United Arab Emirates



United Arab Emirates United Arab Emirates
  

I. الملخص

تعد دبي بمبانيها الحديثة المتألقة التي تطاول عنان السماء، وما تعج به من المنتجعات الفخمة والعقارات الراقية، أبلغ دليل وأصدق شاهد على النهضة الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة1. وبينما تشهد الإمارات واحدة من أكبر الطفرات العمرانية في العالم، يكدح ما لا يقل عن نصف مليون عامل مهاجر في قطاع البناء والعمران في هذا البلد؛ وخلف هذا البريق والتألق والنعيم، تطل صورة قاتمة غير جذابة ترسم معالمها المحن والتجارب التي يقاسيها هؤلاء العمال المهاجرون – من الاستغلال والتحكم في الأجور والمديونية لأصحاب مكاتب التوظيف من عديمي المصداقية، والعمل في ظروف محفوفة بالمخاطر يمكن أن تودي حتى بحياة العمال. ولئن كان قانون العمل الاتحادي لدولة الإمارات يشتمل على عدد من ضمانات الحماية، فإن هذه  الضمانات لا توضع موضع التنفيذ فيما يتعلق بالعمال المهاجرين في الأغلب والأعم.

وفي هذا التقرير، تتناول هيومن رايتس ووتش ما يكابده عمال البناء المهاجرون من أوضاع تنتهك حقوقهم، وبخاصة استغلال أصحاب العمل لهم، وتقاعس الحكومة الاتحادية عن التصدي لهذه الانتهاكات. ومن خلال مقابلاتنا مع العمال، والمسئولين الحكوميين، وممثلي السفارات الأجنبية، فضلاً عن استقصاء تقارير وسائل الإعلام في المطبوعات الإخبارية والمهنية، نسلط الضوء على أهم القضايا التي تثير قلق عمال البناء، وهي: الانخفاض الشديد للأجور، وحجبها عن العمال لمدة شهرين على الأقل، ولجوء أرباب العمل لمصادرة جوازات سفرهم "كضمان" لمنعهم من ترك العمل. وبعد أن تتراكم على العمال الديون الباهظة المستحقة لمكاتب التشغيل في أوطانهم، لتغطية نفقات التأشيرات والسفر، يجد العمال أنفسهم مضطرين اضطراراً للبقاء في وظائفهم، بالرغم من انخفاض الأجور، بل وتأخر صرفها مدة طويلة في بعض الأحيان.

وعلاوة على ذلك، فإن العمال يقومون بعمل محفوف بالمخاطر، وهو بناء المباني المرتفعة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة والموت بينهم فيما يبدو، في غياب أي ضمان يُذكر بأن يتكفل صاحب العمل بنفقات الرعاية الصحية اللازمة لهم. ويعد نقص الإحصائيات الشاملة والموثوق بها، بما في ذلك تقاعس السلطات عن التحقق من التزام الشركات بالإبلاغ عن الوفيات والإصابات، كما يقتضي القانون، مؤشراً على القصور الكامل للهيئات المنوط بها التحقيق في الممارسات العمالية. ولقد علمت هيومن رايتس ووتش أن ثمة 140 مفتشاً حكومياً يتولون الإشراف على الممارسات العمالية لأكثر من 240 ألف شركة تستخدم عمالاً مهاجرين. والأمر الأدعى إلى القلق هو أن نقص هذا الإشراف قد ينطوي على غياب التطبيق الملائم لمعايير الصحة والسلامة، مما قد يكون السبب المباشر للوفيات والإصابات التي تقع في صفوف العمال.

ويشكل الأجانب 95 في المائة من القوى العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي عام 2005 بلغ عدد العمال المهاجرين في البلاد 2,738,000 عامل. والغالبية العظمى من العمال المهاجرين الذين يقومون بأعمال البناء، والذين يشكلون نحو 20 % من العمال المهاجرين، هم من بلدان جنوب آسيا، ومن بينهم كثرة من الأميين ومن سكان المجتمعات الريفية الفقيرة.

