Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
نزاعات على الملكية:
تصحيح آثار التطهير العرقي في شمال العراق

Claims in Conflict

1. ملخص
2- التوصيات

البيان الصحفي
  • العراق: النزاعات على الأراضي تؤجج القلاقل في كردستان الأكراد المرحلون قسراً ينتظرون العدالة والمستوطنون العرب معرضون للخطر أيضاً

  • 1. ملخص

    يشهد شمال العراق أزمة مضطرمة ذات أبعاد خطيرة، يُخشى أن تنفجر عما قريب لتتحول إلى أعمال عنف علنية؛ فمنذ عام 1975، قامت الحكومة العراقية السابقة بتهجير مئات الآلاف من الأكراد والتركمان والآشوريين من ديارهم قسراً، وجاءت بمستوطنين عرب ليحلوا محلهم في إطار سياسة عرفت باسم "التعريب".
    وإثر الإطاحة بتلك الحكومة في أبريل/نيسان 2003، بدأ الأكراد وغيرهم من المهجرين من غير العرب في العودة إلى ديارهم ومزارعهم السابقة. وسرعان ما تصاعدت التوترات العرقية بين العائدين من الأكراد وغيرهم من ناحية وبين المستوطنين العرب من ناحية أخرى، واستمرت هذه التوترات في التصاعد شأنها شأن التوترات بين مختلف الطوائف العائدة - ولا سيما بين الأكراد والتركمان - من أجل السيطرة على مدينة كركوك الغنية بالنفط. وما لم يتم على وجه السرعة تنفيذ الخطط الرامية لحسم الادعاءات المتضاربة بشأن ملكية الأراضي والعقارات، وتلبية احتياجات الطوائف المختلفة، فمن المحتمل أن تلجأ الأطراف المتنازعة إلى القوة قريباً لحسم هذه النزاعات على الملكية.

    وفي سياق المفاوضات الجارية بشأن المستقبل السياسي للعراق، وتسلم الحكومة العراقية المؤقتة للسيادة من "سلطة الائتلاف المؤقتة" بقيادة الولايات المتحدة في 28 يونيو/حزيران 2004، ألحَّت القيادة الكردية في عدد من المطالب التي من شأنها أن تعزز ما حصلت عليه من مكاسب في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ عام 1991، فضلاً عن أنها تحقق بعضاً من طموحاتها السياسية الأخرى الطويلة الأمد. وتؤثر بعض هذه المطالب تأثيراً مباشراً على مستقبل مئات الآلاف من ضحايا التعريب، كما أنها متمشية مع ما تعتبره القيادة الكردية فرصة تاريخية سانحة لتصحيح العواقب المترتبة على ما كان، في واقع الأمر، بمثابة حملة تطهير عرقية قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة على مدى بضعة عقود. وتشمل هذه المطالب حسم وضع مدينة كركوك في المستقبل، وهو أمر مرتبط بالعودة إلى الحدود الإدارية التي كانت قائمة في المحافظات المعنية قبل بدء سياسة التعريب؛ وحق جميع النازحين داخل العراق في المطالبة بحقهم في ملكية منازلهم الأصلية والعودة إليها؛ وترحيل جميع العرب الذي جيء بهم من مختلف أنحاء البلاد بهدف تغيير التركيبة السكانية للمنطقة الشمالية. وجدير بالذكر أن الطوائف العرقية الأخرى التي عانت أيضاً من ويلات سياسة التعريب تشاطر الأكراد بعض هذه المطالب، وهي التركمان وبدرجة أقل الآشوريون؛ ولكنها لا تتفق معهم بشأن بعض النقاط الحاسمة.

    غير أن القاسم المشترك بين جميع الأطراف المعنية هو رغبتها في تصحيح مظالم الماضي، على أن يتم ذلك بوجه خاص من خلال آلية منصفة لفض النزاعات على الملكية التي تكمن في صميم المشكلة. وحل هذه النزاعات في الوقت المناسب، وعلى نحو منصف وفعال، يتأتى من خلال عملية بالغة التعقيد، ربما تستغرق عدة سنوات، ولكنها هي الأساس الذي ترتكز عليه القدرة على نزع فتيل التوترات العرقية التي أوشكت على الانفجار. ولم تبدأ في العمل حتى الآن الهيئة العليا المختصة بحل منازعات الملكية العقارية في العراق، التي أنشئت بنص قانوني في يناير/كانون الثاني 2004، أي بعد أكثر من ثمانية أشهر من توقف العمليات الحربية الرئيسية؛ وفضلاً عن هذا، فإن القانون يغفل قضية ملحة، وهي مآل من يُسمَّون "عرب التعريب"، وبخاصة ما إذا كان سيصبح من حقهم اختيار محل إقامتهم عقب البت في النزاعات على الملكية؛ فقد أصبح هؤلاء، بالمعنى الحقيقي للكلمة، آخر ضحايا النزوح الداخلي.

