Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
العراق : المقابر الجماعية في المحاويل

1. ملخص

في الرابع من مارس/آذار 1991 غادر خالد خضير البالغ من العمر 13 عاما وابن عمه فؤاد كاظم البالغ من العمر 33 عاما، وهو جندي عراقي سابق، قريتهما المعروفة باسم ألبو علوان وسارا متجهين إلى مدينة الحلة الواقعة جنوبي العراق لشراء بعض المواد الغذائية، ولم يرهما أحد بعد ذلك على قيد الحياة، فقد قبض عليهما و"اختفيا" بينما كانا حبيسين لدى الحكومة العراقية، مثلهما في ذلك مثل عشرات الآلاف من العراقيين الآخرين من أبناء المدن التي تقطنها أغلبية شيعية في جنوب العراق.

يوثق هذا التقرير عجز قوات الاحتلال عن مساعدة العراقيين في الوقت الذي هم فيه في أشد الحاجة إلى المساعدة. وتقدر منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما يصل إلى 290 ألفا من العراقيين "اختفوا" على أيدي الحكومة العراقية على مدى العقدين الماضيين،

1. ملخص
2- التوصيات

وبعد أكثر من 12 عاما، وفي يوم 16 مايو/أيار 2003 تحديداً، انتهى بحث أسرتيهما عنهما أخيرا عندما عُثر على أوراق هويتهما مع البقايا المتحللة لجثث مستخرجة من مقبرة جماعية تقع في أحد الحقول المكشوفة. وقد تم اكتشاف مقبرتين جماعيتين هامتين قرب قاعدة المحاويل العسكرية، التي تقع على بعد حوالي 20 كيلومترا إلى الشمال من الحلة، وتقع إحداهما في حقل مكشوف وتتضمن رفات أكثر من ألفي شخص (مقبرة المحاويل الجماعية)، وتبعد الثانية عنها بحوالي خمسة كيلومترات وتقع خلف مصنع مهجور للطوب وتتضمن رفات عدة مئات من الأشخاص (مقبرة مصنع طوب المحاويل الجماعية). ويظن أن مقبرة جماعية ثالثة توجد على أرض القاعدة العسكرية نفسها. وهناك مقبرة جماعية أخرى واحدة على الأقل إلى الجنوب من الحلة في قرية الإمام بكر وتتضمن 40 جثة أخرى ترجع إلى الفترة نفسها. وكانت الجثث في تلك المواقع كلها قد دفنت دفعة واحدة، وهي متلامسة، لا في حفر منفصلة لكل جثة. والمعروف أن المقابر الجماعية من هذا النوع تعتبر غير عادية، حيث تشير في كل الأحوال تقريبا إلى أن الوفيات جاءت نتيجة فظائع جماعية أو كوارث طبيعية.

وقد أدت الطريقة العشوائية وغير المنهجية التي حفرت بها المقابر الجماعية حول الحلة والمحاويل إلى استحالة تعرف الكثيرين من أهالي المفقودين على رفات ذويهم بصورة مؤكدة، أو حتى الاحتفاظ بالرفات الآدمية في حالة سليمة ومنفصلة عن غيرها لكل جثة. ففي غياب المساعدات الدولية لجأ العراقيون إلى استخدام المجارف لحفر المقابر الجماعية، الأمر الذي أدى إلى تمزيق عدد لا حصر له من الجثث تمزيقا فعليا وخلط الرفات بعضها ببعض في أثناء هذه العملية، وفي النهاية أعيد دفن أكثر من ألف جثة في مواقع مقابر المحاويل مرة أخرى دون التعرف على أصحابها. وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا لعدم وجود أخصائيي الطب الشرعي في الموقع، لم يتم مطلقا جمع الأدلة الحاسمة اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن عمليات الإعدام الجماعية مستقبلا، بل لعل هذه الأدلة قد تلفت إلى غير رجعة.

