<< السابق | الفهرس | التالي >>
  • البيان الصحفي
  • The Report in English
    بيانات صدرت حول قمع المتظاهرين مرتبة تاريخيا
  • مصر: الانقضاض على المظاهرات المعارضة للحرب 24 مارس 2003
  • مصر: استمرار تعذيب المتظاهرين ضد الحرب26 مارس 2003
  • مصر: التعذيب في مقر مباحث أمن الدولة 24 ابريل 2003
  • تمديد اعتقال ناشط مصري اتهام مهندس بإنزال أخبار ومعلومات عن حقوق الإنسان من الإنترنت 17 يوليو 2003
  • مصر: ناشط يبدأ إضراباً عن الطعام مع تمديد اعتقاله 1 أغسطس 2003
  • مصر: ازدراء الحكومة المصرية بالحقوق السياسية الأساسية 28 أغسطس 2003
    أيضا
  • مصر: تصاعد الاعتقالات
    استخدام قانون الطوارئ في خنق حرية التعبير
  • مصر: خلفية عن حقوق الإنسان
    Egypt مصر
    Egypt
  • مصر: اعتداء قوات الأمن على المتظاهرين ضد الحرب

    IV. الإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين

    في 21 مارس/آذار ارتكبت قوات الأمن المصرية، التي يرتدي أفرادها الملابس المدنية أو الزي الرسمي، اعتداءات بدنية على المتظاهرين والمارة الذي تجمعوا في ميدان التحرير ومبنى نقابة المحامين وحولها. ولم يتدخل أفراد الأمن ذوو الزي الرسمي لحماية المتظاهرين والمارة من الاستخدام غير السليم للقوة من جانب زملائهم.

    ميدان التحرير

    بدأت الشرطة في استخدام العنف ضد المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 21 مارس/آذار قبل وصول المتظاهرين في مسيرة آتية من حي الأزهر. فقد أخبرت منال خالد، وهي مخرجة تليفزيونية وناشطة مناهضة للحرب عمرها 32 عاما، منظمة هيومن رايتس ووتش أنها ذهبت إلى ميدان التحرير حوالي وقت الظهر حيث لم يكن قد تجمع هناك إلا قلة من الناس، وقالت "قررت أن أحضر بعض الطعام ثم أعود في حوالي الواحدة بعد الظهر".

      سمعت شخصا يصيح "ها هي منال". فحاولت أن أجري لكن حوالي 15 رجلا من رجال الأمن بالملابس المدنية حاصروني قرب مطعم "هارديز". وحاولوا أن يجروني إلى سيارة جيب سوداء [عبر الشارع] قرب مدخل الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وتوقف بعض المارة عندما رأوني أقاوم وأتعرض للضرب، وحاولوا التدخل، ومنهم فتاتان ألقي القبض عليهما معي عندما رفضتا الانصراف. ثم انضم أحد كبار ضباط أمن الدولة [كنت أعرفه] إلى الآخرين وبدأ يلكمني في وجهي وفي أجزاء متفرقة من جسمي، وبدأ يهينني بألفاظ بذيئة. ثم قيدني بالأغلال وجرني إلى السيارة الجيب وعصي عيني. وقال إنه سيجردني من ملابسي ويلفق لي قضية دعارة.
    كانوا يتعقبون أشخاصا بعينهم وكنت أنا واحدة منهم. وكنت قد رأيته [هذا الضابط] من قبل في مظاهرات سابقة وفي اليوم السابق، أي الخميس [20 مارس/آذار]، حيث دفعني عندما حاولت الشروع في تنظيم مظاهرة صغيرة خارج كردون الشرطة. فسألت عنه فأخبرني الناس باسمه. فقدمت شكوى ضده في بلاغ للنيابة. وبعد أن أفرج عني اتصل بي لمقابلته، لكنني رفضت.(17)

