي كان يتحدث إلى حسين عياد من السيارة 782، ليأخذ منه معلومات عن الجرحى. وفي اللحظة التي كان فيها قاسم شعلان يغلق الباب الخلفي للسيارة 777، اخترق صاروخ، أطلق على الأرجح من طائرة إسرائيلية دون طيار (وليس من طائرة حربية أو مروحية، كما ذكر سابقاً) الجزء الخلفي من سقف السيارة 777، التي كانت في هذه اللحظة تحمل الجرحى، وبنفس الوضعية التي كانوا عليها في السيارة الأولى (جميلة على الكرسي المتحرك خلف السائق، وأحمد ومحمد على حمالتين في الخلف).

وكانت هيومن رايتس ووتش قد ذكرت في الأصل أن السيارتين أصيبتا بصواريخ أطلقت من طائرة حربية إسرائيلية، غير أن ذلك لم يكن صحيحاً. وأثناء عملية البحث والمتابعة، أخذنا بعين الاعتبار كافة المصادر المحتملة للصواريخ التي أصابت السيارتين، وتشمل هذه المصادر: نيران طائرة حربية إسرائيلية، أو نيران طائرة مروحية إسرائيلية، أو نيران طائرة إسرائيلية دون طيار، أو نيران المدفعية الإسرائيلية، بالإضافة إلى احتمال أن تكون السيارتان قد أصيبتا بنيران مدفعية حزب الله أو صواريخه من نوع كاتيوشا.

ويمكن استبعاد احتمال الإصابة بصاروخ من طائرة حربية إسرائيلية، لأن هذا النوع من الصواريخ يحدث دماراً أكبر بكثير ويخلف حفرة هائلة. كما أن دقة إصابة السيارتين من الجو، والضرر المحدود الحاصل، وعدم وجود شظايا كبيرة، يدفع أيضاً إلى استبعاد احتمال الإصابة بنيران مدفعية إسرائيلية أو لبنانية، أو بصاروخ كاتيوشا طائش أطلقه حزب الله. وإنه شبه مستحيل إصابة سيارتي الإسعاف بهذه الدقة بقذائف مدفعية أو صواريخ كاتيوشا، وإلا لكانت أحدثت أضراراً أكبر بكثير من تلك المعلن عنها، وخلفت ورائها شظايا تدل عليها.

إن الأضرار المحدودة والدقة العالية في إصابة السيارتين تبين أن السلاح المستخدم كان نوعاً أصغر من الصواريخ تطلق من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار أو الطائرات المروحية. وإسرائيل تمتلك ترسانة من هذا النوع من الصواريخ، وهي مصممة لينحصر ضررها في الهدف الذي تصيبه. ومن الأمثلة عليها: نظام صواريخ سبايك (SPIKE)7 المضادة للدروع من تصميم وصنع إسرائيلي، وصواريخ ديم (DIME)8 (متفجرة خارقة للمعادن المصمتة السميكة) التي لا تزال قيد التجربة، وهي مصممة لتحدث انفجاراً أصغر ودماراً أقل. وهذه الصواريخ تتسبب بانفجار أقل قوة من الجيل الذي سبقها من صواريخ تو (TOW)، وهيل فاير (HELLFIRE) أمريكية الصنع (التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي في محاولات اغتيال الناشطين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية)، والتي كانت ستدمر سيارتي الإسعاف تدميراً كاملاً. وطالما أنه يمكن إطلاق الصواريخ الصغيرة من طائرة بدون طيار أو طائرة مروحية، وأن أحداً من الشهود لم يذكر أنه سمع أصوات طائرات مروحية في الجو قبل أو أثناء الغارة، فإن الصورايخ على الأغلب قد أطلقت من طائرة بدون طيار.

ولا تستطيع هيومن رايتس ووتش الجزم بنوع الصواريخ المستخدمة في الغارة التي استهدفت السيارتين، نظراً لعدم وجود دليل قاطع في موقع الهجوم وللطابع التجريبي لبعض الصواريخ التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي. إن صواريخ ديم هي سلاح ذو غلاف مصمم ليتحلل بحيث يقلل إلى أقصى حد الأضرار الناجمة عن تشظيه. وبصرف النظر عن نوع السلاح المستخدم، فإن الجيش الإسرائيلي يملك القدرة على إصابة السيارتين بصواريخ مصممة لتحدث أضراراً قليلة.