وتسري أحكام قانون العمل الاتحادي في الإمارات على مواطني الإمارات والعمال المهاجرين على السواء؛ بيد أن الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات تخلت بصورة شبه كاملة عن مسؤوليتها في حماية حقوق العمال من خلال التحقيق في أي سلوك مجحف أو غير قانوني يمارسه أرباب العمل تجاه عمال البناء، وإقامة الدعوى القضائية على المخالفين، وإنصاف المتضررين أو تعويضهم.  وقد تقاعست الحكومة عن تنفيذ قانون صدر عام 1980، يستوجب منها الالتزام بحد أدنى من الأجور، الأمر الذي يظهر بجلاء أن الحكومة تؤثر مراعاة مصالح شركات البناء التي تتمتع بنفوذ قوي عموماً، وتحقق أرباحاً طائلة، على حماية أبسط الحقوق الأساسية للعامل المهاجر الذي يتلقى في المتوسط أجراً شهرياً لا يتجاوز 175 دولاراً مقابل عمله في موقع البناء،  وهو أجر يتباين تبايناً صارخاً مع متوسط دخل الفرد في دولة الإمارات الذي يبلغ 2,106 دولاراً شهرياً.

وعلاوة على هذا، فقد رفضت الحكومة السماح للعاملين بتنظيم نقابات عمالية، وبالتفاوض الجماعي مع أرباب العمل (وهو نقص يزيد من وطأته أن الحكومة تعوق تنمية قطاع المجتمع المدني الذي يمكنه رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتسليط الضوء عليها، بما في ذلك انتهاكات حقوق العمال). وفي مارس/آذار 2006، أعلنت وزارة العمل اعتزامها إصدار قانون يجيز إنشاء نقابات العمال والتفاوض الجماعي قبل نهاية عام 2006، ولكن حتى مطلع أكتوبر/تشرين الأول لم تكن الحكومة قد نشرت أي تفاصيل عن هذا القانون أو أي آليات مقترحة لتنفيذه. بل إن وزارة العمل عمدت عوضاً عن ذلك إلى إصدار قرار في سبتمبر/أيلول يحظر تشغيل العمال المهاجرين المضربين عن العمل في أي أعمال أخرى في البلاد لمدة لا تقل عن عام (وقد سبق للحكومة أن رحلت بعض العمال من البلاد للاشتباه في مشاركتهم في تنظيم إضرابات عدة مرات قبل صدور هذا القرار).

والواقع أن محنة عمال البناء المهاجرين تبدأ في أوطانهم، حيث يضطرون لدفع رسوم طائلة لوكالات التشغيل المحلية (تتراوح بين 2000 و3000 دولار) لاستصدار عقود العمل، والحصول على تأشيرات العمل في الإمارات العربية المتحدة، وشراء تذاكر الطيران. وقد جرت العادة أن يقترض العمال، إما من وكالات التوظيف مباشرة أو من طرف ثالث، لتسديد هذه الرسوم؛ ويصبح الشغل الشاغل لهؤلاء العمال هو سداد الأقساط الشهرية للديون، فيضطرون لتخصيص الشطر الأكبر من أجورهم خلال العامين الأولين من التعاقد لخدمة الديون. وعندما تحتجز شركات البناء راتب العامل عن أول شهرين على الفور – وهو أمر بات من الشيوع فيما يبدو بحيث أصبح يوصف بـ"العرف" المعمول به – فإن العامل يجد نفسه مضطراً للتأخر في سداد الدين الذين يثقل كاهله، وتبدأ النفقات الإضافية في التراكم. ويستمر العمال في تأدية عملهم حتى بالرغم من تخلف أرباب العمل عن سداد أجورهم لفترات أطول بكثير؛ ولا مناص لهم من ذلك، فالبديل الوحيد المتاح أمامهم في الواقع الفعلي هو ترك عملهم وشد الرحال لأوطانهم بدون سداد ديونهم.

وقال جميع عمال البناء الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش من أجل إعداد هذا التقرير إن أصحاب العمل صادروا جوازات سفرهم لدى وصولهم إلى الإمارات، وهو ما وصفه العمال أيضاً بـ"عرف" درج عليه أصحاب العمل في دولة الإمارات تحسباً لفرار العمال المهاجرين وتركهم العمل. ورغم أن المحاكم الإماراتية قضت بأن مصادرة رب العمل لجواز سفر العامل إجراء غير قانوني، فما برح أصحاب العمل يمارسون هذه الإجراء بمطلق الحرية، ودون أدنى خوف من أن تسعى الحكومة لتنفيذ القانون.

