Skip to main content

أرواح البشر في كفة الميزان:

الكلفة الإنسانية لإهمال قضايا البيئة

جوليان كيبنبرغ وجان كوين

في كل عام تؤثر الأزمات البيئية على ملايين الناس في شتى أنحاء العالم، فتؤدي إلى الأمراض وإهلاك الحياة وسبل كسب الدخل.

عندما يلفت التدهور البيئي انتباه المجتمع الدولي، فعادة ما يتم تأطير آثاره في سياق الضرر اللاحق بالطبيعة. لكن ثمة طريقة أخرى يتم تجاهلها في أغلب الحالات، لفهم آثار تسربات المواد السامة أو الكوارث في صناعات التعدين، وهي فهم الأثر على حقوق الإنسان، ومنها الحق في الحياة والحق في الصحة والحق في طعام ومياه نظيفين.

في عام 2011 بمنطقة هينان شرقي الصين على سبيل المثال، كان لون مياه الأنهار أحمر كالدم بسبب التلوث، وكان الدخان الكثيف يغمر الهواء حول مصاهر الرصاص ومصانع البطاريات التي تغذي الاقتصاد المحلي للمنطقة، وهو وضع مقلق للغاية من حيث الأثر على تلوث البيئة. لكن كما يظهر من تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر عام 2011 بعنوان "لقد تسمم أبنائي"، فإن أزمة الصحة والبيئة في هينان أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان حرمت المواطنين من جملة من الحقوق المعترف بها دولياً، مثل الحق في الصحة والحق في التظاهر السلمي، وعرضت للخطر النمو البدني والذهني للآلاف من الأطفال.

للأسف، من حيث الممارسة، لا تبذل الحكومات والهيئات الدولية ما يكفي من جهد لتحليل القضايا البيئية من خلال منظور حقوق الإنسان، أو تتصدى لها من هذا المنطلق من خلال القوانين أو المؤسسات. لكن هذا واجب عليها، وعليها أن تفعل هذا دون خوف من أن يؤدي هذا إلى المساس بجهود تحقيق الاستدامة وحماية البيئة.

بدلاً من تقويض هذه الأهداف المهمة، فإن منظور حقوق الإنسان يستحضر مبدأ مهماً وتكميلياً إلى الصدارة: وهو أن على الحكومات أن تكون خاضعة للمحاسبة والمساءلة على تصرفاتها. كما أن هذا البُعد يوفر أدوات للمتأثرين بتدهور البيئة للمطالبة بمساحة يُسمعون من خلالها، وبالمشاركة الفعالة في النقاش العام بشأن المشكلات البيئية، ولدى الضرورة، اللجوء للمحاكم لتحقيق المحاسبة والإنصاف. وكما تقول القاعدة القانونية القديمة: لا حق بدون إنصاف وتعويض.

إن مواثيق حقوق الإنسان الإقليمية – مثل البروتوكول الإضافي لاتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بمجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وبروتوكوله التكميلي لحقوق المرأة – تقر بالحق في بيئة صحية (أو بيئة "عامة مرضية" في حالة الميثاق الأفريقي، الذي تم إقراره في عام 1981). ولقد مر عشرون عاماً منذ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يؤكد أن لجميع الأفراد الحق في العيش في بيئة مناسبة لصحتهم وسلامتهم.

في عام 2011 صدر حُكم غير مسبوق، إذ أظهرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أنه من الممكن تحقيق المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي، بما في ذلك ما يتعلق بالحق في بيئة صحية. انتهت اللجنة إلى أن حكومة نيجيريا العسكرية بالاتفاق مع مؤسسة شيل لتنمية النفط قد تسببت في ضرر بيئي لحق بالسكان من عرق الأوغوني بمنطقة دلتا النيجر، في خرق للحقوق التي يحميها الميثاق الأفريقي. خلصت اللجنة إلى أن الحكومة لم تتخذ الخطوات الضرورية لحماية سكان أوغوني من الأضرار التي تسبب فيها إنتاج النفط ولم "توفر أو تسمح بتوفير دراسات للمخاطر البيئية والصحية الفعلية والمحتملة التي يؤدي إليها إنتاج النفط وسط تجمعات أوغوني السكانية". والمدهش أن اللجنة خلصت أيضاً لأنه تم خرق الحق في الحياة من واقع معدل التلوث "غير المقبول إنسانياً" والتحلل البيئي الذي دمر الأراضي والمزارع التي يعتمد عليها سكان أوغوني في الحياة وكسب الدخل.

