Saudi Arabia



Saudi Arabia Saudi Arabia
  

الجزء الرابع: تنظيم القضاء السعودي

X. تطورات في نظام المحاكم

في عام 2005 ومع تفاوض السعودية على دخولها منظمة التجارة العالمية بدعم من الولايات المتحدة، أعلن المسؤولون عن إعادة هيكلة موسعة للقضاء، وهذا بتشكيل محاكم متخصصة وتقنين عناصر من قانون العقوبات، والتحرك على طريق إضفاء المؤسسية على منهج الأخذ بالأحكام السابقة. والتركيز الأساسي في نظام جديد للقضاء، تم نشره أخيراً في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2007، هو على إعادة هيكلة نظام المحاكم. وكتب أحد المراسلين: "تأمل الحكومة في التعجيل بالنظر في القضايا وضمان النتائج العادلة والمنصفة في نظام جديد للقضاء فيه محاكم متخصصة في العمل والتجارة وقانون الأسرة والقضايا الجزائية".428

وبموجب النظام الجديد المعدل للقضاء فإن محكمة القضاء العليا السابقة (المجلس الأعلى للقضاء)، سوف تفقد سلطاتها الخاصة بالنظر في القضايا وتصبح مسؤولة فقط عن تعيين القضاة والتفتيش على عملهم. ويوسع نظام القضاء من أعداد محاكم التمييز من محكمتين إلى 13 محكمة (واحدة لكل منطقة)، ويلزم بتشكيل محاكم جديدة:

  • محكمة عليا تتولى أعمال محكمة التمييز التي كانت تخص المجلس الأعلى للقضاء بخصوص قضايا الحد والقصاص، فضلاً عن أن تصبح محكمة تمييز لقرارات المحاكم الأقل درجة من محاكم التمييز، حين تكون أسس التمييز أن محكمة التمييز الأقل درجة قد خالفت أحكام الشريعة أو القانون الوضعي، أو أن المحكمة الأقل درجة لم تكن في تشكيلها الواجب أو ليست مختصة بالنظر في القضية، أو إذا هي أساءت عرض الحقائق الخاصة بالقضية المعنية.429

  • محاكم جديدة متخصصة تشمل الأحوال الشخصية والمرور والتجارة ومحاكم للعمل (الاختصاصان الأخيران كان يتم النظر فيهما من جانب محاكم تنفيذية تتبع الوزارات المعنية بكل مجال منهما).

    وأعلن الملك عن ميزانية 1.8 مليار دولار لبناء المحاكم الجديدة ولتدريب القضاة الجدد والقدامى.430

    ومنح نظام القضاء الجديد الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2007 على الأخص المحاكم قدراً أكبر من الاستقلالية. وقد ألغى الحكم الخاص بالمادة 20 من نظام القضاء القديم، والذي يسمح للتنفيذيين بالتدخل بشكل مباشر في سير العدالة. وإذا "لم يوافق" وزير العدل على قرار محكمة التمييز:

    أعاده إليها [المحكمة] لتتداول فيه مرة أخرى فإذا لم تسفر المداولة عن الوصول إلى قرار يوافق عليه وزير العدل عرض الأمر على المجلس الأعلى للقضاء للفصل فيه ويعتبر قراره فيه نهائياً.431

    ويمنح القانون الجديد  المجلس الأعلى للقضاء صلاحيات الاشراف على المحاكم ولترقية أو اخضاع القضاة لإجراءات تأديبية؛ وتلك صلاحيات كانت ممنوحة لوزارة العدل في السابق. كما تم نقل مكتب المفتش القضائي، من اشراف السلطة التنفيذية، الى  المجلس الأعلى للقضاء.432

    وعلى الرغم من هذا التحسن الذي طرأ مؤخراً، فإن استقلال القضاء ما زال لا يتمتع بالحماية الكافية. ويتولى وزير العدل الرقابة المالية والإدارية على القضاء، ويقوم الملك بتعيين رؤساء المجلس الأعلى للقضاء (ومن أعضاء المجلس رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام وممثل عن وزارة العدل)، ورؤساء المحكمة العليا.433

