Human Rights Watch
HRW World Report 1999
Over View - MENA
HRW World Report 1999 - English
MENA Overview
Human Rgiths Developments
Human Rights Defenders
International Community
Work of Human Rights Watch
Algeria
Bahrain
Egypt
Iran
Iraq & Kurdistan
Israel
Saudi Arabia
Syria
Tunisia
التطورات في مجال حقوق الإنسان

كانت أنباء التعثر في إحراز أي تقدم نحو إنهاء الحرب الأهلية في الجزائر، وتراوح عمليات التفتيش عن الأسـلحة بين التوقف والاستئناف والعقوبات الشاملة المفروضة على العراق، وكذلك المفاوضات التي تكاد تلفـظ أنفاسها الأخيرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية هي العناوين التي تتصدر الأنباء الواردة من المنطقة. وقد كانت لهذه التطورات آثارها السلبية إلى حد كبير على حقوق الإنسان. ولكن الذي لم يلتفت إليه الناس إلى حد بعيد هو التدهور المُطّرد الذي تعرضت له حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الحقوق الأساسية الأخرى لم تكن تحظى بالاحترام في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واستمر نمط الانتهاكات على حاله أو ازداد سوءاً. كما كان من المخيب للآمال ألا تشهد الساحة مظاهر تحسن ملموسة في علاج المشكلات التي طال عليها الأمد مثل الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاختفاء وعقوبة الإعدام.

وإذا كان المجتمع الدولي قد انتبه آخر الأمر إلى الصراع الداخلي المستمر في الجزائر، فإن ذلك لم يمنع قتل آلاف الرجال والنساء والأطفال، والتزايد المستمر في عدد الذين اختفوا. أما في العراق فقد استمرت العقوبات، مقترنة بالسياسات الحكومية، في إحداث أثرها المدمر على حياة المدنيين. وفي سبتمبر/أيلول قال دنيس هاليداي، الذي كان آنذاك منسق المعونة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة، إن عدداً من الأطفال يتراوح بين أربعة آلاف وخمسة آلاف طفل يموتون دون داعٍ كل شهر، بسبب الآثار المترتبة على العقوبات، ومنها انهيار شبكة المياه والمرافق الصحية، ونقص الغذاء، وسوء الحالة الصحية الداخلية. كما أدى الصراع العسكري في جنوب لبنان المحتل إلى وقوع انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وبعض القتلى والجرحى من المدنيين، شـأنه في ذلك شأن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأراضـي المحتلة. وكان المجتمع المدني بمثابة أرض يباب في كل من المملكة العربية السعودية، والعراق، وليبيا وسـوريا، حيث أن ممارسة حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير أمر بعيد المنال تماماً. ولم تكتف الحكومة في تونس بمحاولة تقديم مفهومها الخاص لحقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية، بل توصلت بتدابير قمعية، ووحشية أحياناً، لتكميم أفواه دعاة حقوق الإنسان التونسيين الذين حاولوا تقديم صورة أصدق عن الوضع.

واستمرت معاناة اللاجئين الفلسطينيين داخل المنطقة وخارجها من عواقب عجزهم عن ممارسة حقهم في التمتع بجنسية. ولم يستطع اللاجئون الفلسطينيون الذين يتلقون المساعدة من "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" التابعة للأمم المتحدة، أن يتمتعوا بالحماية الدولية المتاحة لجميع اللاجئين الآخرين، لأن اتفاقية عام 1951 المتعلقة بأوضاع اللاجئين، والبروتوكول الملحق بها عام 1967، لا ينطبقان تحديداً على اللاجئين الذين استمروا في تلقي الحماية أو المساعدة من الهيئات أو الوكالات الأخرى التابعة للأمـم المتحدة. وكان ما يربو على 300 ألف لاجئ فلسـطيني في لبنان، ومن بينهم الكثيرون ممن يعيشون في فقر مدقع، يتعرضون لقيود صارمة على حريتهم في التنقل وحقهم في العمل.

