Israel and the Occupied Palestinian Territories



Israel and the Occupied Palestinian Territories Israel and the Occupied Palestinian Territories
  

مبررات حزب الله للهجمات على المناطق المدنية

تشير الكثير من بيانات حزب الله في وقت الحرب إلى أن قادة حزب الله كانوا يرون الهجمات العمدية على المدنيين الإسرائيليين مشروعة في بعض الظروف. والمبررات التي تقدم بها على هذه الهجمات - من دفع إسرائيل إلى وقف هجماتها العشوائية وإجبارها على خوض حرب برية - لا تضفي الشرعية على الهجمات بموجب القانون الإنساني الدولي.

وادعى حزب الله، قبل وأثناء النزاع، بأنه يفضل توجيه نيرانه إلى أهداف عسكرية وأن لديه الوسائل اللازمة لذلك. وحين نشبت الحرب في 12 يوليو/تموز 2006، بدأ حزب الله في بادئ الأمر بإعلان ما قال إنه ضربات عسكرية ناجحة. وفي 13 يوليو/تموز ادعى على قناة المنار التلفزيونية أنه أصاب قاعدة لجيش الدفاع الإسرائيلي في ماونت ميرون، "وقد تعرضت لأضرار بالغة وشبت فيها النيران". وادعى زعيم حزب الله حسن نصر الله فيما بعد أن حزب الله قد دمر القاعدة بالكامل.189

إلا أنه في 13 يوليو/تموز، هدد حزب الله أيضاً باستهداف المدنيين الإسرائيليين إذا استمرت إسرائيل في استهداف المدنيين اللبنانيين. وفي ذلك اليوم بدأ بإطلاق النار على مدن إسرائيلية مثل الصفد ونهاريا، مما تسبب في وقوع أول حالتي وفاة بين المدنيين الإسرائيليين في هذا النزاع.

واستمر حزب الله في القول بأنه يوجه معظم نيرانه بنجاح إلى الأهداف العسكرية. وقال نصر الله بعد انتهاء القتال إن "أعلنت إسرائيل العدد بأربعة آلاف صاروخ، لكن العدد الحقيقي أكبر من هذا بكثير، لكنني أريد أن أوضح أن الأعداد الأكبر لم تسقط على المستوطنات، بل على أهداف عسكرية ومخيمات ونقاط تجمع عسكرية".190 وادعى حزب الله أنه أطلق حوالي 8000 صاروخ على إسرائيل،191 ووضح أن رقم 4000 صاروخ المختلف جاء نتيجة لحجب الإعلام الإسرائيلي الأخبار الخاصة بالضربات الصاروخية على أهداف عسكرية. وأعلن نصر الله على محطة المنار التلفزيونية في 9 أغسطس/أب تأكيده على أن هذه الصواريخ كانت موجهة من الله وموجهة تقنياً ولم يتم إطلاقها عشوائياً.192

وبعد انقضاء الحرب أعاد التأكيد على هذا:

لقد فرضوا قيداً على استهداف الأهداف العسكرية. وهذا هو معنى حجب ذكر 4000 صاروخ

كما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكيد على هذه المزاعم. ولم تؤكد السلطات الإسرائيلية وجود أي أضرار جراء الضربات الصاروخية على أهداف عسكرية داخل إسرائيل أثناء النزاع، برغم أن مايكل كارداش من وحدة المتفجرات التابعة للشرطة الإسرائيلية اعترف بأن "عشرات" الصواريخ ضربت منحدرات ماونت ميرون.194 فضلاً عن أن الصواريخ 122 مم محسنة المجال والمحملة بالكريات المعدنية حققت إصابة مباشرة في 6 أغسطس/أب على مجموعة من الجنود المتجمعين قرب مدخل إلى مستوطنة كفار غيلادي، وتسببت في مقتل 12 منهم.

إلا أنه إلى جانب الضربات لأهداف عسكرية، فقد أوضح حزب الله بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان يوجه صواريخه أيضاً إلى القرى والبلدات والمدن والقرى التعاونية (الموشافز) والمستوطنات (الكيبوتز) في شمال إسرائيل، عبر بيانات بثها على قناة المنار الخاصة به، وعبر بيانات صدرت عنه وأرسلها إلى المؤسسات الإعلامية.

