Jordan



Jordan Jordan
  

المعايير القانونية الدولية

انتهكت عمليات الترحيل الاستثنائي المنهجية للأشخاص من الولايات المتحدة إلى الأردن في الأعوام اللاحقة على هجمات 11 سبتمبر/أيلول العديد من ضمانات حقوق الإنسان الأساسية. وتشمل الحظر على الاحتجاز التعسفي، والتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والاختفاء القسري.63

وقد انتهكت الحكومة الأردنية كل من القانون الوطني والدولي لحقوق الإنسان بتعذيبها وسوء معاملتها للمحتجزين الذين تم ترحيلهم، وهذا باحتجازهم دون توجيه اتهامات إليهم أو محاكمتهم، وباحتجازهم في الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي، ودون اتصال أو زيارات من الأقارب أو المحامين.

وبنقلها السجناء إلى الأردن في عمليات الترحيل الاستثنائي، فإن الولايات المتحدة قد انتهكت التزاماتها الخاصة باتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب)، التي صدقت عليها في عام 1994.64 وتعرف اتفاقية مناهضة التعذيب القيام بالتعذيب على أنه: "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية".65 والدول التي تخالف اتفاقية مناهضة التعذيب ليست التي تقوم بفرض التعذيب (كالأردن) فحسب، بل أيضاً، الدول التي " تطرد أي شخص أو تعيده ("أن ترده") أو أن ترحيله إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".66

والترحيل إلى حيث يتم التعرض للتعذيب هو إذن انتهاك واضح للحظر ضد التعذيب. وفي عام 2006 أبدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب – وهي هيئة الخبراء الدولية المسؤولة عن مراقبة التزام الدول باتفاقية مناهضة التعذيب – قلقها من قناعة الولايات المتحدة بأن الالتزام بعد الإعادة بموجب الاتفاقية لا يشمل الأشخاص المحتجزين خارج إقليم الولايات المتحدة. وقالت إن ما تقوم به الولايات المتحدة من "ترحيل المشتبهين ترحيلاً استثنائياً، دون أية مراجعة قضائية لدول قد يواجهون فيها خطر التعذيب" هو أيضاً انتهاك لاتفاقية مناهضة التعذيب.67 وقد طالبت اللجنة الولايات المتحدة بأن:

تطبق ضمانات عدم الإعادة على كافة المحتجزين طرفها، وأن تكف عن ترحيل المشتبهين، وعلى الأخص عمليات الترحيل الاستثنائي التي تقوم بها وكالات الاستخبارات إلى دول يوجد فيها خطر حقيقي بالتعرض للتعذيب، وهذا امتثالاً بالتزاماتها بموجب المادة 3 من الاتفاقية. وعلى الدولة الطرف أن تضمن قدرة المشتبهين على الطعن في قراراتها بالإعادة.68

ومما يستحق الذكر، ففي قضية عجيزة ضد السويد، ارتأت لجنة مناهضة التعذيب أن السويد انتهكت اتفاقية مناهضة التعذيب لدى مساعدة الاستخبارات المركزية الأميركية في ترحيل طالب اللجوء أحمد عجيزة ترحيلاً استثنائياً إلى مصر في ديسمبر/كانون الأول 2001. وخلصت اللجنة إلى أن "من المعروف، أو يجب أن يكون معروفاً، للسلطات [السويدية] وقت نقل [عجيزة] أن مصر كانت تلجأ إلى الاستخدام المنهجي والمتفشي للتعذيب بحق المحتجزين، وأن ثمة خطر استثنائي يتمثل في تلقي هذه المعاملة بالنسبة للمحتجزين لأسباب سياسية أو أمنية".69 كما ذكرت اللجنة أنه "عدم القدرة على الطعن في قرار طرد أمام سلطة مستقلة

ومن المهم أن اللجنة رفضت قول السويد بأن يجب ألا تُرى على أنها مسؤولة عما جرى لأنها حصلت على ضمانات من الحكومة المصرية بأن عجيزة لن يتعرض للمعاملة السيئة. وكما أوضحت اللجنة، فإن "الحصول على ضمانات دبلوماسية، التي وفضلاً عن هذا لا توفر آلية للتنفيذ، ليس كافياً كضمانة للحماية من هذا الخطر القائم".71 وفي استنتاجاتها وتوصياتها لعام 2006 الصادرة بحق الولايات المتحدة، طالبت اللجنة الحكومة الأميركية بأن "توفر معلومات تفصيلية للجنة عن كل الحالات التي تم فيها الحصول على ضمانات منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001".72

