Lebanon



Lebanon Lebanon
  

I.الملخص

لا يبدو حتى الربع الأخير من عام 2007 أن ثمة انفراج في أزمة التشرد العراقية. ففي مواجهة غياب الأمن على مستويات مرتفعة وغير مسبوقة، يستمر عشرات الآلاف من العراقيين في مغادرة ديارهم كل يوم. وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من مليوني شخص قد تشردوا داخل العراق، فيما سعى 2.2 مليون مواطناً عراقياً للجوء إلى دول أخرى بالمنطقة طلباً للأمن. والغالبية العظمى من العراقيين الذين فروا إلى الخارج توجهوا إلى سوريا التي تستضيف ما يقدر بـ 1.4 مليون عراقي، وإلى الأردن التي تستضيف ما قد يصل إلى 750000 لاجئاً عراقياً.

وبالمقارنة بسوريا والأردن، تستضيف لبنان عدداً صغيراً من اللاجئين العراقيين، وهو ما يقدر بنحو خمسين ألفاً. لكن لبنان بتعدادها الذي يبلغ أربعة ملايين نسمة، بدأت بالفعل تعاني من عبءٍ  كبير باستضافتها ما يتراوح بين 250000 إلى 300000 لاجئاً فلسطينياً. والأزمة السياسية بلبنان وغياب الاستقرار السياسي عنها تتسبب في جعل عدد كبير من اللبنانيين منتبهين وقلقين من استضافة مجموعة أخرى من اللاجئين تعتبر فرصة عودتهم لبلدهم على المدى القصير فرصة ضئيلة. وقد زاد من تعقيد الموقف أن الكثير من اللبنانيين يرون أن التوترات الطائفية التي يعاني منها المجتمع العراقي قد تدخل على التوترات الطائفية الموجودة بالفعل في لبنان وتضاعف منها.

ويتمتع اللاجئون العراقيون في لبنان حالياً بوسائل حماية قليلة ومحدودة للغاية. ومنذ يناير/كانون الثاني 2007، منحت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين صفة اللاجئ لكل الرعايا العراقيين القادمين من وسط وجنوب العراق ممن سعوا للحصول على اللجوء في الأردن وسوريا ومصر وتركيا ولبنان. إلا أن لبنان – مثل بعض جيرانها من الدول – لا تدعم قرار مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالاعتراف باللاجئين العراقيين بالإنفاذ القانوني للقرار. ولبنان ليس طرفاً في اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (اتفاقية اللاجئين) أو بروتوكولها لعام 1967 الخاص بوضع اللاجئين. وليس لديها قانون داخلي مطبق للاجئين. وما يحدث هو أن من يدخلون إلى لبنان بصفة غير قانونية سعياً للجوء من الاضطهاد أو من يدخلون بصفة قانونية للغرض ذاته ويبقون في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنهم مهاجرين غير شرعيين ويتعرضون للاعتقال والسجن والغرامات و الإخراج (الترحيل).

وقد أظهرت السلطات اللبنانية بأكثر من طريقة تحملاً واسعاً للتواجد العراقي في لبنان. فقوى الأمن الداخلي لا تعتقل اللاجئين العراقيين الذين ليست معهم تأشيرات نافذة أو تصاريح إقامة بشكل منهجي، لكنها تعتقل عدداً كبيراً منهم يكفي لضمان أن يستمر إحساسهم بخطر الاعتقال قائماً. ويتزايد عدد اللاجئين العراقيين المعتقلين تزايداً طردياً مع عدد نقاط التفتيش في لبنان. إذ أنه فيما كان ما يقل عن 100 عراقي قيد الاحتجاز في لبنان في مارس/آذار 2007، فمع حلول أغسطس/آب 2007 ارتفع هذا العدد كثيراً ليبلغ 480 شخصاً كنتيجة مباشرة لانتشار نقاط التفتيش بسبب تدهور الوضع الأمني. وقد ارتفع هذا العدد أثناء إعداد هذا التقرير للنشر ليصبح 580 لاجئاً عراقياً رهن الاحتجاز في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وهذا يعني أن غالبية العراقيين لا يغادرون بيوتهم ما لم تكن ثمة ضرورة قصوى لهذا، وفي العادة لا يقتربون من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو سلطاتها خشية الاعتقال. وافتقداهم للوضع القانوني في لبنان يعني أيضاً أنهم عرضة للإساءات والاستغلال من قبل أصحاب العمل وغيرهم ممن يعرفون أن العراقيين لا يمكنهم الالتجاء إلى السلطات اللبنانية.