    ويبدو أن بعض الضحايا الآخرين الذين تعرضوا للضرب على يد الشرطة اختيروا بصورة عشوائية؛ فقد أخبرت منى معين مينا، وهي طبيبة أطفال تبلغ من العمر 45 عاما، منظمة هيومن رايتس ووتش أنها وصلت إلى ميدان التحرير في حوالي الساعة 2:30 مساء ذلك اليوم. "وكان هناك حضور أمني ضخم، فلم أستطع الدخول في المظاهرة". وكانت على مقربة من مطعم "هارديز"، في الناحية الجنوبية للميدان، حيث رأت أربعة أو خمسة رجال لا يرتدون الزي الرسمي يضربون امرأة في الخمسينيات من العمر.
    لدينا قاعدة نلتزم بها في المظاهرات، وهي ألا نتجاهل إنسانا يتعرض للضرب. فحاولت أنا والعديد من الآخرين التدخل، ولكني واصلت ذلك وحدي؛ فلكمونا وجرونا إلى عربة شرطة كانت واقفة في شارع جانبي، وبلغ عددنا فيها حوالي 30 شخصا، منهم ثماني نساء. وكانوا في منتهي الوحشية مع النساء، خصوصا الشابات، فجروهن من ثيابهن ومزقوا حجاب واحدة منهن. لم يكن الأمر مؤلما وإنما كان مهينا جدا. ثم أخذونا إلى عدة مراكز للشرطة، ولكن لم يكن بها متسع لنا. وانتهى بنا المطاف إلى نقطة شرطة الضاهر بقلب القاهرة. وعندما أدخلونا قاموا بصفع الصبي الذي يقف في أول الصف، وأمرونا أن نخرس، وقالوا إن من يتكلم سيمزقونه إربا وسيدفنونه هناك. وبعد فترة أخرجونا وقادونا إلى العديد من أقسام الشرطة، وأخيرا استقر بنا المطاف في معسكر الأمن المركزي في الدراسة. وهناك لم نتعرض لسوء المعاملة، ولكنهم لم يدعونا ننام، بل ظلوا يستدعوننا بالطوابق العلوية لسؤالنا كل واحد منا مرة أخرى عن اسمه ومهنته، وما إلى ذلك. وفي الصباح التالي بدؤوا يطلقون سراح الشابات، وهن في أواخر سن المراهقة، وأبقوا على خمسة منا [من النساء]، ويبدو أنهم كانوا يطلقون سراح من لم يسبق القبض عليه. ولم تكن هذه هي أول مرة أُعتَقل فيها، لكنها كانت أول مرة لي أقضي فيها الليلة في السجن.(18)

    أما هدى، وهو اسم مستعار لامرأة من سكان القاهرة لم ترد الكشف عن اسمها الحقيقي، فقد قالت لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنها كانت تسير في ميدان التحرير صباح يوم الجمعة، ولا علم لديها بالمظاهرات المتوقعة.
      "وفجأة حاول اثنان الإمساك بي؛ وأوقفاني وأخذا اسمي وعنواني وحاولا دفعي إلى عربة الشرطة. وكان هناك بالصدفة صحفي على مقربة منا يدون ملاحظات، فسأل الرجال الذين يرتدون الملابس المدنية ماذا يفعلون بي. فأخلوا سبيلي".(19) وقالت هدى إنها رأت في وقت لاحق من الصباح ستة أو سبعة أشخاص آخرين يضربون ويُقبَض عليهم في الشارع قرب التحرير".
    أما ميرفت، وهي صحفية مصرية لم تشأ الكشف عن اسمها الحقيقي، فقد أخبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها كانت في الجامع الأزهر قبل العصر لكنها لم تر شيئا يذكر بسبب كثافة الأمن. وقالت إن الشرطة والمتظاهرين كانوا يتبادلون إلقاء الحجارة على بعضهم البعض، لكنها لم تعرف من الذي بدأ. وقالت إنها عادت إلى بيتها، لكنها اتجهت إلى ميدان التحرير بعدما رأت المواجهات العنيفة هناك على قناة "الجزيرة". وقالت إنها وصلت في حوالي الساعة 4:45 مساء إلى ميدان عبد المنعم رياض المجاور لميدان التحرير من جهة الشمال حيث ينتهي شارعا الجلاء ورمسيس على كورنيش النيل.

    لم تكن هناك سيارات تتحرك أو ناس في التحرير. لم يكن هناك غير الشرطة، آلاف من رجال الشرطة، [عربات مصفحة] لا حصر لها، وعربات شرطة من حيث كنت واقفة وحتى مدخل الجامعة الأمريكية. رأيت بركا من الماء الأزرق اللون، كونتها خراطيم المياه التي تستخدمها الشرطة. وكان هناك عشرات الرجال في ثياب مدنية، يحملون الهراوات؛ وبدوا وكأنهم يتميزون غيظاً. فعندما اقتربت رأيتهم يهاجمون مجموعة تضم عشرة أو خمسة عشر من الشبان، ويلوحون بهراواتهم، ولم أر كيف بدأ هذا المشهد، ولكن مما شهدته أدركت أن هؤلاء الشبان لا يمثلون خطراً لأحد؛ ووقفت الشرطة تتفرج بينما كان رجال الأمن ذوو الملابس المدنية يهاجمونهم. وكان الهجوم بالغ العنف، لم أرَ مثيلا له من قبل قط؛ ثم رأيت عدة سيارات تحاول الخروج من المنطقة المطوقة. فهاجم البلطجية السيارات بعصيهم، وحطموا الزجاج الخلفي لإحداها.
    وقال مسؤولو الأمن لهذه الصحفية إنها لا يمكن أن تعبر ميدان التحرير، فسارت بدلا من ذلك في شارع محمود بسيوني نحو ميدان طلعت حرب.