وبرر حزب الله هذه الهجمات بالقول بأن إسرائيل، أثناء قصفها للجنوب اللبناني، كانت تخالف تفاهم أبريل/نيسان 1996 الذي التزم فيه الطرفان بتجنيب المدنيين الهجمات.195 وقال حزب الله بأنه كان يسعى لاسترجاع هذا التفاهم. واستمر حزب الله في ذكر تفاهم 1996 على أنه إطار مرجعي له مع اقتراب النزاع من نهايته. وأعلن نصر الله في 12 أغسطس/أب على محطة المنار أنه ملتزم بطبيعة الحال بتفاهم أبريل/نيسان [الخاص بعدم استهداف المدنيين]، ودعا العدو إلى الالتزام بهذا التفاهم.196

وأثناء القتال كرر حزب الله التحذير من أنه إما سيصعد من قصفه المدنيين الإسرائيليين أو سيوقفه بناء على تصرفات إسرائيل حيال المدنيين اللبنانيين. كما زعم أنه أطلق النار على المدنيين الإسرائيليين رداً على الاستفزازات الإسرائيلية، وفعل هذا بطريقة محسوبة وتدريجية.

وقد فحصت هيومن رايتس ووتش 89 من بيانات حزب الله التي أصدرها أثناء الحرب، وفيها قائمة بالأماكن التي من المفترض أن حزب الله قصفها بالصواريخ في إسرائيل في أيام إصدار البيانات. وقلة من هذه الأماكن تعتبر أهدافاً عسكرية. مثلاً صدر بيان يوم 17 يوليو/تموز عن هجمات على مقر القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي في الصفد، وعلى القيادة في ماونت ميرون. ومعظم هذه البيانات لم تزد على ذكر أسماء المناطق المدنية التي يزعم حزب الله أنه هاجمها. مثلاً في بيان صادر في 23 يوليو/تموز، قيل إنه في الساعة 5:15 مساءً، أطلق حزب الله مئات الصواريخ على "مدن" عكا والصفد و"مستوطنات" طبرية وكرمائيل وكريات شمونا وحنانيا ومعلوت وشلومي وراموت نافتالي ويفتح وسدي إلعيزر وزويل هايلون وغونين. وإذا كان حزب الله يوجه نيرانه إلى أهداف عسكرية وليس مدنيين في هذه الأماكن، فهو لم يبذل الجهد في ذكر ذلك في بيانه. وكان هذا متناقض مع عدد البيانات القليلة التي تقدم بها يعلن فيها عن ضربه لأهداف عسكرية محددة.

وتبرير حزب الله الأكثر تكراراً لإطلاقه الصواريخ على المدنيين هو أن هذه هي الطريقة الوحيدة للضغط على إسرائيل لكي تكف عن مهاجمتها للمدنيين اللبنانيين. وقد ذكر الأمين العام نصر الله مثلاً في خطبة له تم بثها على تلفزيون المنار في 29 يوليو/تموز، بعد أسبوعين من نشوب النزاع:

متى أيها الإخوة والأخوات وعلى طول الصراع العربي الإسرائيلي؟ متى اضطر مليونا إسرائيلي على النزوح أو البقاء في الملاجيء لمدة ثمانية عشر يوماً وأكثر وسيزداد هذا العدد مع توسعنا في مرحلة ما بعد حيفا لأن قصف مدينة العفولة وقاعدتها العسكرية هي بداية هذه المرحلة وهناك مدن كثيرة في الوسط ستكون في دائرة الاستهداف في مرحلة ما بعد حيفا إذا ما استمر العدوان الهمجي على بلدنا وشعبنا وقرانا.197

كما أوضح حزب الله أنه بالاستمرار في إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وإظهار فشل القصف الجوي الإسرائيلي في منعه من ذلك، فهو يجبر إسرائيل على خوض حرب برية يتمتع فيها حزب الله بمزايا تكتيكية.198