وبموجب المادة 32 من قانون عام 1962 لتنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه، فإن الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية عرضة لعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج. واللاجئين العراقيين الذين يتم اعتقالهم ثم إدانتهم بالدخول غير القانوني يُحكم عليهم في العادة بالحبس لشهر كحد أدنى بالإضافة إلى الغرامة والإخراج.

وما إن يقضي العراقيون فترة الحكم بالسجن لكونهم في البلاد بشكل غير قانوني؛ فإن مديرية الأمن العام ("الأمن العام") الخاضعة لسلطة وزارة الداخلية تتولى مسؤوليتهم. ومن الناحية النظرية فإن الأمن العام لا ينفذ أحكام الإخراج (الترحيل) ضد أي عراقيين، وهذا بما يتفق مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي بألا تعرضهم للإعادة القسرية إلى حيث تواجه حياتهم أو حرياتهم التهديد. إلا أنه من الناحية العملية فالموقف أقل وضوحاً بكثير. فالأمن العام يرفض في العموم إطلاق سراح اللاجئين العراقيين الذين قضوا فترات العقوبة في السجن جراء الدخول غير القانوني، ويبقيهم قيد الاحتجاز لفترات غير محددة.

وهؤلاء العراقيون ليست لديهم إلا إمكانية ضئيلة في الخروج من الاحتجاز. فمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتمكن من إخراج عدد صغير منهم، فيما تتمكن مجموعة أخرى صغيرة نسبياً من إضفاء الشرعية على تواجدها في لبنان بالحصول على تصاريح عمل. أما الغالبية فلا يمكنها تأمين إطلاق سراحها من السجن إلا بالموافقة على العودة إلى العراق.

ومن ثم فإن اللاجئين العراقيين المحتجزين يُعرض عليهم خياراً بغيضاً: إما الاستمرار في المعاناة في الاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمى، أو الموافقة على العودة إلى البلد الذي فروا منه. وبالنسبة للغالبية فهو اختيار ليس فيه أي تخيير. ففكرة البقاء في الاحتجاز لأجل غير مسمى مقيتة للغاية، وظروف الاحتجاز غير محتملة، وهذا إذن هو الخيار المتاح وليس في حقيقته قراراً طوعياً، بل الأحرى أنه لا يتعدى كونه سبيلاً للفرار من موقف لا يُطاق أو يُحتمل.

وفي مايو/أيار 2007 قابلت هيومن رايتس ووتش محتجزاً عراقياً في سجن رومية بعد لحظات من "اختياره" العودة إلى العراق. وحتى ذلك الحين كان قد قرر البقاء في الحجز لأجل غير مسمى بعد انقضاء فترة عقوبته جراء دخوله البلاد بشكل غير قانوني. وقبل دقائق من مقابلة هيومن رايتس ووتش له، قابله وفد من السفارة العراقية وأنهوا الأوراق الخاصة بعودته. وكان يشعر بالامتعاض والغضب لدرجة أنه كان بالكاد قادراً على التحدث. ورفع إصبعه الذي كان ما زال مغطى بالحبر الأزرق، وكان قد استعمله ليوقع ببصمته على الأوراق، وقال: "أترى هذا؟ إنني عائد! هذا السجن أفقدني صوابي. الأرجح أنني سوف أتعرض للقتل في العراق [ومرر إصبعه على حلقه] لكنني عائد، لم أعد قادراً على البقاء في هذا السجن".

