I. ملخص

عندما فتح مروان الجبور عينيه، بعد نزع العصابة والقناع وغيرهما مما كان يغطي وجهه، رأى عدداً من الجنود ومن ورائهم حائط عليه صورة في إطار للملك حسين وأخرى للملك عبد الله عاهل الأردن. كان الجبور متعباً ومشوش الذهن بعد رحلة جوية استغرقت أربع ساعات تم نقله بعدها بالسيارة، ولكن عندما أخبره أحد الحراس أنه محتجز في الأردن شعر براحة تفوق الوصف. فمنذ اعتقاله سراً قبل أكثر من عامين، قضى معظمهما تقريباً في حجز تابع للولايات المتحدة، كانت هذه هي أول مرة يخبره فيها أحد أين هو. وكان ذلك في 31 يوليو/تموز 2006.

وبعد بضعة أسابيع سمح الأردنيون، للمرة الأولى أيضاً، لعدة أفراد من أسرة الجبور بزيارته، وهي الزيارة التي قال عنها الجبور فيما بعد "كان أبي يبكي طول الوقت".

وكانت السلطات الباكستانية قد ألقت القبض على مروان الجبور في مدينة لاهور بباكستان، في 9 مايو/أيار 2004، حيث تم احتجازه لفترة وجيزة ثم نُقل إلى العاصمة إسلام آباد حيث تعرض للاحتجاز أكثر من شهر في معتقل سري يديره الباكستانيون والأميركيون، وأخيراً تم نقله جواً إلى سجن تابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مكان يعتقد أنه في أفغانستان. وقال الجبور فيما بعد لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض خلال هذه المحنة للتعذيب والضرب وتم إجباره على البقاء مستيقظاً لأيام متواصلة، وعلى البقاء عارياً مع تقييده إلى حائط لمدة تزيد على الشهر. وكان الجبور، شأنه شأن عدد غير معروف من الرجال العرب الذين تم القبض عليهم في باكستان منذ عام 2001، قد "اختفى" إبان احتجاز الولايات المتحدة له، وتم إيداعه معتقلاً مجهولاً بعيداً عن الحماية التي يكفلها القانون، ودون إشراف قضائي، ودون أية وسيلة للاتصال بأسرته أو بمحام أو باللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وكان برنامج السجن السري الذي احتجز الجبور في إطاره قد تم وضعه في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما وقَّع الرئيس جورج دبليو بوش توجيهات سرية تخول وكالة الاستخبارات المركزية صلاحية احتجاز واستجواب المشتبه في أنهم إرهابيون. ونظراً لأن البرنامج بأكمله كان يتم خارج أراضي الولايات المتحدة، فقد تطلب ذلك وجود دعم ومساعدة من حكومات أخرى في تسليم المحتجزين والسماح بتشغيل السجون.

وكان للمساعدة الباكستانية دور كبير في البرنامج، أكثر من أية دولة أخرى، حيث سلمت السلطات الباكستانية مئات السجناء إلى الولايات المتحدة – وانتهى المطاف ببعضهم في سجن عسكري وبالبعض الآخر في سجون الاستخبارات المركزية – كما سمحت للولايات المتحدة ودول أخرى باستجواب الكثيرين منهم على الأراضي الباكستانية. فقد جاء في التقرير السنوي عن وضع حقوق الإنسان لعام 2004، الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، أن قوات الأمن في باكستان "تحتجز السجناء بمعزل عن العالم الخارجي، وترفض إعطاء أية معلومات عن أماكنهم، وخاصةً في قضايا الإرهاب وقضايا الأمن القومي". أما الشيء الذي لا يتحدث عنه التقرير فهو أن السلطات الباكستانية ارتكبت هذه الانتهاكات بعلم تام ومشاركة كاملة من جانب عملاء الاستخبارات الأميركية. بل إن درجة السيطرة الأميركية بلغت في بعض القضايا حداً يمثل شكلاً من أشكال الاحتجاز بالوكالة.

وثمة قلق خاص في الوقت الراهن من احتمال استخدام مراكز الاحتجاز بالوكالة. ففي مطلع سبتمبر/أيلول 2006، تم نقل 14 معتقلاً من سجون سرية تابعة للاستخبارات الأميركية إلى السجن العسكري في خليج غوانتانامو. وفي حديث تليفزيوني أذيع في 6 سبتمبر/أيلول، أعلن الرئيس بوش أنه بنقل هؤلاء الأربعة عشر "لم يعد هناك أي إرهابي في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية". لكنه لم يذكر شيئاً عما حدث لعدد من السجناء الآخرين الذين كان من المعتقد حتى تلك اللحظة أنهم محتجزون في مكان مجهول يتبع وكالة الاستخبارات المركزية.