لكن ورغم هذه القرارات وما على شاكلتها فما زال هناك نقص في المحاسبة من واقع حقوق الإنسان في قضايا البيئة، كما يظهر من ضخامة الأضرار البيئية التي تقع على مستوى العالم دون إنصاف وتعويض ظاهرين. على مجتمع حقوق الإنسان الدولي أن يساعد في دعم محتوى وإطار الحق في البيئة الصحية، وأن يفرض الطابع المؤسسي على الصلة بين حقوق الإنسان والبيئة. من شأن هذه الخطوات أن تشمل وضع آليات للمحاسبة يمكن أن توفر تعويضاً وإنصافاً فعالين لملايين الأفراد الذين تؤثر عليهم الأزمات البيئية.

الحق في الحياة والحق في الصحة

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان فإن على الحكومات التزامات عديدة بحماية حق المواطنين في الحياة وفي الصحة. نص كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل على الحق في أعلى مستوى ممكن من الصحة. بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الحق في الصحة يشمل التزام بتحسين الصحة البيئية، وحماية المواطنين من المخاطر على الصحة البيئية وضمان ظروف عمل صحية وحماية الحق في الطعام والمياه الآمنين.

إلا أن العديد من الحكومات تخفق على طول الخط في حماية وكفالة هذه الالتزامات.

وثقت هيومن رايتس ووتش الأثر المدمر لهذا الإهمال من جانب السلطات في مناطق عديدة من العالم. في ولاية زمفرة شمالي نيجيريا على سبيل المثال، مات أكثر من 400 طفل بسبب التسمم بالرصاص منذ عام 2010 – وهو ما يُعد من أسوأ وقائع تفشي هذا النوع من التسمم في التاريخ – بسبب التعرض لغبار ملوث بالرصاص أُنتج أثناء أعمال استخراج الذهب بالطرق التقليدية على نطاق ضيق. لم تحرك الحكومة النيجيرية ساكناً في مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، رغم بوادر عدة على اقتراب وقوع الأزمة. في الفيلم القصير "ثمن باهظ" (2012)، وثقت هيومن رايتس ووتش كيف يستمر الأطفال في العيش واللعب في بيوت ملوثة ويتعرضون للرصاص بمعدلات مهددة للحياة قد تؤدي إلى إعاقات دائمة، أو الوفاة.

وللأسف فإن نيجيريا ليست الوحيدة في هذا التوجه، فكثيراً ما ترد الحكومات على المشكلات البيئية بالإنكار أو تقدم ردوداً هزيلة وغير مترابطة تخفق في التصدي للضرر البيئي أو تصل لمستوى فرض قوانين أو تنفيذها أو منع أو معالجة الأضرار الصحية الناجمة عن الأزمات البيئية.

الحق في المعرفة وفي التظاهر وفي التماس العدالة

كما يُلزم القانون الدولي الحكومات بضمان حق الناس في المعرفة والمشاركة في العملية السياسية والتظاهر سلمياً والتماس العدالة. هذه الحقوق التي يكفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تضمن قدرة المواطنين على المشاركة الفعالة والحقيقية في صناعة القرارات التي تمس حياتهم.

أما من حيث الممارسة، فكثيراً ما تخفق الحكومات في إخبار المواطنين بالحقائق الأساسية عن الصحة البيئية، وهو خرق لحقهم في المعلومات. في اليابان على سبيل المثال، أخفقت الحكومة في إمداد سكان فوكوشيما بالمعلومات الأساسية عن معدلات الإشعاع في طعامهم وبيئتهم بعد الكارثة النووية هناك في مارس/آذار 2011، مما أدى بالصحف المحلية كما قال طبيب محلي لـ هيومن رايتس ووتش: "إلى قبول ما تقوله سلطات المقاطعة عن التسرب دون أدنى تشكيك".

حتى في الدول التي تستعين بضمانات كثيرة لضمان الشفافية ومشاركة السكان المتأثرين، فإن الواقع في الأغلب مظلم. في العديد من الدول لا تخفق الحكومات فحسب في توفير المعلومات للمواطنين، بل هي أيضاً تقمع من يطالبون بالشفافية والتعويضات الرسمية. وثقت هيومن رايتس ووتش جملة من الإجراءات الحكومية ضد من يحتجون – حتى من يسعون لمجرد معرفة المعلومات – من خلال التهديدات  والاعتقالات  والحبس بل وحتى القتل.