 وفي الوقت ذاته، فإن عمال البناء يواجهون بعضاً من أخطر ظروف العمل في البلاد، ويعد معدل الوفيات والإصابات التي تقع في صفوف عمال البناء المهاجرين من الجوانب التي تبعث على أشد القلق والانزعاج فيما يتعلق بقطاع البناء بالإمارات، وإن كان هذا الجانب لم يتم توثيقه كما ينبغي حيث تتباين الأرقام الواردة من المصادر الحكومية والخاصة بشأن معدلات الوفيات والإصابات. فوفقاً للأرقام الحكومية المتوفرة بشأن دبي، لقي 34 من عمال البناء حتفهم في مواقع عملهم عام 2004، و39 عام 2005، ولكن استناداً للأرقام المنبثقة عن تحقيق مستقل أجرته إحدى المطبوعات المحلية المتخصصة بشؤون الأعمال، فيبدو أن عدد الوفيات في مواقع العمل التي وقعت بين العمال الهنود وحدهم عام 2004 كانت بالتأكيد أعلى بكثير من العدد المسجل للعمال من جميع الجنسيات في دبي، وقدره 34. وقلة عدد شركات البناء الملتزمة بما يقضي به القانون من ضرورة إبلاغ الحكومة بحالات الوفاة والإصابة التي تقع في مكان العمل ترجح بقوة أن قطاع البناء يسعى للتستر على المدى الحقيقي لهذه الحالات، وهو زعم تناقله عدد من التقارير الإعلامية.

وفي معظم المناطق الأخرى، إذا ما وجد أي عامل نفسه يواجه ظروفاً محفوفة بالمخاطر في محل العمل، ولا يتلقى أجره على ما يؤديه من عمل، في بلد يأخذ باقتصاد السوق الحرة ويعاني من نقص شديد في العمالة، فبمقدوره أن ينتقل إلى وظيفة أخرى؛ غير أن هذا الخيار ليس متاحاً لعمال البناء المهاجرين في دولة الإمارات الذين يجري التعاقد معهم للعمل مع صاحب عمل واحد فقط؛ ولا يحق لأي عامل الانتقال إلى صاحب عمل آخر إلا بعد مضي عامين من العمل مع صاحب العمل الحالي، والحصول على موافقة هذا الأخير.

ولم تفعل الحكومة الاتحادية شيئاً ذا بال بشأن أي جانب من جوانب ظروف العمل السيئة التي يواجهها عمال البناء في الإمارات؛ فقد تقاعست عن وضع آليات كافية للتحقيق فيما يقع من انتهاكات لقوانينها، أو ملاحقة مرتكبيها، أو معاقبتهم، أو معالجة هذه الانتهاكات وإنصاف المتضررين منها. وبعد أن حرصت الحكومة، مثلاً، على إصدار قانون يحظر على كل من وكالات التوظيف المحلية وأصحاب العمل المحليين فرض أي رسوم على العاملين تتعلق بإجراءات استخدامهم أو توظيفهم، فإنها بعد ذلك لم تبذل أي جهد يذكر لمعاقبة وكالات التوظيف التي تواصل فرض هذه الرسوم، أو أصحاب العمل المتواطئين معها في ذلك، ولم تتخذ أي إجراء لوضع حد لأساليب الالتفاف على القانون التي يمارسها أصحاب العمل الإماراتيون ووكالات التوظيف الإماراتية التي تكلف وكالات التوظيف في بلدان العمال الأصلية بفرض رسوم عليهم "بالوكالة"؛ كما أن الجهود التي بذلتها الحكومة الاتحادية لمنع أصحاب العمل من عدم سداد أجور العاملين كانت متقطعة وغير منتظمة في أحسن الفروض.

ورغم أنه من حق العمال المتظلمين السعي لطلب جلسة استماع أمام وزارة العمل، التي تفصل في النزاعات وتحيل القضايا التي يتعذر البت فيها إلى القضاء، فإن خيار التحكيم لا يزال محدوداً للغاية. والواقع أن بعض المسئولين الحكوميين، ومن بينهم وزير العمل، قد انتقدوا هم أنفسهم إجراءات التحكيم باعتبارها قاصرة وبحاجة ماسة للإصلاح. واتُّهم بعض أعضاء هيئة التحكيم التابعين للوزارة بحماية مصالح شركات البناء بدلاً من تنفيذ أحكام قانون العمل على نحو يتسم بالعدل والإنصاف. والظاهر أن الوزارة لا تحتفظ بمعلومات شاملة (بما في ذلك الإحصائيات) عن قضايا التحكيم التي تفصل فيها.

أما اللجوء إلى القضاء فقد تبين أنه هو الآخر محدود الفائدة للعاملين؛ فمن الناحية النظرية، ينص قانون العمل الإماراتي على عقوبات على أي انتهاك لأحكامه، بما في ذلك عدم سداد أجور العاملين، ولكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من توثيق ولو حالة واحدة تم فيها توقيع عقوبة ما على أحد أصحاب العمل، سواء الحبس أم الغرامات المالية، بسبب تخلفه عن سداد أجور العاملين لديه. بل حتى العمال الذين نجحوا في استصدار أحكام قضائية ضد أصحاب العمل عجزوا عن تنفيذ هذه الأحكام لاستعادة رواتبهم، فضلاً عن توقيع عقوبة الغرامة أو الحبس على صاحب العمل.

