Saudi Arabia



Saudi Arabia Saudi Arabia
  

IV. عدم الأخذ بسوابق الأحكام

بالإضافة إلى مناقشة تقنين عناصر من القانون الجنائي، ناقش المثقفون وعلماء الدين السعوديون والمسؤولون الحكوميون  مزايا وضع حدود وقواعد للأحكام القضائية. وفي الوقت الحالي فثمة نوعان من الجرائم – الجرائم المرتكبة بما يخالف شريعة الله (الحد) والجرائم التي يحق فيها للمتضرر المطالبة بالتعويض (القصاص) – لهما عقوبات واضحة التعريف والتحديد. فالقرآن الكريم يفرض عقوبات محددة على جرائم الحد، برغم أن العلماء يختلفون حول ظروف تطبيق هذه العقوبات، بينما جرائم القصاص تتبع قاعدة المساواة بين الجرم المرتكب والعقوبة المحددة له: فالقاتل يُقتل، وأي ضرر يتسبب فيه المجرم، يحق للطرف المتضرر أن يسأل إصابة المجرم بنفس الضرر الذي تسبب فيه، لكن الطرف المتضرر أو ورثته يحق هم أيضاً قبول التعويض أو العفو عن المجرم. أما الغالبية العظمى من الجرائم فهي تعتبر من نوع جرائم التعزير، والتي يتصرف فيها القاضي بحريته من حيث تعريف ما الذي يمثل جريمة وما العقوبة الواجب فرضها جراء ارتكابها، وهذا دون التقيد بسوابق الأحكام القضائية في القضايا المشابهة.

ومن الأمثلة الواضحة على غياب ما يُرشد القضاة في فرض الأحكام، قضيتي اختطاف في محكمتين نظر فيهما قاضيان مختلفان. ففي واحدة من الحالتين حكم ثلاثة قضاة على أربعة من سبعة رجال اغتصبوا امرأة شابة ورجلاً شاباً في القطيف في وقت مبكر من عام 2006 بما تراوح بين السجن لعام وخمسة أعوام، وما تراوح بين 80 إلى 1000 جلدة، وهذا جراء الاختطاف، والظاهر أن ذلك يعود لعدم تمكنهم من إثبات وقوع الاغتصاب بما يستوفي الشروط القانونية لإثباته.33 (وهي القضية التي لاقت استهجاناً موسعاً على المستوى الدولي إثر صدور حكم محكمة التمييز في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، والمذكورة بقدر أكبر من التفصيل في الفصل السابع، الجزء بعنوان "العدالة الصورية

وفي دراسة عن الأحكام القضائية السعودية وصف الأستاذ فرانك فوغل أستاذ دراسات الشريعة الإسلامية الاختلافات بين "المفهوم الغربي للقانون [باعتباره] نظاماً من الأحكام والقواعد الرسمية الموضوعية المعروفة علناً والمطبقة بشكل معمم والإلزامية" وما وصفه بالمفهوم "الميكروسكوبي" للقانون في الإسلام، حيث يحكم القاضي في "حدث معين ذات وقائع خاصة" "في محاولة للاقتراب قدر الإمكان من التقييم الإلهي الحق لكل حدث يقع على حدة"، وبالنسبة لهذه الحالة الخاصة وهذا الحدث الخاص فإن "القانون ينشأ فقط من ضمير الفرد لدى تفكره في الحدث". وأضاف فوغل أنه بناء على السيرة النبوية فإن الحقيقة هي السابقة الأساسية التي يجب أن يعود إليها المرء متى انكشفت له

إلا أن العلماء السعوديون يبتعدون عن هذه الفكرة القائلة بأن القاضي يسعى إلى تبين إرادة الله في كل قضية ينظرها ويوافقون بشكل متزايد على أنه يجب أن توجد قواعد رسمية مرعية في قضايا التعزير. وبعض حججهم تتلخص في أن هذا واجب لسبب عملي بحت... فوجود كتاب بالقواعد يصنف الجرائم والعقوبات الواجبة على كل منها، حسب قولهم، سوف يسهل كثيراً من مهمة القضاة ويوفر الوقت ويساعد المحامين على الدفاع في قضاياهم.