      رأيت في موضعين مختلفين في شارع محمود بسيوني حوالي ستين من هؤلاء البلطجية بالثياب المدنية يحملون الهراوات، ويجلسون على الأسوار الخفيضة، وحوالي مائة آخرين عند ميدان طلعت حرب. وعرفت واحدا منهم، وهو مناد للسيارات في المنطقة التي يقع فيها مكتبي؛ وكان يحمل ماسورة معدنية. فاندهشت لرؤيته هناك وسألته ماذا يفعل، فقال إنه يعمل مع المباحث. وكان هناك العديد من كلاب الشرطة، وشرطة مكافحة الشغب، إلى جانب البلطجية. فعدت أدراجي في شارع محمود بسيوني واتجهت إلى التحرير عبر الشوارع الجانبية. وتركوني أسير عبر صفوفهم. وسألت "أكنتم تضربون الناس اليوم؟" فقال أحدهم "نعم، صدقيني"، وهو ضابط صغير الرتبة في العشرينيات من العمر. وكانوا جميعا يبدو عليهم التعب، وكان الكثيرين منهم جالسين؛ أما البلطجية فتتراوح أعمارهم بين منتصف العشرينيات وأوائل الأربعينيات.(20)

    نقابة المحامين

    تبعد نقابة المحامين عن ميدان التحرير بأقل من كيلومتر واحد، وتقع إلى جوار نقابة الصحفيين. وفي عصر ذلك اليوم كان المحامون قد تجمعوا في نقابتهم لمناقشة الخطوات الواجب اتخاذها من أجل المعتقلين من المتظاهرين. كما تجمع نشطاء وأعضاء بعض أحزاب المعارضة، من بينهم عدد من أعضاء مجلس الشعب، أمام مبنى نقابة المحامين. وذكرت الصحفية المصرية ميرفت لمنظمة هيومن رايتس ووتش أنها وصلت هناك حوالي الساعة السادسة والنصف مساء:
    كانت الشرطة بالزي الرسمي تحيط بالمبنى، وكان هناك حوالي مائتين أو ثلاثمائة شخص يجلسون على الرصيف أمام المدخل. عرفت بعضهم، وهم نشطاء كان لهم دور في الدعوة إلى تنظيم المظاهرات. وكانوا يرددون شعارات تطالب بالإفراج عن المعتقلين. ولم أكن حتى ذلك الوقت قد سمعت بالاعتقالات الجماعية في التحرير. وفي الحقيقة أن المشهد عند نقابة المحامين كان مملا جدا، ولم أجد مشكلة في الانضمام إلى المجموعة الجالسة في المقدمة، وفي التعرف على مجمل ما حدث. لكن الناس كانوا يقولون إنهم يتوقعون حدوث مشاكل، وكانوا قلقين لعدم وجود الإعلام التليفزيوني هناك، وطلبوا مني الاتصال ببعض الأصدقاء من التليفزيون؛ فطلبت صديقة لي تعمل بقناة "الجزيرة".(21)

    وذكر سيد عبد الغني، عضو نقابة المحامين، لهيومن رايتس ووتش أن ضباط الأمن الذين يرتدون الملابس المدنية هاجموا المتظاهرين بهراواتهم في حوالي الساعة السادسة والنصف، "فحاول بعض المتظاهرين الاحتماء خلف بواباتنا، حيث أن نقابة المحامين تعتبر ملاذا". وأضاف أن ضباط الأمن هاجموا بعض المحامين الذين كانوا قد خرجوا في محاولة لحماية المتظاهرين. "ثم دخلت النقابة [نقابة المحامين] مجموعة من ضباط الأمن وأفراد الشرطة، فسدوا المداخل وحبسوا كل من كان بالداخل".(22) وقال محمد راغب، وهو صحفي بجريدة حزب التجمع اليسارية الوطنية وعمره 25 عاما، لهيومن رايتس ووتش إنه كان في اعتصام نقابة المحامين منذ حوالي السادسة مساء، وقال "كنا نجلس هناك وأذرعنا مشتبكة"؛ ومضى قائلاً:

