Jordan



Jordan Egypt
  

I. الملخص

يسعى الأردن منذ زمن طويل إلى تقديم نفسه على أنه بلد الإصلاح السياسي. ويتقدم الملك وممثلوه الدبلوماسيون بعروض مستوفاة لدى زيارة العواصم الغربية، عن كيف أن الأردن يحرز تقدماً في التغييرات التشريعية والسياسية بهدف زيادة هامش الحريات وضمان حكم القانون. وفي خطابه بالمنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في البحر الميت في مايو/أيار 2007، ركز الملك عبد الله على الأولوية التي يوليها لتطوير وتعزيز المجتمع المدني في البلاد. إلا أن الحقائق المجردة القائمة في الأردن تتناقض مع هذه الصورة الوردية المعروضة على العالم.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، صعّبت الحكومة الأردنية على منظمات المجتمع المدني أن تعمل – أو حتى تتواجد – بأقل قدر ممكن من الاستقلالية، وهذا بدلاً من أن توسع هامش مشاركة المجتمع المدني في الشؤون العامة للبلاد. وفي عام 2007 عرضت الحكومة قانوناً جديداً للجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، وهو مشروع قانون يفرض قيوداً على الجمعيات وتعتبر هذه القيود الجديدة أكثر تشدداً من القيود المفروضة في القانون القائم والمُطبق منذ 30 عاماً. وهذا التشريع المقترح، الذي تجاهل أخذ مشروع قانون مُناظِر مقدم من منظمات المجتمع المدني في الاعتبار، هو بمثابة خطوة واسعة إلى الخلف في حقوق الأردنيين الخاصة بتكوين الجمعيات، فمشروع القانون يمنح الحكومة سلطات وآليات واسعة تمكنها من رفض منح منظمات المجتمع المدني تراخيص لمزاولة العمل، وسلطات رقابية والموافقة على التمويل والاستعانة بإدارة تفرضها الحكومة، وكذلك حل أي منظمة مجتمع مدني تشاء حلها لأي سبب من بين أسباب كثيرة مذكورة. وبالنتيجة، فالحكومة هي الحكم الوحيد في مسألة أي من منظمات المجتمع المدني وهي التي تقرر بقاءها من عدمه، والأنشطة التي ستسمح لها بمزاولتها، مما يحرم منظمات المجتمع المدني من أي استقلال حقيقي. وقد مارست الحكومة سلطاتها بأسلوب تعسفي، فقيدت من عمل منظمات المجتمع المدني التي تتناول قضايا سياسية أو اجتماعية محل جدل. كما فرضت الحكومة سيطرتها الشديدة على حرية المجتمع المدني في التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات.

ويحلو للحكومة الأردنية أن تزهو بما لديها من مجتمع مدني نشط، لكن في واقع الأمر فمنظمات المجتمع المدني التي تجرؤ على انتقاد الحكومة، تكافح بضراوة لإبعاد الضغوط المستمرة والتدخلات القائمة من السلطات. والنتيجة هي أن منظمات كثيرة لا تنتقد الحكومة، ومن ينتقدون يواجهون الإغلاق، بل والأسوأ: الملاحقة القضائية واحتمال قضاء العاملين بهذه المنظمات لفترات في السجن. وقليلة هي منظمات المجتمع المدني المستعدة لفتح ملف التدخل الحكومي والمضايقات الحكومية لها. وقال مدير بإحدى منظمات المجتمع المدني الأردنية الكبرى لـ هيومن رايتس ووتش: "منظمات المجتمع المدني تخشى التحدث إلى هيومن رايتس ووتش لأنها لمّا فعلت هذا في الماضي، تعرضت لعواقب سلبية".

وفي الوقت نفسه، شددت وزارة الداخلية من تقييدها لحق الأردنيين في التجمع الحر، سواء على شكل مظاهرات أو اجتماعات عامة لمجموعات أصغر من أعداد المتظاهرين. وإثر تغيير في قانون الاجتماعات العامة في عام 2001، وصادق عليه البرلمان في عام 2004، فيجب أن يوافق المحافظ الآن على المظاهرات والاجتماعات العامة مسبقاً بدلاً من إخطاره بها لا أكثر. وفي غالبية حالات التقدم بالطلبات التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، رفض المحافظون منح التصاريح، دون إبداء أسباب. وفي بعض الأحيان تكون الطلبات بتنظيم مظاهرات حول سياسة الأردن الخارجية أو الشؤون الاجتماعية والاقتصادية الحكومية، أو للتعبير عن التضامن مع الأخوة المسلمين بالخارج في قضية تحظى بالاهتمام المشترك. والمظاهرات القليلة التي يسمح بها المحافظون كانت تقريباً في كل الأحوال سلمية. إلا أن المحافظون قلما يمنحون تصاريح لأي مجموعة تُرى – ولو بالمعنى الواسع الفضفاض – على أنها مجموعة معارضة.