    والتغيير الذي طرأ على نظام المحاكم هو في جزء منه بسبب أن القضاة مثقلين بالقضايا إلى حد كبير. واقتبست صحيفة الحياة من المستشار القانوني لوزارة العدل أشرف سراج قوله إن كل قاضي يتولى في ملفه اليومي  ما بين 15 إلى 20 قضية.434 وفي دراسة تمت في عام 2003 عن النظام القضائي السعودي لوحظ أن "عدد القضاة لكل مائة ألف مواطن هو 4.2 قاضٍ في المملكة، مقارنة بـ 27.76 في مصر، و41.77 في فرنسا، و43.5 في ألمانيا، و55.17 في بريطانيا، و22.8 في الولايات المتحدة".435 وفي السعودية 662 قاضٍ يعملون فعلياً في أكثر من 266 محكمة وهذا لصالح تعداد سكاني يبلغ 21 مليون نسمة، بالإضافة إلى ما يُقدر بـ 5.5 مليون مقيم قانوني بالبلاد وبضعة ملايين من الأجانب المتواجدين بشكل غير موثق.436 وحتى الآن فإن أكثر الدوائر القضائية ازدحاماً بالقضايا هي الرياض ومكة، والتي تشمل جدة. وفي السنة الهجرية 1426 (2005 و2006)، نظر 18 قاضياً في محكمة الرياض الجزئية 26298 قضية، بمعدل 1461 قضية للقاضي في العام. ومن بين هذه القضايا، كانت 9837 قضية، أو 37.4% قضايا جنائية، وأصدر القضاة حكماً أو قراراً في 6376 قضية.437 وقبل النظام (القانون) الجديد كانت محكمتي التمييز الوحيدتين بالبلاد في الرياض ومكة.

    وحتى تبدأ المحاكم الجديدة بمباشرة العمل، فسوف تحافظ السعودية على هيكل المحاكم الحالي الخاص بالمحاكم الابتدائية والمحاكم العامة ومحكمتي التمييز. والمحاكم الجزئية سوف تنظر القضايا الجنائية والقضايا المدنية حين تكون قيمة المُتنازع عليه أقل من 20000 ريال سعودي (5400 دولار).438 أما المحاكم الكبرى (أو العامة)، فسوف تنظر عدداً محدوداً من القضايا الجنائية، وتشمل الحد والقصاص. وبموجب نظام القضاء الجديد، فإن المحاكم الجزئية ستصبح محاكم جنائية، والمحاكم العامة ستصبح محاكم مدنية.

    وقال سعوديون كثيرون، ومنهم بعض كبار المسؤولين، لـ هيومن رايتس ووتش إن الضغوط على النظام القضائي، مثل زيادة ضغط القضايا الكثيرة عليه، نجمت عن زيادة الأجانب الذين يعملون ويقيمون في المملكة. وإحصاءات وزارة العدل توحي بقصة أخرى: السعوديون يرتكبون جرائم أكثر من الأجانب في كل أرجاء السعودية ومن كل فئات الجرائم تقريباً، مع استثناءات قليلة (في مكة وجزان يرتكب الأجانب سرقات أكثر).439 وبلغ عدد القضايا في المحاكم السعودية ذروته في العام الهجري 1424، وتراجع بنسبة 5.2 في المائة في عام 1425، ثم بنسبة 6 في المائة في عام 1426، بينما لم يتراجع عدد الأجانب.440

