Iraq



Iraq Iraq
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >>

VII. شروط التسجيل التي تفرضها وزارة الداخلية العراقية،
 والمضايقات الرسمية للفلسطينيين

التعذيب و"الاختفاءات"

اشتكى معظم الفلسطينيين العراقيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش من أن وزارة الداخلية العراقية تمارس التمييز بحقهم فتنتقص من حقوقهم الإنسانية الأساسية. ويتراوح سوء المعاملة الذي يلقونه على أيدي موظفي الداخلية من استخدام لغة مسيئة عند ذهابهم لتسجيل إقامتهم إلى استهدافهم بالتعذيب. ويعزو الفلسطينيون ذلك إلى كون الوزارة واقعة تحت نفوذ الفصائل السياسية الشيعية. وقال البعض أن معاناتهم مع الوزارة ازدادت سوءاً بعد تولي حكومة الجعفري عقب الانتخابات الانتقالية في يناير كانون الثاني 2005.

ففي 15 مايو/أيار 2005 على سبيل المثال، أغارت "فرقة الذئب" سيئة الصيت، وهي وحدةٌ شبه عسكرية تابعة لوزارة الداخلية، على بنايات الفلسطينيين بحي البلديات فاعتقلت أربعةً منهم كان من بينهم ثلاثة أشقاء، وادعت أنهم إرهابيون. وطبقاً لمحامي المعتقلين الأربعة، قامت "فرقة الذئب"، بتعذيب هؤلاء الرجال على نحوٍ منتظم 27 يوماً، وكانت تحتجزهم في مقرها العائد لوزارة الداخلية: "كانوا يضربونهم بالكابلات الكهربائية ويعرضونهم لصدماتٍ كهربائية في أيديهم ومعاصمهم وأصابعهم وأقدامهم وكعوبهم، ويحرقون وجوههم بالسجائر، ويزجون بهم في غرفةٍ يغمر الماء أرضها ثم يصلون الماء بالتيار الكهربائي".73

وتحدث عبد الله عمر (اسم مستعار)، وهو فلسطيني يسكن في قريةٍ بمنطقة المدائن ببغداد، كيف اعتقله رجال الأمن العراقيون في الثانية من صباح 27 مارس/آذار 2005. ووصف كيف جاء رجال الأمن إلى القرية يحملون قائمةً بأسماء من يريدون اعتقالهم، لكنهم اعتقلوه هو أيضاً بعد أن شاهدوا ثبوتياته الشخصية. وقال أنهم احتجزوه 68 يوماً في قاعدة الكوت العسكرية جنوب بغداد حيث ظل مقيد اليدين معصوب العينين على الدوام باستثناء أوقات الوجبات والذهاب إلى المرحاض. ومن بين 120 محتجزاً في القاعدة، كان عبد الله هدفاً خاصاً لسوء المعاملة: "كانوا يعاملونني بأسوأ من غيري لأنني فلسطيني. وكلما كانوا يدخلون إلى الغرفة كانوا يقولون: ’أين الفلسطيني؟‘ ثم يضربونني". وقال عبد الله عمر أنهم كانوا ضربوه مرات كثيرة على أسفل قدميه وعلى ظهره، كما عذبوه بوضع الكهرباء على قضيبه عدة مرات.74

