Lebanon



Lebanon Lebanon
  

تفنيد "الدليل" على وجود "خدعة"

إن الدليل المادي في مكان الهجوم وشهادات شهود العيان وسجلات الصليب الأحمر والمشفى التي راجعتها منظمة هيومن رايتس ووتش تدحض جميع المزاعم الرامية إلى تأكيد نظرية الخدعة.

كما أن الزعم بأن إسرائيل لم تستهدف سيارة الإسعاف 782 في وسط إشارة الصليب الأحمر الموجودة على سطحها، بل أن أحداً ما قام بنزع فتحة التهوية ليجعلها تبدو بهذه الطريقة، هو زعم خاطئ. حيث وجدت هيومن رايتس ووتش فتحة التهوية التي تبين أنها قد اخترقت بصاروخ، هو على الأغلب صاروخ صغير أطلق من طائرة إسرائيلية بدون طيار. كما وجدت نقطة خروج الصاروخ على أرضية سيارة الإسعاف والمكان الذي انغرز فيه على الطريق حيث كانت سيارة الإسعاف متوقفة. إن التوافق بين هذه المؤشرات الثلاث يؤكد أن الصاروخ الذي أحدث الضرر في سيارة الإسعاف والطريق هو الصاروخ نفسه. كما أن نزع فتحة التهوية لا يمكن أن يحدث فتحة في أرضية سيارة الإسعاف أو حفرة تحتها.

علاوة على ذلك فإن الادعاء بأن الضرر الذي لحق بسيارتي الإسعاف قد حدث حتماً قبل 23 يوليو/تموز بزمن طويل بسبب وجود طبقة من الصدأ على سيارة الإسعاف كما ظهرت في الصور الملتقطة بعد أسبوع من الهجوم، هو ادعاء لا أساس له. حيث أن مناخ لبنان الساحلي ليس "مناخاً جافاً...في الصيف" كما زُعم، بل هو بالأحرى شديد الرطوبة، كما يتذكر أي شخص زار لبنان خلال فترة الحرب. فالرطوبة المالحة للساحل اللبناني تتسبب بصدأ سريع، لاسيما على المعادن المحطمة، كما هو حال السطوح الممزقة بفعل الشظايا.

المزاعم بأنه لم يكن هناك انفجار كبير أو حريق شديد، صحيحة جزئياً لكنها غير مهمة. حيث عملت إسرائيل باستمرار على تطوير صواريخ تطلق من طائرات بدون طيار، مثل صاروخ سبايك (SPIKE) وصاروخ ديم (DIME) الذي لا يزال قيد التجربة، لتكون قادرة على حصر الأضرار بأهدافها. ويذكر أن العديد من الغارات، الموثقة من قبل هيومن رايتس ووتش، التي شنتها طائرات إسرائيلية بدون طيار على سيارات مدنية، مثل الغارة على سيارة عائلة شعيتو بتاريخ 23 يوليو/تموز، قد ألحقت ضرراً محدوداً بالسيارات المستهدفة، حتى أن هذه الطائرات قادرة على حصر الإصابات القاتلة في المحيط المباشر للهدف. كما أن هذه الصواريخ لا تتسبب بأضرار هائلة كما هو حال الصواريخ الإسرائيلية الأشد فتكاً، مثل صواريخ تو (TOW) التي تزودها بها الولايات المتحدة والتي تطلق من طائرات الأباتشي، والمستخدمة بشكل خاص في عمليات الاغتيال في غزة، حيث تدمر هذه الصواريخ القوية جداً السيارة بأكملها وتتسبب بانفجارات أقوى بكثير. ولكن الطائرات بدون طيار الأصغر حجماً تتسبب بانفجار شديد وضوء شديد الوميض أيضاً. ففي قانا قذفت الانفجارات الناتجة عن هذه الطائرات ببعض المسعفين إلى الأرض ومزقت غشاء الطبل في آذان معظم الضحايا، ورغم أن الروايات الصحفية عن الانفجار قد بالغت ربما بحجم الانفجار، إلا أنها نقلت بدقة الانفجارات كما عاشها الشهود.

أما قضية تحطم الزجاج الأمامي لسيارة الإسعاف 782، فيفسر بأن الغارة قد استهدفت السيارة 777 أولاً وهي متوقفة بجانب السيارة 782 . حيث أدى الانفجار الأول إلى تحطم زجاج السيارة 782 نحو الداخل.

كما أن "الدليل" المزعوم بأن الحمالة سليمة وبعدم وجود دماء داخل سيارة الإسعاف "يثبت" أن أحمد فواز لا يمكن أن يكون قد فقد ساقه خلال الهجوم الصاروخي وهو داخل سيارة الإسعاف، قد اعتمد على الصور الملتقطة لسيارة إسعاف أخرى. لقد اطلع منظرو الخدعة على صور سيارة الإسعاف 782 للتوصل إلى هذه الحجة، غير أن فواز قد فقد ساقه في السيارة 777 حيث كان قد نقل قبل أن يصيبها الصاروخ الأول. علاوة على ذلك، فإن أثر الصاروخ واضح جداً على الحمالة في تلك السيارة كما أن نقطة خروج الصاروخ تقع تحت الحمالة تماماً.