بحوثنا في عام 2010 داخل أربع مقاطعات في الصين على سبيل المثال، توصلت لأن الحكومة احتجزت أشخاصا احتجوا على التلوث بالرصاص المنبعث من المصانع، بل وحتى الآباء الذين سعوا إلى علاج أطفالهم المصابين بالتسمم (تقرير: لقد تسمم أبنائي). وفي الفلبين وثقت هيومن رايتس ووتش اغتيال ثلاثة نشطاء بيئيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011؛ فقد دأب هؤلاء الرجال على معارضة أنشطة التعدين والطاقة بقوة، وقالوا إنها تهدد البيئة وسوف تؤدي إلى تشريد تجمعات سكانية في بوكيدنون وشمال كوتاباتا عن أراضيهم. لم يُعاقب أحد، وتشير الأدلة إلى تورط قوات شبه عسكرية تحت قيادة الجيش. وفي كينيا – التي وضعت الحق في بيئة صحية في دستورها في عام 2010 – ما زالت هيومن رايتس ووتش تغطي ما يتعرض له ناشط تعرض لتهديدات كثيرة وللاعتقال أكثر من مرة بسبب السعي للحصول على معلومات وتوفير الإنصاف والتعويض من مصنع محلي لوث الهواء والماء قرب مدينة مومباسا.

التنظيم القانوني والأعمال التجارية

تقع الشركات في قلب المشكلات البيئية في يومنا هذا. سواء كانت شركات متعددة الجنسيات أو مؤسسات صغيرة محلية، فهي مسؤولة عن ضمان ألا تؤدي أنشطتها إلى أو تسهم في انتهاكات لحقوق الإنسان، كما ورد في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. إنها مسؤولية تخفق في أحيان كثيرة في الوفاء بها.

على سبيل المثال فإن منجم بورغيرا للذهب في بابوا نيو غينيا التابع لشركة "باريك غولد" يتخلص يومياً من 14 ألف طن من نفايات التعدين السائلة في نهر قريب، مما يؤدي إلى مشكلات بيئية وصحية قد تهدد التجمعات السكانية في المنطقة. في دكا عاصمة بنغلادش، تعرض نحو 150 مدبغة للجلود السكان للنفايات التي تحتوي على الكروميوم والكبريت والألمونيوم وغيرها من الكيماويات التي تؤدي إلى أمراض جلدية وإسهال ومشكلات صحية أخرى.

إن الشركات – بما في ذلك المستثمرين الأجانب والمشترين الدوليين للمنتجات ومنافذ التجزئة – عليها مسؤولية ضمان عدم الإسهام في انتهاكات حقوق الإنسان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. إن المتجر الذي يبيع حزاماً مصنوعاً من الجلد المدبوغ والمُعالج في مدابغ الجلود باستخدام الأحماض في دكا يجب أن يبذل الجهد الكافي في مراعاة الإجراءات المنطبقة لضمان ألا يسهم بشكل مباشر في انتهاك حقوق الإنسان، وعلى المشترين الدوليين ضمان أن مورديهم لا ينتهكون قوانين الصحة والسلامة أو يسممون البيئة. وعلى الحكومات ضمان تطبيق ما يكفي من أنظمة تحكم القطاع الخاص، وهو شيء تتردد الحكومات كثيراً في فعله لأن الأنظمة البيئية قد تتعارض مع مصالح القطاع الخاص وتُرى على أنها مقيدة للتنمية والنمو الاقتصاديين.

على سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 2010 صوّت مجلس النواب الكندي على إلغاء مشروع قانون كان من شأنه السماح للحكومة بمراقبة الآثار البيئية والآثار على حقوق الإنسان للصناعات الاستخراجية الكندية التي لها منافذ على مستوى العالم. بهذا ضاعت فرصة ثمينة؛ فكندا هي موطن أغلب شركات التعدين والصناعات الاستخراجية على مستوى العالم. تمثل هذه الصناعة نحو 21 في المائة من صادرات كندا عام 2010 وخرج منها نحو 36 مليار دولار عائدات من صناعات التعدين في ذلك العام.