    ومنذ الثلاثينيات، على أقل تقدير، حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة تغيير التركيبة العرقية لمنطقة شمال العراق بطرد الأكراد والتركمان والآشوريين من ديارهم، وإسكان المواطنين العرب الذين نقلوا من وسط وجنوب العراق في هذه المناطق. وقد بدأت سياسة التعريب على نطاق واسع في النصف الثاني من السبعينيات، في أعقاب قيام الحكومة العراقية بإنشاء منطقة ذات حكم ذاتي في أنحاء من كردستان العراق؛ وخلال تلك الفترة، قامت الحكومة العراقية بعمليات تهجير قسري لنحو 250 ألفاً من الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب من منطقة شاسعة شمالي العراق، تمتد من خانقين على الحدود الإيرانية حتى سنجار على الحدود السورية التركية.

    وشملت عمليات التهجير هذه عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال؛ وفي الوقت ذاته، أحضرت الحكومة العراقية العرب الذين لا يملكون أرضاً، هم وأهاليهم، من صحراء الجزيرة القريبة لزراعة الأراضي الكردية السابقة. وأصبحت سندات ملكية الأراضي التي كان يملكها الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب باطلة ولاغية؛ وأعلنت الحكومة أن هذه الأراضي صارت مملوكة للحكومة، ولكن يتم تأجيرها بموجب عقود سنوية للمزارعين العرب الجدد دون غيرهم؛ غير أن هؤلاء المزارعين لم يتلقوا سندات للملكية المطلقة لهذه الأراضي.

    وفي عام 1988، شنت الحكومة العراقية حملة الأنفال ضد الأكراد، فقتلت نحو 100 ألف منهم، ودمرت العديد من القرى، مما أسفر عن تشريد مئات الآلاف من الأكراد. ورغم أن أهداف حملة الأنفال لم تكن هي التعريب - وإنما الإبادة الجماعية - فلم يُسمح للأكراد في أعقابها بالعودة إلى قراهم المدمرة. كما أبطلت سندات ملكية عقاراتهم، وجيء بالعرب للاستيطان في بعض أراضيهم وزراعتها.

    واستمرت سياسة التعريب حتى سقوط حكومة صدام حسين في أبريل/نيسان 2003؛ وواجه الأكراد وغيرهم من المواطنين غير العرب في كركوك مضايقات مستمرة، واضطروا للاختيار بين الطرد الفوري والانضمام لحزب البعث وتغيير هويتهم العرقية (وهو إجراء شاعت تسميته بـ"تصحيح الجنسية") إلى الهوية العربية و"التطوع" في القوات شبه العسكرية مثل "جيش القدس". أما الأسر التي رفضت الانصياع لهذا، فقد صدرت أوامر بطردها من منازلها، وتم طردها بالفعل إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. وطردت الحكومة العراقية زهاء 120 ألف شخص من كركوك وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية خلال التسعينيات، إمعاناً في سياساتها التعريبية. وشجعت الحكومة العرب على الاستقرار في الشمال من خلال تقديم الحوافز المالية ودعم أسعار المنازل.

    وخلفت سياسة التهجير القسرى والتعريب التي استمرت طيلة ثلاثة عقود آثاراً هائلة؛ فقد أحصى برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) 805,505 من النازحين الداخليين الذين يقيمون في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية الكردية خلال عام 2001 على وجه الإجمال. ويشكل التعريب، باعتباره سياسة للنقل القسري للسكان، جريمة ضد الإنسانية، ومن حق ضحايا تلك السياسة العودة إلى منازلهم أو الحصول على تعويض عما لحق بهم من أضرار. ولكن يجب تنفيذ حقوق ضحايا التعريب على نحو لا يفضي إلى المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان العرب الذي استقر بهم المقام في الشمال. ولا بد من وضع إجراءات عادلة ومحايدة للبت في ادعاءات الملكية وحقوق الأفراد؛ وقد يكون من الضروري بذل جهود خاصة ضماناً لتمكين النساء العائدات - بما في ذلك ربات البيوت على سبيل المثال لا الحصر - من ممارسة حقوقهن فيما يتعلق بالملكية والميراث. وسوف يكون من الأهمية بمكان أيضاً التحقق من أن حقوق الأفراد في استرداد ممتلكاتهم لا تقتصر على ملاك المنازل أو غيرها من العقارات، وإنما تشمل أيضاً حقوق المستأجرين، والقاطنين بصفة تعاونية، وغير ذلك من المجموعات المتمتعة بحق الحيازة.