وقد انتقدت هيئات دولية أخرى لا حصر لها استخدام الضمانات الدبلوماسية في الحالات التي يتم فيها إعادة الأشخاص إلى حيث يواجهون خطر التعذيب، وخلصت إلى أن هذه الضمانات لا توفر حماية فعالة.73 وقد أظهرت هيومن رايتس وتش بالدليل العملي أن مثل هذه الضمانات ليست موثوقة في الغالب، وأن الأشخاص الذين تتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية بناء على مثل هذه الضمانات يواجهون التعذيب وغيرها من ضروب الإساءة.74 ولعل التعذيب القاسي الذي تحمله ماهر عرار – وهو كندي سوري مزدوج الجنسية قامت الولايات المتحدة بترحيله إلى سوريا عبر الأردن – هو أحد الأمثلة البيّنة على هذه المشكلة.75

ويمنح القانون الدولي لحقوق الإنسان ضحايا انتهاك الحقوق، الحق في التعويض الفعال. وفي الحالات التي كابد فيها الأشخاص التعذيب جراء أفعال للولايات المتحدة، فيجب أن يسعوا للحصول على التعويض في المحاكم. وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن على الدول أن "تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد" وهذا جراء الإساءات التي يرتكبها أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية، وأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعي انتهاكها سلطات حكومية، وأن تكفل الدول إنفاذ الأحكام الصادرة لصالح المتظلمين.76

فضلاً عن أنه وبموجب اتفاقية مناهضة التعذيب يحق للضحايا الاستعانة بالمحاكم للحصول على تعويضات عادلة وملائمة.77 إلا أنه حتى الآن ثبت أن المحاكم الأميركية تنتهج سلوكاً عدوانياً بحق ضحايا عمليات الترحيل الاستثنائي، إذ رفضت قبول قضية تقدمت بها إليها مجموعة من ضحايا عمليات الترحيل الاستثنائي وشملت أحمد عجيزة وأبو القاسم بريطل وبن يامن محمد، وكذلك قضية سابقة لماهر عرار ضحية عمليات الترحيل الاستثنائي.78 وفيما أقرت الحكومة الكندية بالإساءة إلى عرار وتعويضه جراء ما كابده من معاناة، فلم تعترف الحكومة الأميركية ولا هي عرضت تعويضه. وبالفعل فإنه على الرغم من الانتقادات الدولية الموسعة، فلم تقر الحكومة الأميركية بأن برنامج الترحيل الاستثنائي الخاص بالاستخبارات المركزية قد نجم عن وقوع إساءات أو هو انتهك القانون.79




63  انظر على سبيل المثال، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، G.A. res. 2200A (XXI), 21 U.N. GAOR Supp. (No. 16) at 52, U.N. Doc. A/6316 (1966), 999 U.N.T.S. 171, دخل حيز النفاذ في 23 مارس/آذار 1976، مادة 7 و9. وانظر: إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، G.A. res. 47/133, 47 U.N. GAOR Supp. (No. 49) at 207, U.N. Doc. A/47/49 (1992). وقد صدقت الولايات المتحدة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1992.

64  اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. G.A. res. 39/46, annex, 39 U.N. GAOR Supp. (No. 51) at 197, U.N. Doc. A/39/51 (1984), دخلت حيز النفاذ في 26 يونيو/حزيران 1987.

65  اتفاقية مناهضة التعذيب، مادة 1. كما يحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. العهد الدولي، مادة 7.

66  اتفاقية مناهضة التعذيب، مادة 3.

67  اتفاقية مناهضة التعذيب، نتائج وتوصيات من لجنة مناهضة التعذيب بشأن التقرير الثاني للولايات المتحدة الأميركية. U.N. Doc. CAT/C/USA/CO/2 25 يوليو/تموز  2006، فقرة 20 (جاء فيه أنه تنطبق المادة 3 على ما يقع خارج إقليم الدولة). انظر أيضاً: التقرير الدوري الثاني للولايات المتحدة الأميركية إلى لجنة مناهضة التعذيب (6 مايو/أيار 2005)، الفقرة 27.

68  اتفاقية مناهضة التعذيب، نتائج وتوصيات من لجنة مناهضة التعذيب بشأن التقرير الثاني للولايات المتحدة الأميركية. فقرة 20.

69  لجنة مناهضة التعذيب. عجيزة ضد السويد، U.N. Doc. CAT/C/34/D/233/2003 20 مايو/أيار 2005، الفقرة 13.4

71  المرجع السابق، فقرة 13.4

72  لجنة مناهضة التعذيب. نتائج وتوصيات لجنة مناهضة التعذيب بشأن التقرير الثاني للولايات المتحدة الأميركية، فقرة 21.

73  انظر على سبيل المثال "تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب"، مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجلسة 62، UN Doc. E/CN.4/2006/6 صفحة 2 (وجاء فيها: "الضمانات الدبلوماسية... ليست ملزمة قانوناً [و] غير كافية ولا موثوقة بما يكفي لضمان حماية الأشخاص الذين تتم إعادتهم").