وقد شهد العام المنصرم، رغم القتامة التي غلبت عليه، بوارق مضيئة تجلت في بعض التطورات الإيجابية، مثل إطلاق سراح عدد من السجناء، ومساءلة الحكومات عن الانتهاكات السابقة والمصادقة على عدد من المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان. وربما كانت أهم بوارق الأمل تتمثل في الحالات العديدة التي قام فيها دعاة حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، على المستوى المحلي، بحشد الجهود للحيلولة دون تفاقم تقليص الحقوق ولمساءلة أصحاب السلطة عما يفعلون. إلا أن من الممكن أن ينسب الفضل في بعض هذه التطورات المشجعة إلى الحكومات نفسها.

فقد اتخذ المغرب إجراءات ملموسة لحل بعض المشكلات التي طال عليها الأمد في مجال حقوق الإنسان، حيث قال الملك الحسن الثاني في الخطاب الذي ألقاه في البرلمان يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول وأُذيع على الهـواء مباشرة إن المغرب قد عقد العزم على إغلاق ملف حقوق الإنسان بصورة نهائية في غضون ستة شهور. وفي الأسبوعين التاليين أُطلق سراح 28سجيناً من أفراد الجماعات الإسلامية، كما أُميط اللثام رسمياً ولأول مرة عن مصير ما يربو على 100 مواطن مغربي من الذين "اختفوا"، وكان بعضهم قد اختفى منذ فترة طويلة، بل منذ الستينيات. فقد أُعلن أن 56 من هؤلاء قد تُوفّوا. ولكن أكبر منظمتين مستقلتين لحقوق الإنسان في المغرب لا تزالان تقولان إن "إغلاق ملفات" هذه القضايا يقتضي اتخاذ المزيد من الإجراءات، مثل البت في المزيد من حالات "الاختفاء" وقضايا السجناء السياسيين، وإعادة رفات الموتى إلى أسرهم، ودفع التعويضات لهم ومقاضاة المسـؤولين عن حالات "الاختفاء" والوفاة في الحجز. وتصر هاتان المنظمتان على أن قضية "الاختفاءات" لن تُحل حلاً مقنعاً إلا بإجراء تحقيق مستقل.

وأطلقت سوريا سراح بعض السجناء السياسيين الذين قضوا أطول مدة في السجن في المنطقة. ومن بينهم المحامي رياض الترك الذي ظل معتقلاً دون تهمة منذ عام 1980، ومصطفى توفيق فلاح، الذي اعتُـقل عام 1970 وظل محتجزا 13 سنة بعد انقضاء مدة عقوبته. كما أفرجت السلطات السورية عن 121 لبنانياً كانوا قد اعتُقلوا في سوريا دون تهمة، ودون أن تعترف السلطات بمكان وجودهم. وأفرج العراق خلال العام عن عدد من السجناء المصريين والأردنيين، كما تبادل مع إيران الآلاف من أسرى الحرب الذين كانوا محتجزين منذ الثمانينيات. وأصدرت الكويت عفواً عن عدد من السجناء الأردنيين والعراقيين الذين كانوا قد أُدينـوا في محاكمات جائرة عام 1991، وأعلنت في يونيو/حزيران أنها سوف تغلق سـجن طلحة ذي السمعة السيئة. واستطاعت قضية الاختفاء أن تحظى أخيراً بانتباه الرأي العام، بفضـل إثارتها المتواصلة والملحة من جانب أسر المختفين والمدافعين عنهم، وزيادة التغطية الصحفية لها محلياً، وجـهود الوفود الزائرة، وتدخل منظمات حقوق الإنسان. كما سمح السلطان قابوس للمرأة في عُمان بترشيح نفسها للانتخاب والانضمام إلى عضوية مجلس الشورى، مما أدى إلى توسيع نطاق مشاركة المرأة في الحياة العامة

وصادقت دولتان من دول الخليج على اتفاقيتين دوليتين رئيسيتين، إذ صادقت المملكة العربية السعودية على "اتفاقية مناهضة التعذيب"، و"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، كما وقعت البحرين على "اتفاقية مناهضة التعذيب". ورغم التحفظات المهمة التي شابت مصادقة الدولتين، فقد خشيت البحرين أن تصدر "لجنة حقوق الإنسان الفرعية" بالأمم المتحدة قراراً ثانياً يتضمن نقداً لها، فأعلنت عن استعدادها للسماح بزيارة "الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي" التابع للأمم المتحدة إلى البحرين.