    أحاط بالمبنى أفراد الشرطة الذين يرتدون الزي الرسمي ويحملون الدروع؛ ولم يكن الموقف متوترا، لكن بعض رجال الشرطة الآخرين، ولعلهم خمسة عشر لا يرتدون الزي الرسمي، جاءوا وسدوا المدخل. لم يقولوا شيئا، ولم نسمع تنبيها يطالبنا بالتفرق؛ دخلوا فجأة وراحوا يضربون الناس؛ كانوا يبحثون عن أفراد بعينهم، فضربوا كذلك الآخرين الذين حاولوا الدفاع عنهم حتى تحول الموقف إلى هرج ومرج عام. ولم أتبين القائد المسؤول عنهم؛ ولم يبذلوا أي محاولة للقبض على الناس قبل ضربهم. واعتقلوني أنا أيضا، ولكني كنت واحدا ممن اعتُقلوا بصورة عشوائية.(23)
    وقالت هدى القاهرية التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي إنها اتجهت أيضا من ميدان التحرير إلى نقابة المحامين، وقالت "كانت جماعة منا تقف أمام المبنى"،

    والتف رجال الشرطة ذوو الزي الرسمي في حلقة حولنا، ثم بدأ رجال الشرطة الذين يرتدون ثياباً مدنية داخل هذه الحلقة يختارون من يشاؤون - فإن لم يعجبهم منظر أحد، جروه خارج الحلقة إلى إحدى عربات الشرطة. وأمسكوا بأحد أصدقائنا، فتبعه أربعة منا وهم يصيحون "إن كنتم ستأخذونه، فخذونا معه". ثم بدأوا يضربوننا بالعصي، وأمسكوا فتاة من شعرها وجروها معهم وهم يركلونها، ويتحسسون جميع أجزاء جسمها - وكانوا يتحسسون أجساد النساء ويمسكون بأثدائهن.
    وقالت الصحفية ميرفت إنها كانت قبل ذلك قد دخلت إلى مقر نقابة المحامين، ثم خرجت من الباب الخلفي الذي يفضي إلى الحديقة. وقالت إنه كان هناك حوالي عشرة أشخاص في الحديقة وإنها رأت حوالي 200 شخص في شارع عبد الخالق ثروت الذي يمر بامتداد الناحية الجنوبية الغربية لنقابة المحامين ويفصله عن الحديقة سور خفيض.

    لم أتبين من هؤلاء الناس، ثم بدأت جماعة منهم تجري نحو واجهة المبنى إلى مكان الاعتصام فعدت إلى الأمام. وكان هناك رجلان يسدان البوابة بألواح خشبية طويلة. وكان معظم المتظاهرين بالخارج، ولم يعد أحد يستطيع الدخول أو الخروج. وصاح بي شخص يقول "انبطحي وإلا قبضوا عليك". ثم سمعت صراخا من الحديقة، وكان أحدهم يصيح أنهم يضربون حمدين صباحي [عضو مجلس الشعب] فجريت عائدة إلى الخلف. ورأيته [صباحي] جالسا على كرسي في شارع عبد الخالق ثروت، والدم يسيل من وجهه. وبدا وكأنه شبه مغمىً عليه؛ وكان هناك رجل يرقد في الحديقة وينزف بغزارة. ودخلت صديقتي التي تعمل بقناة "الجزيرة" إلى الحديقة من على السور، وقالت إن البلطجية جروا نحوها وانتزعوا حقيبتها وأخذوا الكاميرا التليفزيونية من المصور.(24)
    وقالت ميرفت لهيومن رايتس ووتش، وهي تستجمع بذاكرتها ما حدث، إن بعض أفراد الشرطة ذوي الملابس المدنية كانوا يضربون الرجل الذي رأته في الحديقة، وهو طارق عبد الفتاح البالغ من العمر 40 عاما. أما حمدين صباحي، عضو مجلس الشعب، البالغ من العمر 49 عاما، فكان قد خرج من المبنى المجاور، وهو مبنى نقابة الصحفيين، عندما سمع الصدام، وحاول أن يتدخل لحماية عبد الفتاح، لكنه تعرض بدوره للاعتداء عليه.