74  انظر: هيومن رايتس ووتش "وعود فارغة: الضمانات الدبلوماسية ليست ضمانة كافية ضد التعذيب"، مجلد 16، عدد 4 (D)، أبريل/نيسان 2004. و Human Rights Watch, “Still at Risk: Diplomatic Assurances No Safeguard Against Torture,” Vol. 17, No. 3(D), أبريل/نيسان 2005.

75  تم اعتقال عرار من قبل المسؤولين الأميركيين في مطار جون إف كينيدي في نيويورك بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2002، وتم احتجازه قرابة الأسبوعين في مركز احتجاز للمهاجرين، ثم تم ترحيله فيما بعد إلى الأردن ترحيلاً استثنائياً، ومنها نُقل إلى سوريا. وتم احتجازه في مركز احتجاز سوري دون توجيه اتهامات إليه لأكثر من عام، وتعرض للتعذيب وللأوضاع المنطوية على الإساءات أثناء الاحتجاز. انظر "تقرير لجنة تقصي الحقائق الخاصة بأفعال المسؤولين الكنديين الخاصة بماهر عرار"، 18 ستبمبر/أيلول 2006.

76  العهد الدولي، مادة 2.3. وذكرت لجنة الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 31 "طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد"، U.N. Doc. CCPR/C/21/Rev.1/Add.13 (2004) في الفقرة 10 منه، على الدول وضمن سلطتها أو سيطرتها الفعلية، وبشأن انتهاكات حقوق الإنسان، أن تتصرف كما يلي:

إن الفقرة 1 من المادة 2 ن العهد تقتضي من الدول الأطراف أن تحترم الحقوق المعترف بها فيه وأن تكفلها لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها وجميع الأفراد الخاضعين لولايتها. هذا يعني أن على الدولة الطرف أن تحترم وتكفل الحقوق المنصوص عليها في العهد لأي شخص خاضع لسلطة تلك الدولة أو لسيطرتها الفعلية، حتى وإن لم يكن متواجداً داخل إقليم الدولة الطرف.

انظر أيضاً مجموعة المبادئ والإرشادات الخاصة بحق ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في التعويض، تم تبنيه في 16 ديسمبر/كانون الأول 2005، G.A. res. 60/147, U.N. Doc. A/RES/60/147 (2005), المبدأ رقم 11.

77  اتفاقية مناهضة التعذيب، مادة 14(1) (تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفى حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض).

78  تقدم مركز الحقوق الدستورية بدعوى قضائيةبالنيابة عن ماهر عرار في محكمة المقاطعة الأميركية الخاصة بمقاطعة ولاية نيويورك الشرقية، وهذا في يناير/كانون الثاني 2004، وذكرت الدعوى المحامي العام جون أشكروفت، ومدير المباحث الفيدرالية روبرت مولر ومدير الأمن الداخلي توم ريدج وآخرون، على جانب المدعى عليهم. ورفضت المحكمة قضية عرار في عام 2006، إذ خلصت إلى أن القضية تشمل اعتبارات أمن قومي وسياسة خارجية حساسة. واستأنف عرار وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2007 قال محامو عرار في محكمة الاستئناف الأميركية  بالدائرة الثانية منها إنه يجب مراجعة حُكم محكمة المقاطعة. وما زال لم يتم الوصول إلى حُكم من قبل محكمة الاستئناف.

وقد تقدم اتحاد الحريات المدنية الأميركي بدعوى قضائية بالنيابة عن أحمد عجيزة وأبو القاسم بريطل وبن يامن محمد (وأضافت إليها فيما بعد بشير الراوي ومحمد فرج أحمد باشمله على جانب الادعاء) في قضية ضد شركة بوينغ – جيبيسين داتابلان، وهي الشركة التي يُزعم أنها توفر خدمات طيران لبرنامج الترحيل الاستثنائي الخاص بالاستخبارات الأميركية. وتم صرف الدعوى في فبراير/شباط 2008 بناء على زعم الحكومة الأميركية بأن القضية من شأنها أن تكشف أسرار حكومية وتخاطر بعلاقات الحكومة بالدول التي تعاونت في عمليات الترحيل الاستثنائي. وقد أعلن اتحاد الحريات المدنية نيته الطعن في القرار.

79  أكثر الحالات التي اقترب فيها أي مسؤول حكومي أميركي كبير من إبداء الأسف علناً جراء حالات ترحيل استثنائي كان في أكتوبر/تشرين الأول 2007، أثناء جلسة للجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس، حين أقرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بأن الحكومة الأميركية "أساءت التعامل" في قضية ماهر عرار. وتناقلت التقارير أن رايس "بدا عليها الأسف" لكنها لم تعتذر. انظر: Deborah Charles, “U.S. mishandled case of Canada’s Arar, admits Rice,” Reuters, 24 أكتوبر/تشرين الأول 2007.