فراش الحمالة التي كان أحمد فواز مستلقياً عليها، عندما أصابه الصاروخ الإسرائيلي وبتر ساقه. ويبدو واضحاً أثر الصاروخ فراش الحمالة. بيتر بوكايرت/هيومن رايتس ووتش © 2006

أما الإدعاء بأن المسعفين قد تظاهروا بإصابتهم بالجروح، لأنهم شوهدوا بعد أسبوع دون ضمادات، فيعبر عن سوء تقدير لطبيعة جراح هؤلاء المسعفين. ورغم أن الإصابات الأشد التي عانى منها طاقم الإسعاف لحقت بأغشية الطبل في آذانهم إلا أنهم أصيبوا بجراح صغيرة في الوجه نتيجة الشظايا، كما تؤكد ذلك سجلات المشفى. حيث عانى قاسم شعلان، سائق سيارة الإسعاف، بنزيف شديد من أذنيه لأنه كان واقفا بجانب السيارة 777 مباشرة عندما أصيبت. واستخدمت الضمادات لوقف هذا النزيف الداخلي (ولتضميد جرح صغير على ذقنه). حيث كانت إصابات أغشية الطبل داخلية، بينما اندمل الجرح الصغير في ذقن قاسم خلال أسبوع. وليس هناك أية مؤشرات على أن شعلان أو أي من الجرحى الآخرين قد حاولوا التهويل من جراحهم أمام وسائل الإعلام.

أما الزعم بأن سائقي سيارتي الإسعاف اللبنانيين متحيزان سياسياً، وبالتالي يشتبه بتورطهم في خدعة ضد إسرائيل، فهو ادعاء زائف لا يصمد خصوصاً أمام الأدلة المادية القاطعة. إن الصليب الأحمر اللبناني هو منظمة مهنية تعمل بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وليس هناك ادعاءات ذات مصداقية تثبت أن الصليب الأحمر اللبناني قد انتهك قواعد السلوك المهني الأخلاقية بإقدامه على أي دور فاعل في النزاع أو تلفيق معلومات عن الهجمات الإسرائيلية. كما أن معظم مسعفي الصليب الأحمر، الذين كانوا على متن سيارات الإسعاف في قانا أئناء الهجوم، قد عملوا مع هذه المنظمة لما يقرب من عقد من الزمن، وليس هناك من إشارة تؤكد المزاعم بوجود تضليل أو تلفيق لأحداث ذلك اليوم. أما اعتبار أن إشارتهم إلى حزب الله بالقول "رجال المقاومة" هو دليل على تحيزهم، كما زعم منظرو الخدعة، فيعبر عن تجاهلهم للغة الشائعة محلياً. حيث يعرف الجناح العسكري لحزب الله باللغة العربية "بالمقاومة الإسلامية"، ويشير إليهم الناس في لبنان عموماً باسم "المقاومة"، سواء كانوا مؤيدين لحزب الله أم لا. إن الأخلاق المهنية للصليب الأحمر تقتضي من موظفي معالجة أي جريح، بصرف النظر عن انتمائه السياسي أو وضعه كمقاتل.

وبالنتيجة ليس هناك خدعة. حيث تبين جميع الأدلة المتوفرة أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت سيارتي الإسعاف في قانا قد حدثت كما ذكرت التقارير. وأن العديد من التقارير السابقة حول الحادث تنطوي على تناقضات طفيفة يجب تصحيحها. فمثلاً ذكر تقرير هيومن رايتس ووتش في الأصل أن طائرات حربية إسرائيلية هي التي نفذت الغارة، بينما أثبت البحث اللاحق أن الصواريخ قد أطلقت على الأغلب من طائرات إسرائيلية دون طيار. كما ساهمت بعض التقارير غير الدقيقة، والمبالغ فيها أحياناً، في وسائل الإعلام في خلق هذا التشويش. مثلاً: ذكرت معظم التقارير بشكل صحيح أن أحمد فواز قد فقد ساقه اليمنى، بينما أوردت تقرير واحد آخر على الأقل، تقرير واحد على الأقل، أنه فقد ساقه اليسرى، حتى أن موقع شخصي على موقع ياهو على شبكة الانترنيت "إن ذي هوت زون" قد ذكر أن أحمد فقد كلتا ساقيه. بيد أن هذه الأخطاء الصغيرة لا تبرر تخمينات زومبيتايم غير المستندة إلى الواقع بوجود خدعة دبرها حزب الله. وتبقى الحقيقة الأساسية هي أن إسرائيل قد أغارت على سيارتي إسعاف واضحتي المعالم في ليلة 23 يوليو/تموز، وهي الحقيقة التي بذل بعض المعلقين محاولات يائسة لدحضها. حتى أن موقع زومبيتايم نفسه يعترف بأنه "إذا كان صحيحاً" هذا الهجوم، فهو يعتبر "خرقاً سافراً وغير مبرر لاتفاقيات جنيف".

وطالما أن الحقيقة قد ظهرت، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش على ثقة بأن الذين أنكروها في البداية لن يدخروا جهدا في الضغط على إسرائيل لشرح سبب حدوث هذا الهجوم، وتسمية المسئول عنه واتخاذ الإجراءات التأديبية أو العقابية بحقه، وتحديد التدابير التي يمكن اتخاذها لضمان عدم تكرار مثل هذه الهجمات في المستقبل. ومن المناسب أيضاً المطالبة بالتعويض على الضحايا.