حتى لو كان هجوم حزب الله الصاروخي على المدنيين الإسرائيليين قد أسهم في تحقيق أهداف حزب الله العسكرية بإجبار إسرائيل على الانتقال من الحرب الجوية إلى الحرب البرية، فإن الهجمات ما زالت تمثل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. والهجمات لا تعتبر مشروعة إلا إذا تم شنها ضد أهداف عسكرية، مثل الأشخاص والأعيان والأماكن التي تعتبر طبقاً لطبيعتها وموقعها والغرض منها واستخدامها بمثابة إسهام مؤثر في العمليات العسكرية، والتي يحقق تدميرها في وقت تدميرها ميزة عسكرية أكيدة. والمنطق العسكري للهجوم على المدنيين لا يحول الأعيان المحمية إلى أعيان عسكرية، ويبقى المدنيين متمتعين بالحصانة من الهجمات بموجب قوانين الحرب طالما هم لا يسهمون بشكل مباشر في الاقتتال. بل إن مثل هذه البيانات تعد أدلة قوية على القصد الجرمي اللازم لإثبات المسؤولية الجناية الفردية عن جرائم الحرب.

أما حجة حزب الله الأكثر تكراراً هي أن استهداف المدنيين الإسرائيليين هو السبيل الأكثر فعالية للدفاع عن المدنيين اللبنانيين. وفي 14 يوليو/تموز، وفي خطابه الأول منذ نشوب الاقتتال قبل يومين، هدد نصر الله بأنه بسبب استهداف إسرائيل لمدنيين لبنانيين؛ فإن حزب الله لن يتجنب ضرب المدنيين الإسرائيليين:

لشعب الكيان الصهيوني في هذه الساعة أقول له:

وفي 16 يوليو/تموز، بعدما تسبب صاروخ عيار 220 مم أطلقه حزب الله في مقتل ثمانية عمال سكة حديد في حيفا ذلك الصباح، أعلن نصر الله على التلفزيون أن إسرائيل قد أجبرته على التخلي عن الجهود التي بذلها حزب الله في أيام الحرب الأولى لتفادي إصابة المدنيين الإسرائيليين:

نحن منذ البداية قلنا إننا نتصدى بهدوء وبدقة ومن دون أي تساؤل أطلقنا مواقف وتحذيرات واضحة. في اليوم الأول ركزنا قصفنا الصاروخي على المواقع العسكرية فقط ولم نتعرض لأي مستعمرة أو مستوطنة إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة، ولكن جيش العدو العاجز أمام المجاهدين بدأ منذ اليوم الأول باستهداف البلدات والقرى والمدنيين والمنشآت المدنية والبنية التحتية، ومع ذلك أكملنا قتالنا باتجاه الجنوب العسكري وباتجاه المواقع العسكرية في شمال فلسطين المحتلة [أي إسرائيل حالياً]....

يبدو أن صبرنا في الأيام الأولى فهمه العدو بشكل خاطئ، نحن في الحقيقة صبرنا على الاعتداء وكنا نرد فقط على العسكريين من أجل أن نؤكد ان معركتنا هي معه، وكنا نعتبر ان الجميع شركاء ولكن ما دمنا غير مضطرين لقصف أهداف مدنية، لذلك لم نلجأ إلى قصف أهداف مدنية.

لم يكن أمامنا مجال اليوم سوى أن نفي بوعد قد قطعناه على أنفسنا وقمنا بقصف مدينة حيفا، ونحن نعرف أهمية هذه المدينة وخطورتها....

سنلجأ إلى كل وسيلة تمكننا من هذا الدفاع طالما أن العدو يمارس عدوانه بلا حدود وبلا خطوط حمراء نحن سنمارس تصدينا أيضا بلا حدود وبلا خطوط حمراء....

في المرحلة المقبلة نحن مستمرون طالما هم الذين اختاروا هذه الحرب المفتوحة، وحريصون جداً ما أمكن على تجنب المدنيين إلا إذا أجبرونا على ذلك. ركزنا خلال الفترة الماضية، حتى عندما أجبرنا على استهداف المدنيين، على المستعمرات والمدن الكبرى، ولا نزال قادرين على أن نطال كل مستعمرة وكل قرية وكل مدينة في شمال فلسطين المحتلة بالحد الأدنى، ولكن آثرنا أن نستخدم الأمور بحدود الضغط على حكومة هذا العدو.200

ويمكن لحزب الله أن يقول بأن سعى إلى الرد التدريجي على الحملة الإسرائيلية على لبنان. وكانت لديه الوسائل اللازمة لقصف حيفا، وهي أكبر مدن الشمال الإسرائيلي، منذ بداية الحرب، كما ظهر في قصف منطقة ستيلا ماري بالمدينة في 13 يوليو/تموز،201 وهي الإصابة الوحيدة التي لحقت بحيفا في أيام الحرب الأربعة الأولى. وحتى 16 يوليو/تموز لم يكن حزب الله قد بدأ في قصف حيفا بانتظام، بداية من الهجوم الذي تسبب في مقتل عمال السكة الحديد الثمانية.