    وقال محمد زكي، وهو محامٍ في أوائل الثلاثينيات من العمر، لهيومن رايتس ووتش إنه حينما حاول التدخل لإيقاف الضرب الذي تعرض له عبد الفتاح، جره الضباط من قدميه عبر الشارع. وعندما حاول زكي التدخل، ضربته الشرطة بدوره فأصيب بكسر في الترقوة.
    أمسكني خمسة أو ستة من الرجال وألقوا بي في الشارع. وأخذوا كرسيين خشبيين وكسروهما علي وأنا ملقى على الأرض، راقدا على جاني الأيمن. فقالوا "اقلبوه على الجانب الآخر". فعرفت أن المسألة ستطول أكثر مما احتمل فتظاهرت بالإغماء، ولكن عندما أمسكوني من ذراعي وقدمي أحسست بألم الكسر فصرخت، فعرفوا أنني لم أفقد الوعي، وبدؤوا يضربونني مرة أخرى بأرجل الكرسيين.(25)

    كما تعرض عضو مجلس الشعب محمد فريد حسنين، البالغ من العمر 63 عاما، للضرب في ذلك اليوم قرب نقابة المحامين. وكان يحيى فكري، وهو مهندس، موجودا في نقابة المحامين أيضا في ذلك اليوم، وقال لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه رأى أربعة أو خمسة من الضباط يجرون حسنين عبر الشارع، بينما كان آخرون يضربونه بالعصي.(26) وقد ألقي القبض على حسنين وصباحي بعد ذلك بيومين، بينما كان حسنين في مستشفى مصر الدولي، كما أفادت ابنته،(27) وبينما كان صباحي في بيته.
      وكان جمال عيد، البالغ من العمر 39 عاما، من بين العديد من المحامين الذين تعرضوا للضرب والاعتقال في نقابة المحامين، وهو عضو في لجنة الحريات بالنقابة، وسبق أن تولى الدفاع عن عدد من المتظاهرين الذين اعتُقلوا في مظاهرات سابقة.(28)

      كنت في نقابة المحامين، حيث كانت مجموعة منا [من المحامين] مجتمعة لتقييم المعلومات التي تلقيناها عن المعتقلين وعن أماكن اعتقالهم. سمعنا جلبة بالخارج، فخرجنا إلى المدخل الأمامي، ورأيتُ رجال الشرطة ذوي الثياب المدنية يضربون المتظاهرين فحاولت المساعدة [لحمايتهم]. ورأيت رجال الأمن يدخلون الكافيتيريا [في حديقة نقابة المحامين]. وأشار أحمد العزازي [أحد الضباط بالملابس المدنية] إلى أناس معينين لتعقبهم. وأمسك بي ثلاثة أو أربعة منهم، وفي البداية لم أدر أنهم يلقون القبض علي. ثم أطلق بعض من أمسكوا بالآخرين سراحهم، وجاؤوا لينضموا إلى زملائهم الذين كانوا يضربوننا.

    وقال عيد إن قوات الأمن التي ضربته دفعته بعد ذلك إلى "لوري" (شاحنة) شرطة في شارع عبد الخالق ثروت، "ومن داخله رأينا الضرب والاعتقال مستمراً".(29)
    وذكر ياسر فرج، وهو محامٍ آخر في أوائل الثلاثينيات من العمر، لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن بعض الضباط بالملابس المدنية قفزوا من على السور إلى الحديقة، ثم سدوا الباب وراحوا يضربون الناس عشوائيا. وقال "حاولت الهرب لكن سبعة منهم جذبوني وضربوني ودفعوني إلى سيارة للشرطة. ثم أمرهم أحمد العزازي أن ينتظروا، وضربني في رأسي بجهاز لاسلكي. وقال إنه ضربني بسبب "كل هذا"".(30)

      وذكر زياد العليمي، وهو محام عمره 23 عاما، لمنظمة هيومن رايتس ووتش أنه كان في الحديقة مع جمال عيد وياسر فرج لجمع أسماء من اعتقلوا في وقت مبكر من ذلك اليوم. فاندفع أربعة من رجال الشرطة، وجذبوهم إلى الخارج. وقال العليمي "حاولوا أن يدخلوا جمال في السيارة بالقوة، وعندما ضربوه تدخلت. فجاءني أحدهم من الخلف وضربني بهراوته على رأسي وكتفي وذراعي ورجلي؛ وعندئذٍ كسروا ذراعي".(31)