ويحاول هذا التقرير أن يحكي قصة المقابر الجماعية الواقعة حول الحلة، ويحدد هوية الضحايا وظروف القبض عليهم وإعدامهم في آخر الأمر ودفنهم في المقابر الجماعية. ويخلص التقرير إلى حقيقة لا مفر منها، وهي أن الرفات الذي استخرج من هذه المقابر الجماعية هو لضحايا حملة منسقة من القمع والقبض على الأشخاص وإعدامهم قامت بها الحكومة العراقية في أعقاب انتفاضة الشيعة الفاشلة في عام 1991. ويبين التقرير أهمية الأدلة التي يمكن جمعها من المقابر الجماعية التي تكتشف في شتى أنحاء العراق، ويلاحظ أن لكل واحدة منها تاريخها الخاص، ولكنها جميعا شاهدة على عقود من القتل الجماعي على يد الحكومة العراقية.
    وقد قضى باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش خمسة أيام في مواقع ثلاث مقابر جماعية قرب المحاويل والحلة لجمع أكبر قدر ممكن من الشهادات قبل أن يعود أقارب المفقودين أدراجهم. وفي المقابلات التي أجروها مع هؤلاء الأقارب الذين قالوا إنهم تعرفوا على بعض الضحايا في المقابر الجماعية عن طريق أورق الهوية، وبعض قطع الملابس والأدوية وما إلى ذلك، تأكدت المنظمة من عدد الأشخاص في المقبرة، وتوقيت اختفائهم وطريقة الاختفاء. وتمكن بعض المزارعين الذين يعيشون على مقربة من المقبرة الجماعية من الحديث لأول مرة عن عمليات الإعدام والدفن اليومية التي شهدوها عام 1991. وحكى شخص نجا من عملية الإعدام عند مصنع طوب المحاويل قصته المذهلة لمنظمة هيومن رايتس ووتش - حيث كان قد ألقي به في المقبرة الجماعية مع أمه واثنين من أقاربه ولكنه لم يصب بالرصاص ونجح في الفرار بحياته بأعجوبة - لتصبح بذلك حلقة وصل بالغة الأهمية بين القبض على آلاف الأشخاص في منطقة الحلة في مارس/آذار 1991 واعتقالهم في قاعدة المحاويل القريبة، وإعدامهم ودفنهم في آخر الأمر في المقابر الجماعية المكتشفة قرب الحلة والمحاويل في مايو/أيار 2003.
كما يوثق هذا التقرير عجز قوات الاحتلال عن مساعدة العراقيين في الوقت الذي هم فيه في أشد الحاجة إلى المساعدة. وتقدر منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما يصل إلى 290 ألفا من العراقيين "اختفوا" على أيدي الحكومة العراقية على مدى العقدين الماضيين، وأن كثيرين من هؤلاء "المختفين" هم من بين الذين يُكشف عن رفاتهم الآن في المقابر الجماعية في شتى أنحاء العراق. وفي الوقت الراهن، تُرك العراقيون وشأنهم ليتصرفوا في حدود الموارد المحدودة المتاحة لهم في محاولة لاستخراج هذه الرفات والتعرف على هوية أصحابها؛ ولذلك يحتاج العراقيون أشد الحاجة إلى المساعدة المتخصصة، وهناك حاجة ماسة إلى قيام قوات الاحتلال بمساعدة المجتمع الدولي للشروع في عملية مساعدة التعرف على "المختفين"، واستخراج الجثث من المقابر الجماعية والتعرف على المدفونين فيها وجمع الأدلة الهامة الخاصة بالطب الشرعي.
    وقد بررت القوات الأمريكية هذا العجز بتأكيدها على أن أي محاولات لإيقاف الحفر عند المقابر الجماعية المدفون بها ضحايا المذابح ستحبط من عزم الأقارب اليائسين على التأكد من مصير ذويهم المختفين وهو دافع مفهوم، الأمر الذي يعني المجازفة بالتسبب في إثارة اضطرابات خطيرة. ولكن على الرغم من أن السلطات الأمريكية كان أمامها كل ما يجعلها تتوقع أن تأخذ هذه المسألة شكلا ملحا، استنادا إلى ما هو معروف عن القمع العراقي والتجارب السابقة في أوضاع ما بعد الصراع، فإنها لم تبذل أي محاولة جادة للاستعانة بالسلطات المحلية للقيام معها بحملة إعلامية عامة فعالة تؤكد على قيمة الخبرة الاحترافية في استخرج الجثث كوسيلة للتعرف بصورة أكيدة على هوية الضحايا، بالإضافة إلى الحفاظ على الأدلة المتعلقة بالجرائم. أما الحاجة العاطفية الجارفة لدى العراقيين لاستعادة رفات أمواتهم وتكريمهم فيمكن تلبيتها بطرق أفضل من شق الأرض في حقول الموت بالمجارف.
ويجب على قوات الاحتلال في العراق بالتعاون مع المسؤولين العراقيين وقيادات المجتمع المحلي إلى جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تنشئ على وجه السرعة آلية تتسم بالفعالية والحساسية لتسجيل حالات "المختفين" وجمع المعلومات عما حدث لهم قبل وفاتهم لمساعدة على التعرف على جثثهم واستردادها. وهذه الآلية يمكن أن تساعد في التعرف على هؤلاء الضحايا وتكريم ذكراهم سواء تم التعرف بصفة مؤكدة على هويتهم واسترداد جثثهم أم لا، كما يمكن أن تسهم في سير الإجراءات الرسمية التي تستخرج بمقتضاها شهادات الوفاة القانونية لأسر الضحايا. وأخيرا يجب على سلطات الاحتلال في هذا السياق أن تُعيِّن مواقع محددة لحمايتها من أجل استخراج الجثث منها بطريقة علمية وفقا للمعايير الدولية للحفاظ على الأدلة التي تحتاجها المحاكمات ولجان تقصي الحقائق وشهادات التاريخ وغير ذلك من آليات المحاسبة في آخر الأمر.