وشهدت بلدان كثيرة في المنطقة زيادة تضييق الحيز المتاح في الحياة العامة لحرية التعبير، وكانت وراء ذلك الحكومات التي تسعى لتكميم أفواه منتقديها، والجماعات السياسية التي تستعمل العنف أو تتسم بالتعصب وتريد أن تُخمد كل رأي مخالفٍ أو خروجٍ عما ترى أنه المذهب الديني الصحيح. ومع ذلك، ورغم استمرار هذا الاتجاه الذي يبعث على القلق، فلقد شهدت المنطقة من المغرب إلى إيران عدة حالات هبّت فيها أجهزة الإعلام المستقلة، والجمعيات المهنيّة، والمنظمات غير الحكومية، والأحزاب السياسية، وأعضاء البرلمان المنتخبون، للفت الأنظار إلى الحقوق المنتهكة، والفساد الحكومي، وانتقاد التشريعات القمعية القائمة أو المقترح إصدارها، ومناصرة قضية حقوق الإنسان، غير عابئين بما يتعرضون له في حالات كثيرة من بعض الأخطار.

وقد أشارت لجنة الحريات التابعة لاتحاد الصحفيين العرب في المؤتمر الذي عقدته لمدة يومين في بيروت إلى ما تشهده بعض البلدان العربية من تدهور في الأوضاع الخاصة بحرية التعبير، والقيود السياسية والتشريعية المفروضة على الصحافة، وساقت الدليل على ذلك من العقوبات التي تضيّق الخناق على الصحفيين، مثل الحبس والغرامات المالية الباهظة، ومظاهر الإرهاب الفكري المتصاعد، والذي تمارسه شتى القوى والاتجاهات. والواقع أن السلطات قامت في غضون العام بالقبض على بعض الصحفيين وإغلاق بعض الصحف وغيرها من وسائل الإعلام فيما يربو على نصف عدد بلدان المنطقة متذرعة بشتى الأسباب.

ففي مصر، صدرت لأول مرة أحكام بحبس ستة صحفيين، وذلك حسب المعلومات المتوفرة حتى يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، بعد إدانتهم بتهمة السب والقذف الجنائية، واستمرت الرقابة المفروضة على الصحف المستقلة، إلى جانب غيرها من القيود، كما أُغلقت صحيفة "الدستور" الأسبوعية التي كانت تحظى بشعبية واسعة. وأغلقت السلطات في إيران أهم صحيفة مستقلة، وهي صحيفة "طوس"، وألقت في السجن بأربعة من محرريها، إلى جانب غيرها من الصحف والدوريات والمجلات الإيرانية، في محاولة من المحافظين لقمع حرية النقاش التي استمر ازدهارها في ظل حكم الرئيس محمد خاتمي الذي يناصر دعوة الإصلاح. وأصدرت محكمة عسكرية في لبنان حكماً غيابياً على صحفي يعمل بصحيفة "النهار" الأسبوعية، اسمه بيار عطا الله؛ ويقضي الحكم بحبسه ثلاث سنوات وغرامة مالية، عقاباً على نشره مقابلة صحفية مع إيتيان صقر، زعيم إحدى الميليشيات اللبنانية الذي حُكم عليه غيابياً بالإعدام بتهمة التعاون مع إسرائيل. وأصدرت إحدى المحاكم الكويتية على رئيس تحرير "القبس"، واسمه محمد الصقر، حكماً بالحبس ستة أشهر ودفع غرامة مالية، في شهر يونيو/حزيران، بسبب نشره فكاهة رأت وزارة الإعلام أنها تسئ إلى الحكومة، ولكن محكمة الاستئناف أرجأت تنفيذ حكم الحبس ريثما تصدر المحكمة الدستورية حكمها في الاستئناف المرفوع إليها

وواصلت البحرين فرض الحظر الفعلي على أي أنباء يرسلها المراسل المحلي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) باللغة العربية، كما هددت بمعاقبة أحد الكُتّاب الصحفيين المحليين المشهورين، واسمه حافظ الشيخ، إذا أقدم على نشر أي مقال في البحرين أو خارجها. أما في تونس فقد كانت القيود غير المباشرة المفروضة على الصحافة ثقيلة الوطأة إلى الحد الذي أصبحت معه الصحف الخاصة لا تكاد تختلف عن الصحف الحكومية في تغطيتها لسياسات الحكومة. ورغم وفرة المطبوعات الأجنبية عند باعة الصحف في الأحوال العادية، فإنها لم تكن تظهر إذا كانت الطبعة تتضمن من المواد ما تراه الحكومة مناهضاً لها، مثل عدد شهر يونيو/حزيران من مجلة "لوموند دبلوماتيك" الفرنسية