وهكذا، ورغم أن لبنان لا تعيد أي لاجئين عراقيين إلى العراق بشكل رسمي ضد إرداتهم، فهي تُكرِه العديد من اللاجئين العراقيين على "اختيار" العودة إلى العراق. وباحتجازها العراقيين الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني بغرض السعي للحصول على اللجوء، ثم منحِهم الحق في "الاختيار" بين العودة إلى العراق أو البقاء قيد الحجز لأجل غير مسمى، فإن لبنان يمارس الإعادة القسرية من الناحية الفعلية.

وبالنسبة لغالبية اللاجئين العراقيين، في لبنان وفي أماكن أخرى بالمنطقة، فالحل الدائم الحقيقي الوحيد هو الإعادة الطوعية إلى عراق آمن ومستقر. إلا أنه في غياب التقدم السياسي الحقيقي في العراق، فسوف يبقى هذا هدفاً بعيد المنال. وفي هذه الأثناء فالمجتمع الدولي بحاجة للاعتراف بمخاوف لبنان والدول الأخرى المستضيفة للاجئين بشأن الطبيعة طويلة الأمد لأزمة اللاجئين العراقيين، والتصدي لهذه المخاوف بتوفير مساعدة حقيقية للحكومات والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ولدعم جهود الإغاثة الدولية، بما في ذلك عبر آليات الأمم المتحدة.

وعلى الدول خارج المنطقة أن تعرض بدورها إعادة توطين أعداد معقولة من اللاجئين العراقيين الأكثر عرضة للضرر وهذا لتخفيف العبء عن الدول المستضيفة للاجئين في الشرق الأوسط، وللمساعدة في إقناع هذه الدول بالاستمرار في توفير الحماية للاجئين العراقيين على أراضيها.

وقد صدرت مذكرة التفاهم بين الأمن العام اللبناني ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سبتمبر/أيلول 2003 مبنية على افتراض أن لبنان ليس بلداً للجوء الدائم بل إن على المفوضية العثور على أماكن لإعادة توطين اللاجئين الذين تعترف بوضعهم كلاجئين في أماكن أخرى. وتخول مذكرة التفاهم الأمن العام إصدار "تصاريح تنقل" للساعين للجوء واللاجئين لفترة أقصاها 12 شهراً، وأثناء هذه الفترة تتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توطين الأشخاص الذين تعترف بهم كلاجئين في دول ثالثة. والساعين للجوء واللاجئين الذين يحملون تصاريح تنقل محصنين من الاعتقال والاحتجاز لكونهم في البلاد بشكل غير قانوني.

إلا أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا يمكنها ضمان إعادة التوطين لما يقدر بخمسين ألف لاجئ عراقي خلال 12 شهراً من تسجيلهم كما هو مفترض بها أن تفعل إذا كانت قد سجلتهم تحت مظلة مذكرة التفاهم. لذلك فبينما تعترف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بكل الرعايا العراقيين من وسط وجنوب العراق، فهي لا تسجلهم كقاعدة قائمة تحت مظلة مذكرة التفاهم. وبالنتيجة لا تتقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للأمن العام لإصدار تصاريح تنقل للاجئين العراقيين.

وبدلاً من هذا تُصدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للمواطنين العراقيين القادمين من وسط وجنوب العراق شهادات لاجئين. وهذه الشهادات لا تمنح الوضع القانوني الذي توفره تصاريح التنقل التي يصدرها الأمن العام للاجئين بموجب القانون اللبناني. وعلى الأخص لا تعترف السلطات اللبنانية بالشهادات باعتبارها تعفي حاملها من العقوبات جراء الدخول غير القانوني أو التواجد غير القانوني في البلاد.