إلا أن مزاعم حزب الله بتجنب إصابة المدنيين أثناء أيام الحرب الأولى لا تتمتع بالمصداقية. فمنذ 13 يوليو/تموز لم تكن ثمة مراحل مختلفة للحرب، بخلاف فترة هدوء في القتال استمرت يومين من 31 يوليو/تموز إلى 1 أغسطس/أب، وحينها لم تكن صواريخ حزب الله تصيب المناطق المدنية داخل إسرائيل.

وطيلة النزاع وحزب الله يصدر قوائم بالقرى والبلدات والمدن الإسرائيلية التي ادعى مهاجمتها أيام صدور البيانات، وفي العادة يُصّدر القائمة بتفسير لسبب إجرائه هذه العمليات رداً، أي رداً على أفعال العدو في لبنان. والكثير من بيانات حزب الله تدعي النجاح في الإصابة، ليس فقط إصابة الأهداف العسكرية، بل أيضاً التجمعات المدنية. فمثلاً في 18 يوليو/تموز، أصدر حزب الله ثلاثة تصريحات على الأقل  مذكورة فيها أسماء "مستوطنات"202 إسرائيلية تم استهدافها في وقت سابق من اليوم، ذاكراً فيها وقت الهجوم والأسلحة المستخدمة ويشرح في كل من الحالات الثلاث أن الهجمات كانت رداً على أفعال الجيش الإسرائيلي. وما يلي مختارات نموذجية إلى حد كبير من البيانات القصيرة التي أصدرها حزب الله على مدى ساعة واحدة في 2 أغسطس/أب:

الساعة 11:45 صباحاً:

رداً على الهجمات الصهيونية ضد مناطق مدنية لبنانية، قامت المقاومة الإسلامية الساعة 11:30 صباحاً بقصف مستوطنتين من مستوطنات العدو في تسوريل والصفد، بعشرات الصواريخ. كما استهدفت بالصواريخ مقر قيادة المنطقة الشمالية في بيرانتي وقاعدة عين حمور العسكرية، وشرق طبرية، وقصفتها للمرة الأولى.

والساعة 11:58 صباحاً:

ورداً على العدوان الصهيوني المستمر ضد المدنيين اللبنانيين، قصفت المقاومة الإسلامية الساعة 11:40 صباحاً مستوطنات جورين وإيلون، ومعلوت، وكفار فرادين، وإلكوش، بعشرات الصواريخ.

والساعة 12:16 مساءً:

ووجهت المقاومة الإسلامية تمام الساعة 12:00 دفعات من الصواريخ تجاه مستوطنتي كابري وطبرية.

وبخصوص البيان السابق عن استهداف قاعدة عين حمور العسكرية، التي تعتبر إحدى أهم القواعد العسكرية الصهيونية، فقد علمنا بوقوع إصابات في تلك القاعدة.203

وفي تلك البيانات التفصيلية بالأنشطة العسكرية لليوم، كان حزب الله يدرج أسماء بلدات ذات أغلبية يهودية يدعي أنه أصابها بالصواريخ، لكن في العادة يحذف أسماء التجمعات السكنية العربية الكبرى التي يصيبها أيضاً. إلا أنه في بعض الحالات اعتذر نصر الله للمجتمعات العربية التي أصيبت وتقدم بتعازيه لأسر ضحايا الصواريخ العرب.