ومن دواعي القلق أن الولايات المتحدة ربما تكون قد نقلت بعض السجناء الباقين إلى سجون أجنبية حيث يظلون لأغراض عملية تحت سيطرة وكالة الاستخبارات المركزية. ومن دواعي القلق أيضاً إمكانية نقل السجناء إلى أماكن يواجهون فيها خطراً شديداً وهو خطر التعرض للتعذيب، إذ إن بعض السجناء المفقودين هم من الجزائر ومصر وليبيا وسوريا.

وفي خطاب أرسلته هيومن رايتس ووتش إلى الرئيس بوش، وهو منشور إلى جانب هذا التقرير، توجد قائمة بأسماء 16 شخصاً من المعتقد أنهم كانوا يوماً ما محتجزين في أحد السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، ولا يعرف أحد أين هم الآن. وقد التقى الجبور بعدد من هؤلاء الأشخاص أو تحدث معهم أثناء احتجازه. كما يتضمن الخطاب قائمة بأسماء 22 شخصاً قد يكونوا محتجزين في هذه السجون، ولا يعرف أحد أين هم الآن أيضاً. ومرفق نسخة من الخطاب ضمن ملاحق هذا التقرير.

وقد دعت هيومن رايتس ووتش إدارة بوش إلى تقديم معلومات وافية عن كل شخص احتجزته وكالة الاستخبارات المركزية منذ عام 2001، بما في ذلك أسماؤهم وتواريخ خروجهم من الحجز لدى الولايات المتحدة، وأماكن تواجدهم حالياً. وفي حالة الاحتجاز بالوكالة لدى دولة ثالثة يجب على الحكومة الأميركية إما أن تنقلهم إلى الولايات المتحدة لمقاضاتهم أمام المحاكم الأميركية، وإما إصدار الأمر بالإفراج عنهم.

ويعد ترك هؤلاء الرجال معلقين في الخفاء انتهاكاً للمعايير الأساسية لحقوق الإنسان، وأمراً قاسياً قسوة غير عادية بالنسبة لأسرهم. ففي رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قالت زوجة رجل لم يره أحد منذ اللحظة التي يُعتقد أنه أودع فيها الحجز لدى وكالة الاستخبارات المركزية، إنها اضطُرت لأن تكذب على أطفالها الأربعة بشأن غياب زوجها، وأوضحت ذلك بأنها لم تتحمل أن تخبرهم أنها لا تعرف مكانه: "أملي لو اكتشفوا أن أباهم محتجز، أن أستطيع على الأقل أن أخبرهم في أية دولة هو محتجز، والظروف المحتجز فيها".1

ويُعتبر مصير المحتجزين المفقودين من أهم الأسئلة التي ليس لها إجابة بشأن برنامج السجن السري لوكالة الاستخبارات المركزية، لكنه ليس السؤال الوحيد. فلا تزال هناك أشياء كثيرة غير معروفة عن نطاق البرنامج ومراكز الاحتجاز على وجه التحديد، وأسلوب معاملة المحتجزين وتعاون الحكومات الأخرى وتواطؤها. وعلى الرغم من أن مصادر سرية، من بينها مسئولون في وكالة الاستخبارات المركزية، قد تحدثوا عن بعض جوانب البرنامج للصحفيين، وأن عدداً صغيراً من المعتقلين السابقين حكوا عن تجاربهم، فلا تزال تفاصيل كثيرة عن البرنامج في طي الكتمان.

وفيما يلي عرض لأشمل الروايات المتوفرة حتى الآن عن الحياة في أحد السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية. فقد أجرت هيومن رايتس ووتش حواراً مع مروان الجبور على مدى عدة أيام في ديسمبر/كانون الأول 2006، أي بعد أقل من شهر من استرداده حريته، حيث تحدث بوضوح وبدقة وبكثير من التفصيل عن تجاربه، على الرغم من أنه من الواضح أن بعض الذكريات تثير الشجون. وتعتبر شهادته ذات أهمية بالغة في وصف تجربته مع الاعتقال السري وفي الكشف عن معلومات بشأن آخرين كانوا معتقلين معه.

ويعتقد الجبور، الذي تعرض للاعتقال في لاهور، أن الاستخبارات الباكستانية هي التي ألقت القبض عليه، وأن أسوأ الانتهاكات الجسدية التي تعرض لها تمت حين كان محتجزاً لديهم. حيث يزعم أنهم ضربوه ضرباً مبرحاً، وأحرقوه بقضيب ساخن إلى حد الاحمرار، وربطوا حبلاً مطاطياً بإحكام حول ذكره مما تسبب له في آلام شديدة. وفي اليوم الثالث لاحتجازه لدى السلطات الباكستانية استجوبه ثلاثة يُعتقد أنهم أميركيون، وفي اليوم التالي تم نقله إلى مبنى سري في إسلام آباد، كان فيه مسئولون أميركيون وباكستانيون، لكن الأميركيين على ما يبدو كانوا في موقع الرئاسة.

