Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
القلوب والعقول:
الخسائر في أرواح المدنيين على أيدي القوات الأمريكية في بغداد بعد الحرب

1. ملخص

يوثق هذا التقرير ويتناول بالتحليل حالات الوفاة في صفوف المدنيين التي تسببت فيها القوات العسكرية الأمريكية في بغداد منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش انتهاء العمليات الحربية الرئيسية في العراق في الأول من مايو/أيار 2003. ويستند هذا التقرير إلى أبحاث أجريت في بغداد خلال الفترة 18-30 سبتمبر/أيلول، ثم أبحاث المتابعة التي أجريت يومي 5 و9 أكتوبر/تشرين الأول.

1. ملخص
2- التوصيات
البيان الصحفي

  • العراق: يجب على الولايات المتحدة إجراء تحقيق بشأن القتلى في صفوف المدنيين
  • وخلال هذه الفترة، أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات مع شهود على هذه الحوادث التي أفضت إلى وقوع خسائر في أرواح المدنيين، وأقارب المتوفين، والضحايا الذين تكبدوا إصابات غير مميتة، وأفراد الشرطة العراقية، والمحامين، ودعاة حقوق الإنسان، والجنود الأمريكيين، وضباط من مكتب رئيس المجلس العسكري بالجيش الأمريكي، وأعضاء في سلطة التحالف المؤقتة التي تقودها الولايات المتحدة، والمسؤولة عن إدارة شؤون الحكم في العراق. ولئن كانت القوات العسكرية الأمريكية المسؤولة عن الأمن في بغداد لا تتعمد استهداف المدنيين، فإنها في الوقت ذاته لا تبذل جهوداً كافية لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين إلى الحد الأدنى، وفقاً لما يقضي به القانون الدولي. ومن الجلي أن العراق يُعدُّ بمثابة بيئة عدائية للقوات الأمريكية، حيث لا يمر يوم دون أن تقع هجمات على أيدي العراقيين أو غيرهم من المعارضين لقوات الاحتلال الأمريكية وغيرها من قوات التحالف. غير أن هذه البيئة لا تجعل السلطات العسكرية في حل من الالتزامات الواقعة على عاتقها التي تستوجب استخدام القوة على نحو يتسم بالحصافة والاعتدال والتناسب وحسن التقدير، كما تقضي بعدم اللجوء إلى ذلك إلا في حالات الضرورة بتمام معنى الكلمة.

    ولا تحتفظ السلطات العسكرية الأمريكية بأي إحصاءات عن الخسائر في صفوف المدنيين، وقالت لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه "من المستحيل علينا الاحتفاظ بسجل دقيق"؛ ومثل هذا الموقف يوحي بأن خسائر المدنيين ليست أمراً فائق الأهمية.
    واستناداً للمقابلات التي أجريت مع الشهود والأقارب، تيقنت منظمة هيومن رايتس ووتش من وفاة 20 مدنياً عراقياً في بغداد في ملابسات مثيرة للشك من الناحية القانونية خلال الفترة بين الأول من مايو/أيار و30 سبتمبر/أيلول؛ وتوثق المنظمة 18 من هذه الوفيات في هذا التقرير. وفضلاً عن هذا، فقد جمعت المنظمة بيانات عن حالات الوفاة التي وقعت في صفوف المدنيين على أيدي القوات الأمريكية، من الشرطة العراقية، ومنظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام الغربية، وبيانات الجيش الأمريكي بهذا الشأن. وإجمالاً، تقدِّر منظمة هيومن رايتس ووتش أن القوات الأمريكية قتلت 94 مدنياً في ملابسات مشكوك فيها؛ ولم تتحقق منظمة هيومن رايتس ووتش من كل حالة من هذه الحالات، ولكنها في مجملها تكشف نمطاً من حالات القتل غير المشروع المزعومة التي تستوجب إجراء تحقيق بشأنها.

    وحتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2003، كانت السلطات العسكرية الأمريكية قد اعترفت باستكمال خمسة تحقيقات فقط أجريت على مستوى أعلى من مستوى الفرقة، بشأن ما زُعم وقوعه من حالات القتل غير المشروع للمدنيين؛ وفي أربعة من هذه التحقيقات، تبين أن مسلك الجنود كان متمشياً مع قواعد الاشتباك المعمول بها لدى الجيش الأمريكي؛ وفي الحالة الخامسة، يواجه طيار مروحية وقائده إجراءات تأديبية لقيامهما بإنزال راية شيعية من أعلى برج في مدينة الصدر، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلحة مع المتظاهرين. وثمة تحقيق سادس لا يزال جارياً بشأن مقتل ثمانية من أفراد الشرطة العراقيين وحارس أردني بنيران جنود الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جواً في مدينة الفلوجة يوم 12 سبتمبر/أيلول.