وارتفعت أصوات قوى المجتمع المدني في الأردن، على مدار العام، ضد قانون المطبوعات والنشر المقترح، وواصلت حملتها بعد أن أصبح القانون ساري المفعول اعتباراً من أول سبتمبر/أيلول. واستجاب رئيس الوزراء الجديد، فايز الطراونة، فوعد بعدم التشدد في تطبيق القانون الجديد وبتحسين العلاقات بين الحكومة والصحافة. ولكن رئيس نقابة الصحفيين في الأردن، سيف شريف، أكد مع غيره ضرورة تعديل القانون، قائلاً إننا لا نستطيع أن نترك [تطبيق] مثل هذا القانون رهناً بإرادة أصحاب السلطة، حيث أن الصحفيين لا يشعرون بالاطمئنان في ظل القانون الحالي، ولن يحسوا بالأمان حتى تتغير الأوضاع بصورة قانونية

وشهد العام المنصرم حالة واحدة على الأقل خففت فيها الحكومة من القيود الرقابية، إذ حلّت حكومة الجزائر اللجان التي كانت تتولى الرقابة المسبقة على وسائل الإعلام المطبوعة، ولم تعد تتشدد في تطبيق شرط الحصول على إذن سابق من السلطات لنشر الأنباء المتعلقة بالأمن، كما بدأت في إذاعة المناقشات البرلمانية على شاشة التليفزيون، وعلى الهواء مباشرة، مما أتاح التنوع في وجهات النظر السياسية التي يعرضها التليفزيون. كما كان من التطورات الإيجابية الجديدة إقبال الناس في الكثير من بلدان المنطقة على مشاهدة برامج التليفزيون التي تذيعها المحطات الأوروبية ومحطات الشرق الأوسط عبر الأقمار الصناعية، بعد أن قررت معظم الحكومات ألا تتدخل لعرقلة استقبال بث القنوات الفضائية التي يحبها الكثيرون، كما أن الحكومات التي قررت السماح للجمهور باستعمال شبكة الاتصالات الإلكترونية (إنترنت) لم تضع من الضوابط على استعمالها ما يماثل في شدته، بصفة عامة، الضوابط الموضوعة على استخدام وسائل الإعلام المطبوعة أو المذاعة، ولو أن استعمال الجمهور للإنترنت ظل محظوراً، حتى أكتوبر/تشرين الأول، في المملكة العربية السعودية، والعراق، وليبيا وسوريا

كما أصبح الصراع سافراً في كثير من البلدان بين المدافعين عن الحق في حرية تكوين الجمعيات وحرية الاجتماع وأولئك الذين يسعون لوضع القيود على هذا الحق. ففي البحرين قدم أعضاء جمعية المحامين طعناً قانونياً في القرار الذي اتخذه وزير العمل والشؤون الاجتماعية بحل مجلس الإدارة المنتخب، واستبداله بمجموعة منتقاة بعناية من المحامين الموالين للحكومة. وواصلت الحكومة الإيرانية وضع القيود على الجمعيات المستقلة، وواصلت لجان الأمن الأهلية، ذات الروابط مع رجال الدين المحافظين والتي تستعمل العنف، وضع القيود على حرية الاجتماع وحرية التعبير. وعمل دعاة حقوق الإنسان، وغيرهم من العناصر النشيطة، بالتعاون الوثيق مع المجلس التشريعي الفلسطيني على تحسين مشروع القانون الذي يحكم عمل المنظمات غير الحكومية في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية. ورغم أن مشروع القانون المذكور قد رُفع إلى الرئيس عرفات للمصادقة عليه في أغسطس/آب، فإنه لم يكن قد تم التوقيع عليه بحيث يصبح قانوناً نافذاً حتى كتابة هذا التقرير