ولبنان بحاجة لتبني منهج مختلف و يؤمن للاجئين العراقيين الحماية التي يحتاجونها. ولا يمكن للحكومة والشعب اللبنانيين ببساطة تمني لو كان اللاجئون لم يحضروا من الأساس. فحرمانهم من حقوقهم لن يجدي نفعاً في حل أزمة اللاجئين العراقيين، فيما يضر بأشخاص فروا من بلادهم خوفاً على حياتهم. وكما قال لاجئ وجد نفسه في الاحتجاز: "ليس الأمر أننا مسرورون بمغادرة العراق. المشكلة أن ليس بإمكاننا البقاء في العراق بسبب الموقف... بسبب الإرهاب".

وعلى لبنان أن يوافق على اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها وأن يتبنى إصدار قانون داخلي للاجئين. وعلى الأقل، على لبنان أن يظهر استعداده لتوفير ملجأ مؤقت على أساس من مطالبته  للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بضمان إعادة توطين اللاجئين في دول ثالثة. وعلى السلطات إصدار تصاريح تنقل لكل الأشخاص الذين تسجلهم المفوضية كلاجئين، بمن فيهم العراقيين. وبالاتساق مع مبدأ قانون اللاجئين الدولي القائل بعدم معاقبة اللاجئين جراء دخولهم غير القانوني أو تواجدهم غير القانوني في البلاد، فعلى لبنان ألا يلاحق اللاجئين العراقيين قضائياً أو يعاقبهم جراء دخولهم أو تواجدهم غير القانوني بفرض الغرامات وعقوبات الحبس.

فضلاً عن أن على لبنان الكف عن تعريض اللاجئين العراقيين للاحتجاز لأجل غير مسمى بعد انتهاء فترات العقوبة المقررة بحقهم جراء دخول البلاد بشكل غير قانوني. والاحتجاز لأجل غير مسمى لطالبي اللجوء يمكن أن يُعتبر احتجازاً تعسفياً، والاحتجاز لأجل غير مسمى للاجئين العراقيين في لبنان يعتبر واقعة من هذا النوع. من ثم فإن احتجاز لبنان التعسفي للاجئين العراقيين يشكل انتهاكاً لالتزامات لبنان باعتبارها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وربما هو أيضاً يخالف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب).

وحتى وقت قريب كان المحتجزون العراقيون الذين يفضلون العودة إلى العراق يفعلون هذا بواحدة من طريقتين؛ إما إعداد ترتيبات السفر بأنفسهم على نفقتهم الخاصة أو أن تعيدهم المنظمة الدولية للهجرة. والمنظمة الدولية للهجرة، وهي منظمة دولية حكومية مقرها جنيف مشكلة من 120 دولة عضو، يحكمها دستور يُعارض تسهيل الترحيل والإخراج ويتطلب أن تتم أي إعادة تجريها المنظمة بشكل طوعي، وهو المعيار الذي تعرفه المنظمة الدولية للهجرة على أنه الاختيار الحر من الضغط أو الإكراه. وبالنسبة للاجئين العراقيين، فإن بديلهم الوحيد عن العودة إلى العراق – الاحتجاز لأجل غير مسمى – لا يستوفي هذه المتطلبات. وأثناء إصدار هذا التقرير جمدت المنظمة الدولية للهجرة تدخلها في إعادة العراقيين المُحتجزين في لبنان، لكنها قالت للسفارة العراقية في بيروت إنها ستستأنف مساعداتها "في المستقبل القريب بعد أن تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وطبقاً لاتفاقها مع الحكومة اللبنانية، بتقييم الرعاية المطلوبة بالمقدمين على العودة بعيداً عن السلطات القائمة بالاحتجاز".

وسوف يتضح من هذا التقرير أن المحتجزين العراقيين – الذين هم بمنأى عن حرية الاختيار الخالي من أي شكل من أشكال الضغوط – قد تم إكراههم على قبول العودة إلى العراق تحت تأثير الاحتجاز لأجل غير مسمى. وهو ما يجعل التفرقة بين العودة الطوعية والعودة القسرية أمراً لا فائدة منه. وهيومن رايتس ووتش ترحب بتجميد المنظمة الدولية للهجرة بشكل مؤقت لتدخلها في إعادة المحتجزين العراقيين، وتحثها على أن تثبت سياسة عكسية لتلك التي سهلت ما كان يعتبر إخراجاً فعلياً ومخاطرة بالتواطؤ في الإعادة القسرية للأشخاص.