وفي 9 أغسطس/أب، بعد مقتل سكان عرب بسبب صواريخ حزب الله في حيفا بثلاثة أيام، وهذا للمرة الأولى، وبعد ثلاثة أسابيع من بدء التسبب في مقتل وإصابة السكان اليهود، حث نصر الله السكان العرب بالمدينة علناً على الفرار إلى حيث الأمان، ليظهر أكثر أن حزب الله يرى أن المدنيين الإسرائيليين من اليهود يعتبرون أهدافاً مشروعة:

إلى عرب حيفا لدي رسالة خاصة. نحن حزنا ونحزن لشهدائكم ولجرحاكم. أنا أرجوكم وأتوجه إليكم أن تغادروا هذه المدينة. أتمنى عليكم أن تفعلوا ذلك. خلال الفترة الماضية، إن وجودكم وما أصابكم جعلنا نتردد في التعرض لهذه المدينة، برغم من أن الضاحية الجنوبية تقصف سواء إن قصفت حيفا أو لم تقصف حيفا وبقية العمق اللبناني يقصف. أرجو أن تريحونا من هذا التردد وأن تحقنوا دماءكم التي هي دماؤنا وان تغادروا هذه المدينة.204

ويشير هذا التصريح إلى أن هجمات حزب الله الصاروخية كانت تستهدف إما سكان حيفا اليهود، أو كانوا يعرفون أنها تعرض المدنيين بالمدينة للخطر، لكن حزب الله لم يهتم طالما أن الضحايا من اليهود، مما يشير إلى القصد الجرمي باستهداف المدنيين أو تعريضهم لهجمات عشوائية لا تميز بين مدنيين وعسكريين.

وقد أشار بعض المعلقين إلى أن تصريحات كهذا عن التهديد بهجمات صاروخية، يمكن تفسيرها على أنها تحذيرات لكل المدنيين، وليس فقط عرب إسرائيل، بالفرار أو البحث عن الحماية.205 ويشجع القانون الإنساني أطراف النزاع على إرسال تحذيرات فعالة مسبقة قبيل شن الهجوم، وتكون كفيلة بالتأثير على السكان المدنيين.206 إلا أن مثل هذه التحذيرات لا تحول الهجوم غير المشروع أو العشوائي على المدنيين أو الأعيان المدنية إلى هجوم مشروع. وكذلك فإن مثل هذه "التحذيرات المسبقة" مقصود منها بالأساس بث الخوف بين السكان المدنيين وليس تحذيرهم كما ينبغي، وكما هي الحالة هنا، فهي تنتهك القانون الدولي، حتى لو لم يتم تنفيذ الهجوم قط.207

وفي كلمته في 3 أغسطس/أب بعد استئناف الاقتتال في أعقاب يومين من الهدوء النسبي للقتال، قال حزب الله على محطة تلفزيون المنار:

في موضوع الصواريخ والمستعمرات أود أن أؤكد أن قصفنا للمستعمرات سواء في الشمال أو ما بعد حيفا أو وصولاً إلى تل أبيب طالما أصبحت الأمور واضحة هو رد فعل وليس فعل، تعتدون على مدننا على قرانا على عاصمتنا، نحن نقوم برد فعل، وفي أي وقت تقررون فيه وقف حملاتكم على مدننا وقرانا وبنيتنا التحتية نحن لن نقصف بالصواريخ أي مستعمرة أو مدينة اسرائيلية ونفضل بطبيعة الحال إذا كان هناك من قتال أن يكون القتال عسكر بعسكر وعلى الأرض وفي الميدان.208

ويعرف القانون الإنساني الدولي ضربات الردع على أنها فعل غير مشروع يعتبر مشروعاً حين يستخدم كإجراء للتعزيز رداً على أفعال غير مشروعة من قبل الخصم.209 ولا يسمح القانون الإنساني الحالي بهجمات الردع على المدنيين في أي ظرف من الظروف، وجزء من هذا لأن الهجمات التي يتم إطلاقها على سبيل الردع تستدعي في العادة ردود بهجمات أخرى على المدنيين من الجانب الآخر، ولا توجد نهاية لدائرة الإصابات والقتل في صفوف المدنيين.210

وجاء تطور دعاوى حزب الله أثناء الحرب – في البداية معلناً أنه سيمتنع عن استهداف المدنيين، ثم هدد بالانتقام من الهجمات الإسرائيلية بمهاجمة المدنيين الإسرائيليين، وأخيراً شرح أن هذه الهجمات كانت هي الملجأ الأخير الذي سيلجأ إليه ليضغط على إسرائيل بالكف عن هجماتها – ليعكس في تطوره تفسيرات حزب الله بسلوكه أثناء النزاعات السابقة مع إسرائيل.