وأسرع العاملون في مجال حقوق الإنسان في مصر بتعبئة قواهم للتنبيه إلى الأخطار الكامنة في مشروع قانون جديد يستهدف زيادة القيود المفروضة على أنشطة جميع المنظمات غير الحكومية والسماح للدولة بزيادة التدخل في إدارة شؤونها. وأقرت وزيرة الشؤون الاجتماعية مرفت التلاوي، في يونيو/حزيران، بأن المنـظمات غير الحكومية تضطلع بدور تزداد أهميته في مصر، وقالت إن مشروع القانون الذي يستهدف تنظـيم أنشطتها، بما يتضمنه من قيود صارمة وما يثيره من خلاف، لم يخرج إلى النور إلا بعد ستة أشـهر من المفاوضات وصياغة العديد من المسودات. وأشارت إلى القانون رقم 32 لعام 1964، الذي طالما تعرض للطعن، والذي قُصد بالقانون الجديد أن يحل محله، قائلة إن أحد أسباب وضع التشريع الجديد هو إلغاء المواد التي طالما أثارت شكوى المنظمات غير الحكومية، وخصوصاً جماعات حقوق الإنسان

وشهدت الأردن فرض قيود جديدة على حرية التجمع، ففي 10 فبراير/شباط أصدر وزير الداخلية آنذاك ناظر رشيد حظراً صارماً على جميع المظاهرات، وأعقب ذلك استخدام الشرطة للقوة ضد المواطنين الأردنيين الذين كانوا يسيرون في مظاهرة سلمية للاحتجاج على احتمال قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق. وقال الدكتور عبد الله النسور الذي كان نائبا لرئيس الوزراء آنئذ في اليوم التالي لإعلان الحظر المذكور إن الشعب الأردني ليس في حاجة إلى القيام بالمظاهرات للتعبير عن آرائه، فأبناء الأردن يعبرون عن رأيهم بالوسائل المتحضرة التي تستخدمها الأمم المتحضرة. وقد أدانت المنظمات الأردنية لحـقوق الإنسان ذلك، وما أعقبه من لجوء شرطة مكافحة الشغب إلى القوة ضد الذين شاركوا في المظاهرة السلمية. وذكرت "الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان" أن نمط القمع بدأ قبل المظاهرات المؤيدة للعراق، مشيرة إلى استخدام القوة في عام 1997 لتفريق الصحفيين الذين كانوا يتظاهرون احتجاجاً على القيـود التي جاءت بها تعديلات قانون الصحافة، وطلاب الجامعة الذين كانوا يتظاهرون في سبيل حقهم في تشـكيل اتحاد للطلبة. ودعا الفرع الأردني للمنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى محاكمة المسؤولين عن الاعتداء بالضرب على المشاركين في المظاهرة السلمية يوم 13 فبراير/شباط عند المسجد الحسيني في عمان

وقد شهد العام أيضاً ما يُعتبر اعترافاً غير مباشر من الحكومات بأن الحكم عليها يستند إلى مدى نجاحها في حماية حقوق الإنسان. إذ تزايد استعمال المسؤولين لمصطلحات حقوق الإنسان حتى في غضون دفاعهم عن التشريعات المقترح إصدارها والتي تضع القيود على تلك الحقوق، على نحو ما حدث في اليمن مثلاً في أغسطس/آب حين قدّمت الحكومة مشروع قانون لتنظيم القيام بالمظاهرات والاجتماعات، فإذا بوزير الشؤون القانونية عبد الله أحمد غانم يشير إلى الحق الديموقراطي في تنظيم المسيرات والمظاهرات، في مقابلة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" (لندن) بتاريخ 31 أغسطس/آب، قائلاً إن التشريع المقترح لا يرمي إلى مصادرة حق التعبير عن الأفكار أو تقييد هذا الحق. وكذلك فإنه ما إن صادق مجلس النواب المنتخب في الأردن يوم 9 أغسطس/آب على قانون الصحافة، بما يفرضه من قيود شديدة عليها، حتى قال السيد عبد الله النسور، الذي كان وزيراً للإعلام ونائباً لرئيس الوزراء آنذاك، إنه يعتبر التشريع خطوة مهمة على طريق حرية الصحافة، كما تجاهل أحكام القانون التي تتضمن حظراً على موضوعات بالغة التنوع، قائلاً إن القانون يؤكد الحق في حرية بحث القضايا وحرية التعبير عن الآراء