والموقف الحالي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هو "يجب ألا تتم إعادة أي أشخاص من وسط أو جنوب العراق قسراً إلى العراق حتى تحسن الظروف الأمنية والحقوقية في البلاد بدرجة ملحوظة". وعلى المنظمة الدولية للهجرة ألا تستأنف تدخلها في إعادة اللاجئين العراقيين المحتجزين من لبنان، إذ أن هذا يعتبر إعادة قسرية في كل شيء إلا الاسم.

ورفض لبنان إضفاء الشرعية على إقامة اللاجئين العراقيين لا يؤثر فقط على عدد قليل من اللاجئين العراقيين الذين يتم اعتقالهم واحتجازهم، بل على كل اللاجئين العراقيين على الأراضي اللبنانية. ودون منح الوضع القانوني في لبنان للاجئين العراقيين يصبحون عرضة للاستغلال والإساءات من قبل أصحاب العمل ومُلاك العقارات الذين يتعاملون معهم على أساس من معرفتهم أن العراقيين لا سبيل لهم إلى السلطات اللبنانية لدى انتهاك حقوقهم. كما أن الخوف الدائم من الاعتقال والاحتجاز يجبر اللاجئين العراقيين على تبني آليات للتكيف لها تبعات غير مرغوبة. فمثلاً بما أن الأطفال يتعرضون بدرجة أقل من الآباء للاعتقال؛ فبعض الأسر العراقية ترسل أطفالها للعمل لإمداد الأسرة بالموارد بدلاً من إرسالهم إلى المدارس.

وحتى إذا لم يكن لبنان ملزماً بإمداد اللاجئين العراقيين بإمكانية التكامل في المجتمع المحلي على اعتبار أن هذا حل دائم لمحنتهم، فعليه احترام الحقوق الإنسانية الأساسية الخاصة باللاجئين طيلة إقامتهم في لبنان. وعلى الأخص عليها أن تمد اللاجئين العراقيين على الأقل بوضع قانوني مؤقت، وعليها أن تمنحهم تصاريح عمل مؤقتة قابلة للتجديد حتى العودة إلى العراق. ويمكن صياغة التصريح بالإقامة بحيث يكون رهناً بالموقف الأمني في العراق، مما يسمح للبنان بسحب التصريح بالإقامة في حالة تمكن الرعايا العراقيين من العودة بأمان وبشكل غير مهين إلى العراق. وحتى ذلك الحين، فعلى لبنان السماح للاجئين العراقيين بالإقامة في أمان ودون مهانة على الأراضي اللبنانية.

وفي الوقت نفسه، فيجب ألا نتوقع أن يتحمل لبنان وحده عبء استضافة عدد كبير من اللاجئين العراقيين. فكما هو الحال مع بلدان أخرى في الشرق الأوسط، وخاصة سوريا والأردن؛ وجد لبنان نفسه في موقف كونه البلد المستضيف للاجئين دون أي أسباب غير الظروف العرضية الخاصة بالموقع الجغرافي. ولم يلعب لبنان أي دور في خلق أزمة اللاجئين العراقيين، ولا يتحمل مسؤولية إيجاد حل للأزمة أكثر من مسؤولية أية دولة أخرى في هذا الصدد. وبالاعتراف بهذه الحقيقة، فعلى المجتمع الدولي أن يمد لبنان بمساعدة واسعة ولغيره من البلدان المستضيفة للاجئين في المنطقة، والهدف الأساسي هو التخفيف من محنة أكثر من مليوني لاجئ عراقي اضطروا للفرار من بلدهم.