فمثلاً في نزاع 1993، قال حسن حب الله، رئيس قسم العلاقات الدولية في المكتب السياسي بحزب الله، لـ هيومن رايتس ووتش إنه في بداية "عملية المحاسبة" في وقت سابق من ذلك العام، "استهدفت إسرائيل المدنيين وقمنا بالرد عليها. وفي البداية قصفنا المستوطنات الإسرائيلية للضغط عليهم لكي يوقفوا القصف المدفعي".211

وقبل نشوب نزاع عام 2006 بفترة وجيزة، قدم نواف الموسوي، رئيس قسم العلاقات الدولية في حزب الله، ما أسماه بتطور فلسفة الحزب فيما يتعلق باستهداف المدنيين منذ مطلع التسعينيات. ونعرض تعليقاته هنا دون محاولة مقارنتها بسلوك حزب الله الفعلي، لكن لإظهار أن حزب الله يعتبر أفعاله منسجمة طوال الوقت.212

قال موسوي: "إننا نرى حماية المدنيين في زمن الحرب شيء بالغ الأهمية"، وأضاف: "ويستهدف حزب الله العسكرية الإسرائيلية فقط. وأسلحتنا نقية. ولا نستهدف المدنيين أبداً"، وعلى النقيض، وعلى حد قوله، "تعاقب" إسرائيل المدنيين في العادة بعد كل عملية ضد جنودها.

وقال موسوي إنه في مطلع التسعينيات، قرر حزب الله وكما اقتضت الظروف أن "ثمة حاجة للإضرار بالمدنيين طرف العدو لتحقيق شكل أفضل من التوازن"، لكن حتى بعد اتخاذ حزب الله لهذا القرار فإن "الإيذاء [الذي أصبنا به المدنيين] لم يكن شاملاً، و[قد استخدمنا] قذائف تحذيرية. ليست هذه طريقتنا، وليس مما يهمنا كقوة مقاومة أن نقتل المدنيين الإسرائيليين. بل استهداف من يحتلون أرضنا، وقد أطلقنا قذائف تحذيرية لتفادي الإصابات بين مدنيينا".

وزعم موسوي أن إسرائيل وافقت على تفاهم 1993 غير المكتوب مع حزب الله فقط "حين بدأت إسرائيل تشعر بأننا قادرين على إيذاء مدنييها". وقد أدى انتهاك إسرائيل لتفاهم 1993 بتجنب إصابة المدنيين، إلى إجبار حزب الله مجدداً على "الانتقام"، مما أدى إلى اتفاقية أبريل/نيسان 1996 "الممتازة". وقال موسوي إن الإحصائيات منذ أبريل/نيسان 1996 إلى مايو/أيار 1999 تظهر أن ثمة 300 انتهاك إسرائيلي للتفاهم، وثلاثة فقط من جانب حزب الله.213

وبالإشارة إلى هذه الفترة في أواخر التسعينيات، زعم موسوي أن حزب الله كانت لديه الوسائل الكافية لتسديد صواريخه ببعض من الدقة. وعلى الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للتفاهم، على حد قوله، فإن نيران حزب الله كانت "مقتصرة على المواقع غير المدنية. وقد سقطت صواريخنا في مناطق مزروعات. ولم يكن هذا نتاجاً لأي عدم دقة في الاستهداف، بل لرغبتنا في إرسال رسالة تحذيرية". وزعم موسوي أن حزب الله قد زاد من دقة صواريخه بحيث صار هامش الخطأ في تسديدها يبلغ "أقل من 50 متراً عن الهدف".