وكانت جبهة العمل الإسلامي – باعتبارها أكبر حزب سياسي مُعارض – هي أكثر الجهات تعرضاً للقيود الحكومية على الحقوق الأساسية الخاصة بالتجمع وتكوين الجمعيات، وتعرض لهذه القيود الأفراد والجماعات المنتسبة إلى الجبهة أو المتعاطفة معها.

ومنذ عام 2006 والمناخ السياسي الأردني يتخذ منحى أكثر حدة، مع طعن الحكومة في ولاء المعارضة للمملكة الهاشمية، بينما الأحزاب والجماعات المعارضة من الإسلاميين والقوميين واليساريين تتهم الحكومة بتغيير موقفها ونكصها لوعودها بالإصلاح.

وكدليل على اتهامها بتراجع الحكومة في الإصلاح، ذكرت المعارضة القانون الجديد الخاص بالأحزاب السياسية والذي يُرجح أن يتسبب في إغلاق الكثير من الأحزاب الصغيرة بسبب المطلب القانوني بأن يكون عدد الأعضاء الممولين في الحزب لا يقل عن خمسمائة عضو، وأضيف إليه الآن وجوب أن يكونوا من خمسة محافظات. كما ذكرت عدم تطبيق الحكومة لقانون انتخابي جديد ينطوي على توزيع أكثر عدالة للمقاعد البرلمانية. وبموجب النظام القائم، فالدوائر الانتخابية التي يسكنها بضعة آلاف من الناخبين في الدوائر الريفية يمثلها نائب واحد بالبرلمان، فيما يمثل الدوائر الحضرية الكبرى التي يسكنها عشرات الآلاف نائب واحد فقط أيضاً. وبينما قد تميل الدوائر الانتخابية لتفضيل انتخاب المعارضة؛ تُفضل الدوائر الريفية النظام القائم.

أما العلاقة بين الحكومة وحزب جبهة العمل الإسلامي – حزب المعارضة الإسلامي الأساسي – فقد تدهورت لأقل مستوياتها حين انسحب حزب الجبهة من الانتخابات البلدية في 31 يوليو/تموز بزعم وجود التزوير على نطاق واسع، والذي وثقته فيما بعد مراكز حقوقية مستقلة. ولم تسمح الحكومة بالمراقبة المستقلة للانتخابات البلدية، وعلى الرغم مما شابها من تجاوزات؛ فقد رفضت السماح لمنظمات المجتمع المدني بمراقبة مراكز الاقتراع أثناء الانتخابات البرلمانية الوطنية المنعقدة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2007. وقد شكلت منظمات المجتمع المدني الأردنية تحالفاً بدعم من المعهد الديمقراطي الوطني، لمراقبة هذه الانتخابات، إلا أن الحكومة أصرت على أن يكون المركز الوطني لحقوق الإنسان، الحكومي، هو المنظمة الوحيدة التي تراقب الانتخابات، على ألا يُسمح للمركز بدخول مراكز الاقتراع.

ويوثق هذا التقرير القيود القانونية المفروضة على الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات وانتهاك الحكومة الأردنية لهذه الحقوق. ويركز على مدى تقويض هذه الحقوق من قبل القوانين الحكومية الجديدة والمقترحة من قبلها على الشركات غير الربحية (منظمات مجتمع مدني بمسمى آخر) ومنظمات المجتمع المدني، كما يفحص الحالات الحديثة التي استخدمت فيها الحكومة قوانينها لتقييد حرية الأردنيين في تنظيم المنظمات المستقلة أو في الاحتجاج علناً. وقد وقعت غالبية الأحداث المذكورة في التقرير في الفترة من عام 2005 إلى الآن. ويستند هذا التقرير إلى مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش في الأردن في شهور يونيو/حزيران وأغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، وكذلك إلى الروايات المذكورة في وسائل الإعلام. وقد اشتكى العديد من العاملين المحليين بمنظمات المجتمع المدني الحقوقية وممثلوها ومن جهات تقديم الخدمات الاجتماعية، من تدخل الحكومة، وإن فضلوا عدم ذكر أسمائهم وبعض الظروف الخاصة علناً. أما بالنسبة لجمعية المركز الإسلامي، فقد تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى كل من ممثلي الحكومة والإخوان المسلمين فيها. ومن الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، تحدثنا إلى ممثلي الاتحاد وأجرينا مراسلات رسمية.

