Zambia





زامبيا

   تقرير
معاناة في صمت:
انتهاكات حقوق الإنسان وانتقال فيروس نقص المناعة البشرية إلى الفتيات في زامبيا

ملخص | توصيات | البيان الصحفي

I. ملخص

    بعد موت والدتي، ذهبت للعيش مع جدتي لأمي. وفي العام 2001، ماتت هي أيضاً، ولذلك توقفت عن الذهاب للمدرسة. ... بعد ذلك ذهبنا للعيش في بيت خالتي، وهي الأخت الصغرى لأمي ... معظم الفتيات يجدن أن عليهن البدء بتحمّل [ممارسة الجنس مع] أزواج أمهاتهن، أو أعمامهن وأخوالهن، ومعظمهمن يتعرضن للاغتصاب. فلا قدرة لهن على الاعتراض، إذ يعتقدن أنهن إذا ذهبن للشرطة، فلن يجدن مأوى يبقين فيه. ولهذا فهن يواصلن الصمت.
- باتريشيا م.، ستة عشر عاماً [1]
    كل عام، يُدفع بعض الأطفال للقيام بأدوار ليس من المفترض أن يقوموا بها؛ كأن يصبحوا مسؤولين عن أسرة، وغير قادرين على الالتحاق بالمدارس، أو التشرّد في الشوارع، أو التجارة بالجنس، أو الحبل بطفل في حالة بعض الفتيات. إن العيش في ظرف إصابة أحد الوالدين بنقص المناعة البشرية/الإيدز، له تأثير كبير على عقول الأطفال، فهم يفقدون أهاليهم مبكراً جداً، ويُقحم بهم في هذه الأدوار.
- آليك نيرندا، مشروع كوبربيلت للتوعية الصحية، 25 مايو/أيار 2002

تسببت كارثة مرض نقص المناعة البشرية/الإيدز في إفريقيا، بموت ما يزيد عن 18 مليون شخص في القارة حتى الآن، وهي تؤثّر على الفتيات والنساء أكثر مما تؤثّر على الفتيان والرجال. فانتشار مرض الإيدز بين الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 18 عاماً، في العديد من بلدان شرق وجنوب إفريقيا، يبلغ أربعة أضعاف معدلات انتشاره بين الفتيان من الفئة العمرية ذاتها. وهذا تفاوت غير عادي، ويعني انخفاض معدل أعمار الفتيات اللاتي يلقين حتفهن بسبب هذا المرض، وأن العدد الكلي للوفيات بين النساء يزيد عن عدد الوفيات بين الرجال.

هناك أثر مباشر لإساءات حقوق الإنسان التي تتعرض لها الفتيات، وخصوصاً العنف الجنسي والإساءات الجنسية الأخرى، في هذا التفاوت بين الجنسين في أعداد المصابين وفي حالات الوفاة. ففي زامبيا، كما هو الحال في بلدان أخرى في المنطقة، تعاني عشرات آلاف الفتيات بصمت -والعديد منهن أصبحن يتيمات بسبب الإيدز، أو ممن فقدن أهاليهن لأسباب أخرى- بسبب تقصير الحكومات عن توفير الحماية الأساسية لهن من الاعتداءات الجنسية، وبالتالي تخفيف تعرضهن للإصابة بمرض الإيدز.