في بنغلادش حيث تلوث المدابغ الهواء والماء والتربة، توصلت بحوثنا لأن الحكومة أخفقت في فرض قوانين بيئية أو عمالية، وعلى مدار عشر سنوات تجاهلت حُكم محكمة يأمر الحكومة بضمان تركيب المدابغ لنظم معالجة نفايات ملائمة. قال مسؤول حكومي لـ هيومن رايتس ووتش إن قطاع المدابغ غير منظم جيداً لأن "ملاك المدابغ أثرياء للغاية وأصحاب نفوذ سياسي واسع".

في الهند على سبيل المثال، حققت هيومن رايتس ووتش خلال عام 2012 في ولايات جوا وكارناتاكا في جنوب الهند، وخلصت البحوث إلى أن تقارير تقييم البيئة المفترض كونها مستقلة ودقيقة، الخاصة بمشروعات التعدين المحتملة، تكون في العادة معيبة وبتكليف من شركات التعدين المحلية في أغلب الحالات، التي تسعى للحصول على تصاريح من الحكومة الهندية لكي تعمل.

كما أن الفساد أحياناً ما يقوض من فعالية أنظمة وقوانين البيئة وتدابير الحماية البيئية. في أندونيسيا أظهرت هيومن رايتس ووتش مدى تقويض الفساد البيّن للسياسات البيئية المتعلقة بصناعة قطع الأشجار. نتيجة لهذا قامت الكثير من شركات الأخشاب الأندونيسية بقطع الأشجار بشكل غير قانوني، في خرق للسياسات المقصود بها حماية المجتمعات المحلية والبيئة.

الأثر الأصعب

كثيراً ما يؤثر التدهور البيئي بشكل غير متناسب على التجمعات السكانية التي تتعرض للتمييز ضدها والأكثر استضعافاً، بما في ذلك السكان الفقراء في المناطق الريفية، والنازحين والنساء والأقليات العرقية والشعوب الأصلية (السكان الأصليين)، الذين نادراً ما يُتاح لهم منصات للضغط السياسي لكي يتمكنوا من انتقاد الحكومة أو محاسبتها.

الشعوب الأصلية (السكان الأصليون) تحديداً تتعرض لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عندما تخلي الحكومات أو الشركات متعددة الجنسيات أراضيهم ونظمهم البيئية تحت مسمى "التنمية الاقتصادية". طبقاً لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، فإن هذه الفئة من الناس يجب ألا يُنقلوا من أماكنهم إلا بناء على موافقة حرة ومسبقة ومستنيرة، بعد الاتفاق على تعويض عادل ومنصف للأراضي والممتلكات وسبل كسب الدخل. وبرغم هذا، فكما أظهرت هيومن رايتس ووتش هذا لا يحدث في أحيان كثيرة.

في أثيوبيا على سبيل المثال، خلصت بحوث هيومن رايتس ووتش في عام 2011 إلى أن الشعوب الأصيلة تتعرض للتهجير الإجباري من وادي أومو، الذي يوفر لهم مصادر العيش البدائية، من أجل إخلاء الطريق أمام مزروعات سكر تجارية كبيرة. استخدمت الحكومة المضايقات والعنف والاعتقالات التعسفية لفرض خططها، وتركت أبناء الجماعات الأصلية بينهم رجل من قبيلة مورسي، يتساءلون: "ماذا سيحدث إن جاءت المجاعة عندما يجب النهر وبعد مصادرة الأرض؟"

هناك مجموعة أخرى عرضة لآثار التلوث البيئي، وهم الأطفال، حتى رغم أن حماية صحة الطفل من الالتزامات الأساسية في القانون الدولي. الكيماويات السامة تحديداً لها آثار ضارة على الأطفال، الذين تمتص أجسادهم أثناء النمو أكثر مما يمتص البالغين، بما يؤدي أحياناً إلى أضرار لا علاج لها، وإعاقات، بل وحتى الوفاة.

يمكن أن يكون الأطفال من الخلفيات الفقيرة أو المهمشة أكثر عرضة من غيرهم للخطر، إذ أن تجمعاتهم السكانية تعوزها المقدرات السياسية والمعلومات. على سبيل المثال أظهرت بحوث هيومن رايتس ووتش بشأن عمل الأطفال في استخراج الذهب اليدوية – وهي الصناعة التي يشارك فيها 15 مليون عامل على مستوى العالم – أن تعرض الأطفال للزئبق وهو مادة سامة، لم يجد أي معالجة تذكر له على المستوى الوطني أو الدولي.