 وتعرض الجبور في المعتقل في لاهور، وفي هذا المبنى في إسلام آباد، للحرمان من النوم أياماً طويلة، وتم إجباره على الوقوف دون أن يستريح إلا قليلاً. وقد انهار مرتين وسقط مغشياً عليه.

وبعد شهر في إسلام آباد، تم نقله جواً إلى سجن سري، يعتقد أنه في أفغانستان، حيث كان جميع المسئولين أميركيين (عدا المترجمين تقريباً). وهناك تم احتجازه عارياً تماماً لشهر ونصف الشهر، وتم تصويره واستجوابه عارياً. كما ظل مقيداً بسلسلة إلى حائط في زنزانته الصغيرة بحيث لا يستطيع الوقوف، وبحيث يبقى في أوضاع مجهدة تجعل التنفس عسيراً. كما أخبروه أنه إن لم يتعاون فسيضعونه فيما يسمى "صندوق الكلب" الخانق.

وبمرور الشهور، تحسنت بعض جوانب المعاملة مع الجبور، فأُعيدت إليه ملابسه شيئاً فشيئاً، وانتهى سوء المعاملة البدني، وتم وضعه في زنزانة أوسع، وصار يحصل على طعام أفضل. إلا إن بعض الجوانب الأخرى تغيرت ببطء وبعضها لم يتغير أبداً. فكان يقضي كل الوقت تقريباً في زنزانة ليس بها نافذة، ومر عليه عام ونصف العام لم ير فيه ضوء الشمس. وظل القيد الحديدي في رجليه عاماً ونصف العام. وأسوأ ما في الأمر أنه قضى عامين دون أي اتصال تقريباً بأي إنسان عدا آسريه. وعلى الرغم من قلقه المتواصل على زوجته وبناته الثلاثة الصغار فلم يسمح له بإرسال أي خطاب لهن ليطمئنهن أنه على قيد الحياة.

وأقر الجبور بأنه تدرب في عام 1998 في معسكر حربي في أفغانستان على أمل الذهاب للحرب في الشيشان، وفي عام 2003، قام بمساعدة بعض المتشددين العرب وآخرين ممن فروا من أفغانستان إلى باكستان. ومع ذلك، فقد كان من المفروض أن يتولى القضاء مسألة تقرير ما إذا كان الجبور قد خالف القانون، إذ إن ذلك ليس مبرراً للانتهاك.

ويُحرِّم القانون الدولي لحقوق الإنسان الاختفاء القسري، ويحرِّم أصلاً وضع الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي في معتقل مجهول. كما أن هؤلاء الأشخاص الذين يظلون "مختفين" حتى يتبين مصيرهم أو مكانهم يكونون أكثر عرضة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ولطالما أدانت الحكومة الأميركية، في بياناتها الخاصة بالسياسات وفي تقاريرها السنوية عن حقوق الإنسان، هذه الممارسات التي تنتهك الحقوق، ولذلك فإن استخدامها لهذه الممارسات يؤدي إلى تقويض شديد لسلطتها المعنوية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. بل إن اعتمادها على الاعتقال السري والاستجواب بطريقة تنطوي على الانتهاك يعتبر خطأ من الناحية العملية البحتة، لأن استخدام هذه الأساليب يلقي بظلال قاتمة على أية شهادة يدلي بها المحتجزون، مما يجعل من الصعب مقاضاة مرتكبي الأعمال الإرهابية في إطار محاكمة عادلة، وتحقيق المحاسبة العامة عن تلك الجرائم باعتبار أنها حق لضحايا الإرهاب.

توصيات أساسية

على الحكومة الأميركية القيام بما يلي:

  • الكف عن استخدام الاعتقال السري والاستجواب بالإكراه كأساليب مضادة للإرهاب، وإيقاف برنامج الاستخبارات المركزية للاعتقال والاستجواب إيقافاً نهائياً.

  • الكشف عن هوية ومصير ومكان كل المعتقلين الذين سبق إيداعهم في منشآت تديرها أو تترأسها وكالة الاستخبارات المركزية منذ عام 2001.

    وعلى الحكومات الأخرى القيام بما يلي:

  • رفض تقديم المساعدة أو التعاون بأي شكل من الأشكال مع عمليات الاعتقال أو الاستجواب أو النقل الاستثنائي التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية والكشف عن أي معلومات تتوافر لديها عن هذه العمليات.




    1 رسالة إلى هيومن رايتس وتش، 24 يناير/كانون الأول 2007.


  •