كما دافع نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، استهداف حزب الله للمدنيين الإسرائيليين قبيل عام 1993 على الرغم من اعتراف حزب الله بالالتزام بمبدأ تفادي استهداف المدنيين. وطبقاً لقاسم، فقد استهدف حزب الله المدنيين الإسرائيليين كرد فعل وكنوع من الدفاع ضد الهجمات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين:

حينما أصر العدو على تعدي حدوده أثناء القتال بالقصف المستمر للأهداف المدنية، فقد لجأت المقاومة إلى استهداف المستوطنات في شمال إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا. ومعادلة إيذاء العدو باستهداف الجنود الإسرائيليين مباشرة ثبت أنها غير كافية لردع إسرائيل من استهداف الأهداف المدنية الللبنانية. والحال كذلك، فإن القصف المباشر للمناطق المدنية الإسرائيلية كان رد فعل على ما قام به الجيش الإسرائيلي في بادئ الأمر. وهذه الإجراءات ساعدت على الوصول إلى اتفاق يوليو/تموز 1993 وكذلك أبريل/نيسان 1996، وفي كل من الاتفاقين تم الاتفاق على أن المناطق المدنية يجب أن تكون مناطق محايدة، وهي حقيقة متفقة ومنسجمة مع أهداف وأسلوب المقاومة.214

وعلى النقيض من التصريحات المذكورة أعلاه، فإن القانون الإنساني الدولي يحظر على كل الأطراف في النزاع استهداف المدنيين عمداً. وهذا الحظر ساري في كل الأوقات بغض النظر عما إذا كان الطرف الآخر يستهدف المدنيين أو إذا كان استهداف المدنيين مُبرراً باعتباره هجوم ردع.




189  "دمر مقاتلو المقاومة قاعدة ماونت ميرون بالكامل، وهي إحدى أهم القواعد الإستراتيجية في إسرائيل". مقابلة منشورة في صحيفة السفير اللبنانية اليومية (بالعربية)، 5 سبتمبر/أيلول 2006.

190  مقابلة على محطة نيو التلفزيونية، 27 أغسطس/أب 2006. نص المقابلة موجود في "يوميات الحرب الإسرائيلية اللبنانية، 2006"، بيروت: السفير ومركز المعلومات العربي، 2006، باللغة العربية، ص 267.

191  "قال مسؤول من حزب الله لمنظمة العفو الدولية إن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها يبلغ قرابة 8000 صاروخ"، العفو الدولية: “Under Fire: Hezbullah’s Attacks on Northern Israel,” AI Index: MDE 02/025/2006 14 سبتمبر/أيلول 2006 ، هامش 4، على: http://web.amnesty.org/library/Index/ENGMDE020252006?open&of=ENG-366 (تم الاطلاع عليه 15 مارس/آذار 2007).

192  النص الإنجليزي لهذا الخطاب على: http://www.aimislam.com/forums/index.php?showtopic=457&st=40 (تم الاطلاع عليه 15 مارس/آذار 2007).

194  مقابلة هيومن رايتس ووتش، القدس، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2006.

195  هذا التفاهم، المذكور أدناه في فصل "الخلفية التاريخية لنزاع 2006 المسلح"، يتضمن من بين أشياء أخرى، الاتفاق على تجنيب المدنيين الهجمات.

196  ترجمة مركز إعلام الشرق الأوسط، على: http://www.memritv.org/Transcript.asp?P1=1234 (تم الاطلاع عليه 4 يونيو/حزيران 2007).

197  انظر: “Hezbollah chief vows to strike Israeli ‘cities’in 29 July speech,” BBC Monitoring Middle East, 30 يوليو/تموز 2006

198  أعلن نصر الله على سبيل المثال، في قناة المنار، في 26 يوليو/تموز:

نحن لسنا جيشا كلاسيكيا، لا نشكل خطاً دفاعياً كلاسيكياً. نحن نقاتل بطريقة حرب العصابات. الكل يعرف أسلوب القتال. المهم في المعركة البرية ما نلحق بالعدو الاسرائيلي من خسائر. وأقول لكم أياً يكن التوغل البري الذي يمكن أن ينجزه العدو الاسرائيلي وهو يملك قوات كبيرة على هذا الصعيد، إلا ان هدف هذا التوغل لن يتحقق وهو منع قصف المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. هذا القصف سيستمر أياً يكن التوغل البري والاحتلال الجديد. ان احتلال أي شبر من أرضنا اللبنانية سيكون وازعاً ودافعاً إضافياً لاستمرار المقاومة ولتصاعد المقاومة. ان مجيء جيش الصهاينة الى أرضنا سيمكننا أكثر من أن ننال منه، من جنوده وضباطه ودباباته، سوف يعطينا فرصة أوسع وأكبر في الاشتباك المباشر ولاستنزاف قوات هذا العدو بدلا من أن يبقى مختبئا خلف حصونه عند الحدود الدولية ومكتفيا بسلاح جوّه القوي في دك القرى والبلدات وقتل الاطفال والنساء المدنيين. في المواجهة ستكون يدنا هي العليا، المعيار في المواجهة البرية هو ما نلحقه من استنزاف له وليس ما سيبقى في أيدينا من أرض أو ما يخرج من أيدينا من أرض لأننا لا نقاتل بطريقة نظامية. أي أرض يحتلها العدو سنستعيدها بالتأكيد بعد ان نلحق بهذا العدو كل الخسائر.