كما وثقت هيومن رايتس ووتش كيف أن الأطفال والبالغين من أقلية الروما المُهمشة الذين تعرضوا للتهجير إثر حرب كوسوفو عام 1999، عاشوا لسنوات في مخيمات ملوثة بالرصاص، شمالي كوسوفو. كان الأطفال تحديداً أكثر عرضة للتسمم بالرصاص. وكانت الأمم المتحدة – الهيئة المدنية الفعلية المسؤولة عن الأمر في ذلك التوقيت – تعرف بالتلوث لكن أخفقت في نقلهم إلى موقع آمن لأكثر من خمس سنوات. لم يتم تطبيق خطة صحية شاملة وتوقف علاج الأطفال دون أي سبب طبي.

كما أن الأطفال في الدول الغنية ليسوا محصنين من آثار البيئة المسممة. في مجال الزراعة بالولايات المتحدة يعمل الأطفال – والكثير منهم من عائلات مهاجرين – في حقول أو بالقرب منها يتم رشها بشكل مستمر بالمبيدات الحشرية. إلا أن الحكومة الأمريكية أخفقت في تجريم عمالة الأطفال التي تنطوي على خطورة في مجال الزراعة، ومنحت الأولوية لمصالح الصناعات الزراعية على وضع أنظمة وقوانين صارمة بشأن تعرض الأطفال للمبيدات.

التحديات والفرص العالمية

كثيراً ما يكون رد فعل الحكومات على التدهور البيئي ضعيفاً وغير متسقاً، وغير مبال بالآثار الخطيرة للتغير المناخي والتلوث والمشكلات البيئية، على حقوق الإنسان.

جمعت قمة ريو+20 في يونيو/حزيران 2012 أكثر من 100 رئيس دولة و45000 شخص في أكبر مؤتمر للأمم المتحدة حتى الآن. إلا أن حجم الحضور أكبر بكثير من الآثار المترتبة على القمة. فقد فوت زعماء العالم فرصة سد الفجوة بين التنمية وحماية البيئة، وتجاهلوا تماماً تقريباً وضع أية صياغات قوية في الوثيقة الختامية بعنوان "المستقبل الذي نريده".

تعتبر القوانين والأنظمة الدولية أدوات مهمة لحماية البيئة، لكنها تميل للتركيز على الأبعاد الفنية، من انبعاثات وعمليات صناعية، ومثل اتفاقية ستوكهولم لعام 2004 بشأن الملوثات العضوية الدائمة، فهي تخفق كثيراً في التصدي بشكل شامل للآثار الصحية والحقوقية للتدهور البيئي، إن تصدت لها من الأساس.

وبينما تهدف المؤسسات المالية الدولية إلى تعزيز حماية البيئة، فإن تصرفاتها أحياناً ما تخرق حقوق الإنسان وتؤدي إلى المزيد من التدهور البيئي. سياسات الحماية الخاصة بالبنك الدولي المصممة لمنع الضرر الاجتماعي والبيئي في مشروعات البنك، تطالب الحكومات بتحليل الأثر البيئي لبعض المشروعات، لكن لا تطالب بتحليل شامل للآثار المترتبة على حقوق الإنسان. تعتبر مراجعة البنك وتحديثه لهذه السياسات فرصة مهمة لتعويض هذا القصور الكبير.

لكن ليست كل الأنباء سيئة.

فالمنظمات البيئية الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والتجمعات السكانية المتأثرة بتدهور البيئة أحرزت عدة نجاحات لافتة في خضم جهودها على مسار الدفع من أجل المحاسبة. في بورما، دفعت احتجاجات جماعات المجتمع المدني ضد الآثار المحتمل أن تكون مدمرة لمشروع سد مايتسون على نهر إراوادي، دفعت الحكومة البورمية في عام 2011 إلى وقف خططها الخاصة بما يبدو أنه قد يكون من أكبر مشروعات الطاقة المائية في العالم.

في عام 2012 عيّن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة خبيره المستقل الأول بشأن التزامات حقوق الإنسان المرتبطة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة. من أهم مهام الخبير المساعدة في تعريف محتوى لحقوق الإنسان المتعلقة بالصحة البيئية، والسعي للحشد لدعم الاحترام الكامل والحماية لهذا الحق والوفاء به.