كما تعرضت المرأة للتمييز ضدها، بسبب جنسها، بصورة منتظمة، خصوصاً في الدول التي تطبق قوانين الأحوال الشخصية المستندة إلى الدين، حيث تمنح قوانين الأسرة، التي تتسم بالتميز الصارخ، حقوقاً أكبر للأزواج فيما يتعلق بالطلاق والوصاية على الأطفال والميراث. كما قامت "الرابطة التونسية للنساء الديمـوقراطيات" بتذكير الحكومة التونسية بأن حقوق المرأة تتضمن حقها في الدفاع علناً عن قضاياها، وهو ما تُمـنع في أحيان كثيرة من القيام به، رغم أن قوانين الأسرة في تونس تنص على قدر أكبر من المساواة بين الجنسين. ولا تتضمن القوانين الإسرائيلية النص على إمكانية الزواج المدني، بل تحيل قضايا الزواج والطلاق والوصاية على الأطفال إلى المحاكم الشرعية، يهودية كانت أم إسلامية أم مسيحية أم درزية، وهي التي كثيراً ما تصدر أحكاماً يشوبها التمييز الشديد، ففي القضايا التي يرفض فيها الأزواج طلاق زوجاتهم، تسـمح المحاكم الشرعية اليهودية للأزواج بالزواج من جديد ولا تسمح للزوجات لا بالطلاق ولا بالزواج مرة ثانية. وحاول البرلمان الإيراني إسكات أصوات المناضلين في سبيل إصلاح قانون الأسـرة بإصدار قانون يقضي بتجريم أي دعوة للمساواة بين المرأة والرجل في قانون الأسرة ولاحترام حقـوق المرأة، استناداً إلى أن مثل هذه الدعوة تؤدي إلى الفُرقة داخل المجتمع. وتواجه المرأة في المملكة العربية السعودية وكثير من بلدان الخليج التمييز ضدها في النظم المؤسسة، مما يحد من حريتها في التنقل وتكوين الجمعيات وحقها في المساواة والتوظف والتعليم

واستمرت المشاكل التي تكتنف إقامة العدل في شتى أرجاء المنطقة، ولم يعد من اليسير أن نصادف نظاماً قضائياً محايداً نزيهاً لا يشوبه الفساد ويتمتع بالاستقلال التام، وهو ما لابد من وجوده لحماية الحقوق الأسـاسية. إذ ظلت قوانين الطوارئ أو القوانين الاستثنائية سـارية، وهي التي لا يسمح بها القانون الدولي إلا في الظروف الاستثنائية ولفترات محدودة، كما ظلت تفرض القيـود على الحقوق الأساسية في الجزائر ومصر وإيران والعراق وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وسوريا. واستمرت محاكم الأمن الخاصة، التي لا تفي إجراءاتها بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، تعمل في مصر والبحرين والأردن وسوريا والمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية. وكانت المحاكم الإسلامية الثورية في إيران، والمحكمة الخاصة برجال الدين تتسم بالجور الشديد، كما كانت الأحكام التي يصدرها المجلس العدلي في لبنان، حتى أحكام الإعدام، غير قابلة للاستئناف. وكانت الجزائر قد قامت في عام 1995 بحل المحاكم الخاصة التي كانت قد أُنشئت بموجب مرسوم مكافحة الإرهاب، ولكن هذا المرسوم أُدرجت نصوصه في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، فتحول ما كان مرسوماً من مراسيم الطوارئ إلى تشريع دائم. وأيدت المحكمة العليا في إسرائيل استعمال قانون الطوارئ لاحتجاز المواطنين اللبنانيين إلى أجل غير مسمى لاستخدامهم في المساومات التي قد تجري في المفاوضات مستقبلا، رغم إدراكهم أن المحتجزين أنفسهم لم يكونوا يمثلون أي خطر على أمن الدولة

واستمرت المحاكم في إصدار أحكام الإعدام، ونُفّذت أحكام الإعدام في مصر، وإيران والعراق والأردن، والكويت، ولبنان، والمملكة العربية السعودية، وسوريا واليمن. وفي أغسطس/آب أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح توسيع نطاق تطبيق العقوبة بحيث يُحكم بالإعدام على مرتكبي جريمة الاختطاف، وفي الشهر نفسه قامت السلطة الفلسطينية بتنفيذ أول أحكام بالإعدام، إذ أُعدم شخصان رمياً بالرصاص بعد يوم واحد من محاكمتهما محاكمة فورية أمام محكمة عسكرية، كما صـدرت أحـكام الإعدام على ما لا يقل على 13 شخصاً آخر ولكنها لم تنفذ حتى الآن