    كما تعرض للضرب أيضا الطالبان عمرو محمد عبد اللطيف ووليد عبد الرزاق فؤاد، أثناء اقتيادهما للحجز؛ وكان قبض عليهما في 12 أبريل/نيسان، ثم أفرج عنهما في 15 أبريل/نيسان (انظر ما تقدم). وذكر أحدهما لهيومن رايتس ووتش أنه تعرض هو ورفاقه للضرب أثناء القبض عليهم.
    كان ذلك يوم السبت، وقت الظهر تقريبا. وكنا نسير في طريقنا إلى نقابة الصحفيين، ذاهبين إلى المظاهرة، فجذبنا ثمانية أو تسعة من رجال الشرطة بالملابس المدنية وجرونا إلى إحدى عربات الشرطة، وضربونا على ظهورنا وفي وجوهنا ثم قيدونا بالأغلال وألقوا بنا داخل السيارة. لم يفصحوا عن هويتهم، ولم يقولوا لنا أي شيء عندما أخذونا".(32)

    الإفراط في استخدام القوة من منظور القانون الدولي

    عمد ضباط الأمن وأفراد الشرطة المصرية الذين يرتدون ثياباً مدنية إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين يوم 21 مارس/آذار وفي الاعتقالات التالية المتعلقة بهذه المظاهرات، على نحو يخالف المعايير الدولية لتنفيذ القانون والقانون المصري. إذ تفرض مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (مدونة السلوك) على من يمارس صلاحيات الشرطة ضرورة حماية "جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية"، وفي أثناء قيامهم بواجباتهم، تنص على أن يحترم هؤلاء الموظفون "الكرامة الإنسانية ويحموها، ويحافظوا على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدوها".(33) وطبقا للمادة 3 من المدونة "لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم".(34) كما تنص المدونة على أنه "لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، وعلى أن "يسهر الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين على الحماية التامة لصحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، وعليهم، بوجه خاص، اتخاذ التدابير الفورية لتوفير العناية الطبية لهم كلما لزم ذلك".(35)

    كما تنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين على أنه يجب "على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، إذ يؤدون واجبهم، أن يستخدموا، إلى أبعد حد ممكن، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية"، وعلى أنهم لا يجوز لهم استخدام القوة "إلا حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة أو حيث لا يتوقع لها أن تحقق النتيجة المطلوبة".(36) فإذا لم يكن هناك بد من استخدام القوة فيجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين "(أ) ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المشروع المراد تحقيقه؛ (ب) تقليل الضرر والإصابة إلى أدنى حد...؛ (ج) التكفل بتقديم المساعدة والإسعافات الطبية في أقرب وقت ممكن إلى الشخص المصاب أو المتضرر". (37) و"عند تفريق التجمعات غير المشروعة، إنما الخالية من العنف"، تستوجب المبادئ الأساسية من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين "أن يتجنبوا استخدام القوة، أو، إذا كان ذلك غير ممكن عملياً، أن يقصروه على الحد الأدنى الضروري".(38) وطبقا للمبادئ الأساسية، "يجب على الحكومات أن تكفل المعاقبة على الاستخدام التعسفي للقوة أو الأسلحة النارية أو إساءة استخدامها من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، باعتبار ذلك جريمة جنائية بمقتضى قوانينها".(39)

    إن قوات الأمن المصرية إذ حاولت منع المتظاهرين من التجمع في ميدان التحرير يوم 21 مارس/آذار، ثم اعتدت بعد ذلك على الأشخاص المتجمعين أمام مبنى نقابة المحامين، لم تتبع القواعد الخاصة بتنفيذ القانون المصري التي تسري في مثل هذه الحالات، والتي وردت في القرار الوزاري 193/1955. إذ ينص هذا القرار الخاص بالتجمعات والمظاهرات في الأماكن العامة على ضرورة قيام السلطات بتحذير المتجمهرين بصورة مسموعة، لتحدد لهم وقتا معينا يكفي للتفرق من مكان التجمهر ولتبين لهم التوجيهات والطريق الواجب استخدامها للمغادرة.(40) وينص هذا القرار على أنه إذا لم يتفرق المتجمهرون، فلا بد من إعطائهم إنذاراً ثانياً يحذر من أن قوات الأمن قد تلجأ إلى استخدام الغاز المسيل للدموع والعصي لتنفيذ أمر التفرق.(41) إلا أن هذا القرار نفسه يتناقض على ما يبدو مع المعايير الدولية لتنفيذ القانون من حيث أنه يسمح أيضاً باستخدام الأسلحة النارية الخفيفة بتصويب نيرانها على الأرجل إذا أبى الحشد أن يتفرق.(42)