يبيّن هذا التقرير، من خلال شهادات الفتيات، أن الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها الفتيات في زامبيا في فترة انتشار مرض الإيدز، شائعة ولها خلفيات معقّدة. ويوثّق التقرير عدة فئات من الإساءات التي تزيد خطر إصابة الفتيات بمرض الإيدز، ومن ضمنها، (1) اعتداءات جنسية على الفتيات من قبل أفراد عائلاتهن، وخصوصاً الممارسات الفظيعة والشائعة التي تتعرض فيها الفتيات اليتيمات لإساءات يرتكبها الرجال الأوصياء عليهن، أو آخرون من المسؤولين عن مساعدتهن والعناية بهن، ومن ضمنهم المعلمون، (2) الإساءة للفتيات اللاتي يقمن بإعالة أسرهن، وعادة ما يكن من اليتيمات أو ممن يعانين من فقر مدقع، ولا تتوفّر لههن سوى خيارات قليلة غير الاتجار بالجنس من أجل بقائهن وأفراد أسرهن، على قيد الحياة. (3) الإساءة للفتيات المشردات في الشوارع، والكثير منهن تشردن بسبب فقدان رعاية الوالدين. ويجب معالجة كل أوضاع الإساءات هذه، كجزء من جهود مكافحة وباء الإيدز في زامبيا.
    إضافة إلى ذلك، مما يفاقم العنف والإكراه الجنسي ضد الفتيات، سعي الرجال إلى ممارسة الجنس مع فتيات صغيرات، واستهدافهم لفتيات من فئات عمرية أصغر فأصغر، إذ من المفترض أنهن غير مصابات بمرض الإيدز، أو استناداً إلى خرافة أن ممارسة الجنس مع فتاة عذراء يشفي من مرض الإيدز. هذا وقد شاعت ظاهرة "الشيوخ المُتصابين"، وهم رجال مسنون عديمو الضمير يقومون بإغواء الفتيات لممارسة الجنس مقابل هدايا أو نقود، وأصبحت هذه الظاهرة محط تركيز وسائل الإعلام لما تلقيه من ضوء على تأثير مرض الإيدز على الفتيات في زامبيا وأماكن أخرى في إفريقيا. إن المنْزلة الاجتماعية والقانونية الدونية للفتيات والنساء تجعل من الصعب عليهن طلب استخدام وسائل لتخفيف أخطار الجنس، أو القيام بخطوات لحماية أنفسهن من مرض الإيدز والأمراض الأخرى التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي. كذلك هناك عوامل عديدة تزيد من حدة الاعتداءات الجنسية التي يوثّقها هذا التقرير، ومن ضمنها التمييز الذي تواجهه الفتيات في زامبيا في إمكانية الوصول إلى التعليم. وكانت العديدات من الفتيات اللاتي قابلتهن منظمة هيومان رايتس ووتش غير قادرات على مواصلة الالتحاق بالمدارس، وذلك إما لإنهن يُدفعن للعمل لتوفير الدخل، أو بسبب الحاجة لبقائهن في المنْزل للعناية بأحد أعضاء الأسرة المصابين بمرض الإيدز، بينما يواصل الفتيان في الأسرة الذهاب إلى المدارس، أو بسبب حواجز إقصائية أخرى تواجهها الفتيات أكثر مما يواجهها الفتيان. ويواصل وباء الإيدز حصد أرواح الآباء والأمهات مخلّفاً أيتاماً، وبمعدلات غير مسبوقة على مر التاريخ، وذلك يؤدي إلى استمرار الأوضاع التي تعرّض الفتيات اليتيمات اللاتي يقمن بإعالة أسرهن، إلى أخطار كثيرة.
وكما يشير هذا التقرير، تكمن أحد المشاكل الرئيسية في استجابة الدولة لهذا الأمر، في تقصير النظام العدلي الجنائي عن التعامل بصورة ملائمة مع الشكاوى المتعلقة بالإساءات الجنسية. إذ توجد عراقيل كثيرة تعيق الإبلاغ الفعّال عن جرائم الاعتداءات الجنسية ومقاضاتها، ومن ضمن ذلك اضطرار الفتيات للسكوت عن الاعتداءات، ففي حالة الفتيات اليتيمات اللاتي يتعرضن لإساءات من قبل الرجال المفترض أنهم أوصياء عليهن، أو المكلّفين بمساعدتهن والعناية بهن، فإن الإبلاغ عن الإساءات قد يعني تعرضهن للطرد أو لعقاب عنيف. وعادة ما تبذل الأسر جهوداً كبيرة لإخفاء هذه الإساءات. وفي حالات أخرى، تحافظ الفتيات الضحايا على الصمت، نظراً لتقصير الأنظمة الاجتماعية والقانونية عن التصرّف لحماية حقوق الفتيات. ففي حال أرادت فتاة الإبلاغ عن جريمة عنف جنسي أو إساءة جنسية، عليها أن تواجه قسم شرطة من النادر أن يكون متفهماً لظروف الأطفال أو الفتيات، كما عليها أن تواجه عاملين في القطاع الصحي يوبخونها بوصفها متهتّكة، ونظاماً قضائياً لا تتوفر فيه أي مرافق مناسبة للشباب، وهيكلاً اجتماعياً يعلّم الفتيات الخضوع للرجال. وحتى لو أبلغت الفتاة عن إساءة ما، فاحتمال أن يقوم المسؤولون الرسميون بأي إجراء ضد مرتكب الإساءة هو احتمال ضئيل جداً. ونتيجة لذلك، يظل مرتكبو الإساءات أحراراً بارتكاب المزيد من الإساءات، وبنقل عدوى المرض من جديد.