    معهد التدريب القضائي

    قبل عام 2000 كان يمكن للملك أن يعين أي شخص يراه متمتعاً بالمؤهلات المناسبة لمنصب القاضي، بينما اليوم يمكن للملك أن يعين فقط القضاة المدربين في معهد القضاء العالي. وقال القاضي السابق عبد العزيز القاسم لـ هيومن رايتس ووتش إن القضاة: "يتلقون ثلاثة أعوام من التدريب على الوظيفة" وأثناء هذه الفترة "يؤدون مهاماً إدارية" دون تدريب قانوني موسع. وبعد هذا: "يتم تعيينهم في منصب قاضي ملازم" وفي العادة يتم إرسالهم إلى مواقع عمل خارج المدن الكبرى، حيث يبدءون في النظر في القضايا. وقال القاسم إن "مهمة الإشراف على القضاة أمر شكلي وليس حقيقياً. إذ يوجد مفتش يجري مراجعة سنوية للأحكام، لكنه لا يؤدي عمله هذا إلا تبعاً للرسميات".441 وقال رئيس المعهد العالي للقضاء زيد عبد الرحمن الزيد لـ هيومن رايتس ووتش إن من بين طلاب المعهد المائة فإن 70 منهم يعملون قاضي ملازم، والبقية هم أشخاص يريدون الالتحاق بالتعليم العالي في مجالي دراسة المعهد الأساسيين: القضاء المقارن والسياسة الشرعية.442 وبموجب مرسوم وزاري جديد عن التدريب القضائي، قال الزيد إن القضاة: "يتم تعيينهم قضاة ملازمين ويقضون مدة عامين في المعهد حيث يحصلون على درجة الماجستير، ثم يقضون سنة في التدريب العملي. ولا يعملون كقضاة طيلة هذه الأعوام الثلاثة، بينما في الماضي كان بإمكانهم العمل كقضاة أثناء سنوات التدريب العملي الثلاثة".443 وقال عارف العلي الأستاذ بالمعهد لـ هيومن رايتس ووتش إنه في عام 2006 أضاف المعهد منهجاً لدراسة القانون المقارن وهو يمس حقوق الإنسان. ومن بين المواد الدراسية بالمنهجين الجديدين "مقدمة في الأنظمة"، معاهدات حقوق الإنسان الدولية والآثار المترتبة عليها.444 وأضاف الزيد أن الطلاب يدرسون أيضاً القانون المقارن، ويشمل قوانين العقوبات المصرية والفرنسية.445

    وفيما لا تدرس أية نساء بالمعهد، لا يرى الزيد وجود أي مانع قانوني لإشراكهن بالتعليم في المستقبل، لكنه أوضح أن: "المنشآت المطلوبة [لضمان الفصل أثناء التعليم] غير متوافرة".446 وعن غياب طلاب شيعة يدرسون بالمعهد أوضح الزيد أن التعليم يخص كل من المذهبين السني والشيعي لكنه "لا يوجد شيعة يدرسون هنا".447 وتتناول محكمتا الشيعة في السعودية بالأساس قضايا الزواج والطلاق والإرث التي تخص ما يربو على المليوني سعودي من الشيعة في المنطقة الشرقية، لكنها لا تنظر القضايا الجنائية أو الأنواع الأخرى من القضايا المدنية. وقال الزيد إن المعهد هو أقدم معهد تدريب قضائي في العالم العربي، وتم تشكيله في عام 1965.448 ولم يجب الزيد عن سؤال وجه إليه عن التوزيع الجغرافي للطلاب. فنجران والمنطقة الشرقية يقطنها غالبية الشيعة السعوديون، ومنطقة الحجاز الغربية لا تتبع المذهب الوهابي الحنبلي. ويتهم المنتقدون كثيراً القضاء بتعيين القضاة من منطقتي القصيم والرياض فقط، وهما الموطنان الأساسيان للوهابية من الناحية التاريخية. وعلق أحد المنتقدين قائلاً: "مقابل كل 25 قاضٍ من القصيم، هناك 24 قاضٍ من الرياض وقاضي واحد من منطقة أخرى. لكن لا يمكننا التشكيك في وجود التمييز".449

    وبحسب أحد المصادر فقد بلغ عدد القضاة أكثر من الضعف، من 900 قاضي في عام 2002 إلى 1844 قاضٍ في عام 2006. وتشير الأرقام التي توفرها وزارة الإحصاءات الى وجود 662 قاض جالس في 2005/2006 (أنظر الأعلى). ولبلوغ معدل متوسط يشبه المتوسط الدولي للقضاة لكل 100000 شخص، فعلى المملكة أن تُعين أكثر من 5200 قاضي.450




    428  انظر: Sabria S. Jawhar, “Specialization, legal precedent to make a difference in courts,” Saudi Gazette, April 4, 2005, republished as “Saudis Introduce Legal Precedence in ‘Sweeping Judicial Reforms,’” Global News Wire - Asia Africa Intelligence Wire, reproduced in  BBC Monitoring/BBC 4 أبريل/نيسان 2005.

    429  نظام القضاء، مادة 11، منشور في صحيفة الوطن، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2007.

    430  انظر: Tariq Alhomayed, “The Judiciary is the Gateway to Reform,” Asharq Alawsat (English Edition), 3 أكتوبر/تشرين الأول 2007، على: http://www.asharqalawsat.com/english/news.asp?section=2&id=10420 (تمت الزيارة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2007).

    431  نظام القضاء، مادة 20.