كما أن الدقة، ومحدودية الإصابات البشرية المميتة والأضرار البنيوية التي تحدثها الصواريخ التي تطلقها الطائرات بدون طيار تتفق مع حوادث مشابهة وثقتها هيومن رايتس ووتش وأحدثتها صواريخ أطلقت من طائرات إسرائيلية بدون طيار. فقد هاجمت، على سبيل المثال، طائرة إسرائيلية بدون طيار سيارة صالون بيضاء اللون تقل 17 شخصاً من عائلة شعيتو كانوا مسافرين بالقرب من كفرا بتاريخ 23 يوليو/تموز، وأصابتها في وسط سطحها محدثةً انفجاراً بسيطاً تسبب بمقتل ثلاثة أشخاص وجرح 14، بيد أن الصاروخ لم يدمر السيارة. كما لاحظت هيومن رايتس ووتش في حادثة مشابهة الضرر المحدود الذي أحدثته هجمات صاروخية على قافلة لجمعية الهلال الأحمر الإماراتية كانت تنقل أدوية وزيتاًً ومواداً غذائية في 18 يوليو/تموز، وهجوم آخر استهدف قافلة لمهربي الوقود في وادي البقاع بتاريخ 19 يوليو/تموز.

ومن الواضح أن الضرر المحدود الذي لحق بسيارتي الإسعاف لم يكن ناتجاً عن عطل في الصاروخ، بل بالأحرى عن سلاح مصمم خصيصاً ليحدث أضراراً محدودة. ويفند الاستنتاج بأن السيارتين أصيبتا بصواريخ طائرة إسرائيلية دون طيار بعض المزاعم بوجود "خدعة"، مثل تصريح وزير الخارجية الاسترالي بأن شكه نابع من حقيقة أن "سيارة الإسعاف كانت قد سحقت تماماً لو أن صاروخاً قد أصابها"9. غير أن الكثير من السيارات اللبنانية التي أصيبت بصواريخ أطلقت من طائرات بدون طيار، خلال حرب 2006، لم يتم "سحقها" بل تعرضت لأضرار محدودة.

مشهد من الداخل لسيارة الصالون التي كانت تقل عائلة شعيتو وأصابتها طائرة إسرائيلية بدون طيار بتاريخ 23 يوليو/تموز، وأدى ذلك إلى مقتل ثلاثة أشخاص. ومثل سيارة الإسعاف في قانا، أصيبت هذه السيارة في وسط سقفها (بصاروخين) لم يحدثا سوى تدمير محدود داخلها. بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

اخترق الصاروخ سطح سيارة الإسعاف 777، والحمالة التي كان أحمد فواز ممداً عليها، وبترت ساقه، ليصل إلى أرضية السيارة ويخترقها وينغرز في أرض الطريق. وقد أدى أول إنفجار إلى خلع زجاجة سيارة الإسعاف 782 وإلى نثر شظايا أصابت أفراد سيارة إسعاف تبنين الثلاثة وطاقم سيارة إسعاف صور. وبما أن الطاقمين كانوا يرتدون خوذاً وستراً واقية من الرصاص، فقد كانت جراحهم غير خطيرة، لكن أحدهم، وهو محمد حسن، أصيب بشظايا عديدة على خوذته مما أدى إلى فقدانه الوعي بشكل مؤقت.10

صورة لسقف سيارة الإسعاف 777، تبين نقطتي دخول وخروج الصاروخ. ويقابل مكان خروج الصاروخ مكان تأثر الصاروخ في فراش الحمالة التي كان أحمد فواز ممداً عليها (انظر الصورة أدناه). بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

ونجح المسعفون جميعهم بالهرب من سيارتيهم ووجدوا لهم ملجأً في الأبنية المجاورة. وبعد عدة دقائق، عاد عياد، سائق السيارة 782، إلى سيارته ليحاول الاتصال عبر اللاسلكي بمكتب الصليب الأحمر عندما أصاب صاروخ آخر أطلق من طائرة إسرائيلية بدون طيار سيارة الإسعاف الأحمر تماماً في وسط علامة الصليب الأحمر الموجودة على سطحها. وعندما ركض عياد مبتعداً عن سيارة الإسعاف، شاهد الطفل المصاب محمد وهو يخرج من سيارة الإسعاف 777 ويفقد وعيه. حمل عياد الصبي وعاد إلى البناء. وكان محمد قد أصيب بعدة شظايا في صدره ورأسه نتيجة الهجوم الأول على سيارة الإسعاف. أما بالنسبة لأحمد فواز ووالدته جميلة، فلم يكن بمقدور طاقمي السيارتين إنقاذهما من السيارة الأولى المصابة، واعتقدوا أنهما قد قتلا.