وتعرض السجناء للمعاناة من قسوة أحوال السجن ومن المعاملة التي لم يتحقق فيها الحد الأدنى مما تنص عليه المعايير الدولية. وقد انصب الاهتمام في لبنان، إبّان شهر إبريل/نيسان، وبصورة بارزة، على أحوال السجون عندما قام النزلاء بأعمال شغب على مدى يومين في سجن الرميح المركزي المكتظ بالسجناء، في وسط بيروت، وهو أكبر سجون الدولة. وكان السجناء المتظاهرون يحملون لافتات كتب عليها: لا نريد إلا تحسين الأحوال. وورد أن هذه الاضطرابات قد اندلعت نتيجة قيام الحراس بضرب أحد السجناء وتحريقه، مما دفع وزير الداخلية، ميشال المر، إلى زيارة السجن، والاعتراف بأن وضع 43 سجيناً في زنزانة واحدة يُعتبر أمراً شاذاً، وأصدرت "الرابطة اللبنانية لحقوق الإنسان" بياناً صحفياً تلقي فيه على السلطات مسؤولية تفجر أعمال العنف في سجن الرميح، إذ كانت المشكلة معروفة ويدركها الجميع منذ وقت طويل. وأصدرت مجموعتان من مجموعات حقوق الإنسان في مصر تقارير مفصلة على مدار العام، تركز فيها على التجاهل الشديد للرعاية الطبية للسجناء مما أدى إلى وفاة بعضهم. كما كان السجناء السياسيون في تونس يتعرضون للمعاناة من التكدس الشديد ومن الضرب وغير ذلك من الإجراءات التأديبية القاسية، ولم تكف السلطات عن نقلهم من سجن إلى سجن، مما كان يضطر أفراد أسرهم إلى السفر مسافات طويلة لزيارتهم

وفي إطار هذه الأحوال الخطيرة نهض القضاة المستقلون في العديد من البلدان بدور إيجابي وأصدروا من القرارات ما يستحق الترحيب في عدة حالات. إذ أصدرت محكمة العدل العليا في الأردن حكماً في يناير/كانون الثاني يقول إن التعديلات المؤقتة لقانون النشر والمطبوعات، التي صدرت في مايو/أيار 1997 أثناء عطلة البرلمان المنتخب، غير دستورية. وما إن صدر الحكم حتى عادت بعض الصحف إلى الصدور بعد أن كانت قد اضطرت إلى التوقف. وحكمت المحكمة الدستورية العليا في مصر، في فبراير/شباط، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 195 من قانون العقوبات التي تقضي بأن يتحمل رئيس التحرير مسؤولية جنائية عما يُنشر في صحيفته من المواد التي يرى المسؤولون أنها تنتهك نصوصاً قانونية فضفاضة الصياغة تقضي بحظر التعرض لموضوعات معينة. وكان "مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان"، ومقره القاهرة، هو الذي قدم الاستئناف إلى المحكمة العليا، باعتباره موكّلا عن رؤساء تحرير الصحف والمجلات الخمسة الذين وُجهت إلى كل منهم تهمة منفصلة بموجب المادة 195

وحكمت المحكمة العليا الإسرائيلية في أغسطس/آب بأن على وزارة التربية والتعليم أن تقوم بتوصيل الكهرباء إلى 11 مدرسة من مدارس البدو فيما يسمى بالقرى غير المعترف بها في صحراء النقب، ويُقدر عدد البدو المقيمين فيها بنحو 50 ألف شخص. وكانت إسرائيل قد رفضت توفير الخدمات لهذه القرى في محاولة لإرغام سكانها على الانتقال إلى مدن دائمة. وقد أبدى القضاة الخاضعون للسلطة الفلسطينية شجاعة كبيرة عندما أمروا، في العديد من المرات، بالإفراج عن المعارضين السياسيين المعتقلين بصورة غير قانونية. وقد كلفتهم هذه الشجاعة ثمناً غالياً، على نحو ما تجلى في إرغام القاضي قصيّ العبادلة، رئيس المحكمة العليا، على التقاعد في يناير/كانون الثاني.

Return to the Top