وقال الفلسطينيون الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش أن كثيراً من أبناء جلدتهم "اختفوا" بعد أن اعتقلتهم قوات الأمن العراقية. وفي حالةٍ وثّقتها المنظمة، تحدث ابنٌ عن اعتقال قوات الحرس الوطني العراقي لوالده شهدا عبد الله سليم أبو خوصة، البالغ 75 عاماً من منزله الكائن بمشروع خالصة الوحدة السكني ببغداد. كما اعتقلوا معه واحداً من أبنائه، وذلك يوم 27 أبريل/نيسان 2005. وعندما ذهب بعض الأقارب للبحث عن الرجلين المفقودين في قاعدة الكوت العسكرية، أكد أحد ضباط الحرس الوطني اعتقالهم قائلاً: "إننا نحتجزهم للاشتباه بهم. إنه تحقيق روتيني". وبعد أسبوعٍ من ذلك اتصل أحد ضباط الحرس الوطني من قاعدة الكوت بالأسرة قائلاً بأنهم يعذبون الأب و"عليكم مساعدته"؛ وهي محاولةٌ مكشوفة للحصول على فديةٍ من الأسرة. وبعد يومين، اتصل نفس الضابط قائلاً أنه سمع بأن شهدا قد مات في الحجز. وقد أطلق سراح الابن، لكن شهدا ظل مفقوداً لأكثر من عامٍ بعد اعتقاله دون أي خبر يؤكد موته في الحجز أو بقاءه على قيد الحياة. أما الابن الذي تحدث إلينا فقد فر من العراق بحثاً عن إجابة: "قررت الرحيل لأنني أريد أن أجعل من والدي قضيةً دولية. لا أستطيع الحصول على العدالة في العراق. وقضية والدي هي أهم قضيةٍ بالنسبة لي".75

الإجراءات المضنية لتسجيل اللاجئين الفلسطينيين

كان الفلسطينيون في ظل حكم صدام حسين يحصلون على الإقامة في العراق دون عقبات. وبعد سقوطه بدأت وزارة الداخلية التي تغير كادرها تعامل اللاجئين الفلسطينيين العراقيين بوصفهم أجانب غير مقيمين، وتطالبهم بالحصول على تصاريح الإقامة وتجديدها من خلال مديرية الإقامة. ومع أن كثيراً من البلدان تفرض إجراءات التسجيل هذه على الأجانب غير المقيمين، فإن هناك اعترافاً رسمياً بأن فلسطينيي العراق لاجئون، أي أشخاصٌ لا يستطيعون العودة إلى وطنهم ولا يجوز تعريضهم إلى احتمال الترحيل في أي لحظة. وقد شرح فلسطينيٌّ عراقي هذه المشكلة لهيومن رايتس ووتش:

عندما كنا في بغداد كنا نعاني مشاكل بشأن إقامتنا. كانت لدينا بطاقة إقامة في السابق. لكن، وبعد صدام، لم يعودوا يقبلون بنا كمقيمين. وصار علينا تجديد إقامتنا كل شهرين. علينا أن نذهب إلى مديرية الإقامة في بغداد [في مقر وزارة الداخلية]. وعلينا أن نحضر الأسرة كلها في كل مرة من كبيرها حتى الطفل الذي عمره يومٌ واحد. وتتفاوت مواقف الموظفين تجاهنا حسب أمزجتهم. فهم يقولون لنا أحياناً أن نراجعهم ثانيةً بعد أن نكون قد انتظرنا هناك. لا يكلف تجديد الإقامة مالاً، لكنه يكلف 7 دولار أمريكي لكل شخص عن كل يوم تأخير".76

إن هذه الشروط الجديدة المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين مرهقةٌ جداً. إذ يجب حضور جميع أفراد الأسرة إلى مديرية الإقامة كل شهر إلى ثلاثة أشهر من أجل تجديد تصريح الإقامة. وتضطر الأسر للانتظار فترات طويلة من أجل الحصول على التصاريح أو تجديدها. وهي تضطر أحياناً إلى الذهاب إلى المديرية يومياً لمدة أسبوعين قبل استلام التصريح. وقد تحدث الأشخاص الذين قابلناهم عن قيام موظفي مديرية الإقامة بتوجيه كلماتٍ مسيئة إلى الفلسطينيين، بل وبمصادرة وثائقهم الشخصية أحياناً، وهي الثبوتيات الوحيدة التي تشهد بأنهم لاجئون فلسطينيون. وحتى عندما يتمكن الفلسطيني من تجديد الإقامة، فإنها لا تكون صالحةً إلا لفترة تمتد من شهر إلى ثلاثة، مما يجعلهم يشرعون بمعاملة تجديدها ثانيةً فور الحصول عليها تقريباً.