    وقد تغيرت الأوضاع في شمال العراق بصورة جذرية إبان حرب عام 2003؛ فقد فر عدد كبير من المستوطنين العرب وعائلاتهم من ديارهم قبل فترة كافية من وصول القوات الكردية والأمريكية، تاركين العديد من القرى المعربة خاوية. وكانت الحرب بمثابة ضربة مدمرة بالنسبة لعائلات المستوطنين العرب، إذ أصبحوا بلا مأوى بعد أن أقام الكثيرون منهم عدة عقود في القرى المعربة. ولا تزال العديد من هذه القرى خاوية حتى الآن؛ ولم يتم بعد تفعيل الآليات القضائية للبت في ادعاءات ملكية العقارات، كما أن العديد من الأكراد المهجرين من قراهم في إطار سياسة التعريب لا يستطيعون إعادة بناء منازلهم بسبب الفقر وضيق ذات اليد، بل حتى لا يقدرون على سداد نفقات رحلة العودة إلى قراهم بدون مساعدة.

    وفي معظم المدن، مثل كركوك والموصل فضلاً عن بلدات مثل خانقين وسنجار، آثر الكثير من المستوطنين العرب البقاء في ديارهم، قائلين إن لديهم سندات تثبت ملكيتهم لمنازلهم. وقد تصاعدت التوترات في هذه المناطق الحضرية، حيث يسعى العائدون من الأكراد وسواهم من غير العرب لاستعادة ممتلكاتهم؛ وفي بعض المناطق، ولا سيما في كركوك وخانقين، حاول بعض المسؤولين الأكراد طرد السكان العرب عن طريق التهديد والتخويف، والاستيلاء على منازلهم لإعادة توزيعها على مقاتلي قوات البشمركة الكردية، وأسر القتلى من هؤلاء المقاتلين.

    ونظراً للضغوط الهائلة التي يواجهها الزعماء الأكراد من قبل ضحايا التهجير وغيره من المظالم من بني جلدتهم، الذين يطالبون بالإنصاف والتعويض، فقد أبدت القيادة الكردية التزاماً واضحاً بمنع أي انتقام جماعي. وعلى النقيض من صراعات أخرى مماثلة آل فيها زمام السيطرة إلى السكان الذين قاسوا من قبل شتى صنوف الظلم والاضطهاد - ومن أقرب الأمثلة على ذلك وضع ألبان كوسوفو في أعقاب الحرب التي شنها حلف شمال الأطلسي - فإن القوات الكردية لم تكد تقترف أي أعمال انتقامية، ولم تقترف أي مجازر على الإطلاق. وفي الوقت ذاته، لا يزال الزعماء الأكراد متمسكين بسياستهم المعلنة التي تقضي بضرورة الاستدراك الكامل لآثار التعريب، وبرحيل العرب الذين جاؤوا إلى الشمال إبان فترة التعريب، ومن ثم فإنهم يعدون أنفسهم لمواجهة كبرى في المستقبل .

    بيد أن عدم وقوع أعمال قتل انتقامية واسعة النطاق، أو غير ذلك من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان على أيدي القوات الكردية لا ينبغي أن يخفي حقيقة أساسية، ألا وهي حدوث تغير مذهل في ميزان القوى في شمال العراق؛ فقد أصبحت العائلات العربية بلا حول ولا قوة أمام القوات الكردية التي كانت من بين الميليشيات القليلة في العراق التي سمحت لها القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف بالاحتفاظ بأسلحتها. وتعرضت العائلات العربية للتخويف الخطير من جانب مسؤولين أكراد في المناطق التي بدأت في الانتشار فيها قوات البشمركة التابعة لكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، في أعقاب سقوط الحكومة العراقية السابقة.