وقد بذلت الحكومات الفردية للإمارات بعض المحاولات للتصدي للمشاكل التي يواجهها العمال المهاجرون على أراضيها؛ ففي عام 2005، وفي أعقاب تصاعد الإضطرابات العمالية خلال العامين السابقين، أنشأت حكومة دبي هيئتين هما "اللجنة الدائمة لشؤون العمال"، وإدارة لحقوق الإنسان في شرطة دبي، للفصل في النزاعات الناشئة بين العمال وأصحاب العمل؛ ومنذ إنشائهما نظرت هاتان الهيئتان في عشرات الآلاف من النزاعات العمالية، وقامتا بدور هام في تحصيل الأجور غير المدفوعة. ومنذ عهد قريب، أصدرت حكومة أبو ظبي قانوناً يفرض على جميع الشركات توفير تأمين صحي خاص لموظفيها. ولكن هذه التدابير العلاجية التي تتخذ لغرض خاص لا تصلح بديلاً لتدابير الإنصاف والتعويض التي ينبغي أن تطبقها الهيئات الاتحادية في طول البلاد وعرضها.

ولا بد للحكومة الاتحادية من الأخذ بزمام السبق في علاج المشكلات التي تواجه عمال البناء المهاجرون؛ ويجب عليها المبادرة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيما يقاسونه من انتهاكات. ويجب على الحكومة منع الشركات الإماراتية من التعامل مع وكالات التوظيف التي تفرض رسوماً على العمال ضاربة عرض الحائط بالحظر المفروض على ذلك؛ كما يجب اتخاذ إجراءات صارمة لملاحقة المخالفين لقانون العمل الإماراتي وتقديمهم للقضاء، وتوقيع عقوبات مجدية عليهم، وتطبيق الحد الأدنى من الأجور الذي ينص عليه قانون العمل. وينبغي تحسين عملية جمع البيانات عن العمال المهاجرين، وزيادة القدرة على القيام بأعمال التفتيش على منشآت العمل إلى حد كبير. ويجب على الحكومة الإماراتية المصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق العمال والعمال المهاجرين.

ويجب أن تنهض الحكومات الأجنبية بدورها في ضمان احترام حقوق عمال البناء المهاجرين في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ فاقتصاديات البلدان الأصلية التي ينتمي إليها هؤلاء العمال تستفيد استفادة هائلة من تحويلات العمال المغتربين في الإمارات، ولحكومات بلدان هؤلاء العمال مصلحة كبيرة في التحقق من حصولهم على تعويضات ومعاملتهم بإنصاف. ويجب عليها اتخاذ إجراءات صارمة ضد وكالات التوظيف المحلية التي تفرض على العمال رسوماً مقابل تشغيلهم في الإمارات، كما ينبغي عليها أن تحرم فرض أي رسوم من هذا القبيل على الإطلاق. ويجب على السفارات الأجنبية في الإمارات المبادرة ببذل المساعي اللازمة لتلبية احتياجات المغتربين، وتقديم النصح والمشورة والمساعدة لهم إذا واجهوا أي صعوبات من جانب أصحاب العمل.

كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا أمامها الآن فرصة هامة لحث الإمارات على تدارك تقاعسها في حماية حقوق العمال، من خلال المفاوضات المتعلقة باتفاقيات التجارة الحرة مع الإمارات؛ وأقل ما يجب عليها أن تفعله هو أن تجعل أي اتفاق مرهوناً بإصلاح قانون العمل الإماراتي بحيث يسمح للعمال صراحةً بتشكيل نقابات عمالية، والتفاوض الجماعي مع أصحاب العمل، وإرساء الضمانات الكفيلة بحماية هذه الحقوق بالقدر الكافي. كما يجب عليها أن تشترط على الإمارات، قبل إبرام أي اتفاقية للتجارة الحرة معها، اعتماد التدابير الضرورية للتنفيذ الفعلي لقانون العمل الإماراتي، بما في ذلك زيادة عدد مفتشي العمل إلى حد كبير، والتدليل على فاعلية هذه الإجراءات ببيانات محددة عما تقوم به الحكومة من أنشطة لتنفيذ قانون العمل.




1  دولة الإمارات العربية المتحدة هي اتحاد يضم سبع إمارات، هي: أبو ظبي، وعجمان، والفجيرة، ودبي، ورأس الخيمة، والشارقة، وأم القيوين.