وكتب المحامي خالد النويصر أن إضفاء المؤسسية على قواعد سوابق الأحكام "كفيل بتوفير الوقت والجهد والنفقات حين تكون هذه القواعد ثابتة، ويساعد المحامين كذلك على تقديم رأيهم القانوني في القضايا التي يفكرون في رفعها، وبهذا يتم تفادي إجراءات التقاضي الإضافية" وأضاف النويصر إن هذه المؤسسية ستساعد المحامين على "تدارس أحكام المحاكم وتقييمها بهدف إدراك التوجهات العامة [للقضاء]".36

وفي دراسة مقدمة لجامعة نايف العربية للدراسات الأمنية في الرياض، أورد الدكتور محمد المدني قائمة بأربعة أهداف عامة للعقاب في الشريعة الإسلامية: الردع العام، والردع الخاص، وتحييد أثر الجرائم، وإصلاح المجرم.37 كما أورد العقوبات الممكنة للجرائم (بخلاف الحد والقصاص والجرائم الشرعية)، مثل عدم الحفاظ على الصلاة أو الاختطاف، وتتراوح بين تقديم النصح واللوم إلى الحرمان من الحقوق والمزايا، والنفي والسجن والغرامات والجلد والإعدام.38 ويبدو أن المذكور أعلاه هذا على قيد خطوة صغيرة من تقديم مجموعة من العقوبات للقضاة بغرض وضع تصنيف شامل للجرائم مع ما يجب فرضه جراء ارتكابها من عقوبات.

وفي سبتمبر/أيلول 2004، طالبت جوهرة العنقري، ، من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بوضع قيود على العقوبات حسب رؤية القضاة، وهذا طبقاً لتقرير في صحيفة الوطن.39 ويبدو أن وزارة العدل قد اتخذت خطوات مبدئية قليلة للغاية في هذا الاتجاه. ففي 9 ديسمبر/كانون الأول عرض الرئيس الإداري بمحكمة جدة الجزئية على هيومن رايتس ووتش كتيباً وصفه بأنه دليل القضاة لفرض العقوبات. وفي الصفحة الأولى من الكتيب كان يوجد جدول الصف الأول منه يعرض باقة متنوعة من الجرائم، والصفوف الأخرى من الجدول تعرض توصيفاً بالجرائم وثمة صفوف أخرى معروض فيها صفات محددة لهذه الأفعال الإجرامية، والصف الأخير يعرض مجموعة من العقوبات.40 وفي 13 مارس/آذار 2007 أعلنت وزارة العدل عن أنها تعتزم نشر أحكام خاصة في محاولة لمزيد من الشفافية ولمزيد من تطوير ولاية القضاء السعودي، حسب المرسوم الوزاري رقم 162 الصادر في 26 أغسطس/آب 2002، لكن هذه الأحكام والأحكام التي سيتم تواترها في المستقبل؛ لن تكون ملزمة للقضاة.41

وهذه الخطوات الصغيرة تعتبر بمثابة تقدم مُحرز، لكنها لا تنتقص من الاحتياج الأكبر لاشتقاق قواعد مشتركة من القضاء السعودي من حيث النظريات والتطبيق، لضمان أن العقوبات المفروضة على الجرائم المتماثلة لا تُترك تماماً في يد القضاة، الذين سبق أن أصدروا أحكاماً متباينة على نفس الجرائم.




33  تردد أن القضاة تجاهلوا الأخذ بدليل من تسجيل فيديو على هاتف نقال كان أحد الجناة قد قام بتصويره أثناء الاغتصاب. وقال زوج المرأة المعتدى عليها لـ هيومن رايتس ووتش إن الادعاء تجاهل مراراً طلبه بإجراء فحص لدى الطبيب الشرعي. كما حكم القاضي على المرأة الشابة بتسعين جلدة لاختلاطها غير الشرعي بالرجال. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع المرأة وزوجها، القطيف، 8 ديسمبر/كانون الأول 2006. انظر أيضاً “Four Given Jail Terms for Gang-Raping Young Woman,” Arab News جدة، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

36  انظر: Al-Newaisier, “The Importance Of Codifying Judiciary Judgments,” Al-Eqtisadiah Business Daily. ورأي النويصر الذي يفضل الأخذ بسوابق الأحكام يخالف وصف فوغل لفكرة وظيفة القضاء في الإسلام، والتي قد تنطبق على المجتمعات الأصغر الأقل تعقيداً من المجتمع السعودي في الوقت الحالي.

37  انظر: uhammad al-Madani Busaq, Perspectives on Modern Criminal Policy (Naif Arab University for Security Sciences, 2005) صفحة 150 إلى 153.

38  المرجع السابق، من صفحة 169 إلى 174.

39  خالد الغنمي، "مواقف حول السجن والعقاب حسب رؤية القاضي"، الوطن، 27 سبتمبر/أيلول 2004، على: http://www.alwatan.com.sa/daily/2004-09-27/writers/writers02.htm (تمت الزيارة في 12 أبريل/نيسان 2007).

40  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الرئيس الإداري، محكمة جدة الجزئية، جدة، 9 ديسمبر/كانون الأول 2006.

41  وزارة العدل، "معالي وزير العدل يعلن عن إصدار الطبعة الأولى من مجموعة الأحكام القضائية" 14 مارس/آذار 2006، على: http://www.moj.gov.sa/layout/NewsDetails.asp?ArticleID=782 (تمت الزيارة في 16 مارس/آذار 2007).