ويخلص هذا التقرير إلى أن القوانين والممارسات الأردنية مقصرة كثيراً في الوفاء بالتزامات الأردن الخاصة بضمانات حقوق الإنسان الدولية وحرية التجمع وتكوين الجمعيات. وقد أساءت الحكومة الأردنية استخدام القوانين القائمة بشأن التجمع وتكوين الجمعيات لكي تقيد كثيراً من ممارسة حقوق من تعتبرهم المعارضين السياسيين أو المنتقدين.

وتوجد منظمتان غير حكوميتان كبيرتان، مسؤولتان عن تقديم الخدمات وعمل الأنشطة الخيرية لصالح عدد كبير من الأردنيين، وهما الاتحاد العام للجمعيات الخيرية – وهي مجموعة كبيرة تضم منظمات كثيرة – وجمعية المركز الإسلامي. ويبدو أن الحكومة قد داهمت هاتين المنظمتين بحجة وجود ما يشوب التمويل الفردي فيهما، لأن كلاً من المنظمتين تحدت الحكومة سياسياً حين تكلمت ضد السياسات الحكومية. ويبدو أن الهدف الآخر للسياسة الحكومية هو منظمات المجتمع المدني الحقوقية، خاصة التي تتلقى منها تمويلاً أجنبياً. وقد تجاهلت الحكومة أكثر من مرة النتائج التي خلصت إليها منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وفي عام 2006 و2007 تزايد تعرض الجماعات المحلية للرقابة الحكومية أيضاً، ومنها المركز الوطني لحقوق الإنسان، الذي أغضب الحكومة بتقاريره المستقلة والمحايدة والعلنية عن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2006 وتقريره عن التزوير في انتخابات 2007 البلدية.

وفيما تباهت الحكومة الأردنية بانتخابات عام 2006 أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وبأنها إحدى الدول المتولية منصب نائب رئيس المجلس، فلم تنجح في الوفاء بتعهداتها باعتبارها دولة طرف بالمجلس بأن "تراعي أعلى المعايير في حماية وصيانة حقوق الإنسان"، كما جاء في القرار المنشئ لمجلس حقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمحدد لمسؤوليات الدول الأعضاء بالمجلس.

ويجب أن تفي الحكومة الأردنية في أفعالها بالتزاماتها بالإصلاح على أكمل وجه. ويجب أن تُعدل من تشريعاتها المقيدة لحرية التجمع وتكوين الجمعيات، ويجب أن تتطلب القوانين الإخطار فقط وليس التصريح المسبق، بتنظيم التجمعات العامة، وألا تفرض إلا القيود المطلوبة لحماية المجتمعين ولصيانة حقوق الآخرين، ويجب أن تسجل بصورة تلقائية منظمات المجتمع المدني والشركات غير الربحية التي تخطرها بتشكيلها دون مراجعة من الحكومة، ويجب ألا يكون لها دور في المراقبة أو التدخل في عملها، بما في ذلك تقرير إن كانت مصادر التمويل مناسبة أو لا في كل حالة على حدة، أو باستبعاد هيئات إدارة منظمات المجتمع المدني. وحل أية منظمة مجتمع مدني يجب أن يكون بأمر قضائي ويشمل الحق في الطعن في القرار.

وقد لعب المانحون الكبار للأردن – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – دوراً هاماً في دعم الاقتصاد الأردني وتمكين الحكومة من العمل، إذ وفر الاثنان معاً حوالي 600 مليون دولار حجم مساعدات إجمالي في عام 2006، وهو ما يُقدر بعشرة في المائة من الميزانية الأردنية المتوقعة لعام 2007، وهي 6.4 مليار دولار. كما تعاونت الولايات المتحدة مع الحكومة الأردنية على تطوير سعتها الأمنية وقدرتها على مكافحة الإرهاب. وزعمت كلٌ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن جزءاً هاماً من أهدافها في الشرق الأوسط، وفي الأردن على وجه التحديد، هو تشجيع تنمية المجتمع المدني، بما في ذلك الضغط لتغيير قانون الجمعيات، ودعم حُكم القانون. والمحزن أنه لم يتم فعلياً إنجاز غير القليل في سبيل منع الأردن من التراجع إلى الخلف في مجال الحق في التجمع وتكوين الجمعيات. ولم تتحدث الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي علناً عن مواطن النقص الأردنية أو أثارت فكرة تخصيص جزء من التمويل لصالح دعم وحماية حقوق الإنسان.

ولمنح المصداقية لالتزامات هذين الطرفين المذكورة بالمساعدة على الإصلاح ودعم المجتمع المدني في الأردن، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليهما توضيح موقفهما العلني ضد قوانين الحكومة الرجعية وممارساتها المسيئة. والحد الأدنى هو ربط جزء من التمويل، مثل التمويل المباشر للحكومة، بتغيير التشريعات القائمة المقيدة لحرية التجمع وتكوين الجمعيات.