    432  تتوجه هيومن رايتس ووتش ببالغ الشكر الى الدكتور عبدالله فخري الأنصاري، خبير القانون الجنائي السعودي، للملاحظات التي أبداها على قانون القضاء الجديد.

    433  المرجع السابق، مواد 71 و5 و10.

    434  سعود الطواوي، "20 قضية يومية لكل قاضي، و745000 قضية سنوياً بسبب زيادة السكان واتساع رقعة البلاد"، الحياة، 9 أكتوبر/تشرين الثاني 2006.

    435  إبراهيم العيسى وعبد الله ناصري، "الهيكل التشريعي والقضائي في المملكة العربية السعودية، الملخص التنفيذي". 25 ديسمبر/كانون الأول 2003. وتم تحضير الدراسة على ضوء مفاوضات المملكة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها في ديسمبر/كانون الأول 2005.

    436  وزارة العدل، إحصاءات عام 2005 – 2006، على: http://www.moj.gov.sa/Layout/showpage.asp?art_id=377 (تمت الزيارة في 24 أبريل/نيسان 2007)، صفحات 5 و12.

    437  المرجع السابق، صفحة 76.

    438  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ياسر خوجة، 11 ديسمبر/كانون الأول 2006. ويحدد النظام قيمة 10000 ريال سعودي. نظام المرافعات الشرعية، مادة 31.

    439  وزارة العدل، إحصاءات عام 2005 – 2006، صفحة 14. يشكل الأجانب المقيمون في السعودية بشكل قانوني وغير قانوني حوالي ثلث تعداد البلاد. والأجانب بالأساس من العمال الشباب البالغين، وغالبيتهم من الرجال، مما يضعهم ضمن الفئات الأكثر عرضة لارتكاب الجرائم، بينما أكثر من نصف تعداد السعودية من الأطفال تحت سن 18 عاماً.  والأقل عرضة لارتكاب الجرائم أيضاً هم المسنون، والنساء السعوديات اللاتي يجدن مشقة وتحديداً بالغاً في التنقل بحرية.

    440  المرجع السابق، صفحة 16.

    441  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عبد العزيز القاسم، 6 ديسمبر/كانون الأول 2006. وقد فقد القاضي منصبه القضائي بسبب عضويته في لجنة الدفاع عن الحقوق المشروعة.

    442  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زيد الزيد، أستاذ جامعي، الرياض، 19 ديسمبر/كانون الأول 2006.

    443  المرجع السابق.

    444  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عارف العلي، أستاذ جامعي، 19 ديسمبر/كانون الأول 2006. وأمد الزيد هيومن رايتس ووتش بجدول المنهج الدراسي الخاص بحقوق الإنسان. ويشمل من بين موضوعات أخرى، معاهدات حقوق الإنسان الخاصة بالأمم المتحدة والإجراءات الخاصة بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

    445  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زيد الزيد، 19 ديسمبر/كانون الأول 2006.

    446  المرجع السابق.

    447  أوضح الزيد: "قاضيا الشيعة في محكمتي الأحوال الشخصية الشيعية في القطيف والحفوف لابد أنهما عُينا قبل بدء معهد القضاء العالي عمله" حينما كان الملك يعين القضاة الذين لم يقوموا بالتدرب في المعهد.

    448  المرجع السابق.

    449  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ظفير اليامي، محامي، الرياض، 30 نوفمبر/تشرين الثاني. اليامي من أتباع المذهب الإسماعيلي الشيعي وأصله من نجران.

    450  حمد الجمهور، "إجراءات التقاضي غطيت بجميع فروعها بأنظمة حديثة وشاملة: القضاء في عهد الملك فهد حظي بعناية خاصة تمثلت في اكتمال منظومة الأنظمة القضائية" الرياض، 8 أغسطس/آب 2005، على: http://www.alriyadh.com/2005/08/08/article86249_s.htm (تمت الزيارة في 7 أغسطس/آب 2007). و: موسى بن مروة، "المعدل العالمي للقضاة هو 26 قاضٍ لكل مائة ألف شخص وفي المملكة يبلغ أربعة قضاة فقط. ارتفاع عدد القضاة إلى 1844 قاض، والسعودية تحتاج 5131 قاض" الوطن، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2006، على: http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-10-31/local/local01.htm (تمت الزيارة في 7 أغسطس/آب 2007).


  •