ووصف محمد حسن، وهو فلسطيني عراقي في السادسة والعشرين ومتزوجٌ من أردنية وأبٌ لطفلين، كيف رفضت مديرية الإقامة تجديد تصريحه في أوائل 2006 لأنه لم يحضر ابنته البالغة شهراً واحداً من العمر. وقال أن الموظف سبّه وقال: "لماذا ما تزال هنا؟ لماذا لا تعود إلى فلسطين؟ أنتم مجموعةٌ من الإرهابيين، فلماذا تظلون هنا؟".77 وتحدثت نوال علي (58 عاماً) عن محاولتها تسجيل أسرتها في 15 يونيو/حزيران 2005. فقد ظلت مع أسرتها ثلاثة أيام تنتظر دورها من السابعة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر. وأخيراً حصلت على تصريح لمدة شهر واحد. وقالت: "المعاملة هناك سيئةٌ جداً. إنه مكانٌ مخيف". وبعد تجديد التصريح عدة مرات كفت نوال عن الذهاب إلى المديرية في أواخر عام 2005، فقد بات أطفالها خائفين جداً من الذهاب إليها.78 كما حاول شهاب أحمد طه الحصول إلى تصاريح إقامة لأسرته، لكنه كف عن المحاولة بعد عدة أسابيع: "ظللت أذهب إلى مديرية الإقامة مدة شهرٍ ونصف. وكانوا كل مرة يطلبون شيئاً جديداً: أن أحضر زوجتي، وأن أحضر أطفالي. لذلك كففت عن الذهاب للتسجيل".79

ويعتبر كثيرٍ من الفلسطينيين الذهاب إلى وزارة الداخلية مخاطرة كبيرةً بسبب موقفها المعادي من الفلسطينيين وما قيل عن تورطها في حوادث الاعتقال والتعذيب والقتل. وقال محمد سليم علي لهيومن رايتس ووتش: "ثمة شروطٌ للتسجيل الآن. وأنا لم أذهب إلى هناك لأنهم يعاملون الفلسطينيين معاملةً سيئة".80 وفي الآونة الأخيرة كف كثيرٌ من الفلسطينيين عن الذهاب لتجديد تصاريحهم بعد سريان إشاعات تقول أن مديرية الإقامة سوف تصادر أوراقهم وتصدر أوامر ترحيل بحقهم.81 ويبدو أن هناك أساساً لتك المخاوف؛ فقد قال لاجئٌ فلسطيني لهيومن رايتس ووتش أن مديرية الإقامة صادرت جميع وثائقه عندما ذهب لتجديد تصريح الإقامة وأصدرت مذكرة ترحيل بحقه. وقد نجح في تمديد إقامته واستعادة وثائقه بعد أيامٍ من مصادرتها، لكن ذلك لم يحصل إلا بعد رشوة موظفي المديرية.82

لا يقتصر التمييز وسوء المعاملة على وزارة الداخلية. فقد أظهرت وزارة الهجرة والمهجرين، وهي التي تقدم خدماتٍ هامة للأجانب القاطنين في العراق وللأشخاص المشردين داخلياً، عداءً خاصاً تجاه الفلسطينيين. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2005، عقدت وزيرة الهجرة والمهجرين سهيلة عبد الجعفر مؤتمراً صحفياً صرحت فيه أنها طالبت مجلس الوزراء ووزارة الداخلية بإعادة اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قالت: "يجب أن تبادر وزارة الداخلية إلى طرد الفلسطينيين الذين لجأوا إلى العراق ولا يحملون جنسيةً عراقية إلى أرضهم في غزة بعد أن انسحبت إسرائيل منها". كما صرحت أيضاً أن مطالبتها بطرد الفلسطينيين من العراق جاءت بعد تورطهم في الهجمات الإرهابية خلال العامين الماضيين؛ وهو اتهامٌ لم يقم دليل عليه.83