من التحركات الإيجابية الأخرى خارطة الطريق الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 عن حكومات أمريكا اللاتينية، نحو معاهدة إقليمية للحق في إتاحة المعلومات البيئية والمشاركة والعدالة. هذه الوثيقة موجودة بالفعل في أوروبا، فالعديد من الدول الأوروبية ودول وسط آسيا صدقت على اتفاقية آرهوس لعام 2001 بشأن إتاحة المعلومات والمشاركة العامة والتماس العدالة في القضايا البيئية، وهي الأولى من نوعها التي تقنن هذه الحقوق المدنية المتعلقة بالبيئة.

هناك أيضاً بعض الفرص المستقبلية للضغط من أجل منهج حقوقي للقضايا البيئية، بما في ذلك المفاوضات على اتفاقية عالمية بشأن الزئبق.

شاركت هيومن رايتس ووتش في هذه المفاوضات، في كينيا في عام 2011 وفي أوروغواي في عام 2012، وكذلك في اجتماعات إقليمية في أمريكيا اللاتينية وأفريقيا. على مدار جهودنا لمناصرة وتأييد هذه الاتفاقية دعونا إلى تركيز أقوى على حقوق الإنسان، لا سيما على الحق في الصحة وحماية العمال الأطفال من العمل الخطير. أثناء المفاوضات في أوروغواي، اتفقت الحكومات على ضم إجراءات خاصة للاتفاقية للأطفال المتأثرين بالزئبق في صناعة استخراج الذهب التقليدية. كما تم الاتفاق على ضرورة أن تعد الحكومات استراتيجيات صحية بشأن الزئبق بالنسبة للتجمعات السكانية المشتغلة باستخراج الذهب يدوياً. بينما ما زالت الاتفاقية تعوزها الإشارة إلى حقوق الإنسان وإلى خطة صحية شاملة قوية بشأن الزئبق، فإن الإجراءات الخاصة باستخراج الذهب تعد خطوة في الطريق الصحيح.

ماذا بعد؟

حتى رغم أنه عندما تنفذ الحكومات قوانين وأنظمة وتدابير حماية بيئية، فكثيراً ما تتجاهل الآثار الضارة للمشكلات البيئية على حقوق الإنسان، والأثر غير المتناسب على فئات السكان المستضعفين والمهمشين.

ما ينقصنا هو إطار عمل أوسع يحلل الآثار على حقوق الإنسان ويحمي الحق في الصحة والطعام والمياه وسبل كسب الدخل – وهي حقوق اقتصادية أساسية – وكذلك يضمن الحقوق المدنية والسياسية والحق في الحصول على المعلومات والمشاركة والتعبير بحرية وضمان التعويض والإنصاف لكافة المواطنين. عندما تصبح الحكومات غير خاضعة للمحاسبة، يقل احتمال معالجتها للمواقع الملوثة ويقل احتمال توفر العدالة كاملة لمن انتهكت حقوقهم.

هناك إذن حاجة إلى نظم قوية للمحاسبة –حيث تُحاسب الحكومات والمؤسسات المالية الدولية والشركات وغيرها من الفاعلين من القطاع الخاص على تصرفاتهم باستخدام مبادئ الشفافية وتوفر المعلومات كاملة والمشاركة والتعبير بحرية – من أجل التصدي لآثار الضرر البيئي على حقوق الإنسان. ولابد من وجود أنظمة صارمة، بما في ذلك إشراف حكومي، من أجل منع عمل المشروعات التي تضر بالبيئة منذ البداية. عندما يقع الضرر، فلابد من محاسبة المتسببين فيه على تصرفاتهم ولابد من توفير الإنصاف والتعويض وإحقاق العدالة.

على مجلس حقوق الإنسان والحكومات التي لم تقر بعد بالحق في البيئة الصحية كحق قائم بذاته، أن تقر بهذا الحق بما يساعد على تعزيز المحاسبة وعلى فهم تبعات الضرر البيئي على حقوق الإنسان. لابد أن تستند الاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة والمتفق عليها عالمياً إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن تُراقب على المستويين الدولي والوطني.

سيكون التعاون ضرورياً بين حركات حماية البيئة وحقوق الإنسان، من أجل تحقيق هذه الأهداف، إذ أن التعاون وحده – محلياً ودولياً – هو السبيل لتحقيق التقدم الحقيقي على مسار التصدي لمن يضرون بالبيئة، ويتسببون في الإضرار بالآخرين، وينتهكون حقوق الإنسان الأساسية.

جوليان كيبنبرغ هي باحثة أولى بقسم حقوق الطفل، وجان كوين باحثة في قسم الصحة وحقوق الإنسان.