    تتميز حالات الإساءات الجنسية ضد الفتيات، وخصوصاً اليتيمات، من قبل أفراد عائلاتهن، بفظاعة خاصة، وذلك لأسباب عديدة، منها أن النساء البالغات من الأقارب، عادة ما يمتنعن عن التدخل لمنع حدوث الإساءات خوفاً من العقاب. وإذ تتزايد أعداد الأيتام بشدة، فإن هذا الصمت والتواطؤ ضمن العائلات يدل على عجز المجتمع الزامبي عن مواجهة هذا الوباء الذي يقع جُلّ تأثيره على الضحايا من الفتيات والنساء.
إن تعقيد مخاطر انتقال مرض الإيدز بين الفتيات واضح بصورة مؤلمة، ويشكّل تحدياً أمام الاستجابة العالمية للتصدي لهذا الوباء. مع ذلك، فإن أحد المجالات التي يسهل البدء بها، هو تحسين استجابة النظام العدلي الجنائي على الشكاوى التي ترِد بخصوص العنف الجنسي أو غيره من الإساءات. وعلى الرغم من أن المقاضاة الجنائية لن تنال من كافة المذنبين بارتكاب هذه الإساءات، إلاّ أنه يمكنها أن تضمن إيداع بعض الجناة في السجن ومنعهم من تكرار اعتداءاتهم، كما أنها تطلق رسالة مهمة للمجتمع بأن هذا السلوك غير مقبول، مما سيساعد على تغيير الموقف الاجتماعي الذي يتيح تقبّل الاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات، على سبيل المثال. ولا تشكّل الإجراءات المطلوبة لتحسين جهود الدولة لحماية ملايين الفتيات في إفريقيا، سوى جزءٍ بسيطٍ من التكلفة والجهود اللازمة لإقامة برنامج وطني شامل لمكافحة انتشار مرض الإيدز. وهذا لا يتطلب عملية إصلاح كبيرة للنظام القضائي، إذ أن معظم القوانين اللازمة لحماية الفتيات من الاعتداءات الجنيسية موجودة في التشريعات المكتوبة في زامبيا وفي العديد من الدول الإفريقية، وكل ما هو مطلوب هو فرض تلك القوانين. ويحتاج عناصر الشرطة إلى تدريبات خاصة حول العنف الجنسي والإساءات ضد الأطفال، وهذا ينطبق على العاملين في قطاع الرعاية الصحية والمعلمين. يجب التحقيق في كل حالات الإساءات ضد الفتيات، ومقاضاة مرتكبيها وإصدار العقوبات المناسبة بحقهم. كما يجب معالجة الممارسات التي تنطوي على تمييز ضد الفتيات والنساء، ومن ضمنها الممارسات التي تبيحها الأعراف الاجتماعية، والتي ما زالت تُطبّق بصورة واسعة في زامبيا (حتى في الحالات التي تحظر فيها القوانين الرسمية وأحكام الدستور مثل هذه الممارسات). ويجب توعية المجتمعات المحلية لكي تتمكّن من تمييز علامات حدوث الإساءات، والتصرف لمنعها. وعلى الحكومات والمدارس والمجتمعات المحلية تطوير برامج لإبقاء الفتيات في المدارس وفي محيط آمن. ويجب تشجيع المعالِجين الشعبيين على تضمين التثقيف حول مرض الإيدز في عملهم. كما يجب إنهاء الممارسات الثقافية التي تعرّض الفتيات لخطر الإصابة بمرض الإيدز.
    تتميّز هذه المرحلة بالأهمية الحاسمة لجهود زامبيا والجهود الدولية لمكافحة مرض الإيدز. لقد أشارت دراسات حديثة إلى حدوث انخفاض في مستوى انتشار مرض الإيدز ضمن الشباب البالغين في زامبيا، وأن ذلك بسبب التغييرات التي طرأت على السلوك الجنسي، ومن ضمن ذلك زيادة استخدام العوازل الطبية أثناء الاتصال الجنسي. مع ذلك، من الممكن أن يتوقف هذا التناقص في عدد الحالات الجديدة إذا لم تُعالج الإساءات التي تعرّض الفتيات لخطر الإصابة بالمرض. وإضافة إلى ذلك، جرى توفير موارد كبيرة للبرامج الخاصة بمكافحة الإيدز في زامبيا، وذلك من خلال الصندوق العالمي للإيدز، والمساعدات الدولية والبنك الدولي. فعلى صانعي القرار السياسي على المستوى القومي والدولي حشد الإرادة السياسية لاتخاذ الخطوات الضرورية لكسر هذه الحلقة من الإساءات وانتقال عدوى المرض، وعليهم جعل موضوع حماية حقوق الإنسان للفتيات جزءاً رئيسياً من استراتيجيات مكافحة الإيدز. أن ترك الفتيات يعانين في صمت من شأنه إدامة هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوقهن الإنسانية، كما يؤدي إلى استمرار وباء الإيدز في مساره المدمِّر.


[1] مقابلة لمنظمة هيومان رايتس ووتش، لوساكا، 22 مايو/أيار 2002.