    وتظهر الحالات الفردية لوفاة المدنيين الموثقة في هذا التقرير نمطاً مطرداً من استخدام الأساليب المفرطة في العدوانية من جانب القوات الأمريكية، وإطلاقها النار عشوائياً في المناطق السكنية، واعتمادها السريع على استخدام القوة المميتة. وكانت القوات الأمريكية في بعض الحالات تواجه خطراً حقيقياً يتهددهها، مما أعطاها الحق في الاستجابة باستخدام القوة، غير أن هذه الاستجابة لم تكن أحياناً متناسبة مع الخطر الموجب لها، أو لم تكن موجهة إلى هدفها على الوجه الصحيح، الأمر الذي ألحق أضراراً بالمدنيين أو عرضهم للأخطار.
      ويمكن تصنيف حالات الوفاة التي وقعت في صفوف المدنيين في بغداد إلى ثلاث مجموعات أساسية؛ أولها حالات الوفاة التي وقعت أثناء عمليات دهم المنازل التي قامت بها القوات الأمريكية بحثاً عن الأسلحة أو مقاتلي المقاومة؛ وتقول السلطات العسكرية الأمريكية إنها قد بدأت تستخدم أساليب أقل عدوانية، وتحرص بصورة متزايدة على اصطحاب أفراد من الشرطة العراقية أثناء هذه العمليات؛ ورغم هذا، فإن سكان بغداد ما برحوا يشكون من السلوك العدواني الأهوج للقوات الأمريكية، وما ترتكبه من الاعتداءات البدنية والسرقة. وعندما واجه الجنود الأمريكيون مقاومة مسلحة من جانب بعض العائلات التي كانت تظن أنها تمارس حق الدفاع عن النفس ضد اللصوص، لجأ هؤلاء الجنود أحياناً إلى استخدام القوة المفرطة، مما أسفر عن مقتل بعض أفراد هذه العائلات أو الجيران أو المارة. أما المجموعة الثانية فتضم المدنيين الذين قتلوا بنيران الجنود الأمريكيين الذين تعرضوا لهجمات عند نقاط التفتيش أو على الطريق فاستجابوا لها بصورة عشوائية وغير متناسبة؛ وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش حالات عمد فيها الجنود الأمريكيون إلى إطلاق أسلحة من العيار الكبير في شتى الاتجاهات، في أعقاب انفجار عبوة ناسفة مرتجلة بالقرب من قافلة أمريكية، مما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين كانوا بالقرب من الموقع.
    أما المجموعة الثالثة فتشمل أعمال القتل التي راح ضحيتها مدنيون عراقيون لم يتوقفوا عند نقاط التفتيش؛ وجدير بالذكر أن نقاط التفتيش العسكرية الأمريكية تتغير مواقعها باستمرار في مختلف أنحاء بغداد، ولا توجد بها أحياناً علامات واضحة، وإن كان بعض التحسن قد طرأ على هذا الجانب. ومما يؤدي إلى الحيرة والبلبلة قلة المترجمين باللغة العربية وسوء فهم إيماءات اليد العراقية، الأمر الذي يودي بأرواح المدنيين أحياناً.
    وفي بعض الأحيان يصيح الجنود ويصدرون تعليمات متضاربة باللغة الإنجليزية وهم يرفعون بنادقهم، من قبيل: "إبقَ في السيارة!"، أو "أخرج من السيارة!".
    وفي هذه الحالات جميعاً، قد يتصرف الجنود الأمريكيون بصلافة وغطرسة، أو يسلكون مسلكاً مهيناً للمواطنين العراقيين؛ فقد شوهد الجنود الأمريكيون وهم يضعون أقدامهم على رؤوس المواطنين العراقيين - وهو مسلك ينطوي على إهانة بالغة؛ وفي بعض الأحيان، يلمس الجنود الذكور المواطنات العراقيات، أو حتى يفتشوهن، وهو أيضاً مسلك غير مقبول في المجتمع العراقي.
      وليس جميع الجنود يتصرفون على هذا النحو بالطبع؛ فقد التقت منظمة هيومن رايتس ووتش بالكثيرين من العسكريين الأمريكيين الذين يعاملون المواطنون العراقيون باحترام، ويعملون بجد لتدريب أفراد الشرطة العراقية، وحراسة المنشآت، ومطاردة المجرمين. وقد أعرب بعض هؤلاء الجنود عن شعورهم بالإحباط إزاء ما يبديه زملاؤهم من اللامبالاة وانعدام الحساسية؛ وقال أحد الضباط لمنظمة هيومن رايتس ووتش "إن التخلص من أساليب 'رامبو' سوف يستغرق بعض الوقت".
    وبوجه عام، فإن الشرطة العسكرية الأمريكية في بغداد تبدو هي الأنسب والأصلح للاضطلاع بمهام تنفيذ القانون التي يقتضيها الاحتلال العسكري فيما بعد الصراع؛ أما القوات التي تثير إشكالاً أكبر فهي الوحدات القتالية، مثل الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جواً والفرقة المدرعة الأولى اللتين استدعيتا لتقديم خدمات لا قبل لهما بها إما لأنهما لم تتلقيا التدريب الكافي لتقديمها أو لأنهما ليستا مهيئتين لذلك أصلاً. وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش ثمانية حوادث في بغداد تتعلق بهاتين الفرقتين لقي فيها 16 مدنياً حتفهم؛ فقد خاض الكثيرون من هؤلاء الجنود غمار القتال لدخول العراق، والآن يطلب منهم التحول، دون تلقي التدريب اللازم، من مقاتلين إلى أفراد شرطة يتولون السيطرة على الجماهير، ومطاردة اللصوص، واستئصال شأفة المتمردين. وقد صرح مسؤولون عسكريون لمنظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم يدركون المشكلة ويسعون الآن لتقديم مزيد من التدريب لهؤلاء الجنود؛ وهدفهم المعلن هو تسليم مهام ووظائف الشرطة إلى قوات الأمن العراقية، ولكن هذه المؤسسات لا تزال قيد التأسيس. ومن بين المشكلات الرئيسية عدم وجود أي محاسبة للجنود والقادة الأمريكيين في العراق؛ فوفقاً للأمر التنظيمي رقم 17 لسلطة التحالف المؤقتة، لا يجوز للمحاكم العراقية مقاضاة جنود التحالف، ومن ثم فإن الدول المشاركة في التحالف هي المسؤولة عن التحقيق في ادعاءات استخدام القوة المفرطة وأعمال القتل غير المشروعة، ومحاسبة الجنود والقادة العسكريين الذين يثبت انتهاكهم للقوانين والأنظمة العسكرية المحلية أو القانون الإنساني الدولي. كما أدى التقاعس عن إجراء تحقيقات وافية في الوقت المناسب بشأن الكثير من الحوادث المثيرة للشك إلى خلق مناخ من الحصانة حيث يشعر الكثير من الجنود أن بمقدورهم الضغط على الزناد دون الخضوع لأي محاسبة أو مراجعة. وترحب منظمة هيومن رايتس ووتش بالتحقيقات الخمسة التي أجريت حتى الآن، ولو أنها لديها تحفظات بشأن بعض نتائجها؛ وقد وثقت المنظمة اثنتين من الحالات الخمس في هذا التقرير، وتوحي الأدلة التي تمخضت عنها بأن الجنود الأمريكيين أفرطوا في استخدام القوة المميتة. وهناك أيضاً العديد من الحالات المثيرة للريبة التي لقي فيها مدنيون حتفهم ولم يجر أي تحقيق بشأنها؛ وأبرز هذه الحالات وأجدرها بالملاحظة هي مقتل نحو 20 شخصاً بنيران جنود الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جواً في الفلوجة يومي 28 و30 أبريل/نيسان، وقد وثقتها هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في مايو/أيار الماضي تحت عنوان "الاستجابة العنيفة: الجيش الأمريكي في الفلوجة".