بقي طاقم سيارتي الإسعاف في قبو البناء لمدة ساعة و40 دقيقة وقاموا بالاتصال مع مكاتب الصليب الأحمر التابعي لها عبر أجهزتهم الخلوية إلا أنهم اضطروا لمغادرة ملجأهم للبحث عن تغطية للخليوي، وفي القبو قاموا بتقديم الإسعافات الأولية لبعضهم مستخدمين ما بحوزتهم من وسائل المساعدة حيث قاموا بتضميد الجراح الناتجة عن الشظايا ووقف نزيف الدم من أنوفهم وآذانهم. وقد أكد ممثلو اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن الصليب الأحمر اللبناني اتصل بهم، وأنهم بدورهم إتصالوا بالمسئولين الإسرائيليين لإبلاغهم عن الحادث وطلب ممر آمن لسيارات إسعاف أخرى لإنقاذ الجرحى ومسعفي سيارتي الإسعاف. وفي الساعة الواحدة والربع ليلاً وصل المسعفون من مدينة صور إلى قانا وقاموا بإخلاء الجرحى وعمال الإسعاف.

القبو الذي احتمى فيه المسعفون ومحمد فواز في قانا. وكانت أرضية القبو لا تزال مليئة بأدوات الإسعافات الأولية عندما زارتها هيومن رايتس ووتش في 14 سبتمبر/أيلول. بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

وسرعان ما وجد عمال الإسعاف أن أحمد فواز ووالدته جميلة قد نجوا من الهجوم. ويتذكر أحمد فواز في حديثه مع منظمة هيومن رايتس ووتش أنه سقط على الأرض فاقداً وعيه إثر الهجوم الأول، لكنه سرعان ما استفاق ليجد أنه قد فقد ساقه، ويقول:

عندما صحوت كانت الانفجارات مستمرة لكنها بعيدة عنا

بعد الغارة الثانية استطاعت جميلة أن تخرج زحفاً من سيارة الإسعاف 777 وتصل إلى مدخل بناء مجاور لتلتجئ إليه. كانت قد أصيبت بجراح خطرة ناجمة عن الشظايا، وفقدت كمية كبيرة من الدم. وعندما وصل طاقم الإسعاف الثاني أخبرهم أحمد أن والدته لا تزال على قيد الحياة وأنها زحفت إلى خارج سيارة الإسعاف12.

قامت سيارات الإسعاف التي جاءت من صور بنقل الجرحى إلى مشفى جبل عامل في صور قبل إرسالهم إلى مشاف أخرى. حيث بقي محمد الذي كانت جراحه هي الأخطر، في العناية المشددة خمسة أيام. ورغم أن الخوذ والسترات الواقية قد حمت عمال الإسعاف من الإصابة بجروح خطيرة، إلا أنهم أصيبوا بأذيات في غشاء الطبل بالإضافة إلى نزيف في الأذن نتيجة صوت الانفجار وجراح طفيفة نتيجة الشظايا.

وقد وجدت هيومن رايتس ووتش دلائل مادية مهمة يدعم هذه الرواية التي قدمها كل من سائقي السيارتين، والجرحى المدنيين، ومشرفي الصليب الأحمر، ولم تجد المنظمة أي تضارب في أقوالهم. وتظهر سجلات الدخول في مشفى تبنين وسجلات الإحالة في مكتبي الصليب الأحمر في تبنين وصور بدقة الجراح التي تعرض لها الضحايا والتسلسل الزمني للأحداث.

وزار باحثوا هيومن رايتس ووتش مكان الحادث في قانا، ووجدوا هناك حفرتين صغيرتين على الطريق ناتجتين عن صواريخ أطلقت من طائرة بدون طيار، في المكان الذي ذكر شهود العيان أن سيارتي الإسعاف وقفتا فيه وأصيبتا. كما وجد الباحثون في ملجأ بناء مجاور قفازات مطاطية ملقاة على الأرض وضمادات وأدوات الإسعافات الأولية الأخرى بما يتفق مع الرواية التي قدمها الشهود.