الثبوتيات الشخصية الفلسطينية تعرض سلامة حاملها للخطر

في أيام حكم صدام حسين، أصدرت للفلسطينيين وثائق زرقاء كتب عليها "الجمهورية العراقية: وثيقة سفر فلسطينية"، بدلاً من جوازات السفر العراقية الخضراء. وقد قال عدد كبير من الفلسطينيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أن كثيراً من الفلسطينيين استهدفوا لأنهم يحملون تلك الوثائق، وذلك لأنها سهلة التمييز عن جوازات سفر المواطنين. كما قالوا أن الميليشيات الشيعية، وخاصةً بعد تفجير سامراء، قتلت عدداً من الفلسطينيين بعد التعرف عليهم من وثائقهم.84 ويفسر محمد سليم علي، الذي فر إلى مخيم الرويشد عام 2003 ثم عاد إلى العراق عام 2004، سبب فراره من العراق ثانيةً، وذلك في مقابلته مع هيومن رايتس ووتش عند الحدود العراقية في أبريل/نيسان 2006:

غادرنا بغداد بسبب سوء الأوضاع فيها. فهم يقتلوننا عندما يعرفون أننا فلسطينيون. إنهم يشاهدون أوراقنا [وثيقة السفر الفلسطينية]، فيقتلوننا. لقد قتل 16 أو 18 فلسطينياً بهذه الطريقة، كما اعتقل أكثر من 100 فلسطيني ولم نحصل على أية معلومات عنهم. ويعيش الفلسطينيون في حي البلديات كمن يعيش في معسكر اعتقال؛ فلم نعد نستطيع الخروج من مبانينا.85

وقد قال أحد الفلسطينيين لهيومن رايتس ووتش أنه شعر بالسعادة لأن وثيقة السفر الفلسطينية سرقت منه:

من الأفضل بالنسبة لي أنني لم أعد أحمل تلك الوثيقة، فهي تسبب لي المتاعب. ويفضل معظم الفلسطينيين التنقل في أرجاء العراق دون وثائقهم الفلسطينية التي تثبت أنهم فلسطينيون فتعرضهم للخطر. وهم يحملون أحياناً وثائق شخصية عراقية مزورة كما يتكلمون بلهجةٍ عراقية لحماية أنفسهم.86

ويروي فلسطينيٌّ آخر كيف تعرض لمضايقة الشرطة العراقية بعد أن اكتشفت وثيقة السفر الفلسطينية التي يحملها:

ذات مرة كنت راكباً في سيارة جديدة مستوردة. وطلبت الشرطة أوراقي للتأكد من أنها نظامية. ثم رأى الشرطي بطاقتي الفلسطينية ففتشني من الرأس إلى القدم، وراح يقول أن الفلسطينيين إرهابيون. وأكد أنه يستطيع أن يفعل بي ما يشاء دون أن يهتم أحدٌ بذلك. فعرضت عليه رشوةً كي يدعني أمضي في سبيلي.87




73 منظمة العفو الدولية، "الخوف من التعذيب/المحاكمة غير المنصفة"، دليل منظمة العفو الدولية: MDE 14/042/2005؛ مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع المحامي الفلسطيني أحمد ماهر، 16 مايو/أيار 2006؛ مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع عامر، 8 – 9 مايو/أيار 2006؛ داو ستراك؛ "الفلسطينيون في العراق يدفعون ثمن كونهم ’رجال صدام‘"، واشنطن بوست، 30 ديسمبر/كانون الأول 2005.

74 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع عبد الله عمر، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

75 مقابلة هيومن رايتس ووتش (تم حجب الاسم)، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

76 مقابلة هيومن رايتس ووتش (تم حجب الاسم)، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

77 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد حسن، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

78 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نوال علي، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

79 مقابلة هيومن رايتس ووتش شهاب أحمد طه الحاج، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

80 مقابلة هيومن رايتس ووتش محمد سليم علي، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

81 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع أم عمر، 9 مايو/أيار 2006.

82 مقابلة هيومن رايتس ووتش عامر، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

83 إسراء سعدي ونجاح الركابي، "وزارة الهجرة والمهجرين تطالب بطرد الفلسطينيين من العراق"، المشرق (بغداد)، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2005.

84 مقابلة هيومن رايتس ووتش الحاج محمود حسين، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

85 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد سليم علي، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.

86 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رعد علي حسين، 11 مايو/أيار 2006.

87 مقابلة هيومن رايتس ووتش (تم حجب الاسم)، مخيم طريبيل، 30 أبريل/نيسان 2006.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة السابقة  >> September 2006