تمت الترجمة إلى الإنجليزية في هيومن رايتس ووتش، وتوجد ترجمة إنجليزية أخرى على:  http://memri.org/bin/articles.cgi?Page=countries&Area=syria&ID=SP121406 (تم الاطلاع عليه في 30 مايو/أيار 2007).

200  "نصر الله: نحن مستعدون للهجوم البري" صحيفة النهار، 17 يوليو/تموز 2006.

201  قال رئيس شرطة حيفا نير ميري إيش إن الصاروخ الذي سقط في 13 يوليو/تموز كان صاروخ عيار 122 مم محسن المجال. مقابلة هيومن رايتس ووتش، حيفا، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2006.

202  يعرف حزب الله بعض البلدات الواقعة داخل دولة إسرائيل – بعيداً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة – على أنها "مستوطنات"

203  الترجمة الإنجليزية لهذا البيان على: http://www.groupsrv.com/religion/about196180.html (تم الاطلاع عليه في 29 مايو/أيار 2007).

204  الترجمة الإنجليزية لهذا الخطاب على: http://www.aimislam.com/forums/index.php?showtopic=457&st=40 (تم الاطلاع عليه 1 مايو/أيار 2007).

205  انظر على سبيل المثال: Jonathan Cook, “Hypocrisy and the Clamor against Hizbullah,” Counterpunch, 9 أغسطس/أب 2006، على: http://www.counterpunch.org/cook08092006.html (تم الاطلاع عليه 29 مايو/أيار 2007). لم يتمكن حزب الله، مثلما فعل جيش الدفاع الإسرائيلي في لبنان، من إسقاط منشورات من الطائرات على البلدات الإسرائيلية لحث المدنيين على الفرار قبل شن هجمات عسكرية. لكن البث الإذاعي والتلفزيوني نقلا تصريحات حزب الله للمشاهدين في إسرائيل، سواء بشكل مباشر، أو بواسطة الإعلام الإسرائيلي الذي نقل فحواها بالعبرية وغيرها من اللغات.

206  انظر البروتوكول الأول، مادة (ج)57.2

207  انظر البروتوكول الأول، مادة 51.2 ومثل هذا التهديد قام به نصر الله في خطابه في 3 أغسطس/أب، إذ هدد بتفجير عاصمة إسرائيل، تل أبيب، إذا تم قصف العاصمة بيروت. والنص الإنجليزي متوافر على: http://www.informationclearinghouse.info/article14470.htm (تم الاطلاع عليه 1 مايو/أيار 2007).

208  النص الإنجليزي للكلمة على: http://www.informationclearinghouse.info/article14470.htm (تم الاطلاع عليه في 1 مايو/أيار 2007).

209  انظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر: القانون الدولي الإنساني العرفي، (كامبريدج يونفرستي بريس، 2005)، صفحة 513.

210  انظر البروتوكول الأول مادة 51.6: "تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين".

211  مقابلة، بيروت، 20 أكتوبر/تشرين الأول 1993. مقتبس من: Human Rights Watch, Civilian Pawns: Laws of War Violations and the Use of Weapons on the Israel-Lebanon Border مايو/أيار 1996، على: http://hrw.org/reports/1996/Israel.htm#P902_269733

212  مقابلة هيومن رايتس ووتش، بيروت، 1 يوليو/تموز 2006.

213  المرجع السابق. كما ذكرنا أعلاه، نقدم هذه التعليقات لتوضيح تطور خطاب حزب الله مع مرور الزمن، وليس لتأكيد صحته.

214  انظر: Na`im Qassem, Hizbullah: The Story from Within (London: Saqi Books, 2005)، صفحة 74.