    وفي الوقت ذاته، فقد اتُّخذت بعض الخطوات للتقليل من الخسائر في أرواح المدنيين، إذ تم تحديد نقاط التفتيش بعلامات أكثر وضوحاً، وتلقت بعض القوات القتالية تدريبات إضافية للقيام بمهام ضبط الأمن والحفاظ على النظام؛ وصار أفراد الشرطة العراقية يرافقون الجنود الأمريكيين بصورة متزايدة في حملات المداهمة.

    ورغم هذا، فلا بد من القيام بمزيد من المبادرات؛ ومن بينها التعليم اللغوي الأساسي والتدريب الثقافي للجنود لتعليمهم إيماءات اليد التي يستخدمها ويفهمها العراقيون والكلمات والعبارات العربية الأساسية، مما يحد من الالتباس وسوء الفهم عند نقاط التفتيش أو أثناء حملات المداهمة؛ ويجب أن يدرك الجنود أن وضع القدم على رأس شخص بعد إرغامه على الانبطاح أرضاً يعد إهانة بالغة. كما ينبغي أن تتلقى القوات القتالية مزيداً من التدريب على عمليات حفظ الأمن والنظام فيما بعد الصراع، مثل التدريب الذي تلقاه جنود الفرقة المدرعة الأولى.

    ورغم أن الاعتبارات الأمنية قد حالت دون إعلان قواعد الاشتباك على الملأ، فمن حق المدنيين العراقيين معرفة المبادئ التوجيهية بشأن السلوك الذي يضمن سلامة الفرد؛ فعلى سبيل المثال، يجب على سلطات التحالف تحديد جميع نقاط التفتيش بعلامات واضحة، وتوعية المواطنين العراقيين من خلال حملة يقوم بها جهاز عام بالسلوك الواجب الالتزام به عند الاقتراب من نقاط التفتيش أو أثناء عمليات المداهمة.

    ومن الأمور ذات الأهمية الجوهرية إجراء تحقيقات على وجه السرعة بشأن جميع حالات الاستخدام غير المناسب أو غير المشروع للقوة، ومعاقبة مرتكبيها، وفقاً لم يقضي به القانون الدولي. ذلك أن الجنود الأمريكيين يتصرفون حالياً وكأنهم بمأمن من أي حساب أو عقاب؛ وحينما يدركون أنهم سوف يُحاسبون على أفعالهم، فسوف يكون ذلك بمثابة ضابط فعال يكبح الاستخدام المفرط أو العشوائي أو المستهتر للقوة المميتة.