موقع الحفرتين التي أحدثهما الصاروخان خارج النصب التذكاري في قانا (يمكن مشاهدته في خلفية الصورة). ويتفق ذلك مع شهادة الشهود عن موقع سيارتي الإسعاف، حيث كانت السيارة 777 تقف في المقدمة وخلفها السيارة 782. بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

صورة أقرب للحفرة التي أحدثها الصاروخ حيث ذكر أن السيارة 777 كانت تقف، وقد حفر الصاروخ عميقاً في أرض الطريق. بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

كما فحص باحثو هيومن رايتس ووتش سيارتي الإسعاف المصابتين في مرآب الصليب الأحمر في صور ووجدوا أن الأضرار التي لحقت بالسيارتين تدعم روايات شهود العيان. ويبدو واضحاً على السيارتين منطقة دخول الصاروخ في السقف، حيث أصيبت السيارة 782 في وسط علامة الصليب الأحمر مباشرة بينما أصيبت السيارة 777 في الجزء الخلفي من السقف، بالإضافة إلى منطقتي خروج الصاروخ على أرضية كل من السيارتين. كما وجدت هيومن رايتس ووتش فتحة التهوية في سقف سيارة الإسعاف 782، التي يبدو أن الصاروخ قد اخترقها هي بالذات، وهي عبارة عن فتحة دائرية بقطر 30 سم تقع في مركز علامة الصليب الأحمر الكبيرة التي تغطي سطح سيارة الإسعاف بأكمله. ووجدت هيومن رايتس ووتش الحمالة التي كان أحمد ممدداً عليها عندما أصابها الصاروخ وبترت ساقه، يبدو واضحاً عليها أثر الصاروخ.

أحد موظفي الصليب الأحمر اللبناني ممسكاً فتحة التهوية، التي اخترقها صاروخ الطائرة الإسرائيلية بدون طيار، إلى جانب الفتحة التي أحدثها في سقف السيارة 782.
بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

صورة أقرب لفتحة التهوية الخاصة بالسيارة 782.
بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006



3 انظر "الضربات القاتلة"، تقرير لهيومن رايتس ووتش ، الصفحات 39-41. "السماء تمطر رعباً على اللبنانيين الهاربين: مقتل عدد من اللاجئين إثر قصف صاروخي من طائرات هليوكوبتر إسرائيلية" انطوني شديد، واشنطن بوست 24 يوليو/تموز 2006. "خسائر ’لا تصدق‘، رعب المدنيين وهم يهربون من الصواريخ" ميغان ك. ستاك، لوس أنجلس تايمز، 24 يوليو/تموز 2006. "أية سيارة تتحرك تغدو هدفاً، عندما يشدد الإسرائيليون الضغط، تصبح العمليات العسكرية أشد قسوة" تيم بوتشر، ديلي تلغراف، 24 يوليو/تموز 2006. "للعائلات اللبنانية الهاربة، إن طريق النجاة عالي التكلفة" تينيسيس كامبانيس، بوسطن غلوبال، 24 يوليو/تموز 2004. "نجاة متطوعين من الهجوم بعد إنقاذ الجرحى: 8 مسافرين كادت تلتهمهم نيران السيارة المشتعلة" رائد الرافعي، ديلي ستار (لبنان)، 25 يوليو/تموز 2006.

4 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحمد فواز، بيروت 16 سبتمبر/أيلول 2006.

5 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسين فرحات، تبنين 13 سبتمبر/أيلول 2006.

6 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسين عياد، تبنين في 13 سبتمبر/أيلول 2006.

7 للمعلومات عن صواريخ سبايك، انظر في: http://www.globalsecurity.org/military/world/israel/spike.htm

8 للمعلومات عن صواريخ ديم، انظر في: http://www.globalsecurity.org/military/systems/munitions/dime.htm

9 "داونر يهاجم التغطية الإعلامية اللبنانية"، ميشا شوبيرت، ذي إيج (استراليا)، 1 سبتمبر/أيلول 2006.

10 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد حسن، صور في 15 سبتمبر/أيلول 2006، ومع حسين فرحات، تبنين في 13 سبتمبر/أيلول 2006.

12 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جميلة فواز، بيروت، 16/سبتمبر/أيلول/2006، ومع أحمد فواز، بيروت، 16/سبتمبر/أيلول/2006