    وقد تقاعست سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة عن التصدي للتوترات المتصاعدة في شمال العراق، وعن تنفيذ استراتيجية للبت في ادعاءات ملكية الأراضي والعقارات، وتلبية احتياجات الطوائف المختلفة في شمال العراق. وعندما حُلَّت سلطة الائتلاف المؤقتة رسمياً في 28 يونيو/حزيران 2004، بعد أكثر من عام من سقوط الحكومة العراقية، لم يكن قد تم بعد تفعيل آلية لحسم النزاعات على ملكية العقارات. وقد وُضع التشريع الضروري لذلك أول الأمر في يناير/كانون الثاني 2004، ولكنه لم يُصَغ في صورته النهائية إلا في 24 يونيو/حزيران 2004، قبل أيام معدودة من تسليم سلطة الحكم الرسمية إلى الحكومة العراقية المؤقتة؛ وفي تلك الأثناء، لم تتم تلبية معظم الاحتياجات الإنسانية للنازحين - من الأكراد والعرب، ومن النساء والأطفال والرجال على حد سواء.

    و لم يكن بأقل سوءاً تقاعس القيادة الكردية عن وضع سياسة منسقة وموحدة للتعامل مع التدفق المتوقع للعائلات النازحة الكردية وغيرها إلى كركوك وغيرها من المناطق، ولا سيما فيما يتعلق بتلبية احتياجاتها الإنسانية. ووردت أنباء عن أكراد أرغموا على العودة إلى منطقة كركوك؛ ولا يزال مئات الآلاف من الآخرين ينتظرون العودة إلى ديارهم ومزارعهم، وقد بدأ صبرهم في النفاد بسرعة. وأرغم عدد كبير من العائلات العربية على الفرار من ديارهم إبان الصراع عام 2003؛ وما من سبيل يمكن أن يلجأ إليه هؤلاء العرب النازحون داخلياً في الوقت الحالي للبت في حقوقهم.

    ومما له دلالة مهمة أن الكثير من المستوطنين العرب الذين أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم خلال الأشهر التي أعقبت سقوط الحكومة السابقة أشاروا إلى أنهم يعترفون بأحقية الأكراد في ملكية عقاراتهم؛ وقال الكثيرون للمنظمة إنهم على استعداد للتخلي عن منازلهم في القرى المعربة في مقابل مساعدة إنسانية لإيجاد منازل وسبل جديدة للرزق لهم ولأسرهم. ولعل استعداد المستوطنين العرب للتوصل لحل وسط أتاح أملاً كبيراً في التوصل لحل سلمي للأزمة في شمال العراق.

    وقد تصلبت مواقف جميع الأطراف إلى حد بعيد على مر الزمن، في غياب أي خطوات ملموسة لحل النزاعات على ملكية العقارات، ومع تصاعد التوترات وتدهور الأوضاع الأمنية في كركوك والمناطق المحيطة بها. وبعد مضي أكثر من عام، تضاعفت صعوبة إيجاد حل عادل وسلمي للعديد من النزاعات على الملكية؛ ويجب تحميل كل من مسؤولي التحالف والمسؤولين الأكراد على السواء المسؤولية عن عدم التخطيط قبل الحرب وبعدها مباشرة. وقد صدق أحد مسؤولي سلطة الائتلاف المؤقتة إذ قال لمنظمة هيومن رايتس ووتش "لقد ضيعنا فرصة سانحة لإرساء شيء يشيع الثقة في النفوس".
    إن أزمة النزوح والادعاءات المتضاربة بشأن ملكية العقارات في شمال العراق هي أزمة يمكن أن تستفحل وتتخذ أبعاداً هائلة، وما من سبيل لحلها إلا من خلال إجراء حاسم من قبل المجتمع الدولي. وحتى يوليو/تموز 2004، لم يتضح على الإطلاق ما إذا كانت الهيئة العليا المختصة بحل منازعات الملكية العقارية في العراق سوف تتيح آلية الحسم اللازمة للفصل في نزاعات الملكية العقارية على نحو يتسم بالسرعة واليسر والإنصاف والحياد. وسوف يكون نجاح أي عملية للبت في نزاعات الملكية مرهوناً أيضاً باستجابة إنسانية واسعة النطاق لتلبية الاحتياجات السكنية والمعيشية لهذه العائلات النازحة حديثاً، فضلاً عن الأكراد المعوزين بنفس القدر وغيرهم في شمال العراق ممن يحاولون العودة إلى منازلهم.